رؤيتي
-التحديات في سباق التميز-
رؤيتي ،التحديات في سباق التميز ، كتاب مميز يستعرض فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي جوانب التجربة التنموية التي تقوم على تحقيق الامتياز و الانتقال بالإمارات من دورها كمركز اقتصادي عالمي ، و زيادة الاعتماد على الخدمات المتميزة و السياحة و اقتصاد الفكر و المعرفة و الطاقة البشرية المبدعة و تحقيق معدلات التنمية التي تطمح اليها الدولة.-التحديات في سباق التميز-
صفحات الكتاب 223 صفحة كتبه الشيخ محمد بن راشد بأسلوب راق و محفز و مشوق و جذاب و هو يشرح سر ازدهار و رقي الامارات العربية المتحدة و قد تخللت صفحاته صور للقيادي و هو في معترك القيادة السياسة مع شخصيات سياسية عربية و غربية كثيرة.
حاولت نقل أهم المحاور التي تطرق اليه محمد بن راشد آل مكتوم و التي تهم أي عربي يطمح لأن يعرف سر التفرق و التشتت لدى العرب و كذا معرفة خبايا النهضة الاماراتية التي تقدمت الركب السباقي في التغيير بكل ثقة و بخطى وئيدة، مشيرا الى أن الفشل معلم كبير و لو أنه ليس لدى الامارتيين الوقت للتعلم من الفشل بحسب رأيه ليسوا ذوي تجربة في الفشل و أرجع بذلك أن أزمة العرب في الرقي ليست أزمة مال أو رجال أو أرض أو موارد و انما هي أزمة قيادة و أزمة ادارة و أنانية مستحكمة.
و ليس يساوي في سباق الريادة فيما أن يكون المنافس أسد أو غزال ، بل المهم عنده هو ان يستيقظ المنافس مع اشراقة كل صباح و عليه أن يغدو بأسرع من غيره ليحقق النجاح ، فالتاريخ عنده لا يرحم الضعيف و لا يجامل القوي و ليس المهم هو الفشل في السباق في المرة الأولى ، لأن النهاية ليست هنا بل الأهم هو أن هذا الفشل هو عبارة عن كبوة و لكل جواد كبوة و الفشل الحقيقي لديه هو أن يقع المنافس على الأرض و يظل على الأرض عندما يطلب منه الوقوف و الفشل الأكبر عندما لا يريد الوقوف مرة أخرى.
في كلامه دقة للوصف و شرح متين للقيادة الناجحة ،بوصفه كون العالم ليس مثاليا لذلك يمكن النظر شرقا فتجد بلدان الشرق المنكوبة أمثلة حية عن المعاناة و يمكن النظر غربا ثم جنوبا فيجد الأمثلة مشابهة ، لمن لا حاجة لأن ننظر خارج منطقتنا ، اذ يمكن الحديث عن الحرب كما يفعل الكثيرون لكنه يفضل الحديث عن السلام لأن ديننا دين سلام و تحيتنا تحية السلام و مبتدى حديثنا و نهايته هو السلام و حتى كلمة الاعجاب هي السلام.
و يركز في كتابة على فكرة الرؤية كعامل أولي للنجاح و القائد الناجح هو الذي يطرح الرؤية و يقرر أهدافا محددة لها، و يقر صراحة في كتابه بصعوبة وضع تعريف للقيادة لأنه بحسب رأيه ممارسة القيادة شيء و تعريفها شيء آخر ،اذ يستطيع الحديث عن الدوائر في امارة دبي كما مديرو الدوائر أنفسهم تقريبا لكنه هو القائد و يمارس القيادة في كل ساعة من حياته اذ وجدها من أصعب المواضيع شرحا و تفسيرا.
فعامة القراء يعرفون ما هي القيادة و من هو القائد ، على درجات ،فمن يقود جماعة غير من يقود جيشا و من يقود جيشا غير من يقود أمة ، هذا يعني أن الانسان يكون قائدا على عمل بسيط لكن قيادة الدول و الأمم تحتاج الى أكثر من هذا بكثير ، و البعض يقول أن القادة يولدون و لا يصنعون ربما كان هذا صحيحا .
لكنه يفصل في الأمر ليقول أنه يمكن القول بقدر معلوم من الثقة المبنية على التجربة و الخبرة و المراقبة أن القيادة خاصية يملكها البعض و لا يملكها البعض الآخر ، هو التميز الذي يسمح بتحديد القيادة و مفهومها لكنه ليس تحديدا مطلقا، و يعتقد برأيه أن أحد أسباب هذه الصعوبة وجود ملكات و عواطف و طاقات في القائد لا يمكن قياسها أو تعريفها أو تحديدها بسهولة و هو ما يطلق عليه البعض صفات السحر و الدهاء ،و لكن المصطلح المفضل لدى الشيخ محمد بن راشد هو مصطلح الروح القيادية.
تكلم من جهة أخرى عن الفساد الاداري و كيف يرفضه رفضا باتا حيث وصفه بالسمكة الفاسدة و التي تنشر المرض و تلوث الهواء النقي برائحة العفونة ،لأنها تنشر الفساد في السمك الآخر لذا لا مكان لها لديه ، و يقر بضرورة استئصالها فورا و احالتها على القضاء لتنال العقاب الذي تستحقه ، فلا أحد فوق القانون بحسب وصفه ، و يصف الفساد الاداري في الامارات أنه شيء لا يريده و لا يتحمله و لا مكان له في قلوب القيادة الاماراتية و كل من يستخدمه كوسيلة للكسب الغير مشروع لا تفهم و لا رحمة معه.
و يشير الى أن أقوى شيء لديه هو القرار الصائب في الوقت الصائب ، و التنقيب الحقيقي بمفهومه هو التنقيب في عقول البشر و الاعتماد على طاقاتهم و روحهم الابداعية لأنها أهم شيء بل هي الركيزة نحو الريادة و التميز .
هذا ولم يغفل ايلاء الدور الهام للمرأة التي تمثل نسبة 52 بالمئة في مجال العمل بمدينة دبي للانترنت و هو يشجع رفع هذه النسبة حتى الى مئة بالمائة نظرا للدور الفعال الذي لعبته المرأة الاماراتية و في كافة المجالات ،و بالتالي فهي ليست نصف المجتمع بل أم المجتمع مستدلا في ذلك بالمرأة الأندلسية و التي كانت واسعة النفوذ حيث تمتعت بقسط كبير من الحرية ، و لم يغفل الى الاشارة الى ان امتلاك التكنولوجيا ليس معناه امتلاك الطريق بل بدايتها اذ لا بد من مواكبة للتقنية و ما تفرضه العولمة الحديثة من مستجدات ، و الهدف من كل هذا هو تنمية العقول و بالتالي فهو يرى أن التميز لا علاقة له بالمنصب، و يقول أنه لا توجد فرص كبيرة من غير مخاطر كبيرة ،و يصف أكبر مخاطرة هي ألا يأخذ الانسان أي مخاطرة ،و هو بالتالي لا يعترف بالمستحيل و ان كان ثمة مستحيل لم يتم تخطيه فحتما لم يتم الاهتداء للطريقة الصحيحة لتجاوزه.
يركز كثيرا على طاقة الشباب و يبحث عن المبدعين ليوليهم مناصب قيادة المشاريع التنموية و يستعين في ذلك بالمتعاملين السريين الذي يتابعون سلوك الموظفين و المديرين لمعرفة سمعتهم وتعاملهم في عملهم و بهذه الطريقة تتم ترقيتهم بعد معرفة اثرهم الطيب في المعاملة ، و يشير الى أنه على الانسان أن لا يتطلع الى المناصب و الألقاب بل الى الانجازات .
في الكتاب متعة خاصة و هو يتحدث عن حبه للخيل ،حيث أشار الى أن الأمم تهتم بخيولها لكن العرب جعلوا من شؤون الخيل و أنسابها علما و كتب فيه كثيرون مثل بن قتيبة و بن الأعرابي و ابي عبيدة و ابي جعفر محمد بن حبيب البغدادي و ابي محلم محمد بن هشام الشيباني ، و حينما غيبت شمس الريادة و الخيل عند العرب بدأت تبزغ في الغرب على أصولها العربية الكثيرة حتى ان كل الجياد السلالية الأصيلة في انجلترا انحدرت من السلالة العربية ، و الكثير من سمع بمعركة واترلو الشهيرة التي التقى فيها نابيلون بونابرت مع خصمه الانجليزي دوق ولنغتون عام 1815 ، و أكثر الناس لا يعرفون عن وجود الرمز العربي في تلك المعركة الحاسمة اذ كان نابليون يمتطي جوادا عربيا أصيلا أبيض هو مارينغو ، فالشعر و الخيل و الأصالة و الشهامة و الهيبة و الكرم من ثوابت التكوين المتفرد للشخصية العربية.
و اختم بإيجاز كما أوجزت في لمحات من هذا الكتاب بعد انتهائي من قراءته الى أني أتمنى حقا لو توظف الريادة و التميز و التقدم و التطور في خوض معركة الحق و هي نصرة كل مظلوم عربي على وجه المعمورة بتوحد القوى و تكاثف الـأيادي العربية ليكتمل نصاب العروبة الحقة و يصدق الاسلام فينا فهو دين حضارة و رقي، و لن يكتمل رقي عربي ما دامت فلسطين و سوريا و العراق و اليمن و مصر و ليبيا تحت القهر ، و ما دام تشخيص العلة فينا كعرب و هي سوء الادارة فهل يمكن تدارك الخلل و ترتيب الرؤية المستقبلية لواقع الامة الاسلامية بما يحقق لها تميزها و تفردها في الحضارة و بالتالي تستعيد أوج تألقها مثلما كانت في أزمان خلت ؟..
لا شيء يبدو مستحيلا و دولة الامارات العربية أنموذجا في التميز و الريادة .