بقلم د/محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهر
كم أحب هذا الرجل الصالح، المصلح، العابد، الزاهد، القائد، المجاهد، الإمام القدوة، المشفق على الأمة، الداعي إلى السنة، السلطان، الشهيد: نور الدين محمود زنكي - رحمه الله تعالى، ورضي عنه - فقد كان وجود مثله واحدا من أسباب نصر الأمة على عدوها، وإعلاء راية الإسلام، واجتماع كلمة المسلمين، فقد جمع الله له بين الصلاح والإصلاح، والجهاد والاجتهاد، والعلم والعمل، والعبادة والقيادة، ونعت بالشهادة مع أنه مات في فراشه!
ورغم هذه السمات التي قلما تجتمع في رجل دولة؛ فقد كان ينكر ذاته، ويتوسل إلى الله في المعارك بذل نفسه، فقد دعا في سجوده في يوم وقعة (تل حارم ) ضد الصليبيين قائلا: ((اللهم انصر دينك، ولا تنصر محمودا، من الكلب محمود حتى ينصر؟!)).
وبهذا التذلل الصادق نصره الله على عدوه مرتين، مرة في هذه الوقعة، ومرة برحيل الفرنجة عن دمياط دون حرب!
فقد ذكر المؤرخون أن رجلا من رجال نور الدين رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه يقول له: ((بلغ نور الدين سلامي، وقل له إن الفرنجة قد رحلوا عن دمياط الليلة!)).
فقال له الرجل: (( يارسول الله، لن يصدقني، فاذكر لي علامة يصدقني بها)).
فقال له: (( قل له: بعلامة ما سجدت على (تل حارم) وقلت في سجودك: اللهم انصر دينك، ولا تنصر محمودا، من الكلب محمود حتى ينصر؟!)).
فجاءه الرجل في المسجد بغلس، فقص عليه الرؤيا، فلما انتهى إلى قوله(الكلب محمود) انقبض من ذكر كلمة(الكلب) حياء منه، فقال له نور الدين:(( اذكر العلامة كلها!)).
فذكرها له!
فبكى نور الدين، وصدق الرؤيا، وأرخت تلك الليلة، فكانت هي الليلة التي رحل فيها الفرنجة عن دمياط!
وكان نور الدين هو الذي استنقذ القبر المكرم في المسجدِ النبوي، في المدينة الشريفة، من محاولة نبشه، وسرقة الجسد المعظم - بأبي هو وأمي - على أيدي النصارى، فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم وهو يشير إلى رجلين أشقرين، ويقول له: أنقذني من هذين!
فشد رحله حتى أتى المدينة، في قصة مشهورة ذكرها السمهودي في (وفاء الوفا).
رضي الله عن السلطان الشهيد نور الدين محمود، ورفع ذكره، وأعلى قدره، وفخم أمره، ونور قبره إلى يوم الدين، وسلام عليه في الخالدين!