مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/10/03 14:51
الثوة الجزائرية..معجزة الجزائر

الثورة الجزائرية

معجزة الجزائر

 

كان الفاتح من نوفمبر من سنة 1954 تاريخ انطلاقِ رصاصةِ الغضب في الجزائر؛ رفضًا للمستعمِر الفَرَنسي، وبالضبط في جبال الأوراس بمدينة باتنة الجزائرية، لم تكن رصاصةً طائشة بضغطِ زناد التسرُّع، ولم تكن عشواء أو بكماء.. لم تكن لإعلان الحرب لأجل الحرب وفقط، بل انطلقت لتعطي دروسًا في رد الاعتبار، باعتبار أن الجزائر سيدةُ نفسِها، ولا أحد يملك هذه السيادة عليها إلا صاحبة القرار والسلطة... الجزائر.

 

كان الجدل قائمًا قبل الثورة حول وجود الدولة الجزائرية، وإبَّان الاحتلال احتدم الجدال لامتلاك الجزائر؛ لما فيها من ثروات وخيرات أنعم الله بها عليها، ولا يزال البحث والدراسات تسيل الكثير من الحبر، وتغالط بعض الأحداث؛ لتضليل الحقيقة التاريخية للثورة المجيدة، والتي مجدت نفسها بنفسها بأحداث زلزلت أرض الجزائر لينفجر بركان التقوى من قلب الجزائر.

 

لقد كان الإسلام - ولا يزال - مقومًا أساسيًّا للمجتمع الجزائري من عرب وبربر (أمازيغ)، وعلى كل حالٍ، ومهما كانت نظرة الفَرَنسيين إلى تاريخ الجزائر فإن موقفهم من محاولة أن تبقى الجزائر تحت سيطرتِهم كان هو السببَ المباشر لاندلاعِ ثورة نوفمبر، هذه الأخيرة التي لم يكن صداها داخل الجزائر وفقط، بل امتدَّ إلى العالم برمته، وها هو التاريخ بمحتوياته من آثار، وشهادات حية، ومدونات، وأبحاث، وكتب، ومخطوطات، واعترافات، تدون كلها لأسطورة هذه الثورة العظيمة.

 

فقد اعتمدت الثورة التحريرية المجيدة على رصيدٍ نادر غير قابل للظهور من جديد، ممثلاً في أبناء الجزائر الذين أبَوا إلا أن يضحُّوا بكل ما لديهم في سبيل أن تتحرر الجزائر من أيدي "المستدمِر" الغاشم، وأن ترفرفَ رايتُها على قممِ أرض الجزائر، فلم تستطع لا الاتفاقيات ولا المعاهدات ولا البعثات الدبلوماسية أن تكبِّل هذا المشروع الثوري الخالد، وبالتالي بقاء الجزائر ملكًا لفرنسا بفَرْنَسةِ كلِّ ما هو للجزائر ينتمي، لكن هَيْهَات لتخطيطٍ أن يحجبَ إرادات فذَّة صهرت حديدًا وأذابت جليدًا، وفجرت براكين من تحت الأرض؛ لأنه إيمان الثوَّار، ورغبة المجاهدين، وإرادة الجزائريين في أن تسترجع سيادة سيدة البحر الأبيض المتوسط.. الجزائر البيضاء.

 

وكعودة للوراء قليلاً ساد اعتقاد لدى المستدمِر بعد فشل ثورة المقراني سنة 1871، وهو نهاية مشوار الثورات، فإذا بثورة توءم تندلع سنة 1897 بالأوراس، تَلَتها ثورة بوعمامة، وكانت قبلها مقاومة الأمير عبدالقادر التي طالت في الأمد، لتنفجر الثورة النوفمبرية العظمى رغبةً في القصاص.

 

باختصار تاريخي، فالفترة الممتدة من سنة 1945 و1954 كانت طريقًا وجسرًا إلى الثورة التحريرية بتخطيط منقطع النظير، وهو مدوَّن في المراجع التاريخية بتقسيم الجزائر إلى مناطق رئيسية، وكل منطقة يقودها ثوري بطل.. لتولد ثورة دونت أريج رصاصها في سجون ومعاقل العدو بالدم والرصاص والدموع وبكل نفيس؛ لأن الجزائر أغلى من كل شيء.

 

حقيقة يليق لهذه الثورة أن تعرف نفسها بنفسها لكل قارئ، من أنها أظهرت بطولات شعب رفض كل أشكال الاحتلال والسيطرة، كما تبنَّت البعد التاريخي والأخلاقي لإخلاص أبناء الجزائر على اختلاف مستوياتهم وجنسهم وسنهم، فأعلنت المرأة مساندتها لأخيها الرجل ليتوحَّد الصف والكلمة في أن تحيا الجزائر حرَّة مستقلة.

 

صدقًا تتزاحم الأسطر وتتصارع الذكريات والأحداث للتدوين لبطولات لا تكفي الصحف لذكرها، ولكن ستكون لنا وقفة كرام على نماذج منها.

 

"جميلة بوحيرد" إحدى جميلات الجزائر والتي عذبها المحتل بالصعقات الكهربائية لمدة ثلاثة أيام متتالية حتى فقدت الوعي، وهذا لإجبارها وإرغامها للبَوْح بوجود مكان الثوَّار ومخططاتهم، فكانت تمتنع، ومن شدة حبها للجزائر كانت لما تستفيق من غيبوبتها تقول بالكلمة الوفية: الجزائر أمنا.

 

إنه إصرار المرأة الحديدية في ألا تقتل الكهرباء عزيمتَها وتضيع مصلحة الجزائر، فالوفاء كان هو العنوانَ، وحبُّ الجزائر كان هو مبرِّرَ الشهادة في سبيل الوطن، ومن الأشعار التي قيلت فيها:

قالوا لها بنتَ الضياءِ تأمَّلي 
ما فيك من فتنٍ ومن أنداءِ 
سمراءُ ران بها الجمال لونه 
واهتزَّ روض الشعر للسمراءِ 

 

ووقفةٌ أخرى مع بطولات أبناء الجزائر الشهيد العربي "بن مهيدي"، صاحب المقولة الشهيرة: ألقوا الثورة إلى الشارع يلتقطها الشعب، وأيضًا: أعطونا دباباتكم وطائراتكم، وسنعطيكم طواعية قففنا وقنابلنا.

 

وفي واجهة أخرى وقفة لمهندس الثورة الشهيد "مصطفى بن بولعيد" مَن مشى وسط تضاريسَ صعبة لمدة ثلاثة أيام، حتى يصل إلى القلعة في ظروف أمنية خطيرة، ليعقد اجتماع المجاهدين حول الثورة.

 

أي شجاعة، وأي تضحية، وأي حب للجزائر معلن بفصاحة اللسان وعدالة الضمير؟ فهل تكفي الصحف لاحتوائها؟

 

هي مجرد نماذج مختارة، والسجلات حافلة بمآثر الشهداء الأباسل، ولكم أن تستمعوا إلى إلياذة الجزائر بصوت شاعر الثورة "مفدي زكرياء"، والذي اختار تسابيح من حنايا الجزائر تمجيدًا لبطولات فذَّة.

 

هي ثورة الجزائر، شغلت بال المفكرين والنقَّاد، والباحثين والمؤرخين والشعراء، فالكلمة تعجز وتخاف من أن تنتظم مع الكلمات الأخرى في ألا تفي بالغرض ثناءً لثورة الأبطال.

 

ولنا في الخامس من شهر جويلية (يوليو) من كل عام ذكرى مخلدة لثورة لا تموت بموت صناعها، فالضريبة كانت مليون ونصف المليون شهيد، وذلك ما أعطى لقب بلد المليون ونصف المليون شهيد في الوطن العربي، وعند كل مَن درس تاريخ الجزائر الحافل بالبطولات والانتصارات بتكبيرة "الله أكبر" فوق كل محتل لتندلع ثورة مظفرة.

 

فهل يمكن لثورة مثل هذه أن تتكرر بمثل هذه المصداقية؟

التاريخ وحده يدوِّن التميز والريادة، وشواهد العصر تتكلم بالنيابة عن ثورة مجيدة وعريقة وكبيرة في حجمها وثوابتها.. دامت الجزائر حرة مستقلة، وكل بلاد عربية مسلمة، فعبق الحرية غالي الثمن، ولا يقتص إلا بسواعد أبناء الوطن.. أحِبُّوا أوطانَكم ومجدوا أبطالَكم بالوفاء والمحافظة على الأمانة.. أمانة الدم والروح.




أضافة تعليق