مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/03 09:39
و لكن بعد ماذا؟

و لكن..

بعد ماذا؟

سميرة بيطام

 

في بُعْدي عنكم كان لي ألف حجة لأن أبتعد عنكم، أديتُ واجبًا معكم من على جسر عمري، أتفنن في أن أمنح كل قلب سعادةً مثلي، صليت الليالي لأجل حاجة لي في الدعاء أن يهديكم الله ويشفي غيظ قلوبكم، انسكبت كالماء الهلامي طيبةً وحُبًّا وحنانًا، لم أكن في يوم من الأيام أسع نفسي بإحساس الدفء على الرغم من أني صاحبة العطاء المتدفق بحواسي ونبضات قلبي، كنت أسع الكل في جَعبة فكري المتأني، أن أتغاضى عن هفوات كثيرة صدرت منكم، ولكن في لقطة ترفع عما من شأنه تكدير صفو عيشي، كنت لا أبصر لقطات التهور منكم؛ فقد وسعت نفسي تعقلاً في أن أسامح برأفة من عيني تسع تماديكم في محاولة كسر طموحي، لكني على ثقة أن مكايد الشيطان امتزجت بلحظات الضعف فيكم؛ ولذلك بادرْتُ إلى سد الثغرات؛ حتى لا أجد لنفسي قانونًا يحميني منكم، ولا بديل لقانون كظم الغيض تفوقًا.

 

كنت أدير رأسي عن فتن عصر فاقت كل ظنوني في أني قد أفقد السيطرة على توتري المتكرر يومًا، بل كل يوم، فغامرت أن ألعب دور المتحمل لما قد يفوق مقدرتي، ولكن بدأْتُ بمرور الوقت أشعر أن تعبًا مقيِّدًا لحركاتي بدأ يتسلل إليَّ، فكنت أُصَابر في أن أكبت صراخي من أن صمتي ليس معناه ضعفًا، أو عدم قدرة على اتخاذ قرار مكسِّر لكل جنون منكم؛ فقد كنت أظن أنكم أقربُ مني فهمًا في أن طيبتي ليست للعب مناورات هدامة.

 

للأسف لم ألق تفهُّمًا منكم حتى أحقق توازن الكفة في نسق حياتي معكم، ولاحت لي معالم الضعف من القرب، وممن وثقت فيهم كثيرًا، حتى إني نسيت أن في تراجم العِبَر: "ليس كل ما يلمع ذهبًا"، ربما طيبة القلب أنستني فحص زوايا النظر عندكم، ولو أني أرى في هذا التفحص شكًّا وظنًّا، وهذا ما لا أطيقه، فقد كنت أهديكم أحلى لوحات السعادة من بداية أولى الأنفاس انتشارًا، ونهاية بمصاف الليل الساكن في أن أطمئِنَّ على الكل أنه في أمان.

 

أحسسْتُ أني مسؤولة عن الكل، ولكن صُدِمْت بتراكم العبر منكم، في أن - وأنا أنسج عبارات خواطري بقلمي العزيز - سكون روحي في إبداع فكري كان لكم إزعاجًا بانفعال العواطف فيكم، ولست أفهم ما الصلة بين ما أقوم به من واجب نحو الطبيعة والأحباب، ونحوي أنا في الأخير، وما لا تطيقه أبصاركم، لم أجد تفسيرًا مقنعًا لجدوى إثارة بلبلة لم أقدر على إخماد شعلة التأتأة فيها؛ لأن الموجة تتسع باتساع وقع الوتر على الماء الراكد، فأصبحْتُ أطوق خطوات تدفق الفتنة بحبل الكبت لأخمد لهيبها، لكني وجدت أني أقوم بدور من المفروض ألاَّ أقوم به؛ لأنه لا وجود له في قائمة أخلاقي ولا مبادئي، فكرت مليًّا وأنا أصارع اختناقًا طوق كلماتي، فأصبحت لا أستطيع الإقرار بجمال الجمال إلا بالبكاء عبر موجات الليل المظلم، وما أقساه من ألم حين تشتد الرغبة في أن أنهي صراعًا مدمرًا!

 

لكنْ عبثًا أحاول، وكان أن أحسست أن قلمي بحاجة إلَيَّ، أو الأصح أنا من كنت في حاجة إليه لأنْ أكتب وأبوح بما حصل.

 

لم تسعني أرضي فبادرت بالهجرة حيث لا وجود لكم فوق أرضي، لم آخذ معي شيئًا مما يخصني سوى قلمي ورزمة الأقلام التي اصطفت ببعضها تنتظر تداولاً مني؛ لأني لست أتوقف عن سرد الألم والدمع وسوء تقدير الخير، لكن هناك سكنت روحي وهدأت نفسي، وأنا أسترجع أنفاسًا من هول سوء الاحتواء منكم، انتشلْتُ نفسي بنفسي من لفافات الغدر، وكنت لحظتها أحتسب كثيرًا لله في أن جَعَل لي مخرجًا لأركن تحت ضوء الشمعة لأبدع جيدًا، وأحضن نفسي بنفسي في ثقة كبيرة أن القلوب يومًا ما ستشتاق لي كثيرًا، وفي لحظتها كنت أكتب الجواب الكافي على سؤال العودة؛ لتنهمر دموعٌ مثيرة لكثير من الغضب في أن من هاجر يومًا ما إلى حيث الرضا ببساطة العيش الهنيء بعيدًا عن زلات المظالم لهو خيرٌ مستقَرًّا ومُقامًا مما ناشدت فيه بالخطأ رِفق وَلِيِّنا.

 

كانت لي حاجة ماسة في أن أزور أماكن مررت منها يومًا ما وقطفت على الأقل ورودًا بيدٍ حانية ومتأملة للون البهاء على أرضي التي مشيت عليها، ولكن استعلمت من ساقي الورود أنها في حزن لرحيلي، كيف أن رضيتُ بالرحيل دون أن أقطف باقة تذكرني، ولو ليوم واحد مآثر ما قمت به من تضحيات، أطرقْت رأسي في فهم للفيصل من أنه مرحلة انتقالية كان لا بد منها لأبْدِعَ أكثر، وأخلص لله أكثر بعيدًا عن ضوضاء الأضواء، وتكاثر الوجوه والأقوال، فذاك يفقدني لُب التركيز فيما سأكتب ساعتها.

 

وبقدر ما بدأت أتناسى لومة الماضي لم يسكت طرق بابي عن مراسيل الصلح في أن أعود إلى حيث عشت ألفة تعبت لأجلها كثيرًا دونما فائدة، فكان ردِّي أنْ سلامٌ على من راسلني، ولكن يبقى بيني وبينكم كلام الحال والأحوال فقط، دون طلب لتصليح ما انكسر، فلست أقرأ في كأس انكساره فجأة، في أنه قد يسع ماء إن هو تصلح، وبالمقابل الجراح لا تلتئم هكذا ببساطة القول والمسعى، فكل خدش على جدار الكتابة له حرف يدلل على صاحب الخط.

 

ولي في قول معاوية بن أبي سفيان خير قول:

إذا أنا أعطيتُ القليل شكوتمُ 
وإن أنا أعطيتُ الكثيرَ فلا شُكرُ 
وما لُمْتُ نفسي في قضاء حقوقكم 
وقد كان لي فيما اعتذرتُ به عذرُ 

 

سمعت لطلبكم في أن أعود لجو طَلَّقْت أهواءه من زمان، فكيف لي بعودة إلى ما تناسيت مكامن لقطات عيشي فيه بإيلام، تريدون أذنًا طائعة مني،ولكن بعد ماذا؟

 

ولذلك لا تتوقعوا أن أصغي جيدًا حتى يكون دورًا منكم فيه الكثير من الإبداع بتصحيح الزلات، وعقد النية بالتوبة الصادقة، ولو أني سأبقى أتساءل: ولكن بعد ماذا؟

 



أضافة تعليق