المخيرون لصناعة النجاح
سميرة بيطام
في مراتب العقلاء من ضحوا و كدوا و تعبوا لأجل نيل مراتب الرفعة لم يكن يحدوهم شك في عدم تحقيق النجاح أبدا ، بل كانت لديهم ثقافة حسية قوية تشعرهم أن الطريق مهما شق و صعب سيرافقه التيسير في بعض محطاته أن لم تكن في جلها ، فكان الذوبان في المتاعب و تحمل المشاق يصنع ارادة فولاذية و مبدأ راسخا في أذهان المكافحين و في شتى مجالات الحياة فلم يرضوا لرؤوسهم أن تطأطأ بثقلها استسلاما لذاك الضعف الموهن للقوى بل كانت تستقر بدواخلهم حياة أخرى أنعشت قلوبهم العامرة بالحب للحياة رغم مشاقها، لأنها لم تكن كحياة باقي البشر بل حياة تخللتها عبر و عبرات ، عبر في خلاصات تجارب أنها اكتسبت ملامحا اخرى للحياة و اعطت نفسا متجددا مع كل ارهاصة من ارهاصات الزمن الصعب ، وعلى الواجهة الأخرى من التحليل كانت عبرات تنزل من مقلتي العطشان بحثا عن الخلاص للفكاك من عقدة الضيق و الانسداد ، فلا تكاد المشكلة تحل الا و تزداد عسرا ما بعده عسر بظهور مشكلة أخرى ، فيرسل العقل شارة انذار أن ثمة خطر محدق بالكيان ككل ، فيضطرب القلب في أن ما لاقاه العقل من مشقة هو فعلا حاسة سادسة تنذر بضرورة أخذ الحذر و التأهب لأقصى درجة من ردة الفعل التي تبقى حابسة انطلاقتها للوقت المناسب ، اذ كلما كان التريث ممهورا بصيغة من الصمت و التخمين الجيد كلما كان تصويب الهدف أكثر قربا من عين المبتلى ، فلا يزداد في هذه اللحظات بل في هذه الفترة الا قربا من الله و أكثر احتسابا و توكلا ، و كلما ضاقت عليه ملامح حقيقة الموقف كلما ركن للسكوت و الحذر، لأنه لا يدري من يؤذي و من خطط أصلا لهذا الإيذاء ، فيرتقب اول الأدلة ظهورا في واقعه ليتخذ أول خطوة لازمة لرد الأذى ،لتليها خطوات أخرى متتالية كميكانيزمات الدفاع البشري لتحمي صاحبها قبل ان يقع فريسة الخسارة و ربما الضياع ، فدرجة الخطر لم تضبط بعد لكن كل الدلائل تشير الى أن ثمة خطر هو قريب جدا و لا بد من دراسة نوعه و مصدره و درجته..سميرة بيطام
كم أشعر بحالة يأس كبيرة ممزوجة بحب المغامرة حينما أحس بذاك الانسان الذي يجد نفسه وحيدا في ميدان التحدي في واجهة مشاكل ملفقة تهدد مستقبل عمله او دراسته و لا يجد الوقت الكافي ليسرد ما يشعر به من وحدة و خوف فيسارع لضبط عقارب ساعته على التوقيت الصحيح و يجب أن لا يخطئ في تتبع قضيته المصيرية لأنه لو أخطأ منذ البداية فحتما ستكون النهاية مؤسفة ، و يا أسفي لدلائل الشر حينما تعلن حربها على شذرات الخير و ليست تسكت عن مرادها الا و هي توقع أهل الاستقامة في شباك الهزيمة ، فهل بدى لهم الأمر سهلا للإيقاع باهل البصيرة في شباك الشر؟، ربما هم يريدون تجريب مكرهم ليسارعوا بعدها الى مكر آخر..و ما الضامن لهم بالنجاح؟.
في الحقيقة هذه المناورات و المشادات الصامتة التي ترسل منطق الحرب النفسية توحي للسالكين درب الخير انها حرب كبيرة و فيها الكثير من الهزيمة ، و تأتي نتائجها على حساب حزن طائفة أهل الخير و استسلامهم و سكوتهم في طلب القصاص، و لكن أهل الشر لا يعرفون حقيقة ما تخفيه سرائر أهل الورع و التقى ، اذ هي في الظاهر خلائق آدمية تثير الكثير من الفضول و حب اغتيالها بالموت الغير قاتل في مضمونه بل المكسر للأجنحة و المخل بالخطى ، فالموت المباشر لا يحترفه أهل الجبن ، بل يسلكون الحيل و المناورات كطريقة مخفية تغطيها نوايا و تطبقها أفعال سيئة و يسعون في تصميم منهم الى قلب موازين الحياة الهادئة و يحسبون لذلك حساب الوقيعة في الفشل ما عدا حساب واحد يجهلونه أو يتجاهلونه هو حساب التأييد من الله لأهل الارادة القوية المؤمنة بالله الواحد الأحد ،هنا تتدخل قوة خفية حانية لترأف و ترحم ما كيد لهم فينقذهم الله من السقوط في شباك الخديعة لأنهم أناس ناجحون في طريقهم و قد ضحوا بالعزيز عليهم لتحقيق هذا النجاح خاصة لما كان فيه العطاء للناس و لكل من يحتاج لمساعدة أو لمسة حانية أو سؤال لتفقد الحال ، هؤلاء الطيبون يحميهم الله من عنده و يكتب لهم النجاة بأقل الخسائر و يشعرون بعد انكشاف الغمام أنه كيد لهم و لكن الله نجاهم و حفظهم من السوء ، و ما مر عليهم من خوف و صبر و طول فرج لم يكن في مجمله الا ضريبة للنجاح أريد بها تنقيح بعد اصطفاء و تمييز بعد تجريب و تقديم بعد تأخر من الغير ، لأن فئة أخرى من الناس تختار لها حياة من غير صعاب و لا مشقة لتتنزه من السؤال أو طلب الحاجة ، هذا الغير يمل من تحمل المشقة و يتذمر من شعوره بالألم و يبقى يطالب بالراحة و الهناء بعيدا عن الضجر ، أما فئة المحتسبين و المكافحين و المجدين فهم من اختارهم الله لتمكينهم في الأرض ليستخلفنهم لأداء رسالة التغيير بانبعاث حضاري أكيد .
و ما عواصف المحن و الآلام الا ضريبة مثلها الحزن لفترة ما فتحقق المراد و هو تحقيق هدف النجاح للمخيرين فقط .