مكافحة الفساد...الآلية المغيبة
يقول الدكتور تيسير العمر من جامعة دمشق أن العولمة مبدأ ثائر، يسوق بين الخطأ و الصواب بعصا واحدة ،لا يمكن في طبيعة الثائر الا هذا ،فالغرب ممثلا بأمريكا –في أيامنا هذه- لا يبرح متخذا مبدأ الصراع حتى يسلخ الشرق عن تاريخه و حضارته ، أيصرع فيموت بحقده أم يدفن بشؤم أعماله و ليس دعاة العولمة مصلحين ،بل أصحاب قوة زهاهم النصر الذي اتفق لهم في وقت تشرذم العالم و انقسم فخرجوا من تلك الحروب الصغيرة ، و هم يجارون (نريد ، نفعل، ندمر) فغلطوا غلطة أرادوها منتصرة ، فعرضوها على المساكين ، فقهرتهم و آذتهم في كل جانب ـ الا أن هذا السعار لن يدوم طويلا ، و لن يمكث في الأرض الا ما ينفع الناس.
و مما لا شك فيه أن المشرع القانوني أسرع ليواكب تطورات العولمة بأشكالها المؤثرة على سلوكات الناس على اختلاف طبقاتهم و مستواهم التعليمي و التحضري ، و لهذا السبب انطلقت الدول الأطراف بعضها الى بعض لتقدم أكبر قدر ممكن بمقتضى القوانين أوسع قدر من المساعدة المتبادلة في التحقيقات الجنائية و الملاحقات القانونية و الاجراءات القضائية المتصلة بجرائم الفساد و الجرائم الأخرى المشمولة في الاتفاقيات لتكون ممهورة بالصيغة التنفيذية.
و المتأمل للمادة 56 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة يجد أنها تنص على أنه تسعى كل دولة طرف و دون الاخلال بقانونها الداخلي الى اتخاذ تدابير تجيز لها أن تحيل دون مساس بتحقيقاتها أو ملاحقتها أو اجراءاتها القضائية معلومات عن العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية الى دولة طرف أخرى دون طلب مسبق ، عندما ترى أن افشاء تلك المعلومات قد يساعد الدولة الطرف المتلقية على استهلال أو اجراء تحقيقات او ملاحقات أو اجراءات قضائية أو قد يؤدي الى تقديم تلك الدولة الطرف طلبا بمقتضى ما ورد في نصوص الاتفاقية.
و المادة 63 و ما ورد عن مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية تنص على مايلي:
*استخدام المعلومات ذات الصلة التي تعدها الآليات الدولية و الاقليمية من أجل مكافحة الفساد و منعه .
*تقوم كل دولة طرف بتزويد مؤتمر الدول الأطراف بمعلومات عن خططها و ممارستها و كذلك عن تدابيرها التشريعية و الادارية من أجل تنفيذ الاتفاقية ، حسبما يقضي به مؤتمر الأطراف .
*عملا بالفقرات 4 الى 6 من هذه المادة ،ينشئ مؤتمر الدول الأطراف اذا ما رأى ضرورة لذلك ، أي آلية أو هيئة مناسبة للمساعدة على تنفيذ الاتفاقية تنفيذا فعالا.
هذه عينة موجزة عن سن القانون الدولي في طريقة صياغته لآلية مكافحة الفساد و يا حبذا لو ادرجت شروحات عن تعويض مجرمي الحرب و لو أنها جانب من اختصاص القانون الانساني و الذي يولي جانبا كبيرا من الأهمية لحقوق الانسان بما في ذلك تفصيلا :
اتفاقية جنيف و المتضمنة أربع اتفاقيات دولية تمت صياغة الأولى منها في 1864 و الأخيرة في 1949 حيث تناولت حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، أي طريقة الاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، حماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة إلى آخره. دعت إلى الاتفاقية الأولى اللجنة الدولية لإغاثة الجنود الجرحى تأسست في 1863 ، أصبحت تسمى بدءا من 1876 وإلى اليوم ب"اللجنة الدولية للصليب الاحمر" ، الصليب الأحمر كمنظمة دولية محايدة لمعالجة شؤون الجرحى وأسرى الحرب ، عند صياغة الاتفاقية الرابعة في 1949 تم كذلك تعديل نصوص الاتفاقيات الثلاثة السابقة ودمج النصوص الأربعة في اتفاقية موحدة ، و تلحق باتفاقية جنيف ثلاثة بروتوكولات وهي عبارة عن إضافات وتعديلات للاتفاقية الأصلية ، تم إلحاق البروتوكولات بين 1977 و2005 و انضم إلى اتفاقية جنيف 190 دولة، أي عموم دول العالم تقريبا، مما يجعلها أوسع الاتفاقيات الدولية قبولا، وجزء أساسي مما يسمى بالقانون الدولي الإنساني.
و لكن هل كان كافيا انشاء هذه المنظمات و سن القوانين لتصادق عليها القوانين الداخلية للدول الأعضاء لأجل تحقيق الغاية المرجوة و هل فعلا وضعت على النحو الكامل و الشامل لما يخدم المصلحة الداخلية للدول ؟؟.
ثم أين الجانب التطبيقي لهذه القوانين الدولية ان ما كانت فعلا تسعى لمكافحة الفساد الناجم عن الحروب و هل ترجم قلق بان كيمون حقيقة عن اختراق القوانين الدولية على أنه بسبب التجاوزات و الخروقات الحاصلة في القوانين أم هو مجرد بصمة سلوكية ربما فيها الكثير من السخرية بدل الجد لمكافحة الفساد الذي عصف بأرواح الكثير من الضحايا في مصر و سوريا و اليمن و العراق و بورما و غيرها من الدول بسب ما سمي بالربيع العربي.
ثم ان كانت هذه الآلية الدولية مغيبة على أرض الواقع فكيف للقانون الداخلي أن يجد العبرة في الصرامة لتطبيق اللوائح و التعليمات التنظيمية لمكافحة الفساد الاداري و المالي و الأخلاقي و ما يتعرض له المال العام من نهب و تبذير و خسائر و ما تتعرض له الأرواح من تقتيل و تشريد و جور و ظلم ..
أليس القدوة بمن يملي القوانين من أعلى جهاز دولي و هي منظمة الأمم المتحدة أم العبرة أن يطأطأ رجال القانون رؤوسهم الى الأجهزة الوطنية للدولة مرحبين بأي مبادرة المسعى منها هو مكافحة الفساد و فقط ؟، ثم هل الآلية الحقيقية لمكافحة الفساد موجودة فعلا و ان كان كذلك هل هي مفعلة ؟. و ان كان الجواب بنعم فلماذا لا تزال منظفة الشفافية الدولية ترتب الدول العربية ضمن مقدمة قائمة الدول الأكثر فسادا ، أليست العولمة مبدأ ثائر يسوق بين الخطأ و الصواب و ما سن القوانين الى للتقريب المواطن و المسؤول الى جادة الصواب بما يضمن لميزان العدالة توزانا فعليا و حقيقيا يقتص فيه الحق و يخذل فيه الفساد و المفسدون.
ألا يوجد على مستوى الادارات العمومية مصلحة لحل النزاعات و الخصومات ،فأين هي لتضمن حقوق الموظفين المهدور حقهم و أين هي محاضر اثبات رفع الدعاوى و الفصل فيها و ارجاع الحق لأهله ؟، اما ان الآلية مغيبة؟
و أين هي لجان متابعة جرد الأموال العمومية التابعة للسطلة الوصية لتتابع حركة المال العام المقدم لإجراء عمليات زرع الأعضاء البشرية و قد جاراها قانون الصحة بتعديلات تضمن السلامة الجسدية و الخصوصية التامة للمريض ، فأين هي محاضر متابعة صرف المال العام ؟ يعني هنا أيضا الآلية مغيبة و لو أنها موجودة فعلا و نص عليها القانون الجزائري رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته في نص المادة 2:
" الفساد هو كل الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من هاذ القانون"
فالدولة تسعى للحفاظ على المال العام و صرفه فيما يفيد و ما ينفع المواطنين دون حاجة لأي عناء الاستفسار بعد تجاوز الخطوط الحمراء للتسيير الجيد، فمكمن المشكلة في كواليس التسيير ، و حتى للمواطن مساهمة في الفساد حينما لا يحافظ على الهياكل التي بنتها له الدولة و تجد في سلوكاته الانتقامية حب التخريب و التكسير ، فما الفائدة و لما هذا السلوك المنافي للقانون و للأخلاق؟ ، أو ليس المطلوب منا ان لم نستطع على البناء على الأقل لنحافظ على ممتلكاتنا لأنها لنا و ليست لغيرنا و الوطن نحن من نحميه و نعزز البناء و التشييد فيه لا أن نهدم قواعده المتينة و نطالب برفع الأجور و السعي للعمل غائب تماما ، فان تطلب أيها الموظف زيادة في أجرك و انت لا تعمل فهذا شكل من اشكال الفساد الأخلاقي و المجتمعي و هو يعودك على الكسل و الخمول و عدم الاحساس بشعور الوطنية الذي يجعلك تتفانى في حب بلدك و تقديم كل ما تملك..و المادة 15 من قانون مكافحة الفساد نصت على مشاركة المجتمع المدني في الوقاية من الفساد و مكافحته ، هذا واجبك أيها المواطن و ليس لك أي عرفان في ذلك و العرفان يكون في حالة ما قدمت أكثر مما قدمه الغير في منافسة شريفة فهنا تستحق الثناء و تكون عبرة لغيرك و يكون بداخلك شعور بالارتياح أنك ساهمت في التحصيل الايجابي و ليس في السلبي..
اذن مظاهر الفساد لها أوجه متعددة تبدأ من المستوى الدولي وصولا الى المستوى الداخلي و انتهاءا بذات الفرد أو المواطن و مدى استيعابه لحقيقة خطر الفساد و تغييبه و لو بنسبة ضئيلة لآلية مكافحته ، فتفعيل الجانب الأخلاقي و الاحساس بعنصر الوعي خاصة هو المحرك الأساسي لتوظيف آليات مكافحة الفساد على النحو المثمر و المحقق للنتائج.
فأيا كانت صفتك : مواطن ، حقوقي ،محامي ، طبيب ، قاضي ، مسؤول على اختلاف درجة المسؤولية المنوطة بك تذكر أنك فاعل و مفعل في المجتمع و الادارة و حتى في بيتك فاحرص أن تكون مثاليا في حب أسرتك ووطنك و حب الاصلاح و درء الشر و المفاسد و تأدية العمل على أكمل وجه و لا شأن لك في البقية فان استطعت التأثير عيلهم فافعل بأخلاقك و احترامك للقوانين ، و لك أن تتحضر يوما بعد يوم في أن تحترم القانون ورجال القانون من سلك الأمن و الدرك و غيرهم من يسهرون على حسن سير النظام العام و الآداب العامة فلك أن تحترم كيان أي شرطي أو دركي فهو في الواجهة معك فساعده في أن يؤدي مهامه و لا تثقل كاهله ببيروقراطية تزرع اليأس و خيبات الأمل.. فان لم تحاسب في الدنيا فلك رب يحاسبك في الاخرة..فكن على قدر عال من الأخلاق لتترك أمانة حب الوطن لأولادك و أحفادك و هكذا يسلم مشعل البناء بأيدي نظيفة و لأيدي أمينة تعلمت ووعت و طبقت فكانت خير سلف لخير خلف.
فان كنت ترى الفساد و لم تستطع أن تقدم الأفضل فلا تنظم الى المفسدين و الزم مكانك و اكتف بآداء واجبك فهنا تكون أديت ما عليك و ليس مطالب منك أكثر من هذا، أصلح نفسك و لا تطلب من الغير أن يصلحوا أنفسهم بل كنت أنت القدوة، لأن الجدال من غير فائدة هو فساد آخر تزيد من فتيله الفتنة.
يقول الدكتور تيسير العمر من جامعة دمشق أن العولمة مبدأ ثائر، يسوق بين الخطأ و الصواب بعصا واحدة ،لا يمكن في طبيعة الثائر الا هذا ،فالغرب ممثلا بأمريكا –في أيامنا هذه- لا يبرح متخذا مبدأ الصراع حتى يسلخ الشرق عن تاريخه و حضارته ، أيصرع فيموت بحقده أم يدفن بشؤم أعماله و ليس دعاة العولمة مصلحين ،بل أصحاب قوة زهاهم النصر الذي اتفق لهم في وقت تشرذم العالم و انقسم فخرجوا من تلك الحروب الصغيرة ، و هم يجارون (نريد ، نفعل، ندمر) فغلطوا غلطة أرادوها منتصرة ، فعرضوها على المساكين ، فقهرتهم و آذتهم في كل جانب ـ الا أن هذا السعار لن يدوم طويلا ، و لن يمكث في الأرض الا ما ينفع الناس.
و مما لا شك فيه أن المشرع القانوني أسرع ليواكب تطورات العولمة بأشكالها المؤثرة على سلوكات الناس على اختلاف طبقاتهم و مستواهم التعليمي و التحضري ، و لهذا السبب انطلقت الدول الأطراف بعضها الى بعض لتقدم أكبر قدر ممكن بمقتضى القوانين أوسع قدر من المساعدة المتبادلة في التحقيقات الجنائية و الملاحقات القانونية و الاجراءات القضائية المتصلة بجرائم الفساد و الجرائم الأخرى المشمولة في الاتفاقيات لتكون ممهورة بالصيغة التنفيذية.
و المتأمل للمادة 56 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة يجد أنها تنص على أنه تسعى كل دولة طرف و دون الاخلال بقانونها الداخلي الى اتخاذ تدابير تجيز لها أن تحيل دون مساس بتحقيقاتها أو ملاحقتها أو اجراءاتها القضائية معلومات عن العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية الى دولة طرف أخرى دون طلب مسبق ، عندما ترى أن افشاء تلك المعلومات قد يساعد الدولة الطرف المتلقية على استهلال أو اجراء تحقيقات او ملاحقات أو اجراءات قضائية أو قد يؤدي الى تقديم تلك الدولة الطرف طلبا بمقتضى ما ورد في نصوص الاتفاقية.
و المادة 63 و ما ورد عن مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية تنص على مايلي:
*استخدام المعلومات ذات الصلة التي تعدها الآليات الدولية و الاقليمية من أجل مكافحة الفساد و منعه .
*تقوم كل دولة طرف بتزويد مؤتمر الدول الأطراف بمعلومات عن خططها و ممارستها و كذلك عن تدابيرها التشريعية و الادارية من أجل تنفيذ الاتفاقية ، حسبما يقضي به مؤتمر الأطراف .
*عملا بالفقرات 4 الى 6 من هذه المادة ،ينشئ مؤتمر الدول الأطراف اذا ما رأى ضرورة لذلك ، أي آلية أو هيئة مناسبة للمساعدة على تنفيذ الاتفاقية تنفيذا فعالا.
هذه عينة موجزة عن سن القانون الدولي في طريقة صياغته لآلية مكافحة الفساد و يا حبذا لو ادرجت شروحات عن تعويض مجرمي الحرب و لو أنها جانب من اختصاص القانون الانساني و الذي يولي جانبا كبيرا من الأهمية لحقوق الانسان بما في ذلك تفصيلا :
اتفاقية جنيف و المتضمنة أربع اتفاقيات دولية تمت صياغة الأولى منها في 1864 و الأخيرة في 1949 حيث تناولت حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، أي طريقة الاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، حماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة إلى آخره. دعت إلى الاتفاقية الأولى اللجنة الدولية لإغاثة الجنود الجرحى تأسست في 1863 ، أصبحت تسمى بدءا من 1876 وإلى اليوم ب"اللجنة الدولية للصليب الاحمر" ، الصليب الأحمر كمنظمة دولية محايدة لمعالجة شؤون الجرحى وأسرى الحرب ، عند صياغة الاتفاقية الرابعة في 1949 تم كذلك تعديل نصوص الاتفاقيات الثلاثة السابقة ودمج النصوص الأربعة في اتفاقية موحدة ، و تلحق باتفاقية جنيف ثلاثة بروتوكولات وهي عبارة عن إضافات وتعديلات للاتفاقية الأصلية ، تم إلحاق البروتوكولات بين 1977 و2005 و انضم إلى اتفاقية جنيف 190 دولة، أي عموم دول العالم تقريبا، مما يجعلها أوسع الاتفاقيات الدولية قبولا، وجزء أساسي مما يسمى بالقانون الدولي الإنساني.
و لكن هل كان كافيا انشاء هذه المنظمات و سن القوانين لتصادق عليها القوانين الداخلية للدول الأعضاء لأجل تحقيق الغاية المرجوة و هل فعلا وضعت على النحو الكامل و الشامل لما يخدم المصلحة الداخلية للدول ؟؟.
ثم أين الجانب التطبيقي لهذه القوانين الدولية ان ما كانت فعلا تسعى لمكافحة الفساد الناجم عن الحروب و هل ترجم قلق بان كيمون حقيقة عن اختراق القوانين الدولية على أنه بسبب التجاوزات و الخروقات الحاصلة في القوانين أم هو مجرد بصمة سلوكية ربما فيها الكثير من السخرية بدل الجد لمكافحة الفساد الذي عصف بأرواح الكثير من الضحايا في مصر و سوريا و اليمن و العراق و بورما و غيرها من الدول بسب ما سمي بالربيع العربي.
ثم ان كانت هذه الآلية الدولية مغيبة على أرض الواقع فكيف للقانون الداخلي أن يجد العبرة في الصرامة لتطبيق اللوائح و التعليمات التنظيمية لمكافحة الفساد الاداري و المالي و الأخلاقي و ما يتعرض له المال العام من نهب و تبذير و خسائر و ما تتعرض له الأرواح من تقتيل و تشريد و جور و ظلم ..
أليس القدوة بمن يملي القوانين من أعلى جهاز دولي و هي منظمة الأمم المتحدة أم العبرة أن يطأطأ رجال القانون رؤوسهم الى الأجهزة الوطنية للدولة مرحبين بأي مبادرة المسعى منها هو مكافحة الفساد و فقط ؟، ثم هل الآلية الحقيقية لمكافحة الفساد موجودة فعلا و ان كان كذلك هل هي مفعلة ؟. و ان كان الجواب بنعم فلماذا لا تزال منظفة الشفافية الدولية ترتب الدول العربية ضمن مقدمة قائمة الدول الأكثر فسادا ، أليست العولمة مبدأ ثائر يسوق بين الخطأ و الصواب و ما سن القوانين الى للتقريب المواطن و المسؤول الى جادة الصواب بما يضمن لميزان العدالة توزانا فعليا و حقيقيا يقتص فيه الحق و يخذل فيه الفساد و المفسدون.
ألا يوجد على مستوى الادارات العمومية مصلحة لحل النزاعات و الخصومات ،فأين هي لتضمن حقوق الموظفين المهدور حقهم و أين هي محاضر اثبات رفع الدعاوى و الفصل فيها و ارجاع الحق لأهله ؟، اما ان الآلية مغيبة؟
و أين هي لجان متابعة جرد الأموال العمومية التابعة للسطلة الوصية لتتابع حركة المال العام المقدم لإجراء عمليات زرع الأعضاء البشرية و قد جاراها قانون الصحة بتعديلات تضمن السلامة الجسدية و الخصوصية التامة للمريض ، فأين هي محاضر متابعة صرف المال العام ؟ يعني هنا أيضا الآلية مغيبة و لو أنها موجودة فعلا و نص عليها القانون الجزائري رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته في نص المادة 2:
" الفساد هو كل الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من هاذ القانون"
فالدولة تسعى للحفاظ على المال العام و صرفه فيما يفيد و ما ينفع المواطنين دون حاجة لأي عناء الاستفسار بعد تجاوز الخطوط الحمراء للتسيير الجيد، فمكمن المشكلة في كواليس التسيير ، و حتى للمواطن مساهمة في الفساد حينما لا يحافظ على الهياكل التي بنتها له الدولة و تجد في سلوكاته الانتقامية حب التخريب و التكسير ، فما الفائدة و لما هذا السلوك المنافي للقانون و للأخلاق؟ ، أو ليس المطلوب منا ان لم نستطع على البناء على الأقل لنحافظ على ممتلكاتنا لأنها لنا و ليست لغيرنا و الوطن نحن من نحميه و نعزز البناء و التشييد فيه لا أن نهدم قواعده المتينة و نطالب برفع الأجور و السعي للعمل غائب تماما ، فان تطلب أيها الموظف زيادة في أجرك و انت لا تعمل فهذا شكل من اشكال الفساد الأخلاقي و المجتمعي و هو يعودك على الكسل و الخمول و عدم الاحساس بشعور الوطنية الذي يجعلك تتفانى في حب بلدك و تقديم كل ما تملك..و المادة 15 من قانون مكافحة الفساد نصت على مشاركة المجتمع المدني في الوقاية من الفساد و مكافحته ، هذا واجبك أيها المواطن و ليس لك أي عرفان في ذلك و العرفان يكون في حالة ما قدمت أكثر مما قدمه الغير في منافسة شريفة فهنا تستحق الثناء و تكون عبرة لغيرك و يكون بداخلك شعور بالارتياح أنك ساهمت في التحصيل الايجابي و ليس في السلبي..
اذن مظاهر الفساد لها أوجه متعددة تبدأ من المستوى الدولي وصولا الى المستوى الداخلي و انتهاءا بذات الفرد أو المواطن و مدى استيعابه لحقيقة خطر الفساد و تغييبه و لو بنسبة ضئيلة لآلية مكافحته ، فتفعيل الجانب الأخلاقي و الاحساس بعنصر الوعي خاصة هو المحرك الأساسي لتوظيف آليات مكافحة الفساد على النحو المثمر و المحقق للنتائج.
فأيا كانت صفتك : مواطن ، حقوقي ،محامي ، طبيب ، قاضي ، مسؤول على اختلاف درجة المسؤولية المنوطة بك تذكر أنك فاعل و مفعل في المجتمع و الادارة و حتى في بيتك فاحرص أن تكون مثاليا في حب أسرتك ووطنك و حب الاصلاح و درء الشر و المفاسد و تأدية العمل على أكمل وجه و لا شأن لك في البقية فان استطعت التأثير عيلهم فافعل بأخلاقك و احترامك للقوانين ، و لك أن تتحضر يوما بعد يوم في أن تحترم القانون ورجال القانون من سلك الأمن و الدرك و غيرهم من يسهرون على حسن سير النظام العام و الآداب العامة فلك أن تحترم كيان أي شرطي أو دركي فهو في الواجهة معك فساعده في أن يؤدي مهامه و لا تثقل كاهله ببيروقراطية تزرع اليأس و خيبات الأمل.. فان لم تحاسب في الدنيا فلك رب يحاسبك في الاخرة..فكن على قدر عال من الأخلاق لتترك أمانة حب الوطن لأولادك و أحفادك و هكذا يسلم مشعل البناء بأيدي نظيفة و لأيدي أمينة تعلمت ووعت و طبقت فكانت خير سلف لخير خلف.
فان كنت ترى الفساد و لم تستطع أن تقدم الأفضل فلا تنظم الى المفسدين و الزم مكانك و اكتف بآداء واجبك فهنا تكون أديت ما عليك و ليس مطالب منك أكثر من هذا، أصلح نفسك و لا تطلب من الغير أن يصلحوا أنفسهم بل كنت أنت القدوة، لأن الجدال من غير فائدة هو فساد آخر تزيد من فتيله الفتنة.