موعد مع الحب والبر
سميرة بيطام
لا تحرمني من ضمة إلى صدرك الحاني بعد طول فِراق، والدي.. كنت لي المثال والقدوة، فألزمني إليك لحين تهدأ مشاعري الحزينة، لا تبعدني عنك بعد اليوم، فيكفي أن حر القسوة مزَّق وِصالي بك إلى شطرين؛ شطر أخذني إلى حيث لم أكن أنتظر فراقًا، ولم أنتظر شجاعة ممن ثابر واجتهد وزرع فتنة شردت فكري بداية، ولحقت توابعه من طموح انطفأ فجأة؛ لأني كنت لا أفهم دواعي فراقي عنك، ولا سبب غضب الحاقدين، فكان منهم الوفاء كلمة مِن فِي شيطان أحمق، لطفًا اتركني أفيض بدمعي قبل أن أرفع رأسي لأنظر إلى ملامحك إن كانت قد تغيرت، أو ربما طبع التعب نقشه على مُحيَّاك، فندمت الندم الذي شجعني أن أحتويك في كبرك، لطفًا اسمع مني كلامي ونسيج لغتي، فقد صنعته من خيوط صبر طويل المدى، لطفًا ارقب حزن عيني، وإني سأتفاءل لقربك مني، وأخيرًا املأ مجلسي دفء الأبوة، وكف عني دلالي اللحظة، فالموقف أكبر بكثير من أن أبدو طفلة من شدة العذاب، رجاء انظر إلى لغتي، وصحح لي أخطاء وقعت فيها حينما انسكب كوب الشوق ولوَّن صفحاتي أسًى، ولطفًا أطلبه من قدير مثلك أن ترحم سكوني وصمتي؛ لأني لست أقدر على الكلام، وأكتفي بالنظر إليك طويلاً، فقد اشتقت لك بعد أن حُرمت منك سنوات بدت لي قرونًا خَلَت، لم أكن أعد الأيام؛ لأنها كانت تسرع في المضي أكثر من رمش عيني حرقة لفراقك، لطفًا تذكرني في أحلى لقطات بري بك، وألغِ عن فكرك كل ما قد يعكر صفو صورتي أمام عينيك، وتأكد أني لولا محبتي لك لما ابتعدت عنك، ولولا وصايا المقتدرين المتمسكين بك في أن أحافظ عليك لما قبلت الرهان، تأكد يا أبي أنه لم يحبك أحد مثلي؛ لأني أزن الكثير من الخطوب في ساحة كفاحي، فارحم تضحيتي ولو أنك لم تردها مني؛ لأني ضعيفة فوق كل الظنون، وصغيرة على قصر القامات، هي نظرتك وهو حبك لي دائمًا خوف يحدوه ترقب حذر من المستقبل، لكن هوِّن عليك فمَن حفظك حفظني أنا الأخرى، حيث بقينا نتواصل بشارات الروح الطيبة والأخلاق الرفيعة التي علمتَني إياها، وبطريقتك الخاصة من غير شرح ولا تفاصيل، فمثلما شققت مسيرتك كلها نضال أردتها كذلك لي لأكبَر بسرعة ومن غير اتكال على خلفيتك، صدقًا كنت رائعًا، وحقًّا كنت منصفًا، فقط تفهَّم بُعدي عنك أني أحببتك، وغير حبك لم أكن أرضى بأي مساومات؛ ولذلك ستظل غاليًا وموسومًا بشرف الأبوة.
لم يكن ميعاد لقائنا ليحين هكذا من غير مناسبة، حتى كتب الله لنا موعدًا ممتازًا من الإنجاز، هكذا هي سواعد المضحين لا تمل ولا تكل حتى تكمل مهمة الوفاء وعلى آخر نسق من البناء المتين، صف لي موازين أخرى إن كان لديك رأي آخر حول مسيرة الألم، أو اكتب لي كلمات أكف بها طمعي لأن أرقب جلسة شاي كالتي ألِفتها في أيام دلالي، صدقًا الحرمان صعب شراؤه، والصبر ثقيل تحمله، لكنها ضريبة الحياة السعيدة بالقرب من العلي القدير، فطريقه ينسيني باقي الطرق، والقرب منه يكفيني عن قرب البشر، لكنها طبيعة الإنسان بوصال من أحب، لسنا نغير طبيعة القرب والنسب، ولسنا نلغي صفقات الود والحنين من غير سبب واضح أو حجة دامغة، إذًا صف لي مدى حبك اليوم وعبِّر عنه وأنت على موعد مع الفرحة بل فرحتين: فرحة لقائي، وفرحة نجاحي، كريم أنت في مواقفك، وعظيم أنت في صمتك حين تُشِيد بإنجاز يسلي فيك انبهارًا بمن ربَّيت، ولي أن أكتب عنك أوصافًا ليست تنتهي حينما أُكرَّم مرة أخرى، لطفًا ضمني إليك أو ربت على كتفي؛ لأشعر أني ما زلت صغيرة في تلقي دروس الحياة منك، أو علمني كيف أن طيف الفشل ينجلي وحده إن أنا سموت فوق كل العراقيل، ولا تمزج أساك بفرحتي فلا يشعر أحدنا بالآخر، ازرع ابتسامة أقرأ فيها أملاً واعدًا، وأشبعني نظرة فيها الكثير من الإعجاب؛ لأكف عني عطش الفِراق، وسلم لي باقة الورود الجميلة؛ لأحس برقة مشاعري نحوك حينما تهنئني بتكريمك لي، وسأهديك أجمل وأحلى هدية؛ هي نجاحي، وأفسح لي المجال رحبًا؛ لأهمس في أذنك قائلة: أحبك أبي، بعد أن أطبع قُبلة على جبينك الشامخ.