تلكم الدقائق الغالية دقائق السحر , قبيل الفجر , حيث ينشغل كل امرىء بما يهمه من شأن نفسه , وينشغل المؤمنون فيها بشأنهم مع ربهم سبحانه , يدعونه ويرجونه ويستغفرونه .
فيها ينادى على القلوب التي أخذتها الغفلة , ولفتها الحياة بردائها الشاغل , واسقطها هوى النفوس في سقطات التقصير , أن هلم الى واحة التوبة , حيث الاسنغفار مقبول مرحب به , والصفحات البيضاء الجديدة منشورة مهداة الى كل تائب صادق .
التابعي الكبير طاووس بن كيسان طرق أحد تلاميذه في السحر لحاجة , فقيل نائم – ولما يطلع الفجر بعد – فاستغرب وقال : ما كنت أظن طالب علم ينام في السحر .
والصحابي الجليل عبد الله بن عمر كان في الليل يصلي ويسبح ويحمد , ثم ينادي على نافع , يانافع أسحرنا ؟! فيقول نعم , فيبتدىء بالاستغفار.
إنها صفة النبلاء الكبار , والصادقين الأطهار , الذين أعد الله سبحانه لهم جنة عرضها السموات والأرض , ونعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع , ذلك أنهم فضلوا الآخرة على الدنيا , وعلموا أن الخير في الإقبال على الآخرة , فلم تلههم الزينة , ولم يلفتهم الزخرف , فكانت عاقبتهم أحسن عاقبة , دعوا ربهم أن يجنبهم عقابه وعذابه , إذ إنهم استجابوا لنداء الإيمان وبذلوا ما يستطيعون في ميدان الصدق والإخلاص .
قال سبحانه :" قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ , الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ "
موقع المسلم