قلوب تائهة
عقول حائرة!!!
سميرة بيـــــــطام
قلبي وعقلي، كلاكما يترك وقع الحَيْرة وضيق الخاطر في روحي المعذّبة مرارًا وتَكرارًا، لكما مني ليس الملام، إنما السؤال عن المرام، من حق الوجود في أن أحيا حياة طيبة سعيدة وسط أحبابي، ومسرات الدنيا في هناء ربّاني لا ينافسني فيه أحد، لي عطاء الروح في أن تنبِض يا قلبي في كل حريتك نبضًا ينبع منه الود ببريق نظراتي إلى أفق أمتي، لك يا عقلي أن تجود بفكر نيّر للهناء لأبناء أمتي، هو الجيل الذي أرقبه يكبر ولو كنت أسكن بعيدًا عن أصناف هذا الجيل من سوريا ومن مصر ولبنان، ومن بورما ومن غزة ومن... ومن... كلهم أحبابي، كلي أمل فيهم، في عروبتهم وإسلامهم وسلميتهم، أحبهم جميعًا جيلاً أصيلاً ليس لي أدنى شك في بطولته، إنما هو الحزن يعتريني لمظالم طالت براءة بالكاد ابتسمت في ذاك الأفق الذي فيه إلهامي وكبريائي، إليك قلبي وعقلي كل الحرية أن تجودا بما تكنّه روحي التعبة؛ لكنها تتفاءل يومًا بعد يوم، فنبضك يا قلبي لم يجد إلا بالطيب على مر سنوات عمري، وتخمينك يا عقلي لم تعترِه ظنون في اليقين من أن الله هو الفارج لكل الهموم.
إذًا؛ جُودَا ولا داعي لوقفات، فإني أرحل معكما حيث توقفتما، فقط ائتيا بكل طيب؛ لأنه سيكون أملاً لكل أبناء عروبتي، أثق كثيرًا في هذا الجيل، ولكما أن تسافرا بي إلى محطات فيها الكثير من السؤال والتيه وسط ضباب سكن سماء الأمة الإسلامية، أين المخرج وأين الملاذ؟
أكيد أن الكثير من القلوب والعقول هي في حيرة الآن، مثلي تمامًا؛ إذ لست وحيدة في هذا العالم، ولست الوحيدة من تعرضتُ للمظالم والتنكر، هي يدي أمدُّها إليكم يا من يقرأ حرفي بإخلاص وتمعُّن، صِلوني من أوطانكم بدعاء ينشده عقلكم العبقري، ويلحنه نبض قلبكم الثائر حبًّا في السلام، امنحوني وصلة من وصلات الأمل، ستصلني حيثما أنا، فأنا أتواصل معكم بالروح أولاً، وليس بالكلام المكتوب.
لا أخفي عليكم مدى تعب قلمي في أن ينقش حرف الصدق، لا أخفي عليكم مدى حيرة قلبي وعقلي؛ لأن همّي من همّكم، وأزمتي من أزمتكم، فقط معذرة على هذه الصراحة، ولست أراها تبعث اليأس فيكم؛ لأني سأزينها بحقيقة الأمل الذي يكنُّه قلبي وعقلي معكم.
هو بعدي عنكم بسهول وجبال وبحار تقطع عني لقطة أن أشاطركم أحزانكم بوجودي بينكم، فاكتفيت بما جاد به قلمي، صحيح أنكم تتمنون لقائي وأنا أتمنى كذلك، ولست أرى هذا الطلب بعيد المنال، فأنا أسلّي نفسي بأعلام أوطانكم، والغالب أنها تشترك في لون أو لونين، وهذا ما يبكيني، ولو أني لم أحبس دموعي؛ لأنها الطلاقة في مواساتكم بعبرات الود لكم من وراء البحار والمحيطات، مسافات طويلة لكني أختصرها بفلسفة حسن الجوار، فلن تغدو نقطة في بحر؛ بل ومضات من رضًا لما قدره الله لنا.
مني سلام أهديه إلى قلوب تائهة وعقول حائرة لِما آل إليه مصيرها في فقدان عزيز، أو تهدم بيت، أو حرق مزرعة الزيتون والتفاح والنرجس، أو إغلاق لدور التربية والتعليم، وإنكار لعطاء مستشفيات ومصحات علاجية وقفت ليلاً ونهارًا لتحقن دماءكم وتداوي أنين مرضاكم، وتضمد جراح إمائكم، جراحٌ كانت غائرة ولم تفلح أدوية أو فنيات أطباء في أن تجعلها تلتئم بسرعة؛ فالسرعة لم تفلح مع ضمائر معذّبة هي الآن واقفة في طوابير الصبر والاحتساب للواحد الأحد.
شجاعة مني أظنها وأنا أكمل السطر تلو الآخر، لكن يجب أن أتقوى أمامكم، وحينما أضعف أنا يجب أن تتقوى عزيمتكم، المهم ألا يضعف كلانا في آن واحد.
لا داعي للحيرة، لا داعي للتيه، كل مقدّر من عند الله عز وجل، لا داعي للبكاء الطويل والصراخ العالي، كل مدون في صحائفكم وما ناضلتم من أجله، لا داعي أن تزرعوا الخوف في فِلذات أكبادكم بعبرات عميقة جدًّا على أخاديد الأسى، فلذات أكبادكم قطعًا منكم تلمحونها تمشي فوق الأرض، إذًا ارقبوا الأمل فيهم وهم يكبرون على خطاكم، ازرعوا فيهم حب الله والرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو مسكن لكم ولهم.
أما أنا فلا تنسوني من دعائكم؛ لأن جود كرمكم بلغني في ثنايا الدمع والدم، لا تنسوني من ودّكم؛ فالود يصلني عبر نسمات أنكم صامدون وثابتون، يكفيني فخرًا بكم أن لكم صلواتٍ وصيامًا وحجًّا وزكاة وأعمال بر كثيرة سمع عنها القريب والبعيد، وهاكم تحيةً ومودة، راجية من المولى العلي القدير أن يثبت نبض قلوبكم التائهة، ويلهم عقولكم يقينًا من أن الفرج آت، آت، آت.