كنت أظن أن عالم الكتابة من السهل ولوجه، فإذا بي و بعد أكثر من ثلاثة عقود أشعر أن التجربة جديدة علي و هذا كلما أنوي تدوين شيء ما.
عادة ما تفرض عليك الكتابة عزلة، أن تبقي في مكان مغلق جالسا لمدة نسبية تبحث عن فكرة، حينما تمسك بها تهتم بطرحها قي ثوب لائق. الكتابة لا تشبه أي تمرين آخر، تتراءي لك ذاتك المفكرة عبر خيوط رقيقة، و براعتك تبرز في نسجها و إخراجها إلي نور الحياة في مظهر جميل. هذا و هامش الحرية الذي تتمتع به و أنت تكتب يعين القاريء علي تمثل التجربة الوجدانية و المعرفية الذي أنت بصددها.
أذكر ردة فعل قاريء فرنسي عندما قرأ قصتي "يوم في حياة عائلة غزاوية":"ما قرأته أزاح عن مخيلتي التحقيقات الجافة لصحافيينا عن الأوضاع في غزة و أدركت بشكل أفضل معاناة الفلسطينيين المحاصرين."
شعرت حينها و بكل تواضع أنني أصبت الهدف، فلا يكفي أن تصف معاناة، حرب أو أزمة، أي صحافي بإمكانه فعل ذلك، بينما رسالة الكاتب أن يشرح لماذا و كيف تطورت الأوضاع إلي ما هي عليه و إلي أين سائرة الأمور و أي مخرج أفضل ؟ دون نسيان غرس عامل الأمل.
الكتابة نافذتك علي العالم، من خلالها تتعلم و تعلم و تكتشف جديد و تخترق مسافات و وسائل الإتصال الرقمية توسع من دائرة الإنتشار و تتضاعف عندئذ مسؤولية الكاتب.
كنت و لازلت أتوخي قدر المستطاع تقصي الحقائق بتوثيق أي عمل روائي، و مهمة التوثيق في ذاتها جد شيقة، تزيد في رصيد الشخص، تصحح معلومات، تفتح أمامك آفاق و تمتن النص.
و مهما أستفيض و أي كانت رغبتي في نقل كل ما يحيط فعل الكتابة من طقوس و شغف، سأبدو مقصرة و مع ذلك، و محاولة مني في تلخيص إنطباعي العميق، أقول :
صدق الله العظيم في سورة العلق الآيات 3، 4، و 5 بقوله تعالي :"إقرأ و ربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم."
www.natharatmouchrika.net