مجلة الإصلاح العدد : 247
بقلم : الشيخ سلمان بن فهد العودة
من المقررات المفروغ منها عند جميع الأمة أن الأنبياء والمرسلين قد ختموا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم تعد السماء تنفتح لنزول الوحي على بشر بعده عليه صلوات الله وسلامه .
وهذه عقيدة راسخة ثابتة بنص القرآن ، وصريح السنة ، وإجماع الأمة كافة ، ولذلك فالأمة قاطبة مجمعة على أن من أنكر ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر لمخالفته النص القطعي الصريح { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } .
ولهذا رمت الأمة المسلمة القاديانية عن قوس واحدة , و ناضلت حتى أبانت للخاصة والعامة كفر هذه الطائفة ومروقها من الدين , و صدر بذلك حكم شرعي باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة وهذا الحكم لا يعدو أن يكون إعلانا رسميا للموقف الصحيح الذي لم يختلف فيه المسلمون لحظة من الزمان والذي يقضي بردة كل من ينكر ختم النبوة أو ينكر أمرا قطعيا ثابتا بالنص الصريح .
و إذا كانت حكمته تعالى اقتضت أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم خاتم الرسل وآخرهم … فإن من رحمته تعالى أن يصل المجددون الحبل … و يحيوا ما اندرس من أمر الدين .. فحين أغلق باب النبوة فتح باب التجديد لهذه الأمة الممتدة في شعاب الزمن الباقية إلى يوم القيامة .
هذه البشرى العظيمة جاءت في حديث رواه أبو داود و أحمد و غيرهما عن أبي هريرة و هذا لفظه : ’’ إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ’’
و الحديث حديث آحاد من حيث الإسناد , بل لعله غريب الإسناد , و مع هذا فإني بعد البحث والتقصي الطويل لم أجد أحدا من العلماء رد هذا الحديث أو تردد في قبوله , بل نقل السيوطي في رسالته المخطوطة ’’ التنبئة فيمن يبعثه الله على رأس المائة ’’ إجماع العلماء على تصحيحه , وهو كما قال بلا ريب .
و بغض النظر عن عشرات العلماء الذين نطقوا بتصحيح الحديث فإننا أمام مئات ممن تكلموا في شرحه و بحثوا في تحديد المجددين .. و تكلموا في المسائل المتفرعة عن هذا الحديث , و المبنية على تصحيحه . أفلا يحق لنا إذا أن نجزم بصحة هذا الحديث ؟ أفلا يحق لنا أن نقول : إنه يفيد العلم اليقيني ؟!
بلى .. و إن من يبحث هذا الحديث ويرى إطباق الأمة على تصديقه ليتكون لديه علم يقيني لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث ونطق به . و الحديث يقرر سنة إلهية مطردة في هذه الأمة , سنة التجديد لما اندرس من أمر هذا الدين على رأس كل مائة .. و هذه السنة لها جانبان :
الأول الجانب القدري … فهو خبر عن وعد إلهي لا يخلف , أن التجديد لا ريب فيه , وهو – بهذا الاعتبار – من البشارات النبوية العظيمة . فالتجديد قدر .. و من ذا يرد القدر ؟!
من ذا يحجب الشمس بيديه الضعيفتين ؟!
أتطفئ نور الله نفخة كافر ************ تعالى الذي بالكبرياء تفردا
الثاني : الجانب الشرعي .. فهو طلب إلى الأمة , و خاصة القادرين من أهل العلم والإيمان أن يؤدوا الدور المنوط بهم .. فقد يكون التجديد على أيديهم .. إن المجدد ليس مَلَكا يهبط من السماء .. و ليس مهديا يخرج من السرداب .. !
و إن كان العراقي - رحمه الله وغفر له – ظن ظنا في غير محله حين قال في قصيدته عن المجددين :
و أظن أن الـتاسـع المهدي من ******** ولد النبي , أو المسيح المهتدي
فالأمر أقرب ما يكون وذو الحجى ******* متأخـر ويسـود غير مسود
فكان يظن أن مجدد القرن التاسع هو المهدي الموعود !
نحن لا نجد حرجا في اعتبار المهدي أو عيسى آخر المجددين , وليس هذا بمنكر , لكن المنكر أن يضع المسلمون خدودهم على أكفهم , ويضعوا رجلا على أخرى و يقولون : ننتظر المجدد !
و المجدد لا يحيي الموتى .. و لا يحرك الرمم ! و ليس خارقا من الخوارق .. المجدد يتزعم تيارا متدفقا من أهل العلم والإيمان .. عمر بن عبد العزيز لم يكن وحده .. والشافعي لم يكن وحده .. و ابن تيمية لم يكن وحده .. كانت الأمة من ورائهم .. ثم إن المجدد ليس بالضرورة فردا , بل الغالب أن يكون التجديد مهمة ’’ طائفة ’’ .. إنها الطائفة المنصورة التي تنازل الانحراف في الأمة فتنتصر عليه .
و إذا جاز أن يكون مجدد القرن الثاني أو الثالث فردا – على سبيل الافتراض – فإن هذا يكاد يتعذر في القرون المتأخرة , و ذلك لأن الأمة قد اتسعت و انتشرت وأصبح التأثير على جميعها أمرا في غاية المشقة والعسر , وجوانب الانحراف تعاظمت ولم تعد مقصورة على مجال دون آخر , مع أن نوعية المصلحين والمجددين تضعف ويقل مستواها كلما تقدم الزمن والله المستعان .
و على هذا الرأي تجتمع كلمة طائفة غير قليلة من أهل العلم .
فليس موقفا صحيحا أن ييأس المصلحون و يقعدوا في انتظار مجدد لا يدرون من أين يأتي .. و لنفترض فيهم من العيوب والنقائص ما نفترض .. فإنهم مخاطبون بالشريعة ومكلفون .. فمن كان عنده علم فليظهره .. و من كان لديه طاقة فليبذلها , ومن كان له موقع فليستثمر ذلك الموقع في أمر أو نهي أو إصلاح . و كم هو محزن أن تجد الكثيرين تخلوا عن مسؤولياتهم وواجباتهم بحجة أن الخرق قد اتسع على الراقع , و أنهم لا يمكن أن يسبحوا ضد التيار . فأين الصبر إذا ؟؟
’’ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء , ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ’’
’’ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ’’
و ها هنا يجيء أثر مثل تلك البشارة النبوية , و تبرز أهمية الإيمان المطلق بها . إننا أمام وعد مؤكد لا يتطرق إليه أدنى احتمال .. فلسنا معذورين بحال من الأحوال , لأن الحديث يؤكد أن التجديد يتم و يحدث على رأس كل قرن .. فمن يستطيع بعد ذلك أن يقول : الأمر أكبر من ذلك .. أو لا تنطح الجبل برأسك .. إن الداعية الصادق والعالم العامل يفتت الجبل بعزيمته الصادقة , و إيمانه العميق .
و همم الرجال تبيد الجبال .
و كم من أمة أو نحلة ناهضت الإسلام , و ألبت عليه الأحزاب , و أثارت مخاوف المدافعين عن حوزات الإسلام فذهبت و بقي هو , إنه الدين الخاتم الذي يتجدد على رأس كل قرن , و إن غدا لناظره لقريب ’’ و لتعلمن نبأه ولو بعد حين ’’
بقلم : الشيخ سلمان بن فهد العودة
من المقررات المفروغ منها عند جميع الأمة أن الأنبياء والمرسلين قد ختموا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم تعد السماء تنفتح لنزول الوحي على بشر بعده عليه صلوات الله وسلامه .
وهذه عقيدة راسخة ثابتة بنص القرآن ، وصريح السنة ، وإجماع الأمة كافة ، ولذلك فالأمة قاطبة مجمعة على أن من أنكر ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر لمخالفته النص القطعي الصريح { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } .
ولهذا رمت الأمة المسلمة القاديانية عن قوس واحدة , و ناضلت حتى أبانت للخاصة والعامة كفر هذه الطائفة ومروقها من الدين , و صدر بذلك حكم شرعي باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة وهذا الحكم لا يعدو أن يكون إعلانا رسميا للموقف الصحيح الذي لم يختلف فيه المسلمون لحظة من الزمان والذي يقضي بردة كل من ينكر ختم النبوة أو ينكر أمرا قطعيا ثابتا بالنص الصريح .
و إذا كانت حكمته تعالى اقتضت أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم خاتم الرسل وآخرهم … فإن من رحمته تعالى أن يصل المجددون الحبل … و يحيوا ما اندرس من أمر الدين .. فحين أغلق باب النبوة فتح باب التجديد لهذه الأمة الممتدة في شعاب الزمن الباقية إلى يوم القيامة .
هذه البشرى العظيمة جاءت في حديث رواه أبو داود و أحمد و غيرهما عن أبي هريرة و هذا لفظه : ’’ إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ’’
و الحديث حديث آحاد من حيث الإسناد , بل لعله غريب الإسناد , و مع هذا فإني بعد البحث والتقصي الطويل لم أجد أحدا من العلماء رد هذا الحديث أو تردد في قبوله , بل نقل السيوطي في رسالته المخطوطة ’’ التنبئة فيمن يبعثه الله على رأس المائة ’’ إجماع العلماء على تصحيحه , وهو كما قال بلا ريب .
و بغض النظر عن عشرات العلماء الذين نطقوا بتصحيح الحديث فإننا أمام مئات ممن تكلموا في شرحه و بحثوا في تحديد المجددين .. و تكلموا في المسائل المتفرعة عن هذا الحديث , و المبنية على تصحيحه . أفلا يحق لنا إذا أن نجزم بصحة هذا الحديث ؟ أفلا يحق لنا أن نقول : إنه يفيد العلم اليقيني ؟!
بلى .. و إن من يبحث هذا الحديث ويرى إطباق الأمة على تصديقه ليتكون لديه علم يقيني لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث ونطق به . و الحديث يقرر سنة إلهية مطردة في هذه الأمة , سنة التجديد لما اندرس من أمر هذا الدين على رأس كل مائة .. و هذه السنة لها جانبان :
الأول الجانب القدري … فهو خبر عن وعد إلهي لا يخلف , أن التجديد لا ريب فيه , وهو – بهذا الاعتبار – من البشارات النبوية العظيمة . فالتجديد قدر .. و من ذا يرد القدر ؟!
من ذا يحجب الشمس بيديه الضعيفتين ؟!
أتطفئ نور الله نفخة كافر ************ تعالى الذي بالكبرياء تفردا
الثاني : الجانب الشرعي .. فهو طلب إلى الأمة , و خاصة القادرين من أهل العلم والإيمان أن يؤدوا الدور المنوط بهم .. فقد يكون التجديد على أيديهم .. إن المجدد ليس مَلَكا يهبط من السماء .. و ليس مهديا يخرج من السرداب .. !
و إن كان العراقي - رحمه الله وغفر له – ظن ظنا في غير محله حين قال في قصيدته عن المجددين :
و أظن أن الـتاسـع المهدي من ******** ولد النبي , أو المسيح المهتدي
فالأمر أقرب ما يكون وذو الحجى ******* متأخـر ويسـود غير مسود
فكان يظن أن مجدد القرن التاسع هو المهدي الموعود !
نحن لا نجد حرجا في اعتبار المهدي أو عيسى آخر المجددين , وليس هذا بمنكر , لكن المنكر أن يضع المسلمون خدودهم على أكفهم , ويضعوا رجلا على أخرى و يقولون : ننتظر المجدد !
و المجدد لا يحيي الموتى .. و لا يحرك الرمم ! و ليس خارقا من الخوارق .. المجدد يتزعم تيارا متدفقا من أهل العلم والإيمان .. عمر بن عبد العزيز لم يكن وحده .. والشافعي لم يكن وحده .. و ابن تيمية لم يكن وحده .. كانت الأمة من ورائهم .. ثم إن المجدد ليس بالضرورة فردا , بل الغالب أن يكون التجديد مهمة ’’ طائفة ’’ .. إنها الطائفة المنصورة التي تنازل الانحراف في الأمة فتنتصر عليه .
و إذا جاز أن يكون مجدد القرن الثاني أو الثالث فردا – على سبيل الافتراض – فإن هذا يكاد يتعذر في القرون المتأخرة , و ذلك لأن الأمة قد اتسعت و انتشرت وأصبح التأثير على جميعها أمرا في غاية المشقة والعسر , وجوانب الانحراف تعاظمت ولم تعد مقصورة على مجال دون آخر , مع أن نوعية المصلحين والمجددين تضعف ويقل مستواها كلما تقدم الزمن والله المستعان .
و على هذا الرأي تجتمع كلمة طائفة غير قليلة من أهل العلم .
فليس موقفا صحيحا أن ييأس المصلحون و يقعدوا في انتظار مجدد لا يدرون من أين يأتي .. و لنفترض فيهم من العيوب والنقائص ما نفترض .. فإنهم مخاطبون بالشريعة ومكلفون .. فمن كان عنده علم فليظهره .. و من كان لديه طاقة فليبذلها , ومن كان له موقع فليستثمر ذلك الموقع في أمر أو نهي أو إصلاح . و كم هو محزن أن تجد الكثيرين تخلوا عن مسؤولياتهم وواجباتهم بحجة أن الخرق قد اتسع على الراقع , و أنهم لا يمكن أن يسبحوا ضد التيار . فأين الصبر إذا ؟؟
’’ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء , ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ’’
’’ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ’’
و ها هنا يجيء أثر مثل تلك البشارة النبوية , و تبرز أهمية الإيمان المطلق بها . إننا أمام وعد مؤكد لا يتطرق إليه أدنى احتمال .. فلسنا معذورين بحال من الأحوال , لأن الحديث يؤكد أن التجديد يتم و يحدث على رأس كل قرن .. فمن يستطيع بعد ذلك أن يقول : الأمر أكبر من ذلك .. أو لا تنطح الجبل برأسك .. إن الداعية الصادق والعالم العامل يفتت الجبل بعزيمته الصادقة , و إيمانه العميق .
و همم الرجال تبيد الجبال .
و كم من أمة أو نحلة ناهضت الإسلام , و ألبت عليه الأحزاب , و أثارت مخاوف المدافعين عن حوزات الإسلام فذهبت و بقي هو , إنه الدين الخاتم الذي يتجدد على رأس كل قرن , و إن غدا لناظره لقريب ’’ و لتعلمن نبأه ولو بعد حين ’’