حزن الصمت
سميرة بيطام
أوَيرقد الحق بالقرب من أقلامكم؟ أم إنه عصيان الإقرار منكم في أني بجمال روحي لكم في حرب المشاعر بصمت الجوارح أقوى من صمت الكلام؟
كفُّوا عني ملام العيون إذًا، لست أقوى على ترجمة نيتي لأكثر من لغة، فجُملي مرتّبة بصوت يُلهم العقل فهمًا وإدراكًا، فلمَ الإصرار على الصمت منكم؟ فهل وزْني من ذاك الثقل الكبير على أكتافِكم أني لا أسع العَبرات منكم وقت ما تريدون اللوم؟ لكل منا لغة التعبير عن الأحزان، وللعبرات ترجمة أخرى حينما يشتدُّ الألم، أم إنه واجب عليَّ أن أعرف وأفهَم وكفى؟ ولكن معرفتي لكم لا تَخدم فكري في شيء، خاصة من كان في بُعدٍ عن الله.
قيل لي يومًا ما: إن مَن يلتزم الصمت في طبعه من الكلام ليس دومًا تعبيرًا عن الرضا أو قلة الكلام، ولكن لأن خوفًا ما أو شكًّا يتغلغل إلى ذاك القلب في غير ثقة لمُواجهة الناس، فاسترسلتُ في طلب العفو من أهل الصمت، إني لا ألوم فيهم هذا الطبع الغامض بقدر ما ألومهم على عدم انشراح الصدور للخير والابتسامة المشعَّة مِن أفواههم المتفائلة دومًا، أن لا خطب في أجواء التواصُل، لأننا بشر، ومن عدم كمال الآدمية أننا لا نُدرك تمام الكمال فينا، فهو من صفات الله - عز وجل - فلمَ لا تُحيي فيَّ ذاك الإقبال مني أني أبغي تألقًا وإخلاصًا فيما بيني وبينكم بالتساوي؟ ثم هل يُترجَم التوادُد عندكم بلغة الصمت أنه ضعف؟
يا للهول من حَيرة عقلي حينما أفهم أن ضعف العقيدة ساكن في نفوسكم طويلاً، وهذا ما لا يمكن علاجه أو إصلاحه، حقًّا هي مهزلة العصر أن تكفُّوا الخير عنكم حينما يصل إلى أبواب منازلكم، ولمَّا لا يجد مُستقبِلاً له يعود أدراجه إلى حيث أهل الخير، ربما هم أناس لا أعرفهم، وعلى الفور من حقي ألا أحبس خيرًا أرسله ليَقف موقف السكون من غير أجر، كلا بل ألف كلا، لن يزيدني صمتكم إلا إصرارًا لزرع الخير في أهله وفي غير أهله؛ لأني لست أميِّز طبعًا عن آخر، فالمهم هو في فعل الإحسان وكفى.
لستُ أقرُّ هذه المرَّة أني متعبة منكم، بالعكس، أنا متجاوزة لحدودكم إلى ما فوق أو ما وراء خيالكم المحدود، عمدًا سأتجاوز هذه العراقيل؛ لأنها بالنسبة لي لا ولن تحظى مني بالاهتمام ولو لدقيقة واحدة؛ لأنها خارجة عن أصول الدين الحنيف، خاصة أني لا أجد لها سنَدًا لا من الكتاب ولا من السنة، إذًا أنا مَن سيَصمُت لأعمل بإتقان، وفي تناسٍ مني لكل صفات البخل منكم... حتى الابتسامة هي في حزن عليكم حينما لا تصل إلى القلوب الظمأى للرحمة والحنان، و لكن أهل الخير كُثر، وسفن الارتحال كثيرة في برمجة السفر تمخر الأمواج إصرارًا على وصول الأمانة إلى أهلها، أمانة الخير والرحمة، فهل ظننتم أن الخير يقف عند مواقف أرجلكم؟
سأتفحَّص مكامن الجمال بنفسي، أريد أن أطمئنَّ على فواصل الإحسان، وأحب أن أعيش الفرحة بتعبير مشاعري ومِن على مرأى أعيني؛ لأني سأمشي طويلاً من على رمال الشط، وسأترك الفرصة لقدميَّ أن يلامسها حنين البحر؛ لأن إبداعي ينطلق من هذه اللقطة الحانية في أن للطبيعة دفئًا كريمًا وسخيًّا ربما يُنافس دفء البشر الموسوم بالقليل أو القاسي، حتى في اندفاع موج البحر أغنية أخرى، أن ما كان من غضب الطبيعة هو سمفونية أخرى لإبداعي، إذًا لست أختار سكون البحر من هيجانه، بالعكس فكلاهما لي إلهام وأنا أكتب بقلمي، وكلي تركيز على موقع قدمي من كتل حبات الرمل المُبلَّلة، لست أشعر بالوقت كيف تمر لحظاته إلى أن أتخذ من الصخر مقعدًا لي وسط ركام الموج الصاخب.
هي لقطة الغروب تشدُّ انتباهي أكثر من أي وقت مضى من الإشراق، لأختم خاطرتي بقول: إن الدنيا بخير ما دام الإيمان يُعلِّمنا أنَّ مَن خُلق لا يضيع، ومن أبدع في الكون حتمًا كتب لكل شيء رزقه ومآله من الوجود.
سيَنتابني نوع من الحزن، ولكن في صمت؛ لأني على قدر ما أنتظر أملاً جديدًا من بعد الغروب بقدر ما أخشى على صحائف خواطري أن يُبلِّلها الموج في لقطة غفلة مني؛ لذا كان لزامًا أن أستوعب جيدًا أنه بقدر ما للشيء محاسن، له مساوئه، ولكن الحذر واجب لأغادر المكان بحزن الصمت أن لا شيء باق على حاله، فكلٌّ آيل للزوال ما عدا وجه الله تعالى، وعز وجل.