هل صرنا غارقين في الاسى والأحزان ؟! هل صارت أمتنا قيد الهموم ؟ هل فتحنا أبواب اليأس وأغلقنا ابواب الأمل والطموح ؟!
نعم إن ايامنا تنزف ألما , والطرق الواصلة إلى الحق والخير تتضايق وتكاد تخنق المارين , والاستضعاف يطوق الناصحين وأهل الخير والعلم والفضل , والخوف ينسج كل يوم ثيابا جديدة , والزور يضع كل يوم أقنعة جديدة .
نعم كل هذا يحصل في عالمنا اليوم , كل هذا قد يتكرر أضعافه في بعض بلداننا وبعض ديارنا , وقد تحبس العبرات في حلوقنا وقد تجف الكلمات عن التعبير .
لكن , أهكذا يصير حالنا ؟ هل نرتضي لأنفسنا أن نكون غارقين في الدموع , منكسرين ناكسي الرؤوس , بينما المتلاعبون يتلاعبون بنا في كل ميدان ؟!
إنّا لنرفض الألم إن كان الألم انكسارا , ونخاصم الأوجاع إن كانت الأوجاع مذلة ومهانة , ونرحب بالكرامة رغم الجراح , وبالعزة رغم الفقر والحاجة .
إن الأحزان لا تبني حضارة , والهموم ليست طريقا للطموح , والانكسار ليس قرينا للتقدم , إنما الحضارات تبني بالأمل , والتقدم دافعه الإرادة , والطموح وليد العزم .
لقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وسلم من كل المعاني السلبية التي تعوق السير إلى المعالي , قال أنس رضي الله عنه : كنت كثيرا مااسمعه يقول :" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل واعوذ بك من الجبن والبخل " أخرجه البخاري .
ربما ثقلت الآلام علينا فناءت بحملها ظهورنا , وربما صدمتنا فألقت بنا على جانب السير بلا حراك .
لكننا - وفي كل مرة تزورنا الآلام - نرفع أكفنا إلى السماء , نستمد العون , نستجمع ما بقي من قوانا الجريحة , وننهض من جديد ..
الصالحون يكرهون الانكسار إلا في ركوع الصلاة , ويتبرؤون من الضعف إلا بين يدي الله , ويبغضون الذلة إلا سجودا للملك المتكبر , إنهم يعادون الظلام , ويصنعون للنور مصباح حياة ..
إن لحظات الألم تحتاج إلى قلوب شجاعة , وظهور تستعصي على الانحناء , ويحتاج الناس انفسهم إلى تلك القلوب ليلتفوا حولها , ويتشبثون بها , فتنبعث فيهم زفرة الأمل من جديد .
ربما تظهر تلك القلوب بين الجموع بعد أن غابت , وربما عادت بعد رحيل , وربما برزت في لحظات الضعف أو الخور الثقيل الذي يصيب الجميع ..
والناس دوما بحاجة إلى ذلك القلب , فلكأنهم يبحثون عنه كلما مرت بهم صعوبة أو حلت بهم نازلة , يفتشون عنه في الوجوه , ويعرفونه في لفظات القول وخطوات السلوك ولمحات الأعين , فهو المتفائل عندما يحيط اليأس بالناس , والمقدام بينما التراجع يكون عميما , ورابط الجأش إذ الإحجام يكسو الخطا .
هو المتوكل على ربه بينما يتردد الناس , والمتصل بالإيمان بينما تضعف القلوب المحيطة .. ذاهل عن الصغائر , مترفع عن المكاسب الخاصة, واهب نفسه للحق والخير والإيمان .