مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2015/12/23 18:28
الجامعة و سيناريو الملل..
عند مدخل المؤسسات الجامعية ترتسم بادرة أمل للنهضة الطلابية الحافلة بالآمال و الأحلام التي يحملها كل طالب و كل طالبة سكن العقل و القلب منهما معا ادراجها المرتبة تبعا لحروف التعليم و الشرح و التفصيل..دروس تلقن و محاضرات تعلن على العلن و بمكبرات الصوت تليها نقاشات قد تصل حد الاحتدام و التسارع للفهم او لإعادة صيغة السؤال مرات عديدة لتستقر الحاجة لدى طالب العلم أنه يبغي فهما صحيحا من غير شكوك تعتريه و هو يشخص ببصره لمنهجية التعليم ..هو عال في مرتبته و لكن المخفي من الأمر في عصرنا الحالي  له حقائق عاشها كل طالب و كل طالبة لم تنصف في التنقيط او الاختبار او ربما كان التقصير منهما لسوء اخلاقهما او تجاوزاتهما مع الأساتذة..و بالمرة الأستاذ هو من ينزل مرتبة العناد ليقصي طالبا لم يكن في يوم من الأيام في خانة المتهم  فيصبح من المطرودين بعد تأديب المجلس له ، هل حقيقة فيه انصاف لمثل هذه القضايا ؟ و هل الادارة الجامعية معصومة من الأخطاء ؟ و هل دكاترة العلم الوفير منصاعون لتعاليم التربية ولوصايا التفقه في الدراسة و طريقة احتواء عقل الطالب كما ينبغي؟ ..
أصبحت أرى الحقيقة بأم عيني و لست بحاجة لأن أستمع الى ما يحكيه لي الزملاء او المقربون ممن عاشوا معاناة او تجريحا أدبيا او اهانة في الكرامة ، فالواضح من الأمر ان المستوى التعليمي تدنى عما كان عليه في السنوات السابقة مقارنة بالنتائج المتحصل عليها و علاقة الأستاذ بالطالب شابهها الكثير من الانحراف ، فلم تعد تلك العلاقة الموسومة بالاحترام و الثقة و حب التحصيل العلمي و البحث عن المزيد من الفضول لدى الباحثين و المهتمين بمجالات الفكر و العلم النير..لم تعد الجامعة كسابق عهدها منارة شامخة للأبهة الأدبية و الثقافية و تبادل محاور الصياغة المعرفية من شتى ضروب منابعها الصافية ، فالملل يسكن العقول  في السنوات الأخيرة سواء لدى الطلاب او حتى لدى الأساتذة فهم وصفوه بالروتين و البعض يصفه بانعدام النكهة العلمية و حلاوة التلقين من أبجدياتها المهمة ، فأصبح ارتياد الجامعة كمن سيتسلق جبلا شامخا مرهقا لما في علوه من حاجة ملحة لبذل جهد جهيد للوصول ، و حتى في ارتياد الادارة و تفحص مكاتبها طلبا لوثيقة أو معلومة ما  تجد الوجوه عابسة و كأن اليأس سكن فيها و للأبد حتى الابتسامة لم تعد تجد لها مسحة من الجمال على الشفاه..
فان كانت بالأمس مؤسسات التعليم العالي  هي القاعدة الأساسية للبحث العلمي والحاضن الرئيسي للأفكار والمشاريع والدراسات والخطط، فاليوم اختلف الهدف عما كان عليه سابقا  او نقصت درجة الاهتمام و تركزت في المجالات التي تخدم بالدرجة الأولي الترقية أو الكسب المادي.
و بالتالي أصبح دور الجامعات محدوداً جداً، ، عازياً ذلك لجملة من الأسباب، أهمها:
 انعدام الحوار الفكري و الأخلاقي بين فئة الأساتذة و الطلاب و عدم ايلاء إدارات الجامعات طرح فكرة الاحتواء النوعي للطلاب النجباء و تشجيعهم على البحث و الابتكار و دعمهم بمنح دراسية في تربصات نحو الجامعات الأجنبية لاكتساب الخبرة و زيادة المعرفة و المعلومات حول مجال التخصص ، و بالتالي فان عدم توفير الإمكانيات المخبرية، والتفرغ الجزئي لأعضاء هيئات التدريس، و عدم تخصيص  موازنة خاصة بين التخصصات الموجودة للدراسة و غيرها الغير موجودة لسد ثغرة انعدام التخصص دفع بالجامعة لأن تتسلل تدريجيا بالدور الفعلي المنوط بمسؤوليها و بالجهاز التسييري  سواء كإدارة او أساتذة فاعلين ، فأصبح الاهتمام مقتصرا على القاء محاضرات أقل ما يمكن أن توصف أنها خالية من روح النقاش و اثرائها بامدادات معرفية جديدة ،و بالتالي تغيب تلك الصحبة العملية بين الطالب و الأستاذة و ان وجدت و كانت مقربة فحتما فيها الكثير من الخلافات و الحسابات المؤثرة على تحصيل الطالب و هذا معاش اكثر لدى الطلاب الباحثين الذين يتعرضن لضغوطات من الأساتذة المشرفين و فيصبح الملل يسود ساعات الجلوس ويصل الأمر الى مغادرة قاعة البحث و الاكتفاء بالعمل المنزلي الذي يخلق تلك الهوة بين الأستاذ المشرف و الطالب  بسبب غياب التفهم و المنهجية الجيدة أحيانا ،فتصبح  الجامعة هنا انها مصدر ضجر و ليس مصدر شد انتباه و اهتمام فئة الشباب التي يعول عليها في أي امة لبناء صرحها النهضوي بالعلم و الخلق الرفيع..
 فقد لا يعاب على مؤسسات تعليمية او ادارية أخرى بسبب محدودية المستوى و لكن لا يمكن اعطاء ذرائع للجامعات في ارتفاع نسبة الرسوب أو ازدياد نسبة الظواهر الدخيلة على المجتمع في تقاليده و عاداته كظارهة الانحراف و الادمان لكلا الجنسين ، فيصبح فضاء الجامعة هنا حاضنة دافئة للهروب من واقع الحرص على ضمان المستقبل بالتعلم أولا و بضمان منصب العمل بعد التخرج ، و هي أزمة أخرى تضيف الى أتعاب الطالب مزيدا من الهوس و الخوف من المستقبل الغامض في ظل تقلبات البرامج الحكومية الخاضعة لمستوى انخفاض النمو الاقتصادي و احلال مكان استقرار المستوى المعيشي فكرة التقشف و ما قد يرافقها لسوء فهم للمضمون ، فمن جهة محاربة التبذير اصبح امرا حتميا حتى في طريقة الاستهلاك اليومي ، و ما يلاحظ هو ميل الطلاب الى الكسل و التواكل بدل الاجتهاد و المثابرة و الاعتماد على فكرة الحرمان كدافع للمنافسة في الدراسة بدل لزوم جدارن المرافق الجامعية و انتشار ظارهرة تناول المشروبات و المأكولات و تقريبا في معظم الأوقات ، يعني أصبح النظام الحياتي مضطربا هنا و هذا ما يفسر ملامح الملل التي سادت أوساط الطلاب و الطالبات على السواء ، و المحرج هو ظاهرة الاختلاط التي وجدت لها مبررات كثيرة فمرة بحجة تبادل الدروس و المناقشة و مرة بحجة العمل الجماعي في ورشات و مرة بحجة الانفتاح ، و هي أمور لم تكن في عقول النجباء السابقين بل صنعت الظروف القاسية عباقرة في شتى التخصصات و تعلموا بنسق التربية البسيط كيف يتسلقون سلالم الرفعة باخلاقهم و احترامهم لهيكل الأستاذ الذي كانت له القيمة التي لا يمكن الاستهانة بها في اي حال من الأحوال ، فان كان تصديق هذا المجتمع الشبابي لفكرة العولمة و تسارع التكنولوجيا انه بامكانها ان تنجب عقولا مفكرة و متخلقة فالأكر يبدو مستحيلا ان ما أخذ منها جانب التقليد الأعمي فقط و لكن ان روعيت فيه مقاييس نقل الجانب الايجابي فسيكون انعكاسه واضحا على العلامات و نسب النجاح..فمن يضع اليوم الجامعة في موضعها الصحيح في أن تكون و تنقح و تصحح و تزود العقول بما يجب ؟ و من له مسؤولية اعطاء الجامعة تسمية الحرم حتى يكون احترام القونين و اللوائح فيها غير مجدية لأن يرتادها الطلاب بشكل منتظم  ناهيك عن الأمور الدخيلة المفسدة للأخلاق ، هذه الأخلاق التي تعتبر القيمة الذهبية لتكوين الفرد التكوين الصحيح و ترسيخ اللبنة المتينة للبناء وفق معطياته.
 فهل ستبقى الدول التي تعاني تخلفا في قطاع التعليم تكتفي بالحاضر بين يديها و لا تسعى للتغيير فيما يفيدها و يجدد نفس العمل و المثابرة اليومية  أم أنها ستنظر الى  برامج العولمة علها تصدر حلولا و لو آنية و هذا ما اظنه مستحيلا لأن كل امة مسؤولة  عن صناعة القرار و الحضارة على ارضها و في اي حال من الأحوال أن تبادر أي امة مهما كانت جنسيتها لتضع لبنات التقد م لأمة أخرى فهذا مستحيل خاصة و أن   الكل اليوم ركب قطار التنافس و الذي أصبح  واضحا سواء في المجال الاجتماعي او السياسي أو التعليمي او الاقتصادي و العسكري خاصة ، فهل وعت الأمم التي تعاني من ركود في جامعاتها بضرورة احداث التغيير في ذوات أبنائها داخليا و من ثم الوصول الى التغيير الخارجي الذي يلامس كل شيء محيط بهم من غير جهد كبير لأن التغيير الداخلي آيل حتما لأن يلمس ما بالخارج من نقائص فيكتمل البناء و تتغير المفاهيم الى ايجابيات التحصيل و الاقتناع.
 
                                                                         أ.سميرة بيطام
أضافة تعليق