مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/10/20 08:29
أسعد الله صباحكم

أسعد الله صباحكم

 

كنت أمشي خلفك أيها التلميذ وأنت في قمةِ الاجتهاد، لتحمل ثقل دفاترك بداخل محفظتك، أيضًا ذكَّرتَني بكفاحي في الصغر، وأيضًا أطلقت مني ابتسامة إعجاب لإصرارك في أن تصل إلى المدرسة في الموعد.

 

وضعت يدي على رأسك وسلمتُ عليك سلامًا من القلب في أني للطفولة أشتاق إلى أن تتطلع إلى مستقبل زاهر مليء بالأماني والمسرات، فليُسعِد الله صباحك أيها النجيب، وليكتُب لك الله في كل خطوة سلامة، حتى لو هناك تعثر منك.

 

ابتسِمْ وأكمِل مشوارك؛ فقد رسمت طريقك الزاهي بخطواتك الصغيرة والبريئة، فكل التوفيق لك يا برعم المستقبل.

 

 إلى هناك حيث الأنين والسرعة في التعاطي مع حالات المرض، يعجبني قلقك وتوترك أيتها الطبيبة الفاضلة ومريضك بين يديك، ألمح في عينيك إصرارًا لإيجاد التشخيص الصحيح، بعيدًا عن التأويلات المضللة التي تفرضها عليك احتمالاتك.

 

أمرُّ من أمامك كالطيف، لأقف وأرقب فيك طموحًا علميًّا يصدع بإشعاع النور من عينَيْك الدقيقتينِ، كلمتك فيما إن كانت مهنة التطبيب كانت من أمانيك، فاستمعت منك إلى أن سهر الليالي نال منك الوقت والجهد، ولكن في سبيل إنقاذ البشرية من علل تفتكُ بالأجساد، فسألتُك فيما إن كان إتقان المواساة للمريض فنًّا، أم مهارةً، أم لمسة إنسانية رائدة تسمو فوق التدخلات، فكان منك أن أجبتِني أن الطبيب إنسان قبل كل شيء، وما يزين مهنتَه رأفتُه ورحمته وتعاطفه مع المريض، فذاك مَكْمَن الأجر الكبير، وامتياز المهنة في الخلق والمعاملة، ثم في أداء الواجب بكل ضمير حي، ربت على كتفك، وسلمت عليك في أن يُسعِد الله صباحك، وييسر عليك ما صعب وشق من محاولاتك في القيام بأنبل مهنة.

 

 إلى هناك حيث النشاط في الوجوه الشبابية، حضرتُ محاضرةً في استماعٍ لأستاذةٍ في الجامعة، وهي تفكُّ عقد الدرس بفنيات المنهجية الصحيحة ليصل الفرز الكامل لمكنونات العلم، لتستوعبها عقول فتية ناضجة متطلعة إلى ما ينتظرها في المستقبل، فكان مني الفضول أن بادرت بسؤال للأستاذة بمستوى أسئلة طلبة الطور، فكان منها الجواب الكافي أن يبقى البحث والمناقشة هما ما يضفيان على الفهم تزكيةً وترسيخًا في العقل.

 

راقبتُ عن كثبٍ تركيزَ الطلبة في مثابرة التقاط كل معنًى يمُتَّ بصلةٍ وثيقة لمضمون الشرح، كما كان مني التقاط بعض الفتور منهم حال صعوبة الاستنتاج، فكان أن غادرت مدرَّج المحاضرة، أن سلمتُ على الجميع في أن يُسعِد الله صباحهم، والله لا يضيع أجر المثابرين، فسنوات الدرس تُخرِج الأنفاس لتعد الشهور والأيام المتبقية لنَيْل شهادة التخرج، وهنا اجتهاد الصبر له عنوانه الخاص من شخصية كل طالب وطالبة.

 

 في خصوصية المجلس هذه المرة، لازمتُ مكاني مع مجاهدات سجَّلن محافل في مناسبات عديدة، كان الفخر يعتلي جباهَهن، وكان التفاؤل يلوحُ من قاماتِهن، سألتُ إن كانت مقابلة العدو له ما يشجعه في أن يكون الوجه للوجه مع الموت تحديًا للظلم فقط، أم اعترافًا بشرف حب الوطن والرغبة في اقتصاص حق أُخِذ قوةً وعَنوةً، فكان الرد أن الخوف من الله يُذلِّل الصعاب والمخاوف، والإيمان بالقضية العادلة يدفع بمحبِّيها للكفاح المستمر من أجل تحصيلها، ويعود التحرر لأهله في طبق من ذهب لامع بالحرية والكرامة، تلذذتُ بارتشافي للقهوة بالقرب منهن؛ لأن الحديث معهن ذو شجون آخر بداخل نفسي، فاسترسلتُ في طرح السؤال تلو السؤال، فكانت الإجابة تنطلق من أفواه لامعة وقوية، لم أبخل نفسي وقتها في أن آخذ العبرة منهن، فكان خير ما تعلمت أن مواجهة العدو من أخطر المواجهات، لكنها تفصل في عملية المد والجزر إلى أن تهدأ أمواج الطغيان أو تنجلي، وطبعًا تنتهي.

 

برحيل العدو وبصفة الخذلان والتأسف لِما آل إليه مصيره، ليعود الحق لأهله، وبضريبة الثمن تضحية واستشهاد، فكان مني أن سلمتُ على البطلات سلامًا يليق بكبريائهن، وودعتهن في أن يُسعِد الله صباحهن بإشراق جديد، لتكملة ما تبقى من عمرهن في طاعة الله.

 

 محطة أخرى قادتني إلى حيث الحقول الجميلة المخضرَّة باخضرارِ الهدوء والسكينة، لأقتربَ من فلاَّحاتٍ وَقُورات متواضعات، ينسكب العرق في وجوههن ليرسم تراتيب الكد والجد، وكلهن ثقة في أن المحصول سيُؤتِي أُكُلَه في الوقت المناسب، وكان أول سؤال تبادر إلى ذهني فيما إن كانت صحبة الأرض في غراسها ورعايتها حرفةً تليقُ بأنامل لطيفة رطبة، ظننت أنها لا تقدر على مداراة الصلب من الأرض، فكان الجواب من إحداهن أن فنيات الغراس تنتهي بأنامل الأنوثة، وأما القطاف، فله حفلة أخرى في جماعة تلتفُّ حول الشجر في ترحيب كبير لِما آلت إليه بذرات فتية نثرتها أيادي الرجال، لتنتهي بين أيادي النساء في ترحاب الزهو، أن ما زرع بالورع كان له النضوج الجميل، وعلى مقاس الاستماتة، وطبعًا كان الاحتياط الأوفى في ألا تلغي العواصف والأمطار كل ما تم بذله من جهد في هذه الأرض الطيبة، فذاك الحرص منهم كمن يحرص على أولاده خوفًا عليهم من البرد، إنها الأُلفة بين الأرض وصاحبها، هي الصداقة بيت التراب وبين مَن يهواه، فكان مني التحية والتقدير لنساء تعلَّمت منهن التواضع والاحترام لمهنة لا يعاب عليها ما دام منها المكسب والرزق الحلال، وبضوابط الاحترام الموقر فيما بين الرجال والنساء، ولو أن جملتهنَّ كنَّ من عائلة واحدة، فازددتُ إعجابًا بهذا التوحد الذي كان سببَه أرض طيبة معطاءة، لأغادر الحقول بخفة في وزني؛ لأني شعرت بسعادة غامرة وأنا أسلم على الجميع في وداع أن يُسعِد الله صباحهم، ويبارك لهم في رزقهم الطيب.

 

 هي عيِّنات من مختلف الأجناس والأعمار والمهن، كان تعاملي مختلفًا من جيل إلى جيل، ومن سن إلى سن، لكني خرجتُ بنتيجة محورية يشترك فيها الكل، وهو أن مسار الحياة فيه درب شاقٌّ يحتاج لجهدٍ معيَّن لتحصيل المرغوب فيه من الأماني والطموحات، وكلٌّ ميسَّر لِمَا خلق له.

 

يُسعِد الله صباحَهم وصباحكم أنتم القراء؛ لأنكم أنتم أيضًا في سعي منكم لتعلم الجديد وتزويد العقل بما يفيد.

 

لكل الفئات أقول: تحية طيبة مني مع إشراقة كل صباح



أضافة تعليق