لا تكلف نفسك ما لا تقدر عليه
سميـــــــــــــــرة بيطـــــــــــــــــــــــــام
اخترت لي ريحانة ألف غصنها بأناملي التي انطبقت حرصًا على عطرها المنطلق من عمق اللون والشكل، اللذين سلبا مني اهتمامي حينما كنت أمشي في طريقي إلى حيث أردت أن أهدي باقة من رياحين أخرى إلى من أتقنت فن الإخلاص، ومنطلقي في هذا الوصال هو أن أعمالي أسنها لوجه الله بداية.
سكنني شعور غريب وأنا بعدُ لم أطرق باب مقصدي، شعرت بتراجع في الرأي والقرار، ومن ثم الخطى، فرجعت بخطواتي للوراء، وألغيت صفقة الميعاد بموعد كان فيه الكثير من التمني، لكنه الحزن بدا على ملامحي، وأنا بعد لم أكمل مشواري، فأطرقت رأسي في سؤال حيرني فيما إن كنا نضعف في مواقف الشجاعة، ونخال أنفسنا أننا نقدر على تحدي غير المستحب من الموقف بمجرد فكرة تطرق عقولنا.
سعدت بالأمرين معًا، فإن كان المقصود أنا من القضية في ملامة الناس لي، فلا أهتم بقيل وقال، وإن كنت المقصودة من المجلس في نقد بنَّاء، فلست أعيد لبَّه؛ حتى لا أنسى مواعيدي الكثيرة؛ لأنه يكفي في وصالنا مع الناس أننا مراسيل خير وفقط، فمن أعجبته نياتنا فالرحب والشكر يلفان ملامح وجوهنا حبورًا وسرورًا، أما إن كان قول الروعة يبغض أناسًا كانت لهم قلوب لا تفقه الجمال والإحسان، فالعوض في الله أن يشفي داءها، وينور عقولها؛ لتعي معنى الرحل الخفيف لزوار السلام.
لذلك أنصح نفسي وأنصحك فيما إن لاقيت تجاوبًا ممن يعرفك فانسجم وبنوع من التحفظ في محطات تعد لها مسبقًا، فقد ينقلب المشهد إلى ما لم تكن تتوقعه من توابع الأخطاء والزلات غير المقصودة، ويكفي أنك تعلمت أن تتوقع طوارئ، فأنت محفوظ القامة، ومستور الهامة، وإن لاقيت رفضًا مبدئيًّا من نظرات العيون بانكسار الخاطر فيها، فلا داعي للإقبال على العرض، ولا تكلف نفسك ما لا تقدر عليه، أوَنسيت أن عزة نفسك تبعدك عن كل ما من شأنه خدش مشاعرك؟! فطب مجلسًا، واهنأ معشرًا، وزر غبًّا تَزْدَدْ قدرًا ومهابة وحبًّا، فوحشة الأحباب تزينها طلاقة الألسن، وخفة الأرواح حينما تسافر في تباعد للمواعيد، ستكون هكذا محبوبًا ومطلوبًا في أوقات الضيق؛ لأن العين تُسَرُّ حينما تراك، والقلب يحن إليك حينما يفتقدك، والروح تتآلف مع نظيرتها، خاصة حينما تكون جنودًا مجندة.
افهم من الإشارة، ولا تنتظر أن يقال لك: كفَّ عن الكلام، أتقن الاستماع أكثر من الكلام المغلط لتراكيب الجمل من لسانك الفصيح، الزم النظرة بابتسامة حلوة تسحر المستمعين، ولا يكن ضحكك عاليًا؛ حتى لا يموت القلب، وتذهب الهيب أدراج اللاحترام، لا تتكلم بيديك؛ حتى لا يقال عنك: عصبي أو متوتر، اخفض صوتك، ولا ترفعه إلا لمن كانت له عاهة في السمع، فتسلم لضعفه دونما إحراج منك، فالمقصود هو إيصال المعنى، وليس تذمرًا أو ضجرًا، امزج بين الهزل والجد في كلامك من غير امتداد للَّهو المضيع لحكمة الكلام الطيب، فلا تكن لينًا فتُعصر، ولا صُلبًا فتُكسر، وكن وسطًا بين الإقبال والتريث.
فرِّق بين مستويات المتحدثين، وانزل مراتبهم؛ حتى لا يشك أحد منهم أنك متكبر، واختر لك لغة يفقهها الكل، واحتفظ لنفسك بما تملكه من قدرات كلامية، ولا تستظهرها إلا في مجلس مميز من العلم، أو النقاش، أو الحوار المرتب له مسبقًا، كن خفيف الظل، ترحمك الآراء، وتُثنِ عليك الأقاويل.
لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وبابتسامة طيبة، اترك طيبًا أينما ذهبت؛ قولاً، أو نصيحة، أو حكمة، أو تذكرة، كن سفيرًا للخير والرحمة، فسيزداد عدد المعجبين والمحبين لك، ويكثر السؤال عنك حينما تغيب عنهم، هكذا الجليس الطيب لا يترك إلا طيبًا مثل ريح المسك، فازدد تألقًا، وأمتع غيرك بفيض كرم الله عليك، ولا تبخل بما أعطاك الله من الرزق، فالمنحة لم تكن لك وحدك، بل لتتقاسمها مع إخوانك، ازرعها رياحين كالتي حملتها في البداية، لولا أني تراجعت بسبب أني لم أكن على قدر من الاستعداد النفسي لمواجهة الروعة من الحدث، ولو أن الصور الجميلة تلتقط من غير استعداد لها، هي طبائع وأمزجة تتنوع بيننا نحن البشر، لكننا نشترك في الأخلاق الفاضلة والكريمة، التي تزين العشرة بيننا، وعليه، سافر وارحل، وكن كالماء الجاري، أينما انهمر سقى ونفع، ولا تكن ماء راكدًا، لا ينبت فوقه لا نبات، ولا يشرب منه كائن، انفع واستنفع، أبدع وأفد، وأزح الهموم والأحزان، وبدلها رونقًا من الياسمين، راجع نفسك حينما تلقى ثقلاً على صدرك في أمر، أو زيارة، أو عمل، أو تعارف، استفت قلبك ولو أفتوك، استشر غيرك ولو كان صغيرًا عنك، لست تعرف مواطن الحكمة ولدى مَن أودعتْ، لا ترد على ظالمك، بل امنحه الوقت ليذوب في ندمه، وامنع لسانك عن قول ما قد يعود عليك بالسوء مستقبلاً، اقرأ ردود أفعالك لسنوات، وليس في محل قدميك اليوم، أنت تكبر، وتعترضك محن، وستوضع في اختبارات كثيرة، ومن يدري ربما تقابل مَن أسأت إليه أو من أساء إليك، كن جميلاً أمامه بحلمك، وتجاهل سوءه، ركز على فرص الفرح والسعادة، ولا تركز على وابل الحزن والأسى، فالحياة قصيرة، فلا تبددها في الحسابات والانتقام، وإلا فقدت نكهة الاحترام لديك، وفي ذلك لا تكلف نفسك ما لا تطيق، بل افعل، وتصرف، وتجاوب بحسب ما يمليه عليك ضميرك، ومبدؤك في الحياة أنك خَيِّر تحب الخير، وتنبذ الشر وتوابعه، أعرف أن الأسى يمزق الذكريات لديك، فيجعلك تفكر في تغيير نسق سلوكك، أقول لك وبكل صراحة: ثق تمامًا أنك لو تغيرت على خلاف ما كنت عليه ستفقد الكثير من السمعة الطيبة، والثواب، والدعاء الصادق ممن تجهل أنهم بصدد الدعاء لك، كن أنت الجميل، والمسامح، والرحيم، والمعين، ولا تنتظر ردًّا لما فعلت، بل اعفُ، وتجاوز، وانسَ، وازدد علمًا وتعلمًا في ميدان الحياة؛ لأنها مدرسة، وكل يوم لنا فيها درس جديد، وابتلاء طويل، ومحنة ملفوفة بكثير من المنح، فقط استعد لتفتح ظرف المفاجأة، وهو رسالة إلى قلبك الطيب أنك أذبت الجليد، وطويت المسافات، واختزلت الكلام في جملة واحدة؛ وهي: مهما اشتدت العواصف لتكسر عود التألق فيك، فستثبت في مكانك بمشيئة الله، حينما لا تكلف نفسك ما لا تطيق من الأحمال، أو تضيع عنها فرص النجاح وقت السعادة، وبالمرة أنا أتعلم منك، وسأتعلم كيف أكمل مساري، حينما أنطلق في موقف يحتاج لكثير من الشجاعة والحماسة، وإني أستفيد وأتعلم منك، وأختزل عني نقاط ضعفي، وأبدد عن عقلي أفكار التردد؛ حتى لا أسقط من مَرْكبي لو أني انطلقت في رحلتي مع التغيير، تغيير نفسي أولاً، ومِن ثَم البقية تأتي وحدها، وبمراد الله تعالى، فاللهم بلغنا مقاصدنا، وارزقنا الحكمة؛ لنميز بين ما ينفعنا في ديننا ودنيانا وأخرانا... آمين.