مقاطع من الألم
لا تقطع أحزانًا من عمق النزيف يجري مجراه من اليأس، كان بالأمس منوالاً للاستماتة لصاحب الحظ الأوفر من الحكمة! زد في كلامك وضوحًا واستيضاحًا لما أنت فيه معي من صمت رهيب، أَوَلم يكفِك تقاذف أمواج الدنيا بي يمنةً ويسرةً؟ لا تسل دمعًا تقطع أشلاءً أشلاءً؛ لأنه لن يعود فيه بعد اليوم دمع بريء!
صِف لي مستلزمات الكبرياء عندك، فإني أدوس بقوانين التكبُّرِ أرضًا، وأمشي فوق نقط الخلاف بيني وبينك، لا لشيء سوى أنك لم ترحم فيَّ ضعفًا وَلَّد لديَّ قوة كسرتُ بها أقفالاً من حديد!
أحببتك بالأمس القريب كثيرًا، وكنت قدوة لي، واليوم أضحيت تكسِرُ فيَّ كلَّ طموح يريد التمرد على قوانينك، فقد ضِقْتُ ذرعًا بمواصفات المنع والنهي! سلام مني فلست أبغيها حياة ابتسامة، لكن اخترتها حياة كفاح، فصِفْ لي مجددًا موانعَ كثيراً ما طرحت فيها تساؤلات كثيرة، فجُدْ عليَّ ولو باليوم أو المرة الواحدة، في حنان يلفُّني بعيدًا عن فشل ذريع سقطت فيه، انتشلني من ضعفي؛ فلست أقوى على الصمود، انتهى الصراع بيني وبينك في أن أقول: كفاك أبي تَلَوُّنًا معي؛ فقد خاصمت الجميل والرائع من لوحات الأمل، التي ابتسمت لي وحضنت في غربة قاتلة! لا، لا تزد على دموعي؛ حتى لا تختَلِط بصنف الفرح؛ لأني لم أنتقِ لي مقاسَ الفرحة بعدُ، فالإبداع يأخذ من قلبي كل رنة صمت، أنا الأخرى تعلمتها منك ولو أني أجهل، فواصل الرحلة فيها، ومراتب الوقار عليها! لا، لا تزد عليَّ أنقاضًا من الدمار الذي صرخت تحته بصوت رثٍّ لا يكاد يُسمع القريبَ مني؛ لأني باختصار تعبت وانهار مني صرحُ البقاء وغدو الماضي انهال فلست أظهر بتاتًا، بات يحاصرني الألم أينما ذهبت، لا تسكن بالقرب من لوعتي؛ فإني اخترت الوحدة منذ زمن بعيد، هي حكمتي في رغبة لأنسى ممن لن يخذلني ولو بكيت طويلاً، هي رحمته، هي أنسه بذكري وتسبيحي، نعم أقررتها اليوم نهاية الحرب والصراع والخصام، وأريد أن تصارحني ماذا فعلت بالتدقيق الممل حتى لا أمَلَّ من الانتظار؟ وبانتظار الرد الوافي ابنتُك صَبورة لحين أن تُجيب.
كان تساؤلاً من سارة لأبيها الذي لم يقف معها وقفةَ والد حنون طَوال مشوار حياتها، وهي اليوم في قمة التألق، تسأل أسئلة في الماضي البعيد، ما جعل الوالدَ يحتار في الإجابة عنها اليوم، وهل ما يزال الزمن صالحًا لإعراب الندم بضمير المستقبل: إن كل شيء على ما يرام، لكنه الصرح العالي الذي تعبت سارة لأجله بعرق جبينها، يحسب أدراجه كم استغرق البناء من الوقت والتضحية، فليست تنتظر هذه الذريعة لتقتنع ومن ثَمَّ لتسامح، ترى ماذا سيكون موقف الوالد الغائب الحاضر من نجاح ابنته وتألقها بعد غياب مقصود؛ لأن من النجاح ما ينفر القريب والبعيد؛ ليبقى المثابر وحده في وحشة الطريق يصارع ويهدم الرديء، ويبني الجيد، حتى تحقق الحلم، ولكن وراء خلفية البناء أسئلة كثيرة صبرت عليها سارة، وها هي اليوم تطرحها في قائمة الحيرة، وبعد إلحاح كبير كان جواب الوالد: أردتُك يا ابنتي أن تَصِلي إلى قمة النجاح وحدك؛ لأني أعرف جيدًا ما هي ضريبة النجاح، وإني أرى نفسي فيك؛ لذلك شجعتُك بالصمت الحميد، ولم أمد يدي لأساعدك.