بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
ابتداءً أود أن أقرر مسألة ذات صلة وثيقة بموضوعنا ، ألا وهي الإشارة إلى أنه يجب أن نناقش قضايانا السياسية في إطار السياسة الشرعية العادلة، وليس في إطار العقيدة ، لأن نقل القضايا السياسية إلى مربع ’’العقيدة’’ قد ينجم عنه أن يكفر بعضنا بعضاً أو أن يخوّن بعضنا بعضا ، وهذا ما لا يقبله الشرع وما لا تقتضيه الإخوة الإسلامية الصادقة .
أما فيما يتعلق بالوثيقة فهي عمل بشري صرف، فيها ما فيها من صواب وخطأ ولا بد ، كأي جهد بشري، ولا يستطيع أحد أن يزعم كمالها وسلامتها من النقد والتصويب، إلا أنّ ما فيها – في تقديري – من أخطاء وأضرار يمكن الصبر عليه أو معالجته ، وبعضها الزمن كفيلٌ بتصويبه وتصحيحه ، والأحكام الشرعية إنما تجري على الأعم الأغلب ، كما قررهـ فقهاء الإسلام ، ومنهم الإمام العلامة الشاطبي حيث قال في موافقاته :’’ أعمال العباد في الدنيا جارية على المصالح والمفاسد، فما من مصلحة دنيوية إلا وهي مشوبة بمفسدة ، ولا مفسدة دنيوية إلا وهي مشوبة بمصلحة، إلا الآخرة فهي إما مصلحة محضة أو مفسدة محضة’’ .
ومن هذا القبيل الذي أشار إليه الإمام الشاطبي الوثيقة التي نحن بصدد مناقشتها .
قبل الخوض في الوثيقة وما لها وما عليها، أعلن احترامي البالغ والشديد لكل إخواني وأحبتي المناصرين أو المعارضين للوثيقة ، وأعتبر الجميع بلا استثناء ينطلق من منطلقات وطنية ودينية وفقهية ، جديرة بالاحترام والتقدير، ولا أستطيع في هذا السياق أن أنال من أي طرف من الأطراف، فالجميع مني بمنزلة الأخ الحبيب والناصح الأمين ، والثوري الغيور ، والرائد الذي لا يكذب أهله .
أعتقد أنّ الوثيقة في مجملها وعمومها تحمل من الإيجابيات والقيم والمصالح ما يجب الوقوف عنده طويلاً لبيانه وإيضاحه ، والمؤمن دوماً عليه أن ينظر إلى الجوانب الإيجابية والخيّرة والحسنة في كل شيء قبل النظر إلى المثالب والسوءات ، وهذه قاعدة شرعية عامة ، نستلهمها من قرآننا وديننا الحنيف، فالله تعالى ذكر حتى في الخمر محاسن ومنافع للناس، لتقرير هذا المعنى الذي نرمي إليه ، أما ما يعتبره البعض مثالب أو سيئات أو سلبيات أو أخطاء أو تجاوزات في الوثيقة ، فهي في واقع الحال هي بعينها تعد أهم حسنات الوثيقة وأحسنها وأجملها وأروعها ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
أولاً : نصت الوثيقة على مبدأ مناصفة الجنوبيين للشماليين في كل شيء، من الوظائف والوزارات والولايات ، حيث شنّ البعض حملة شعواء على هذه النقطة ، واعتبرها ظلماً محضاً وشرا صرفاً وبلاءا مستطيراً، وزرعاً للفتنة والاقتتال، وهي في الواقع إحدى أهم إيجابيات الوثيقة ، فالمناصفة في شؤون الدنيا والأموال والمصالح ، إذا قبل به طرف من الأطراف وارتضاه، والتزمه، فلا إشكال في ذلك، في ميزان السياسة الشرعية ، بل في باب المصالح لو ارتضى طرفٌ من الأطراف وآثر أخاه بشيء من لعاعة الدنيا فالإسلام لا يمنع هذه الصورة، بل يشجع الإسلام ذلك ويحض عليه، ويدعوا له ويباركه ، وقد تظافرت عشرات النصوص الشرعية بل مئات النصوص الشرعية على ذلك .
من أبرز هذه النصوص قوله تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) .
ويدل أيضاً على هذا المعنى ما فعله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال للأنصار الذين حمل بعضهم عليه عليه الصلاة والسلام عندما قدّم المهاجرين على الأنصار، في الأعطيات والغنائم والهبات، حتى قال بعضهم ، كيف قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه علينا وسيوفنا لم تجف بعد من دمائهم ، فقال صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة :
’’يا معشر الأنصار ، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله ’’ فبكى الصحابة حتى اخضلت لحاهم .
كان المفترض على العلماء والدعاة إشاعة هذا المعنى من الحب والإخاء والإيثار ، وأن يتصدر العلماء الدعوة إلى هذه القيمة الإسلامية المفقودة ، لا أن يزرعوا أسباب الشح والخصومة على الدنيا الفانية .
هذا من جانب إيماني سلوكي صوفي، جانب آخر حقوقي، ألا وهو أنّ الوثيقة وهي تنص على مبدأ المناصفة ، ففي تقديري أنّ هذا ليس فضلاً ولا هبة بل هو حق لازم وفرض واجب، لقوم جاؤونا بأرضهم وثرواتهم وأموالهم لنشاركهم فيها، فأن يقبلوا بنا شركاء فهذا غاية الحب والإخاء والكرم والإكرام .
ولست أدري هل يعلم البعض أنّ معظم الثروات تتركز في المحافظات الجنوبية والشرقية أو لا ، ولست أدري هل يعتبر هؤلاء هذه الثروة حقا لأهلها ، أو أنهم يعتبرون هذه الثروات غنيمة بالفتح الإسلامي، عام 1994م ، على غرار فتح سعد بن أبي وقاص للعراق وعمرو بن العاص لمصر، لست أدري على أي قاعدة شرعية ، أو قانون يجيزون لأنفسهم إغفال حق الجنوبيين فيما تحت أيديهم من خيرات وبركات منحهم الله تعالى إياها.
إن من عدل الإسلام ورحمته لبلاد الأطراف والقرى البعيدة أن جعل الزكاة ترد على أهلها، ولا تذهب إلى بلاد المدن والطغمة في الولايات والسلطنات، على حد ما أشار إليه العلامة القرضاوي .
على أني أجزم هنا قائلا أنّ الأرزاق منحة ربانية في كل الأرض، وقد خلق الله الأرض وقسّم أرزاق خلقه فيها ، ومن المحال أن تجد أرضا لا أرزاق فيها ، فان كانت حضرموت حيث النفط والمعادن والآثار، ففي عدن والحديدة الميناء والبحار، وفي صنعاء الجبال والصخور والسياحة والشركات وأرباب الصنائع والأعمال، وفي ريمة وبرع البن والعنب، وهكذا ، والأولى بهذه الخيرات أهلها، ولن تجد أرضا قط لا ثروات ولا خيرات فيها على الإطلاق بدلالة السنن الشرعية والكونية .
صحيح أن الدولة الإسلامية كانت تجبى إليها الزكاة وتحمل من كل الأمصار، كان هذا بعد أن يكتفي أهلها فلا يبق فيهم جائع ولا عار ولا أعزب ولا فقير، فإن زادت وفاضت رفعت إلى الدولة المركزية، ولم يُغفل هذا إلا في أزمنة السطو والظلم والجور.
جانب ثالث : ألا وهو وجوب نصرة المظلوم الذي أجمعت عليه كل الشرائع والملل والأديان السماوية والأرضية ، فقد وقع على إخواننا في الجنوب كثير من الظلم والاضطهاد والتعسف والنهب والسلب والإذلال من نظام غاشم فاجر، على مدى نحو ربع قرن ، ألا يستحق إخواننا لفتة بعد هذا الظلم من العطاء والإكرام والإفضال والإنعام والاعتذار والمواساة، فكيف والمال مالهم والحق ملكا لهم ؟!!!.
جانب رابع وهو أسوأ القيل والاحتمالات والافتراضات وأشرها ، لم لا نقول ليذهب إخواننا في الجنوب بالوظائف والأموال والثروات ، ولنذهب نحن بالحفاظ على الوحدة اليمنية ، على أني أجزم أن أبناء الجنوب أحرص الناس على الوحدة اليمنية بل هم من صنع الوحدة وحماها ودافع عنها ، ووقف في صفها ، فيما كان البعض يبحث عن الفيد والغنائم .
ألا والذي رفع السماء بلا عمد ، والذي خلق النسمة وبرأ الحبة ، إن هذا المنطق وهذا الطرح هو منطق مشايخنا الأفاضل وعلماؤنا الأماجد، الذي تعلمناه منهم وأخذناه عنهم ، ولست أدري مالذي جرى؟ ، هل وقع بعض علمائنا وجرهم حماس بعض الشباب ممن له تصفية حسابات لدى بعض الجهات والمنظمات، إلى خارج القافلة كما جر الشباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لملاقاة عدوه في أحد ، وكان حريصا على البقاء في المدينة ، وكان ما كان .
بكل تأكيد ليس هذا هو السبب الوحيد لرفض بعض العلماء الوثيقة ، ولا يعد هذا هو السبب الوجيه لديهم ، بل سبب رفضهم الأكبر والأهم ، هو الخوف على الشريعة وهو ما سأتناوله فيما يأتي :
ثانيا : الخوف على الشريعة :
الخوف أو التخوف على إقصاء الشريعة ، وهذا تخوف له ما يبرره، بسبب بعض الأصوات النشاز هنا وهناك، وهر أمر يقلق كل ذي دين وملة، إلا أني أحسب أنه ليس عائقاً أمام اليمنيين للقبول بالوثيقة فالموضوع المرفوع إلى فخامة الأخ الرئيس من اللجنة المختصة ، النص أن تكون الشريعة مصدر التشريع ، بدلا من الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات ، وهذا النص المرفوع إلى الأخ الرئيس لا غبار عليه ، وقد باركه وأثنى عليه المشايخ والقضاة الأفاضل ، منهم فضيلة الشيخ الدكتور / أحمد زبين عطية خريج جامعة الإيمان الدفعة الأولى ، وعضو مؤتمر الحوار الوطني ، في لقاء أذيع قبل نحو يومين أو ثلاث، على قناة سهيل ، وبالتالي فلست أرى ما يدعوا للخوف على الشريعة ، سيما وأن الأخ الرئيس يعرف جد المعرفة ويعلم علم اليقين وعين اليقين وحق أن الشعب اليمني لا يقبل المساومة على دينه وشريعته ، وتاريخه خير شاهد على ذلك، وكان يكفي العلماء الأفاضل والمشايخ الأماجد ، الذين لهم بعض التخوفات والتحفظات الضغط على الأخ الرئيس لعدم الاستجابة لأهل الأهواء والزيغ، لا أن يعلنوا رفض الوثيقة جملة وتفصيلا ، سيما والوثيقة لم تبت بشكل نهائي في مسألة الشريعة ، بل رفع الأمر إلى الأخ الرئيس للبت في الأمر.
على أني هنا أزعم أن الأهم من هذا وذاك ، والأهم من قولنا المصدر الوحيد أو الرئيس السعي أن يصل الأخيار إلى السلطة، ويكفي حتى النص على الإسلام دين الدولة ، وحسب، ففيه كفاية وغنية، أما أن ننص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع ، ثم ننصب طاغية يحكم الأمة بالهوى وشريعة الغاب، فهذه أضحوكة الزمان والمكان والتاريخ .
للحديث بقية في الحلقة القادمة بإذن الله .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،
[email protected]
ابتداءً أود أن أقرر مسألة ذات صلة وثيقة بموضوعنا ، ألا وهي الإشارة إلى أنه يجب أن نناقش قضايانا السياسية في إطار السياسة الشرعية العادلة، وليس في إطار العقيدة ، لأن نقل القضايا السياسية إلى مربع ’’العقيدة’’ قد ينجم عنه أن يكفر بعضنا بعضاً أو أن يخوّن بعضنا بعضا ، وهذا ما لا يقبله الشرع وما لا تقتضيه الإخوة الإسلامية الصادقة .
أما فيما يتعلق بالوثيقة فهي عمل بشري صرف، فيها ما فيها من صواب وخطأ ولا بد ، كأي جهد بشري، ولا يستطيع أحد أن يزعم كمالها وسلامتها من النقد والتصويب، إلا أنّ ما فيها – في تقديري – من أخطاء وأضرار يمكن الصبر عليه أو معالجته ، وبعضها الزمن كفيلٌ بتصويبه وتصحيحه ، والأحكام الشرعية إنما تجري على الأعم الأغلب ، كما قررهـ فقهاء الإسلام ، ومنهم الإمام العلامة الشاطبي حيث قال في موافقاته :’’ أعمال العباد في الدنيا جارية على المصالح والمفاسد، فما من مصلحة دنيوية إلا وهي مشوبة بمفسدة ، ولا مفسدة دنيوية إلا وهي مشوبة بمصلحة، إلا الآخرة فهي إما مصلحة محضة أو مفسدة محضة’’ .
ومن هذا القبيل الذي أشار إليه الإمام الشاطبي الوثيقة التي نحن بصدد مناقشتها .
قبل الخوض في الوثيقة وما لها وما عليها، أعلن احترامي البالغ والشديد لكل إخواني وأحبتي المناصرين أو المعارضين للوثيقة ، وأعتبر الجميع بلا استثناء ينطلق من منطلقات وطنية ودينية وفقهية ، جديرة بالاحترام والتقدير، ولا أستطيع في هذا السياق أن أنال من أي طرف من الأطراف، فالجميع مني بمنزلة الأخ الحبيب والناصح الأمين ، والثوري الغيور ، والرائد الذي لا يكذب أهله .
أعتقد أنّ الوثيقة في مجملها وعمومها تحمل من الإيجابيات والقيم والمصالح ما يجب الوقوف عنده طويلاً لبيانه وإيضاحه ، والمؤمن دوماً عليه أن ينظر إلى الجوانب الإيجابية والخيّرة والحسنة في كل شيء قبل النظر إلى المثالب والسوءات ، وهذه قاعدة شرعية عامة ، نستلهمها من قرآننا وديننا الحنيف، فالله تعالى ذكر حتى في الخمر محاسن ومنافع للناس، لتقرير هذا المعنى الذي نرمي إليه ، أما ما يعتبره البعض مثالب أو سيئات أو سلبيات أو أخطاء أو تجاوزات في الوثيقة ، فهي في واقع الحال هي بعينها تعد أهم حسنات الوثيقة وأحسنها وأجملها وأروعها ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
أولاً : نصت الوثيقة على مبدأ مناصفة الجنوبيين للشماليين في كل شيء، من الوظائف والوزارات والولايات ، حيث شنّ البعض حملة شعواء على هذه النقطة ، واعتبرها ظلماً محضاً وشرا صرفاً وبلاءا مستطيراً، وزرعاً للفتنة والاقتتال، وهي في الواقع إحدى أهم إيجابيات الوثيقة ، فالمناصفة في شؤون الدنيا والأموال والمصالح ، إذا قبل به طرف من الأطراف وارتضاه، والتزمه، فلا إشكال في ذلك، في ميزان السياسة الشرعية ، بل في باب المصالح لو ارتضى طرفٌ من الأطراف وآثر أخاه بشيء من لعاعة الدنيا فالإسلام لا يمنع هذه الصورة، بل يشجع الإسلام ذلك ويحض عليه، ويدعوا له ويباركه ، وقد تظافرت عشرات النصوص الشرعية بل مئات النصوص الشرعية على ذلك .
من أبرز هذه النصوص قوله تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) .
ويدل أيضاً على هذا المعنى ما فعله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال للأنصار الذين حمل بعضهم عليه عليه الصلاة والسلام عندما قدّم المهاجرين على الأنصار، في الأعطيات والغنائم والهبات، حتى قال بعضهم ، كيف قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه علينا وسيوفنا لم تجف بعد من دمائهم ، فقال صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة :
’’يا معشر الأنصار ، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله ’’ فبكى الصحابة حتى اخضلت لحاهم .
كان المفترض على العلماء والدعاة إشاعة هذا المعنى من الحب والإخاء والإيثار ، وأن يتصدر العلماء الدعوة إلى هذه القيمة الإسلامية المفقودة ، لا أن يزرعوا أسباب الشح والخصومة على الدنيا الفانية .
هذا من جانب إيماني سلوكي صوفي، جانب آخر حقوقي، ألا وهو أنّ الوثيقة وهي تنص على مبدأ المناصفة ، ففي تقديري أنّ هذا ليس فضلاً ولا هبة بل هو حق لازم وفرض واجب، لقوم جاؤونا بأرضهم وثرواتهم وأموالهم لنشاركهم فيها، فأن يقبلوا بنا شركاء فهذا غاية الحب والإخاء والكرم والإكرام .
ولست أدري هل يعلم البعض أنّ معظم الثروات تتركز في المحافظات الجنوبية والشرقية أو لا ، ولست أدري هل يعتبر هؤلاء هذه الثروة حقا لأهلها ، أو أنهم يعتبرون هذه الثروات غنيمة بالفتح الإسلامي، عام 1994م ، على غرار فتح سعد بن أبي وقاص للعراق وعمرو بن العاص لمصر، لست أدري على أي قاعدة شرعية ، أو قانون يجيزون لأنفسهم إغفال حق الجنوبيين فيما تحت أيديهم من خيرات وبركات منحهم الله تعالى إياها.
إن من عدل الإسلام ورحمته لبلاد الأطراف والقرى البعيدة أن جعل الزكاة ترد على أهلها، ولا تذهب إلى بلاد المدن والطغمة في الولايات والسلطنات، على حد ما أشار إليه العلامة القرضاوي .
على أني أجزم هنا قائلا أنّ الأرزاق منحة ربانية في كل الأرض، وقد خلق الله الأرض وقسّم أرزاق خلقه فيها ، ومن المحال أن تجد أرضا لا أرزاق فيها ، فان كانت حضرموت حيث النفط والمعادن والآثار، ففي عدن والحديدة الميناء والبحار، وفي صنعاء الجبال والصخور والسياحة والشركات وأرباب الصنائع والأعمال، وفي ريمة وبرع البن والعنب، وهكذا ، والأولى بهذه الخيرات أهلها، ولن تجد أرضا قط لا ثروات ولا خيرات فيها على الإطلاق بدلالة السنن الشرعية والكونية .
صحيح أن الدولة الإسلامية كانت تجبى إليها الزكاة وتحمل من كل الأمصار، كان هذا بعد أن يكتفي أهلها فلا يبق فيهم جائع ولا عار ولا أعزب ولا فقير، فإن زادت وفاضت رفعت إلى الدولة المركزية، ولم يُغفل هذا إلا في أزمنة السطو والظلم والجور.
جانب ثالث : ألا وهو وجوب نصرة المظلوم الذي أجمعت عليه كل الشرائع والملل والأديان السماوية والأرضية ، فقد وقع على إخواننا في الجنوب كثير من الظلم والاضطهاد والتعسف والنهب والسلب والإذلال من نظام غاشم فاجر، على مدى نحو ربع قرن ، ألا يستحق إخواننا لفتة بعد هذا الظلم من العطاء والإكرام والإفضال والإنعام والاعتذار والمواساة، فكيف والمال مالهم والحق ملكا لهم ؟!!!.
جانب رابع وهو أسوأ القيل والاحتمالات والافتراضات وأشرها ، لم لا نقول ليذهب إخواننا في الجنوب بالوظائف والأموال والثروات ، ولنذهب نحن بالحفاظ على الوحدة اليمنية ، على أني أجزم أن أبناء الجنوب أحرص الناس على الوحدة اليمنية بل هم من صنع الوحدة وحماها ودافع عنها ، ووقف في صفها ، فيما كان البعض يبحث عن الفيد والغنائم .
ألا والذي رفع السماء بلا عمد ، والذي خلق النسمة وبرأ الحبة ، إن هذا المنطق وهذا الطرح هو منطق مشايخنا الأفاضل وعلماؤنا الأماجد، الذي تعلمناه منهم وأخذناه عنهم ، ولست أدري مالذي جرى؟ ، هل وقع بعض علمائنا وجرهم حماس بعض الشباب ممن له تصفية حسابات لدى بعض الجهات والمنظمات، إلى خارج القافلة كما جر الشباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لملاقاة عدوه في أحد ، وكان حريصا على البقاء في المدينة ، وكان ما كان .
بكل تأكيد ليس هذا هو السبب الوحيد لرفض بعض العلماء الوثيقة ، ولا يعد هذا هو السبب الوجيه لديهم ، بل سبب رفضهم الأكبر والأهم ، هو الخوف على الشريعة وهو ما سأتناوله فيما يأتي :
ثانيا : الخوف على الشريعة :
الخوف أو التخوف على إقصاء الشريعة ، وهذا تخوف له ما يبرره، بسبب بعض الأصوات النشاز هنا وهناك، وهر أمر يقلق كل ذي دين وملة، إلا أني أحسب أنه ليس عائقاً أمام اليمنيين للقبول بالوثيقة فالموضوع المرفوع إلى فخامة الأخ الرئيس من اللجنة المختصة ، النص أن تكون الشريعة مصدر التشريع ، بدلا من الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات ، وهذا النص المرفوع إلى الأخ الرئيس لا غبار عليه ، وقد باركه وأثنى عليه المشايخ والقضاة الأفاضل ، منهم فضيلة الشيخ الدكتور / أحمد زبين عطية خريج جامعة الإيمان الدفعة الأولى ، وعضو مؤتمر الحوار الوطني ، في لقاء أذيع قبل نحو يومين أو ثلاث، على قناة سهيل ، وبالتالي فلست أرى ما يدعوا للخوف على الشريعة ، سيما وأن الأخ الرئيس يعرف جد المعرفة ويعلم علم اليقين وعين اليقين وحق أن الشعب اليمني لا يقبل المساومة على دينه وشريعته ، وتاريخه خير شاهد على ذلك، وكان يكفي العلماء الأفاضل والمشايخ الأماجد ، الذين لهم بعض التخوفات والتحفظات الضغط على الأخ الرئيس لعدم الاستجابة لأهل الأهواء والزيغ، لا أن يعلنوا رفض الوثيقة جملة وتفصيلا ، سيما والوثيقة لم تبت بشكل نهائي في مسألة الشريعة ، بل رفع الأمر إلى الأخ الرئيس للبت في الأمر.
على أني هنا أزعم أن الأهم من هذا وذاك ، والأهم من قولنا المصدر الوحيد أو الرئيس السعي أن يصل الأخيار إلى السلطة، ويكفي حتى النص على الإسلام دين الدولة ، وحسب، ففيه كفاية وغنية، أما أن ننص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع ، ثم ننصب طاغية يحكم الأمة بالهوى وشريعة الغاب، فهذه أضحوكة الزمان والمكان والتاريخ .
للحديث بقية في الحلقة القادمة بإذن الله .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،
[email protected]