المنافسة الشريفة و أولويات التغيير
سميرة بيطام
كل كاتب له قلم و له أسلوبه في الكتابة و له رصيده من الأفكار و الأحاسيس و تصوراته للواقع و تخيلاته للحلول و المقترحات لأي قضية أو ازمة أو مشكلة يريد تناولها في الكتابة ، و كل مؤلف له نموذجه من رصيد الكتاب على شاكلة الرضى منه فلا يكتب إلا عن قناعة و لا يترجم رغباته إلا عن حب و لا ينقش الحروف إلا عن تصميم في ايصال فكرته للقارئ الكريم و بالأسلوب العادي.سميرة بيطام
و كل طبيب له طريقته الخاصة في علاج مريضه و لو أن العلم واحد و التقنيات واحدة و الدواء واحد فقط طريقة متابعة المريض تختلف من طبيب لآخر فحتى الجراح يملك فنا بين انامله في مشرطه و هو يترجم رغبته في تخليص مريضه من الألم باتباع قواعد
علمية صحيحة ركيزتها حفظ تركيبة كل عضو في جسم الانسان و موضعه و لكن انسانية الجراح تختلف درجتها من جراح لآخر ، فتجد واحدا يكتفي بإتمام العملية و لا يهمه النتيجة و تجد آخر يحرص ببراعة على ارضاء مريضه بمستوى عال من المتابعة و المساءلة عنه و هنا الأجر مضاعف و الانتباه متزايد ، فعلى قدر النية و التربية الصالحة للفرد و التكوين الجيد في التعلم و الاستمرار في التعلم و على قدر اخلاصه في العمل على قدر ما تكون النتائج ايجابية في أي ميدان .
أعود لأتكلم عن الكتابة ، و التي أرى فيها منافسة كبيرة دون التركيز على الرسالة النبيلة ،كما أشعر أن الوظيفة الكتابية بدأت تنحرف عن الأصل من الغاية فحينما نكتب عن أمتنا وويلاتها نبتغي من وراء ذلك ايقاظ الضمير و توعية العقل البشري المسلم أن خطرا محدقا يهددا أوطاننا و علينا أن نكون على قدر كبير من المسؤولية و على قدر كبير من الحفاظ على الأمانة ، لأن كل واحد منا مسؤول في مكانه و في موقعه و على مكتبه و في منزله و في شارعه و مع جيرانه و في مجتمعه ، فليس الغرض هو المنافسة الفوضوية بل الغرض هو احياء الضمير الميت و توعية العقل الساكت و النائم ، و الغرض أيضا هو أن نخلص لله أولا و قبل كل شيء فلا نكتب إلا بصدق و لا نراعي في ذلك من كتب قبلنا أو بعدنا ماذا كتب لننافسه أو نقلل من شأنه ، فالمهم هو صنع حضارة عظيمة تقود سفينة التغيير نحو الأفضل و الأجمل و لما لا نحو الأروع..
كثيرة هي خلافات المسلمين ليس بالسلاح فقط بل حتى في الوظيفة و الهواية و توجه الفكرة في أبسط معانيها ، فالمهندس الذي ينافس صديقه في بناء عمارة ليحوز اسم المتفوق من غير مراعاة شروط الاتقان يعتبر بمثابة الغشاش في مجتمع يريد و يبحث عن عملة الصدق ، و الطبيب الذي ينافس صديقه في أن يسمع اسمه عند أكبر عدد من المرضى و من غير مراعاة للصدق و الأمانة يعتبر بمثابة الغشاش و المتعامل بالرياء ، فليس العبرة بالتباهي أو التنافس بقدر ما هي في اخلاص النية مع الله عز وجل و محاسبة الضمير و النفس حيال كل وسوسة لشيطان يريد أن يفسد أعمالنا و يبث سم الفرقة فيما بيننا ، نحن مجتمع مسلم و يقر بوحدانية الله تعالى و الاخلاص لن يكون إلا لله تعالى من غير حاجة لأن يراقبنا مسؤول أو مدير أو حاكم ، نحن من نراقب أنفسنا و نقوم الاعوجاج فينا و نبدي دائما الاستعداد لتحدي الفساد و الرداءة و التبذير و الطيش و الهوى ...لأن الاسلام لا يداري و لا يضم هذه الأشياء بل يحاربها .
الاستقامة هي عملة الأوفياء و الانتظام هو رداء الاتقياء و الاخلاص هو رصيد المؤمنين حقا ، فان طلب مني أن أنصح أي كاتب أو مؤلف سأقول : لا تنافس في قلم و لكن نافس اللحظة في الكتابة الصادقة الموزونة ، أكتب عن الحقيقة لأن أوطانا أخرى تبكي دماء كثيرة و تندب جثثا عديدة ،و ان طلب مني ان أنصح طبيب سأقول : اخلص لله في سرية تامة و ازرع الأمل في قلوب اليائسين من الشفاء و ارحم ترحم ، فرفع المستوى بالتعاطي مع الواقع المر لنغيره الى واقع حلو أصبح حتمية لا مفر منها و لكن يجب أن نعمل بأدواتها الصحيحة ،لأن منهجية التغيير هي آداء رسالة الصدق و العمل لنهضة متجددة بالحب و الود و الاحترام المتبادل فيما بيننا بتكاثف في القوى و الجهود و سعة خاطر و جمال و اتقان صنع للبناءات و ايقاظ وهم العقول البشرية من الرضوخ لنزوات العولمة و ترتيب جيد للأخلاق نبثها حيثما تنقلنا و اينما وضعنا الرحال عبر سفريات نحو استطلاع المستخفي من الحقيقة ، فحتى لو وقع خلاف بيننا يجب أن ننسه في الغد لأن الانجازات العظيمة تعرقلها نزاعات تافهة و تقضي على أساسها أحقاد بالية و تذوب في عنفوان الضياع بسبب عدم التركيز في التفوق و الاهتمام بما يشتت و يزعج و يقلق.
المهمة صعبة و الرسالة ثقيلة و الطريق مليء بالصعاب فإما أن نتحد و نحب بعضنا بعض و نآثر بعضنا على بعض و اما أن ننتهي بتفاهة سلوكاتنا التي تعيدنا للوراء يوما بعد يوم ، في الوقت الذي تتقدم فيه الأمم الأخرى لتنهش من لحمنا و تكسر عظمنا و تجعلنا حيارى لا بوصلة لنا و لا قبلة واحدة نتحد فيها للصلاة...اذا المنافسة الغير شريفة ضياع و خسارة للقيم ، اما عن السرائر فلا نقاش فيها لأنه لا يعلمها إلا الله ..فان كان وقوفنا للصلاة هو للتوجه الى خالقنا ، يجب أن نتطهر من سلبياتنا و ننتظم بايجابياتنا..حتما الدعاء سيستجاب و الهم سينزاح و النصر سيحقق لبه فينا بنور الأمل و الاخلاص و الصدق...ما أصعبها من منافسة حقة و لكنها تصنع المستحيل ..حينما استحال على أمم كافرة ان تلغي الفساد في أبناءها و تدعي التفوق التكنولوجي و العلمي......اذا لا تقدم من غير اخلاق و لا أخلاق من غير فهم صحيح للدين الاسلامي لنا كمسلمين ..
رسالتي هي :
اذا كنت لا تتغير سيتم استبعادك من المنافسة ، اذا كنت لا تريد ان تتعلم اشياءا جديدة و لم تستطع أفكارك و عقليتك اللحاق بالوقت فسوف تنتهي بمرور الوقت ،سيظل الانسان ناجحا مادام يتعلم ، فإذا اعتقد أنه قد علم فقد حكم على نفسه بالفشل و المنافسة الغير شريفة هي نوع من الفشل...و لا شيء يضبط المنافسة الشريفة إلا تفعيل ألأخلاق و لا شيء يحقق التغيير ما لم يتغير كل واحد فينا من داخله و في موقعه و يدرأ عنه الكره و الحسد و الشر لأنها مفسدات التغيير ..ثم انت من تنتهي بالتدريج بسبب مرض قلبك..فاحرص على صحتك لأن الأمة بحاجة الى طاقتك الايجابية..بدل أن تضيعها في ظلم اخيك جورا و مضيعة للوقت ، فهو في كل الأحوال متفوق شئت أم ابيت لأنه مهتم بتغيير نفسه و ليس بظلمك انت او غيرك.