هوامش من الرداءة
سميرة بيطام
سميرة بيطام
أتحرى البطء الشديد ان مررت على عاصفة من غضب المظلوم أيا كان موقعه فمروري منوع بين هياكل و مؤسسات منوعة ، لأكتفي بالنظر الى تمرده و أسجل في ذاكرتي لقطات من فوضى نصرة الحق في مكان ما و على طاولة المفاوضات لو سمح الجمع الغفير من قادة الهيئات و المؤسسات و الجامعات و المستشفيات أن يرتبوا هيئاتهم و يقدموا استقالاتهم واحدا تلو الآخر حينما يتعلق الأمر بمسخرة و مضيعة للحقوق ، لكن الرداءة هي من تحكم و هي من تؤلم و هي من تصفع ، تبا لحضارة أوشكت أن تودي بنا الى الموت الفعلي حينما تقرر لنا الرداءة مقررات مستقبلنا ، و تبا مرة أخرى على صنف من بشر يعشق هذه الرداءة حتى أكسبته رياضة من نوع آخر حينما تشجع المشاعر في أن تموت و لا تحس و تمرن العقل أن يتغابى و لا يفهم و تدرب الأعضاء أن تسكت و تعمى و تتعطل ، يعني لا شيء أصبح يصلح في بني آدم هذا العصر ، يرحم الله عقولكم المركزة على أحرفي هل لنا من خلاصة تفصل في النزاع لو نشب في ركن من أركان مدرج المحاضرة البسيطة ؟ أو على طاولة التمريض لسمح الله و نشب النزاع بين الممرض و المريض ؟ ، فالنزاعات كالقنبلة الموقوتة لا يتوقع وقوعها و لا يعرف تاريخ نشوبها إلا و صوت التصارع يدوي عاليا و السبب تافه جدا أحيانا ، و هذا كله بسبب الرداءة التي تتغلغل بشكل كثيف لتعرج هي الأخرى على طاولة التلميذ الصغير الذي أصبح ينزعج لثقل المحفظة ،يعني التوتر في كل مكان و الملل في جميع الأركان و على جميع الأجناس من البشر ، و الويل لمن يزعج طلاب هذا العصر ،هم يحلمون في عالم السهل الممتنع الملغم بالصعب القاتل ، و لا يحتملون نصحا أو توجيها أو حبا لحضارة في مكان ما لأنهم واثقون جدا بالرداءة التي لن تتركهم يفهمون و يصححون و يقومون هم كذلك بالواجب .
صدقا خطواتي نحو هياكل انعدمت فيها الانسانية تجعلني أتوكل على الله و ابتسم لهول المشهد ففي تلك الابتسامة أمل ينام بثقل كبير و ينتظر الفرج و الخلاص و لكن بقول ان شاء الله خير اليوم و غدا ، و أمضي لألاحظ و أدقق و أحلل و استخلص، فكل المتشابهات من الرداءة واحدة و ما يرفع معنوياتي عجائز يرددن الحمد لله أو عبارة اللهم الطف ، فأشعر أن الخير لا يزال قائما بوجود هذه الفئة الهرمة و الصادقة و التي تدعو دائما بالخير ، بعد أن حكمت الرداءة بأحكامها فبنت الخالة من أهلها في مصلحة من المصالح الاستشفائية و بنت العم من صلبها على طاولة من طاولات المؤتمرات العلمية التي لم اعد أفهم صدقا ما يقال فيها ..هل تعرفون السبب؟..
هو ببساطة غياب الأخلاق ، فما من محضر أو مجلس أو اجتماع رفيع المستوى أو عادي في المستوى ان لم تستفتح الأخلاق بند الاستضافة فيه فهو عقيم ، الأخلاق هي ثقل من المكارم ووزن من المفاهيم و شعور متبادل بين البشر أن نصاب أي علاقة هو تفعيل القيم في أي ظاهرة من الفعاليات التي أضحت عقيمة المحتوى راكدة في المنتهى و صامتة في المبتغى حينما تخلت عن الصدق في برامجها و أهدافها ...
لذلك أوجه نداء راقيا المعنى أن يا ايها السادة المحترمون مهما كانت رتبة التسيير لديكم أكتبوا الأخلاق في أجندات أعمالكم و ارتقوا بها في ملتقيات أفكاركم و ذروا ما تدنى من سوء الخلق و اردعوا المخالف و المغاير فتلكم هي قمة الصرامة في استقامة الضمير ، فالمسؤولية التي أوكلت اليكم ليس معناها ترتيب مجلس على كراسي و أبهة في المرتبة و المظهر و فقط و انما هي بحث متواصل عن كيفية تفعيل الأخلاق بداخل كل من تخاطبون حتى لو كنا نحن الكتاب ، فلنا الشرف أن نبادلكم الفكرة و نوسع في خاطرنا لنحتضن العجز منكم و الذي سيكون يوما ما منا ، اذ أن المبدأ هو بتكاثف الجهود و ليس بانفرادية في المسؤولية ، و المبدأ أيضا هو في توجيه الطاقات الشبابية الوجهة الصحيحة لانجاز ما هو مطلوب ، اذ لم تعد الدولة دائما هي المسؤولة في أن تحتضن العجز و الكسل من أي فرد كان ، فكل شيء وفرته الدولة من هياكل و مؤسسات و مستلزمات ولكن أين انت أيها المواطن لتبني صرح بلدك و اين انت أيها المسؤول و المدير و الطبيب و المهندس و القاضي لتؤدي واجبك من النهضة التي أصبحت حتمية لا مفر منها ، بل دون القول كونها حتمية فهي واجب مقدس يجب على أي كائن حي يتفاعل على الأرض و هو في سيرورة مستمرة من الآداءات المنوعة مع الغير يجب أن يقوم بدور راق جدا بعيد عن الغوغائية و الفوضى و التواكل، لم يعد فيه تواكل و لم يعد فيه التحصيل السهل و البسيط بل أصبح اليوم رهان تحقيق النجاح في ميدان الحياة العصرية هذه و التي عودت نسق الفهم نحو أن نكون امعة و لا ندري و نحو أن نكون معتمدين على غيرنا في الانتاج و الانتاجية و مترصدين لفرص الحظ ، أي حظ و هل يوجد حظ في النجاح ؟؟ لا و الله ، فمن غير جد و كد لن يتم التحصيل الحاصل لما نريد..صدقا الواقع الحالي دقيق و مطلوب فيه العمل و الافاقة من أحلام وردية سلبت ارادة التحدي في كل المجالات ...
كانت هوامش من الرداءة و أخطرها على أي برنامج اصلاحي أن لا تقتنع العقول أنه لا بد من التغيير الآن و ليس غدا ، الغد و ليس العام المقبل ان حدث فيه تمنيات أخرى...فجميع الأمم حينما سطرت برامجا للتقدم تقدمت فعلا رغم الترصد الذي يتمنى أن يحبط برامجها لإفشالها لكنها مصممة على الاستمرار في حين تبقى دول القارة السمراء تترنح بين أن ترفع الراس و بين أن تبقيه مطأطأ ، ربما وصلنا الى نتيجة ان دعو الرداءة و شأنها قريبا يأتي من يطوع العصيان منها لتحل محلها حضارة الخلق و الفكر و الضمير...مسألة وقت فقط..
لن اقول هنيئا لمن عاند الرداءة بالعمل و الاجتهاد و لكني اقول :
اذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائر
