قال أفلاطون الفيلسوف الشهير: "إن التربية هي إعطاء الجسم و الروح ما يمكن من الجمال و الكمال"، و هي كلمات جميلة ذات دلالات عميقة، فالجمع بين الجمال و الكمال لكل من الجسم و الروح ليس أمرًا سهلا، و لعل تعريف التربية بطبيعة عملها و مجالاته يوضح مدى شموليتها، فهي: "تشكيل الشخصية السوية المتكاملة في جميع جوانبها روحيًا و عقليًا و وجدانيًا و خلقيًا و اجتماعيًا و جسميًا" هي تساؤلات كثيرة اليوم يطرحها الآباء و الأمهات في ظل التربية بالطريقة المثلى التي يرجوها الوالدين لأبنائهم و السير في الاتجاه الصحيح، و الخوف من حدوث الكثير من الإشكالات أو الثغرات التي ليس لها أول من آخر ... و هي في مجملها تساؤلات عن التربية المثالية ..التربية الحقة و هي ـ في نظرهم ـ التي تربى بها جيل الأب و الأم .....التربية التي تضمنت الكثير من الاحترام للصغير قبل الكبير، و التي تضمنت تربية الجد و الجدة، الخال و الخالة، العم و العمة، و حتى الجار المتخلق الطيب، التربية التي جعلت ذلك الجيل يرفض من الصغير الخوض في المسائل التي هي اكبر منه، و يلزمه باحترام الوالدين و برهما، و احترام الاخوة بعضهم بعضا، و عدم الجلوس مع الضيوف، و السمع و الطاعة في كل ما يرضي الله و يفيد في تربيته كإنسان سوي يتحلى بأخلاق عالية. و اليوم أصبح أمامنا كمربين العديد من التحديات التي تجعل من موضوع التربية الأسرية بالنسبة للأسر المسلمة أمرا شائكا يحتاج إلى التفكر فيه حتى يتسنى لنا اتخاذُ القرار السليم. و تتمثل أهم التحديات في الانفجار المعرفي المذهل، الذي يحتاج منا إلى مواكبةً سريعةً، ضف إلى ذلك المتناقضات التربوية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الخطيرة التي يعيشها مجتمعنا العربي و الإسلامي، و ما وصل إليه هذا المجتمع من ضعف شديد، و ما يحمله هذا الوهن من مضمون سيء يستشعره الشباب، فيزلزل كيانه، و يوهن عزيمته و ثقته. يدل على ذلك أن كثيرا منا قد يتصادف أن يصطدم مع أبنائه، خاصة في سن المراهقة، حول مشاكل شتى منها، طريقة التفكير، و اختلاف الرؤية للمشكل؟ فنحن لا نرى الأمور المختلفة من زاوية واحدة، بل كثيرا ما نراها من زوايا مختلفة قد تكون متناقضة تماما؟ كيف يمكن للآباء و الأمهات اليوم، أن يضعوا واقيا، أو يكسبوا أولادهم مناعة أخلاقية و فكرية تحميهم من آفات كثيرة، و تحصنهم من الآفات التي تأتي في ركاب الانفتاح العشوائي على ثقافات العالم؟ و كيف لهم أن يحولوا دون اقتلاع ريح الغزو الثقافي لأبنائهم من هويتهم و استلابهم حضاريا؟ إذن فالتربية جد صعبة في وسط هذا الجو المشحون بثقافة غير ثقافتنا، و أفكار غير أفكارنا، و مجتمع غير مجتمعنا، و تقاليد و أعراف، غير أعرافنا ... ان آثار المضامين التي تقدم عبر الإعلام أو غيره، جعلت من جيل اليوم ...إنسانا آخر ...جيل الفايسبوك، و جيل الهواتف الذكية، و جيل سرعة المعلومة، جيل الهلوسة بكل ما هو مادي محض.... و لهذا كان الإسلام حريصا جدا في قضية التربية، حيث بين أن المؤمن الحق هو الذي يوازن بين متطلباته الجسدية و متطلباته الروحية، و وضع الأساسيات الممكنة التي تعتبر الدرع الواقي الذي يحول دون الانجذاب إلى هذا دون ذاك، أولها عند ولادته و التأذين في أذنه اليمنى و الإقامة في اليسرى، و أن يبدأ تطبيق المفهوم العقدي منذ الصغر أي منذ أن يبدأ الطفل بنطق بعض الحروف و الكلمات يحاول الوالدان أن يلقناه الشهادة باستمرار، و أن يتجنبا الكذب عليه حتى لا يتعلم هذا الخلق الذميم، لأن التعليم بالفعل مقدم على التعليم بالقول، و أمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، و ضربه عليها إذا بلغ العاشرة و لم يحافظ عليها، و التفريق بين الأبناء في المضاجع، و آداب الاستئذان، و تعليم أساسيات العقيدة (من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟)، و اتباع منهج التدرج بالطفل في التعليم، و اعتبار قدرات المتعلم على الاكتساب و التحصيل و عدم تكليفه ما لا يطيق من الأمور، و لعل الناظر في سيرة الرسول -صلى الله عليه و سلم – يستطيع أن يتبين بوضوح المبادئ الكبرى التي كان يقيم عليها النبي صلوات الله و سلامه عليه منهجه التربوي الذي خرج لنا جيل الصحابة ذلك المنهج الذي مكنة أسامة بن زيد رضي الله عنه، أن يتولى إمرة الجيش و هو بعد لم يتجاوز السابعة عشر من العمر... ذلك المنهج الذي مكن جيل الصحابة من الثبات في وجه المكر اليهودي و الكيد الفارسي و التهديد الروماني ... أليس ذلك المنهج هو الكفيل بتمكيننا من اكتساب الحصانة التي تقينا من كل الشرور التي تتهددنا بها عواصف العولمة و زوابعها مهما كان عتوها ...؟