مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/05/27 10:58
القانون و التاريخ في عصمة التغيير
القانون والتاريخ في عصمة التغيير
بقلم: سميرة بيطام
تبدو الحياة مجردة من الحق والعدل من غير قانون يضبط سلوكات البشر ويردع مخالفاتهم ويقرر لهم عقوبات تسكن لوعة الإجرام فيهم حتى لا تتكرر ظاهرة العود بطلاقة الذنب لتزلزل كيانات بريئة في أرواحها وكرامتها وحقوقها المصانة شرعا وقانونا..
وعليه، فإن مهمة القانون مهمة نبيلة وراقية جدا حينما يحقق في الفرد المدني إحساسا بالأمان والطمأنينة، حيث يجب عدم خلط المهام فيما بين التاريخ ومرجعية القانون كآلية لحفظ التاريخ والذاكرة التاريخية دون حاجة ماسة إلى قواعد يمليها العقل المحلل والقلق في نفس الوقت خوفا من ضياع معالم رسمها أبطال فيما مضى فزينت المتاحف أقبيتها بترديدات آثار المجاهدين والمستشهدين في سبيل الوطن والحرية والعدل والسلام، لينتقل هذا الصياح إلى خارج المتاحف فتحتضن آهاته منظمات حقوقية تسعى للحفاظ على الإنسانية في اعتراف أكيد أن لكل إنسان الحق في العيش بسلام في اكتساب مشروع لحقوق وآداء لواجبات يمليها الضمير أولا ومن ثم يترجمها الفعل الواعي والمدرك لحقيقة البناء والتشييد لصرح كل دولة ليست تحميها حدود وفقط وإنما يطوقها تاريخ حافل بأحداث وأساطير تكسب للدولة ذاتها شموخا وكبرياء في أن ما مضى نقش بماء نفيس هو أغلى بماء الذهب ..إنها دماء تقية وزكية أبت إلا أن تسقي أراضي أحبها كل مضحي وكل محب لوطنه، وللقانون دور آخر في كفاية كل محاولة لمسح الذاكرة أو تغييرها أو إعطائها صورا وتقارير لا تمت بصلة بمبادئ وقومية الدولة القانونية.
إن المكسب الديمقراطي يجسده بحث جاد ونزيه في الذاكرة التاريخية يتبعه تنديد بكل من تسول له نفسه أن يسيء لثوابت أبدية الاستقرار في أقلام تلح بإصرار أن الكرامة والحرية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، والمدافعون باسم القانون يتسلحون بسلاح الأحقية في الدفاع عن المكاسب والممارسة الديموقراطية الحقة بشرعية مدروسة الأبعاد ومنقحة في المضمون وفق ما يساير تطورات العصر وانعكاس الأحداث والمتغيرات الراهنة التي تحدث في العالم العربي خاصة، فلا أحد بقي في منأى عن موجة الاضطراب هذه، لكن يبقى للتغير الحقيقي عصمة أكيدة في أن يحافظ على قواعد القانون والذاكرة التاريخية لأنهما عمادة القوامة لأي دولة، فحتى لو هبت رياح مجهولة المنبع تريد إحداث فوضى أو زعزعة استقرار أو إرباك سواعد تعبت لتحصيل المراد فإن قوة مضادة ستقف حائلا لحفظ الأمان والسلام..إنها سواعد المثقفين بأقلامهم والمدافعين باسم القانون أيا كانت وظيفتهم، فمثلما كان يقال إن القاضي ليس بوقا يردد القانون، فإن القانون ليست كلمة تترك للتداول دونما تطبيق فعلي لبنود الصرامة والنظام منها، ومد جسور التغيير تنطلق من معرفة أن الإرادة والكفاءة موجودتان والأيدي النقية ممدودة والنيات الطيبة حاضرة غير محجوب على رغبتها الأكيدة في التغيير بعيد عن كل توتر أو قلق أو إحباط، فلغة التفاهم بين الأجناس المتنوعة وجدت لها وسيلة للتفاهم والتوافق والانسجام لتصبح العلاقة مترابطة كترابط الفاعل بالمفعول به وإني أشبه ترابط القانون والتاريخ بنموذج جميل لهذه العلاقة المتماسكة والمتتالية في نفس الوقت فلا القانون يطبق بعيدا عن فهم فصول التاريخ لأي دولة ولا التاريخ يكتب ويوثق من غير قانون يؤطر له مجاله الشرعي من الحقيقة والواقعية مثلما تجسد فعلا في أحداث الماضي من حروب وثورات وإحصاءات وإنجازات ومراسيم مبدعة في تدشين معالم تشهد بالصور الصامتة داخل المتاحف وتحت مظلات المقامات التي تتكلم بلغة الفخر دائما، وخير كلام يقال حينما يتجول السائح أو المواطن أو الزائر لأي متحف أو محكمة أو مجسدة تاريخية أو قانونية أن هبة أي دولة ترتسم هنا وأي نية في التغيير حتما ستنطلق من هذه الأعمدة المتينة، ليصبح للتغيير مستقبلا عصمة لا يمكن منحها لأي مشروع آخر لأنه لا يتصور أي فكرة أو مقترح ينافس التغيير في الإتيان بالجديد والمتجدد والمتطور والمستحدث وبالأخص المواكب والمساير لعقيدة ترسم خطوات التوفيق والنجاح من منطلق التمكين بديمومة المبادىء والثوابت والتي لن تجد لها آلية فعالة في الحماية إلا تحت مضلتي: القانون والتاريخ...
 
أضافة تعليق