مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/03 10:21
حاورني بنظرات من اعتراف

حاورني بنظرات من اعتراف

سميرة بيطام

 

كم بدا لي سنك صغيرًا وأنا أنتبه لصمتك المعبِّر عن خوف دفين بداخلك! كنتَ تبديها مجرد قوة أنَّ الكل تمام ومكتمل المشاوير، ليس إلا، ما أضعفك حين يخرص قول الحق فيك! ولطول الدهر لست معترفًا، حاوِرْني لأني بالحوار أعشق نبرات الحقيقة حينما تصدر مني وأنا في خِصام بديع المنظر!

 

دافعت عن ضعفٍ انتابك سنوات طوالاً؛ لأني أنا الأخرى كان للضعف مني مستقرٌّ، فلم أتسرعْ في الحكم عليك قبل أن أسأل سؤالاً تلو الآخر وفي نيتي زلزلة مشاعر دفنتها عنوة، لها مع الماضي قصةٌ وحكاية قديمة، لذلك طلبتُ منك أن تحاوِرَني، ولا تخشَ مني رفضًا حينما أذرفت دمعًا سهلَ المنزل، فلا دخْلَ لك بصورة أحاول ألا تظهرَ معي، وكلي تركيز في حوارٍ غاب عن واقعي وواقعك.

 

صارِحْني وأبْدِ استعدادًا لكل تعقيب مني على هُروبك من مواجهة المنطق، فالواقعُ مرٌّ، أدري أنه كذلك، لكن مَرارته أستسيغها مع مرور الوقت، ولا خوف لديَّ مِن ملامات وترتيبات المواجهة؛ لأن خشيتي من الله فاقتْ كل حدٍّ، وبالأخص حدودًا وضعها لي ابنُ آدم حتى لا أقولَ قولاً سديدًا لتهوُّر، بل لظُلم.

 

صارِحني وأنا أكتب بشغف وبأنامل قد لا تستطيع خطَّ حرفٍ واحد، لكني بالألم سأتعلم أن أكتبَ، ولو آلمني وجعُ الضمة والكسرة فوق سقف الحرف الواحد، لا تأبه بي لأني أغامر، بل أتحدى آلام اليد، وأتخطَّاها إلى آلام الروح، انطلقْ إذًا وصارِحْ، ولا تخشَ لومة مني لأني سأنغمس في ترجمة تعابير وجهك إن أنت قابلتني، وإن رفضتَ لِقائي فاترك الأيام تفعل ما تشاء، فمثْلما فعلت بإصرار الفعل والقول سيحدث معك الشيء نفسه إن أنت أطلتَ الغياب عمدًا ومتعمدًا.

 

سيزداد قلبك صلابةً مع كل نائبة، وسيزداد الإصرارُ إيقاعًا للألم على أناملك، لكني واثقة بأنك ستكتب إلى ما لا نهاية، وإني واثقة أيضًا أنك ستتحدى كل الخطوب حتى لو كان فيها خطرٌ على حياتك؛ لأن الإحساس مات فيك منذ أزل، فلم تَعُدْ تبالي بالخطر، جميل هذا الايقاع منك، ومخيف إقدامُك على تحدي العراقيل الجديدة؛ لأني سأنصحك أن توظفَ سلاحًا آخر لتنقذ نفسك ولو في آخر لحظة، فيكفي أن المتربصين بك كُثُر، ويكفي أن حبل الشيطان طويل الامتداد، فسارعْ وأتقن فنيات الحياة؛ لأنك لا تضمن خدعة أخرى، ولو أن فراستك ستنجيك من كل نظرات الخداع، فقط حاورني، وإن شئتَ كنتُ لك مستمعةً أكثر من مخاطِبة؛ حتى تشعر بالراحة في الحوار، والمضمون أنت أعلم به مني؛ إنه إقرارٌ بحقيقة ضعفك الذي دفعك لأن تدفع ضريبة عُزوفك عن الحياة، ربما أكون سببًا لتعرف أنك أضعتَ دهرًا من الوقت، وتحسب نفسك أنك في قوامة من الرأي الرشيد المحكم.

 

حاوِرْني، وإن خشيتَ ردًّا مني فألزم في نظراتك احتشامًا بالغ الهدف، فإنك ترجو غض البصر حتى أعرف أنه في قرارة نفسك يوجد ألَم كثير وذِكرى مؤلمة؛ لأني لو عرفت ذلك عزفتُ أنا كذلك عن مواصلة الكلام، فالحوار من غير احترام المشاعر ليس يَعرف طريقه إلى عقلي المدرك لحتمية التقدير البالغ، نعم البالغ حتى أزدادَ احترامًا لك، وإن بادرتني بعكس ما أنتظر فارقبْ نهاية مسبقةً لكل ما بدأناه، ولو بطول الزمن، فليس يهمني ما مضى من الكلام بقدْر ما يهمني تحصيل الحاصل، وهو: أن تعرف أني لم أدفع بك إلى أن تخترق مجال الاحترام المخصص للحوار، نعم فكِّر مَليًّا، واتركْ باقي النتائج على تقدير الجهد المبذول، فلكلِّ مجتهد نصيب، ولكل عذاب حقيقة، ستطفو على السطح؛ طال الزمن أم قصر.

 

اترك الجراح تنزف دمًا، واقتلْ حسدك بتوبتك، ولبِّ نداء الطير المغرد أن السلام الذي تحلم به قريب منك، فقط امنح لنفسك فرصة قبل أن أدير ظهري عن مسألة الاستيقاظ من سبات الغفلة، وبعدها لن تجد مَن يوقظك منها وقد فات أوان الرحلة.

 

حاوِرْني هذه المرة وبنظرات اعتراف أن الحقيقة ستطفو كالفلين اليوم أو غدًا، فقط امنحني فرصة الهدوء لأقرر عن الصفح الجميل الواسع، ولكن بشروط وهي: ألا تحسد الجمال والإبداع مرة أخرى.




أضافة تعليق