أبو يعرب المرزوقي ..... شلل الأنظمة العربية ما طبيعته وما علته؟
2014-09-05
د . أبو يعرب المرزوقي
قبل الثورة العربية الحالية كانت الأنظمة قادرة على إخفاء حقيقة يعلمها كل محلل حصيف: شلل فعلي ونشاط قولي تمثله أفضل تمثيل لقاءات الجامعة العربية وخاصة لقاءات القمة التي تحولت إلى مهزلة عالمية حيث يتلقي نواب الاستعمار للكلام على هموم الأمة بأوامر منوبهم الذي يحدد لهم خطوط حمراء لا يمكن لأي منهم أن يتجاوزها مع تركه لهم حرية مخادعة الشعوب بأي أسلوب يختارون بما في ذلك المسرحيات العنترية لما يسمى بجبهة المقاومة أو حتى بجنون القذافي ما دام تحت الطاولة يستطيع إطاله عمر نظامه بكل ما يطلبه من المستعمر.
ولما حدثت الثورة ظن الغرب أن ذلك سيتواصل خاصة وأن من وصلوا إلى الحكم بسرعة وأرادوا أن يطووا صفحة الثورة ليستقروا في الحكم في ما يسمونه دولة وما هو في الحقيقة إلا محمية من جنس ما وقعت عليه الثورة, فهادن الغرب الثورة وتصور أنها أصبحت تحت السيطرة. لكن بعض الصادقين من الثوار والشعب خاصة في الأقطار التي تعثر فيها الانتقال إلى ما يطمئن العدو, أعني طي صفحة الثورة خلق دينامية جديدة جعلت الغرب يفكر في طي الصفحة بنفسه قبل أن تصبح خارج السيطرة إذ قد تعم فتصبح ثورة تحرير وتحرر تعيد للإمة طموحها التاريخي. فأعد الاستعمار لذلك خطتين نراهما الآن تطبقان بصورة نسقية وعلنية:
1-أولاهما طبقها في الأقطار التي تعثر فيها فعل الثورة: ضخ سرطان الفوضى في صف الثورة نفسها من خلال توظيف دائي الطائفية وأمراء الحرب حتى تصبح الثورة حركة فوضوية قابلة للوصف بصفات الإرهاب ما ييسر عليه تأليب الشعب عليها لأن الشعوب تفضل الأمن وسد الحاجات على الجهد وآلام تحقيق الأهداف السامية للثورة وكذلك تبرير تدخله بإقناع رأيه العام بما يمثله ذلك من خطر على مصالحه في المنطقة.
2-والثانية طبقها في الأقطار التي بدا فعل الثورة فيها وكأنه أكثر نجاعة: الذهاب بأدوات الابتزاز إلى حد التعجيز التام للماسكين بالحكم فيها من خلال تأليب الثورة المضادة العربية ممثلة بالأنظمة التي تخشى قيم الثورة أولا ووضع الشعب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالجوع والفوضى الناتجة عن زوال سد الحاجات الأساسية أو الثورة على الثورة والمطالبة بالحماية الأجنبية مباشرة وبالقبول بمن يعينهم الاستعمار نوابا عنه كالحال قبل الثورة.
لكن كلتا الخطتين لم تؤت أكلها أو على الأقل لم تحققا للثورة المضادة وحاميها الاستعماري ما يطلبانه بالسرعة الكافية ما جعل الغرب وعملاءه يسارعون بالهجوم واللجوء للانقلابات. ذلك أن خوفهما صار بينا من النتيجة الحتمية: فتعفن الوضع في الحالة الأولى وتردي الوضع في الحالة الثانية ترديا يرجعه إلى الحالة الأولى قد يصبحا بداية فعلية لثورة جذرية يمكن أن تزلزل كل الوطن العربي ودار الإسلام. من هنا جاء التحليل الاستراتيجي الاستعماري: لا بد من ضربة حاسمة القصد منها كسر ظهر الثورة وغلق الباب أمام أي إمكانية لتحقيق أهدافها التي على رأسها وفيأاساسها عودة المسلمين للتاريخ الكوني نقلا لما لهم من إمكانات ما يزال وجودها بالقوة إلى وجودها بالفعل ما يعين صيرورتهم أندادا في العالم يحسب لهم ألف حساب: فكان خياره الوحيد ضرب القلب ضربة تعيده إلى ستين سنة مضت أعني الإنقلاب العسكري في مصر والتمويل الخليجي لتجنب ما بدأ يحصل أعني اتساع نطاق الثورة وذهابها إلى الغاية شمولا للوطن كله وأخطر علاماته إزالة الحدود.
حقيقة الأنظمة العميلة ونخبها الهزيلة
عندئذ تبينت حقيقة الأنظمة حقيقتها التي كانت تخفيها قبل الثورة بالأقوال التي تغطي عن الأفعال كما بينا في المؤسسة الممثلة لهذه الخطة: الجامعة العربية. وحينئذ تبين أن الشلل الذي تعاني منه ليس شللا مفروضا عليها بحيث هي لا ترغب فيه, بل هو شرط بقائها لأنها لم تعالج شرط جعله ضرورة وجودية ليس للأنظمة فحسب بل للبنية التي تجعل التبعية مقوما جوهريا للدويلات التي لا يمكن أن تكون إلا محميات لأنها فاقدة لشروط البقاء الذاتي.
1-الشرط الأول هو الجغرافيا السياسية التي فرضها الاستعمار لجعل الأقطار العربية لا يمكن أن تكون إلا محميات توابع.
2-الشرط الثاني هو التاريخ السياسي الذي فرضه الاستعمار لجعل الأسر الحاكمة العربية لا يمكن أن تكون إلا عميلة.
3-الشرط الثالث يصدر مباشرة عن الشرط الأول: الدولة العاجزة بالجوهر على تحقيق وظيفتي الدولة أعني الحماية والرعاية تصبح بالضرورة قائمة على التبعية فيهما: فما منها يبدو غنيا ظرفيا محتاج للحماية خاصة وما منها فقير ظرفيا متحاج إلى الرعاية خاصة. لكنهم جميعا في حاجة إليهما معا.
4-الشرط الرابع يصدر مباشرة عن الشرط الثاني: الأسرة الحاكمة أو العسكر الحاكم ليس لهما أدنى شرعية ذاتية مستمدة من الشعب المحكوم ومن ثم فهما عملاء بالجوهر ولا يمكن أن تكون أجهزة الدولة فيهما إلا لحمايتهما من شعبهما وفي خدمة حاميهما الأجنبي.
5-الشرط الأخير وهو الذي ظهر الآن-وقد فضحته غزة نهائيا-هو الحلف ليس الموضوعي فسحب بل وكذلك الذاتي مع العدو للحرب على أصل الحصانة ذاتها أعني الرابطة الروحية الإسلامية التي منها تبنيع الشروط الأربعة السابقة:
1-فوحدة مكان الأمة وجغرافيتها تقتضي التحرر من تفتيت المكان المفروض ليكون علة الحاجة إلى الحماية والتبعية.
2-ووحدة زمان الأمة وتاريخها تقتضي التحرر من تشتيت الزمان المفروض ليكون علة الحاجة للبحث عن تعليل لقوميات محدثة لا شرعية تاريخية لها.
3-ووحدة عوامل قوة الأمة المادية حماية ورعاية وهي ذات صلة متينة بوحدة الجغرافيا ومن ثم بضرورة تجاوز الحدود التي وضعها الاستعمار ليفتت المكان سر كل قوة مادية.
4-ووحدة قوة الأمة الروحية اتصالا في الزمان وتواصلا في المكان كل ذلك لا معنى له إلا بوصفه نتائج في الأعيان لرؤاها في الأذهان بفضل التربية والثقافة الأسلاميتين.
5-لذلك فتحقيق غايات العدو والثورة المضادة فيها مشروط بالحرب على أصل كل حصانة روحية أعني بالنسبة إلينا الإسلام ورمزه الذي هو قائده الرسول محمد خاتم الأنبياء الواصل بين الأرض والسماء. بذلك وبذلك وحده نفهم علة الحلف الدولي على محاولات الأمة بالمقاومة للتحرير من الاستعمار والتبعية وبالثورة للتحرر من الاستبداد والفساد منعا لكل استئناف ممكن. لكن ذلك لن ينجح: فالشباب بجنسية أستعاد الطموح الذي أسس هذه الأمة في نشأتها الأولى وهو سيعيدها إلى دورها في نشأة ثانية ذات زخم أقوى من الاولى لأنه يعتمد عليها ويضيف إليها ما تحقق خلال قرونها الأربعة عشرة التي مرت.
تونس في 2014.09.05
2014-09-05
د . أبو يعرب المرزوقي
قبل الثورة العربية الحالية كانت الأنظمة قادرة على إخفاء حقيقة يعلمها كل محلل حصيف: شلل فعلي ونشاط قولي تمثله أفضل تمثيل لقاءات الجامعة العربية وخاصة لقاءات القمة التي تحولت إلى مهزلة عالمية حيث يتلقي نواب الاستعمار للكلام على هموم الأمة بأوامر منوبهم الذي يحدد لهم خطوط حمراء لا يمكن لأي منهم أن يتجاوزها مع تركه لهم حرية مخادعة الشعوب بأي أسلوب يختارون بما في ذلك المسرحيات العنترية لما يسمى بجبهة المقاومة أو حتى بجنون القذافي ما دام تحت الطاولة يستطيع إطاله عمر نظامه بكل ما يطلبه من المستعمر.
ولما حدثت الثورة ظن الغرب أن ذلك سيتواصل خاصة وأن من وصلوا إلى الحكم بسرعة وأرادوا أن يطووا صفحة الثورة ليستقروا في الحكم في ما يسمونه دولة وما هو في الحقيقة إلا محمية من جنس ما وقعت عليه الثورة, فهادن الغرب الثورة وتصور أنها أصبحت تحت السيطرة. لكن بعض الصادقين من الثوار والشعب خاصة في الأقطار التي تعثر فيها الانتقال إلى ما يطمئن العدو, أعني طي صفحة الثورة خلق دينامية جديدة جعلت الغرب يفكر في طي الصفحة بنفسه قبل أن تصبح خارج السيطرة إذ قد تعم فتصبح ثورة تحرير وتحرر تعيد للإمة طموحها التاريخي. فأعد الاستعمار لذلك خطتين نراهما الآن تطبقان بصورة نسقية وعلنية:
1-أولاهما طبقها في الأقطار التي تعثر فيها فعل الثورة: ضخ سرطان الفوضى في صف الثورة نفسها من خلال توظيف دائي الطائفية وأمراء الحرب حتى تصبح الثورة حركة فوضوية قابلة للوصف بصفات الإرهاب ما ييسر عليه تأليب الشعب عليها لأن الشعوب تفضل الأمن وسد الحاجات على الجهد وآلام تحقيق الأهداف السامية للثورة وكذلك تبرير تدخله بإقناع رأيه العام بما يمثله ذلك من خطر على مصالحه في المنطقة.
2-والثانية طبقها في الأقطار التي بدا فعل الثورة فيها وكأنه أكثر نجاعة: الذهاب بأدوات الابتزاز إلى حد التعجيز التام للماسكين بالحكم فيها من خلال تأليب الثورة المضادة العربية ممثلة بالأنظمة التي تخشى قيم الثورة أولا ووضع الشعب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالجوع والفوضى الناتجة عن زوال سد الحاجات الأساسية أو الثورة على الثورة والمطالبة بالحماية الأجنبية مباشرة وبالقبول بمن يعينهم الاستعمار نوابا عنه كالحال قبل الثورة.
لكن كلتا الخطتين لم تؤت أكلها أو على الأقل لم تحققا للثورة المضادة وحاميها الاستعماري ما يطلبانه بالسرعة الكافية ما جعل الغرب وعملاءه يسارعون بالهجوم واللجوء للانقلابات. ذلك أن خوفهما صار بينا من النتيجة الحتمية: فتعفن الوضع في الحالة الأولى وتردي الوضع في الحالة الثانية ترديا يرجعه إلى الحالة الأولى قد يصبحا بداية فعلية لثورة جذرية يمكن أن تزلزل كل الوطن العربي ودار الإسلام. من هنا جاء التحليل الاستراتيجي الاستعماري: لا بد من ضربة حاسمة القصد منها كسر ظهر الثورة وغلق الباب أمام أي إمكانية لتحقيق أهدافها التي على رأسها وفيأاساسها عودة المسلمين للتاريخ الكوني نقلا لما لهم من إمكانات ما يزال وجودها بالقوة إلى وجودها بالفعل ما يعين صيرورتهم أندادا في العالم يحسب لهم ألف حساب: فكان خياره الوحيد ضرب القلب ضربة تعيده إلى ستين سنة مضت أعني الإنقلاب العسكري في مصر والتمويل الخليجي لتجنب ما بدأ يحصل أعني اتساع نطاق الثورة وذهابها إلى الغاية شمولا للوطن كله وأخطر علاماته إزالة الحدود.
حقيقة الأنظمة العميلة ونخبها الهزيلة
عندئذ تبينت حقيقة الأنظمة حقيقتها التي كانت تخفيها قبل الثورة بالأقوال التي تغطي عن الأفعال كما بينا في المؤسسة الممثلة لهذه الخطة: الجامعة العربية. وحينئذ تبين أن الشلل الذي تعاني منه ليس شللا مفروضا عليها بحيث هي لا ترغب فيه, بل هو شرط بقائها لأنها لم تعالج شرط جعله ضرورة وجودية ليس للأنظمة فحسب بل للبنية التي تجعل التبعية مقوما جوهريا للدويلات التي لا يمكن أن تكون إلا محميات لأنها فاقدة لشروط البقاء الذاتي.
1-الشرط الأول هو الجغرافيا السياسية التي فرضها الاستعمار لجعل الأقطار العربية لا يمكن أن تكون إلا محميات توابع.
2-الشرط الثاني هو التاريخ السياسي الذي فرضه الاستعمار لجعل الأسر الحاكمة العربية لا يمكن أن تكون إلا عميلة.
3-الشرط الثالث يصدر مباشرة عن الشرط الأول: الدولة العاجزة بالجوهر على تحقيق وظيفتي الدولة أعني الحماية والرعاية تصبح بالضرورة قائمة على التبعية فيهما: فما منها يبدو غنيا ظرفيا محتاج للحماية خاصة وما منها فقير ظرفيا متحاج إلى الرعاية خاصة. لكنهم جميعا في حاجة إليهما معا.
4-الشرط الرابع يصدر مباشرة عن الشرط الثاني: الأسرة الحاكمة أو العسكر الحاكم ليس لهما أدنى شرعية ذاتية مستمدة من الشعب المحكوم ومن ثم فهما عملاء بالجوهر ولا يمكن أن تكون أجهزة الدولة فيهما إلا لحمايتهما من شعبهما وفي خدمة حاميهما الأجنبي.
5-الشرط الأخير وهو الذي ظهر الآن-وقد فضحته غزة نهائيا-هو الحلف ليس الموضوعي فسحب بل وكذلك الذاتي مع العدو للحرب على أصل الحصانة ذاتها أعني الرابطة الروحية الإسلامية التي منها تبنيع الشروط الأربعة السابقة:
1-فوحدة مكان الأمة وجغرافيتها تقتضي التحرر من تفتيت المكان المفروض ليكون علة الحاجة إلى الحماية والتبعية.
2-ووحدة زمان الأمة وتاريخها تقتضي التحرر من تشتيت الزمان المفروض ليكون علة الحاجة للبحث عن تعليل لقوميات محدثة لا شرعية تاريخية لها.
3-ووحدة عوامل قوة الأمة المادية حماية ورعاية وهي ذات صلة متينة بوحدة الجغرافيا ومن ثم بضرورة تجاوز الحدود التي وضعها الاستعمار ليفتت المكان سر كل قوة مادية.
4-ووحدة قوة الأمة الروحية اتصالا في الزمان وتواصلا في المكان كل ذلك لا معنى له إلا بوصفه نتائج في الأعيان لرؤاها في الأذهان بفضل التربية والثقافة الأسلاميتين.
5-لذلك فتحقيق غايات العدو والثورة المضادة فيها مشروط بالحرب على أصل كل حصانة روحية أعني بالنسبة إلينا الإسلام ورمزه الذي هو قائده الرسول محمد خاتم الأنبياء الواصل بين الأرض والسماء. بذلك وبذلك وحده نفهم علة الحلف الدولي على محاولات الأمة بالمقاومة للتحرير من الاستعمار والتبعية وبالثورة للتحرر من الاستبداد والفساد منعا لكل استئناف ممكن. لكن ذلك لن ينجح: فالشباب بجنسية أستعاد الطموح الذي أسس هذه الأمة في نشأتها الأولى وهو سيعيدها إلى دورها في نشأة ثانية ذات زخم أقوى من الاولى لأنه يعتمد عليها ويضيف إليها ما تحقق خلال قرونها الأربعة عشرة التي مرت.
تونس في 2014.09.05