إخليهن ولد محمد الأمين
ترتفع اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها أصوات تدعو إلى إعادة ’’قراءة الإسلام قراءة حداثية’’ تتماشى مع متغيرات الزمان، وتعتمد في الأساس على تفعيل العقل وإعماله في قراءة النصوص؛ قراءة تتجاوز ما كتبه الماضون، وتتحدى السائد لدى علماء الإسلام حول تأويل نصوص الوحي.
ولأن تلك الدعوات قد خلطت في نقدها بين المقدس وغير المقدس، وبتعبير آخر خلطت بين النص وتفسيره، ولم تفرق بين التجديد الواعي والتجديد المنبهر (إن صح التعبير) .. وفوق ذلك كله استغلها بعض الأدعياء الذين ليسوا من أهل التخصص في هذا المجال ولا يحسنون الحديث فيه .. لذلك كله ولأسباب أخرى أحببت أن أشارك في ذلك النقاش من خلال تدوين الملاحظات التالية :
الملاحظة الأولى : هي أن هناك فرق كبير بين الإسلام والتراث الإسلامي.
فالإسلام (هو الكتاب والسنة)، وهو حقيقة مقدسة لا تقبل النقاش إلا في حدود التفهم والاستنباط بشروطه وضوابطه المعروفة.
والتراث الإسلامي (هو التراكمات التاريخية لمحاولة تمثل قيم الإسلام وقراءة نصوصه)، وهو قابل للأخذ والرد، وفيه تجليات الهداية ورائع الحكمة كما فيه نزقات الغواية وشطحات التفلسف.. فيه زهد الحسن البصري وتصوف الجنيد وتنسك الفضيل، وفيه خمريات أبي نواس ومجون ابن أبي ربيعة ورقاعة بشار بن برد .. فيه عدل العمرين وفروسية ابن الوليد، وفيه تهتك الوليد بن يزيد، وخيانة ابن العلقمي .. فيه صفاء ابن تيمية وابن القيم والذهبي وفيه تخليط الحلاج وابن عربي وابن سبعين.. وبالتالي فهو قابل للغربلة، وجائز أن يؤخذ منه وأن يرد، ولا لوم علينا إذا فعلنا ذلك، بل للوم علينا إن جمدنا عليه، وظللنا مأسورين في قفصه لا نستطيع الخروج منه ولا تجاوز أخطاءه.
والملاحظة الثانية : هي أن الذي يريد قراءة الإسلام قراءة جديدة تتجاوز التراث وتلغي جميع ما أنتجته عقول المسلمين خلال أربعة عشر قرنا من الزمن كمثل الذي يريد إلغاء جميع تراكمات المعارف الفيزيائية والرياضية التي توصلت إليها البشرية خلال عشرات القرون واستئناف الكشوف العلمية من جديد دون استئناس بما أنتجه الماضون ولا احترام لقواعدهم التي وضعوها !! ولا أشك أن ذلك لا يقوله إلا مخبول أو من به مس من الجنون.
الملاحظة الثالثة : هي أن الذي يتجاهل القضايا التي أجمعت عليها الأمة وتطابقت في تفسيرها اجتهادات علمائها في كل العصور والأزمان، ويريد استئناف قراءتها من جديد متغاضيا عن تلك الاجماعات كمن يريد البرهنة على عدم صحة نظرية علمية اتفق علماء الرياضيات والفيزياء منذ فيثاغورس إلى آينشتاين على صحتها.
ومع أني لا أنكر أن هناك فروقا نسبية بين العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية، وأن العلوم التطبيقية أكثر دقة ووثوقا في حقائقها من العلوم الإنسانية، إلا أن مسائل الإجماع في العلوم الإنسانية لا تقل في دقتها ووثوقها عن مسائل العلوم التطبيقية.
الملاحظة الرابعة : هي أن دعاة التجديد الذين يريدون قراءة الإسلام قراءة جديدة، يريدون أن يفعلوا ذلك بأدوات منهجية أنتجتها حضارة أخرى في سياق حضاري مختلف عن السياق الحضاري الذي نمى في ظله الفكر الإسلامي.
وليس الفكر الإسلامي فقيرا في الأدوات المنهجية حتى يحتاج إلى استيراد أدوات من الغرب أو من الشرق لاستخدامها في قراءة النصوص الشرعية .. بل إن الأدوات المنهجية لدى المسلمين قد تأسست ونضجت في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي منذ أن ألف الإمام الشافعي (ت 150ه) كتاب ’’الرسالة’’ وألف سيبويه (ت 180ه) ’’الكتاب’’ وألف الجاحظ (ت 255ه) ’’البيان والتبين’’ وتوالت بعد ذلك إضافات ابن حزم والجويني والغزالي وعز الدين بن عبد السلام وابن تيمية وابن القيم والشاطبي وغيرهم من علماء الإسلام الأفذاذ وعقوله الذكية.
صحيح أن الأدوات المنهجية التي انتجها الغرب ونمت في ظل سياقه الحضاري منها ما هو بديع ومفيد، ولا ينبغي تجاوزها أو إغفالها، بل تحسن لإفادة منها، ولكن لا على أساس أن تلغي أدواتنا المنهجية التي نشأت في سياقنا الحضاري أو أن تكون بديلا عنها، وإنما على أساس أن تكون رافدا تبعيا وليسا عنصرا أصيلا.
الملاحظة الخامسة : هي أن أغلب الذين يَدَّعُونَ التجديد، ويريدون ’’قراءة القرآن قراءة حداثية’’ تتجاوز كلام الطبري وابن كثير والقرطبي وابن حجر .. أغلب هؤلاء غير متخصص في الشريعة، ومعظم معلوماته عن الإسلام إنما حصل عليها عن طريق المستشرقين، إذا ما استثنينا أفرادا معدودين مثل الفيلسوف الراحل الدكتور محمد عابد الجابري الذي يعد من دارسي التراث الإسلامي بشكل جيد، وهو بالمناسبة من ناقدي فكرة ’’فصل الدين عن الدولة’’، وذلك في كتابه الهام ’’الدِّين والدولة وتطبيق الشريعة’’ ..
فكيف يقبل من شخص غير متخصص في الشريعة أن يفسر القرآن وأن يتجاوز أقوال الأولين والآخرين من علماء الشريعة بحجة أنه يقرأه قراءة جديدة ؟!!
إن الموضوعية العلمية تقول إنه لا ينبغي أن يباشر كتابة الوصفات الطبيبة إلا طبيب متخصص درس الطب عدة سنوات وحصل على شهادات علمية تؤهله لممارسة الطب.
فكيف نسمح لغير متخصص في الشريعة بأن يفسر القرآن ويفتي في القضايا التي لو سئل عنها مالك لأمسك، ونحن نمنع غير المتخصص في الطب من مزاولة التطبيب ؟!!
ترتفع اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها أصوات تدعو إلى إعادة ’’قراءة الإسلام قراءة حداثية’’ تتماشى مع متغيرات الزمان، وتعتمد في الأساس على تفعيل العقل وإعماله في قراءة النصوص؛ قراءة تتجاوز ما كتبه الماضون، وتتحدى السائد لدى علماء الإسلام حول تأويل نصوص الوحي.
ولأن تلك الدعوات قد خلطت في نقدها بين المقدس وغير المقدس، وبتعبير آخر خلطت بين النص وتفسيره، ولم تفرق بين التجديد الواعي والتجديد المنبهر (إن صح التعبير) .. وفوق ذلك كله استغلها بعض الأدعياء الذين ليسوا من أهل التخصص في هذا المجال ولا يحسنون الحديث فيه .. لذلك كله ولأسباب أخرى أحببت أن أشارك في ذلك النقاش من خلال تدوين الملاحظات التالية :
الملاحظة الأولى : هي أن هناك فرق كبير بين الإسلام والتراث الإسلامي.
فالإسلام (هو الكتاب والسنة)، وهو حقيقة مقدسة لا تقبل النقاش إلا في حدود التفهم والاستنباط بشروطه وضوابطه المعروفة.
والتراث الإسلامي (هو التراكمات التاريخية لمحاولة تمثل قيم الإسلام وقراءة نصوصه)، وهو قابل للأخذ والرد، وفيه تجليات الهداية ورائع الحكمة كما فيه نزقات الغواية وشطحات التفلسف.. فيه زهد الحسن البصري وتصوف الجنيد وتنسك الفضيل، وفيه خمريات أبي نواس ومجون ابن أبي ربيعة ورقاعة بشار بن برد .. فيه عدل العمرين وفروسية ابن الوليد، وفيه تهتك الوليد بن يزيد، وخيانة ابن العلقمي .. فيه صفاء ابن تيمية وابن القيم والذهبي وفيه تخليط الحلاج وابن عربي وابن سبعين.. وبالتالي فهو قابل للغربلة، وجائز أن يؤخذ منه وأن يرد، ولا لوم علينا إذا فعلنا ذلك، بل للوم علينا إن جمدنا عليه، وظللنا مأسورين في قفصه لا نستطيع الخروج منه ولا تجاوز أخطاءه.
والملاحظة الثانية : هي أن الذي يريد قراءة الإسلام قراءة جديدة تتجاوز التراث وتلغي جميع ما أنتجته عقول المسلمين خلال أربعة عشر قرنا من الزمن كمثل الذي يريد إلغاء جميع تراكمات المعارف الفيزيائية والرياضية التي توصلت إليها البشرية خلال عشرات القرون واستئناف الكشوف العلمية من جديد دون استئناس بما أنتجه الماضون ولا احترام لقواعدهم التي وضعوها !! ولا أشك أن ذلك لا يقوله إلا مخبول أو من به مس من الجنون.
الملاحظة الثالثة : هي أن الذي يتجاهل القضايا التي أجمعت عليها الأمة وتطابقت في تفسيرها اجتهادات علمائها في كل العصور والأزمان، ويريد استئناف قراءتها من جديد متغاضيا عن تلك الاجماعات كمن يريد البرهنة على عدم صحة نظرية علمية اتفق علماء الرياضيات والفيزياء منذ فيثاغورس إلى آينشتاين على صحتها.
ومع أني لا أنكر أن هناك فروقا نسبية بين العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية، وأن العلوم التطبيقية أكثر دقة ووثوقا في حقائقها من العلوم الإنسانية، إلا أن مسائل الإجماع في العلوم الإنسانية لا تقل في دقتها ووثوقها عن مسائل العلوم التطبيقية.
الملاحظة الرابعة : هي أن دعاة التجديد الذين يريدون قراءة الإسلام قراءة جديدة، يريدون أن يفعلوا ذلك بأدوات منهجية أنتجتها حضارة أخرى في سياق حضاري مختلف عن السياق الحضاري الذي نمى في ظله الفكر الإسلامي.
وليس الفكر الإسلامي فقيرا في الأدوات المنهجية حتى يحتاج إلى استيراد أدوات من الغرب أو من الشرق لاستخدامها في قراءة النصوص الشرعية .. بل إن الأدوات المنهجية لدى المسلمين قد تأسست ونضجت في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي منذ أن ألف الإمام الشافعي (ت 150ه) كتاب ’’الرسالة’’ وألف سيبويه (ت 180ه) ’’الكتاب’’ وألف الجاحظ (ت 255ه) ’’البيان والتبين’’ وتوالت بعد ذلك إضافات ابن حزم والجويني والغزالي وعز الدين بن عبد السلام وابن تيمية وابن القيم والشاطبي وغيرهم من علماء الإسلام الأفذاذ وعقوله الذكية.
صحيح أن الأدوات المنهجية التي انتجها الغرب ونمت في ظل سياقه الحضاري منها ما هو بديع ومفيد، ولا ينبغي تجاوزها أو إغفالها، بل تحسن لإفادة منها، ولكن لا على أساس أن تلغي أدواتنا المنهجية التي نشأت في سياقنا الحضاري أو أن تكون بديلا عنها، وإنما على أساس أن تكون رافدا تبعيا وليسا عنصرا أصيلا.
الملاحظة الخامسة : هي أن أغلب الذين يَدَّعُونَ التجديد، ويريدون ’’قراءة القرآن قراءة حداثية’’ تتجاوز كلام الطبري وابن كثير والقرطبي وابن حجر .. أغلب هؤلاء غير متخصص في الشريعة، ومعظم معلوماته عن الإسلام إنما حصل عليها عن طريق المستشرقين، إذا ما استثنينا أفرادا معدودين مثل الفيلسوف الراحل الدكتور محمد عابد الجابري الذي يعد من دارسي التراث الإسلامي بشكل جيد، وهو بالمناسبة من ناقدي فكرة ’’فصل الدين عن الدولة’’، وذلك في كتابه الهام ’’الدِّين والدولة وتطبيق الشريعة’’ ..
فكيف يقبل من شخص غير متخصص في الشريعة أن يفسر القرآن وأن يتجاوز أقوال الأولين والآخرين من علماء الشريعة بحجة أنه يقرأه قراءة جديدة ؟!!
إن الموضوعية العلمية تقول إنه لا ينبغي أن يباشر كتابة الوصفات الطبيبة إلا طبيب متخصص درس الطب عدة سنوات وحصل على شهادات علمية تؤهله لممارسة الطب.
فكيف نسمح لغير متخصص في الشريعة بأن يفسر القرآن ويفتي في القضايا التي لو سئل عنها مالك لأمسك، ونحن نمنع غير المتخصص في الطب من مزاولة التطبيب ؟!!