بقلم : د. إبراهيم التركاوي
إن المتأمل فيما تعانيه أمتنا – أفرادا أوجماعات - من أزمات طاحنة , وما يعتريها من مشكلات ضخمة متراكمة في جميع مناحي الحياة , يجد أنها تعود لجملة من الأسباب , أري من أهمها وعلي رأسها : الهروب من مواجهة الذات ..
لقد تأكد لكل ذي بصيرة بالنظرة المتفحصة, والإحصاء العلمي الدقيق – من خلال تجارب الأفراد والأمم في الصعود والهبوط وفي النجاح والإخفاق - أن من أهم أسباب الفشل الذي يسقط فيه معظمنا , هو الهروب من مواجهة الذات بأخطائها وقصورها ..
فالنفس – بطبيعتها - تميل إلي الراحة والدّعة, وتنفر ممّن يصدها عن هواها , ويلزمها الحق , وتحب من يمدحها – ولو بغير عمل – ويتواءم مع مبتغاها , ومن ثمّ , فهي تكره التكليف وبذل الجهد في البحث والتحري , وتبحث عن الحلول السهلة , وإن لم تكن من مصلحتها .
ولذا نراها تلجأ – في معظم الأمور – إلي المنهج التبريري الذي يبعد بها عن الصدق والمواجهة , ويجنح بها إلي الهروب والمراوغة, وما أسرع ما تعلق الأخطاء علي شماعة الغير ..!
وهذا من أكبر أسباب سيطرة الفكر الخرافي, والاعتماد علي الغرائب في حل معظم مشكلاتنا – دون الوقوف علي الحلول العلمية والأسباب الحقيقية – لأن ذلك لا يكلف النفس وسعا , ولا يحملها شيئا .. , وهذا ما يؤدي – بلا شك - إلي استفحال المشكلات وتفاقمها.
إن القرآن قد وضع لنا منهجا قويما, في معالجة الأخطاء بصدق وشفافية في مواجهة الذات , من خلال نبي الله ( آدم ) وزوجه .
إن نبي الله ( آدم ) وزوجه واجها الخطأ بصدق , وحمّلا نفسيهما مسؤوليته , ولم ينسبا ذلك إلي إبليس الذي أغواهما .. " قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الأعراف: 23] علي عكس (إبليس) اللعين الذي نسب الإغواء إلي الله – عز وجل - . " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ " [الأعراف:16].
إن المنهج الإبليسي في التفكير التبريري , ونسبة الأخطاء إلي الغير – للأسف – يحكم معظم تصرفاتنا , مما يجعلنا – أفرادا أو جماعات – قد نضفي علي آرائنا القداسة , وعلي أفعالنا النزاهة , فما أكثر المبررات التي ترفع عنّا الحرج من الاعتراف بالخطأ ومواجهة الذات.!
وإني لأتساءل – في ضوء ما أري – :
• إلي متى تُدار الأمور بأهل الثقة والولاء , وقلما تسند لأهل الخبرة والذكاء؟!
• إلي متى يشغلنا المظهر عن الجوهر , والصورة عن الحقيقة , والعاطفة والانفعال عن التعقل والاتزان ؟!
• إلي متى نغض الطرف عن مثالبنا ونظل نلطم خدنا بأيدينا , حتى يتسرب منّا المخلصون , ويقل المؤيدون ويكثر المعارضون ؟!
• إلي متى ننظر إلى كل أمورنا بعين الرضا التي هي عن كل عيب راضية , ولا ننظر لها بعين السخط التي تبدي المساويا ؟!
• إلي متى نجيد فن التبرير , ولا ننتبه إلي الأخطاء والتقصير, حتى يدركنا – لا قدر الله – فشل التجربة ووخيم المصير؟!
إلي متى لا نمتثل لمنهج نبي الله ( آدم ) وزوجه في الاعتراف بالخطأ ومواجهة الذات بصدق وشفافية ؟!
تأمل منهج النبي ( صلي الله عليه وسلم ) - من خلال دعائه - في إحياء مبدأ محاسبة النفس , ونقد الذات – وهو المعصوم - :
- " اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت , ومن شر ما لم أعمل ".
- " اغفر لي خطيئتي وجهلي , وإسرافي في أمري , وما أنت أعلم به مني ".
- " اغفر لي جدي وهزلي , وخطئي وعمدي , وكل ذلك عندي ".
- " اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا , ولا يغفر الذنوب إلا أنت , فاغفر لي مغفرة من عندك , وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ".
- " اللهم اهدني وسددني "..
وقفت طويلا متأملا , عند قوله – صلي الله عليه وسلم – : ( وكل ذلك عندي ) , وقلت : هذا هو حال ( المعصوم ) , فكيف حال مَنْ هو دونه ممن طبيعتُه الخطأ , ولا تُؤمَن عليه الفتنة , وهو غير معصوم .!!
إن حل مشكلاتنا , والخروج من أزماتنا , وكشف الغم عنا , يكمن ( أولا ) قبل كل شيء في إحياء منهج الأنبياء - وهم المعصومون - في مواجهة النفس بصدق , ونقد الذات , كما أدرك صاحب ( الحوت ) أنه لا ينجيه من الغم , ولا ينقذه مما هو فيه , إلا منهج أبيه ( آدم ) , فنادي" فِي الظُّلُمَاتِ أن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ"[الأنبياء: 87-88].
-------------------
(*) باحث أكاديمي في الفكر الإسلامي
إن المتأمل فيما تعانيه أمتنا – أفرادا أوجماعات - من أزمات طاحنة , وما يعتريها من مشكلات ضخمة متراكمة في جميع مناحي الحياة , يجد أنها تعود لجملة من الأسباب , أري من أهمها وعلي رأسها : الهروب من مواجهة الذات ..
لقد تأكد لكل ذي بصيرة بالنظرة المتفحصة, والإحصاء العلمي الدقيق – من خلال تجارب الأفراد والأمم في الصعود والهبوط وفي النجاح والإخفاق - أن من أهم أسباب الفشل الذي يسقط فيه معظمنا , هو الهروب من مواجهة الذات بأخطائها وقصورها ..
فالنفس – بطبيعتها - تميل إلي الراحة والدّعة, وتنفر ممّن يصدها عن هواها , ويلزمها الحق , وتحب من يمدحها – ولو بغير عمل – ويتواءم مع مبتغاها , ومن ثمّ , فهي تكره التكليف وبذل الجهد في البحث والتحري , وتبحث عن الحلول السهلة , وإن لم تكن من مصلحتها .
ولذا نراها تلجأ – في معظم الأمور – إلي المنهج التبريري الذي يبعد بها عن الصدق والمواجهة , ويجنح بها إلي الهروب والمراوغة, وما أسرع ما تعلق الأخطاء علي شماعة الغير ..!
وهذا من أكبر أسباب سيطرة الفكر الخرافي, والاعتماد علي الغرائب في حل معظم مشكلاتنا – دون الوقوف علي الحلول العلمية والأسباب الحقيقية – لأن ذلك لا يكلف النفس وسعا , ولا يحملها شيئا .. , وهذا ما يؤدي – بلا شك - إلي استفحال المشكلات وتفاقمها.
إن القرآن قد وضع لنا منهجا قويما, في معالجة الأخطاء بصدق وشفافية في مواجهة الذات , من خلال نبي الله ( آدم ) وزوجه .
إن نبي الله ( آدم ) وزوجه واجها الخطأ بصدق , وحمّلا نفسيهما مسؤوليته , ولم ينسبا ذلك إلي إبليس الذي أغواهما .. " قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الأعراف: 23] علي عكس (إبليس) اللعين الذي نسب الإغواء إلي الله – عز وجل - . " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ " [الأعراف:16].
إن المنهج الإبليسي في التفكير التبريري , ونسبة الأخطاء إلي الغير – للأسف – يحكم معظم تصرفاتنا , مما يجعلنا – أفرادا أو جماعات – قد نضفي علي آرائنا القداسة , وعلي أفعالنا النزاهة , فما أكثر المبررات التي ترفع عنّا الحرج من الاعتراف بالخطأ ومواجهة الذات.!
وإني لأتساءل – في ضوء ما أري – :
• إلي متى تُدار الأمور بأهل الثقة والولاء , وقلما تسند لأهل الخبرة والذكاء؟!
• إلي متى يشغلنا المظهر عن الجوهر , والصورة عن الحقيقة , والعاطفة والانفعال عن التعقل والاتزان ؟!
• إلي متى نغض الطرف عن مثالبنا ونظل نلطم خدنا بأيدينا , حتى يتسرب منّا المخلصون , ويقل المؤيدون ويكثر المعارضون ؟!
• إلي متى ننظر إلى كل أمورنا بعين الرضا التي هي عن كل عيب راضية , ولا ننظر لها بعين السخط التي تبدي المساويا ؟!
• إلي متى نجيد فن التبرير , ولا ننتبه إلي الأخطاء والتقصير, حتى يدركنا – لا قدر الله – فشل التجربة ووخيم المصير؟!
إلي متى لا نمتثل لمنهج نبي الله ( آدم ) وزوجه في الاعتراف بالخطأ ومواجهة الذات بصدق وشفافية ؟!
تأمل منهج النبي ( صلي الله عليه وسلم ) - من خلال دعائه - في إحياء مبدأ محاسبة النفس , ونقد الذات – وهو المعصوم - :
- " اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت , ومن شر ما لم أعمل ".
- " اغفر لي خطيئتي وجهلي , وإسرافي في أمري , وما أنت أعلم به مني ".
- " اغفر لي جدي وهزلي , وخطئي وعمدي , وكل ذلك عندي ".
- " اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا , ولا يغفر الذنوب إلا أنت , فاغفر لي مغفرة من عندك , وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ".
- " اللهم اهدني وسددني "..
وقفت طويلا متأملا , عند قوله – صلي الله عليه وسلم – : ( وكل ذلك عندي ) , وقلت : هذا هو حال ( المعصوم ) , فكيف حال مَنْ هو دونه ممن طبيعتُه الخطأ , ولا تُؤمَن عليه الفتنة , وهو غير معصوم .!!
إن حل مشكلاتنا , والخروج من أزماتنا , وكشف الغم عنا , يكمن ( أولا ) قبل كل شيء في إحياء منهج الأنبياء - وهم المعصومون - في مواجهة النفس بصدق , ونقد الذات , كما أدرك صاحب ( الحوت ) أنه لا ينجيه من الغم , ولا ينقذه مما هو فيه , إلا منهج أبيه ( آدم ) , فنادي" فِي الظُّلُمَاتِ أن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ"[الأنبياء: 87-88].
-------------------
(*) باحث أكاديمي في الفكر الإسلامي