بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
جاءت وثيقة حل القضية الجنوبية في ظل ظروف استثنائية تشهدها اليمن، بل والمنطقة العربية برمتها، على كل الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، هذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية، تشكل خطراً على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره، ومن هنا فالوثيقة جاءت - فيما يبدوا – للتخفيف من آثار هذا الوضع الكارثي على اليمن ومستقبله ومستقبل أجياله، وبالتالي التخفيف من أي مهددات لأمن العالم وغذاءه وتجارته، كون اليمن يتحكم في أهم شرايين العالم .
ولذا فإنّ من أبرز ثمار الوثيقة، مع ما يكتنفها من مخاطر مستقبلية بالغة الخطورة، أنّ الوثيقة في ظل الوضع الراهن تمثل المدفئة الشتوية أو زخات مطر في يوم صائف شديد الحر، بمعنى أن الوثيقة تخفف من حدة الاحتقان السياسي والأمني، ولو إلى حين.
في تقديري من أبرز ثمار الوثيقة كذلك أنّ الأحزاب اليمنية المختلفة وغير المؤتلفة والتي تمثل اللاعب الأكبر والأبرز على الساحة اليمنية مضطرة عاجلا أو آجلا للتوقيع على الوثيقة والعمل على تنفيذها، لأنها تمثل الإرادة الدولية العمرية، كما تمثل جزءا لا بأس به من حل للقضية الجنوبية، بل والقضية التهامية، وقضية صعدة، والمناطق الوسطى، هذه المناطق عانت عقودا طويلة من ثقافة الاضطهاد والاستبداد والتسلط الأسري والحزبي.
في تقديري كذلك أنّ من ثمار هذه الوثيقة الحفاظ على الوحدة اليمنية وعدم التشظي الذي كان ينتظر اليمن أرضاً وإنساناً، وإن كانت هذه الوحدة وحدة فيدرالية.
وهذا بعينه هو ما أزعج ذوي النوايا الخبيثة والأحلام السقيمة والأماني المريضة، في الانفصال الكلي، أو حب السيطرة واستمرار مسلسل النهب والسلب، فجاءت هذه الوثيقة لتقضي على هذه الأماني والأحلام، مع ضمان الحقوق السياسية والاقتصادية للشعب اليمني بمختلف أقاليمه، ولذا رأينا بعض القوى السياسية راحت تولول وتضج من الوثيقة ، وترفض التوقيع عليها، وما ذلك إلا لما تمثله هذه الوثيقة من قضاء على أحلامها، وضرب لمخططاتها، وبالأخص نهّابة المؤتمر الشعبي العام، الذي ليس حريصا على الوحدة اليمنية بقدر ما هو حريص على وضع العراقيل أمام عجلة التغيير، ولحنين قيادة المؤتمر إلى أيام النهب الأسطوري والسلب والامتلاك والاستئثار.
المتضرر كذلك من هذه الوثيقة ’’الحزب الاشتراكي اليمني’’ حيث جاءت هذه الوثيقة لتقضي على ما بقي في جعبته من آمال وأمانٍ للعودة إلى السلطة والسطوة من بوابة الانفصال، والتشطير.
ولذا رأينا هذان الطرفان - وهما طرفا السلطة السياسية قديماً - يقفان ضد هذه الوثيقة، لأنها تقضي على المدى القريب على آمال عودة دولتيهما السلطوية المتسلطة .
هذان الموقفان المتحدان فكرا المتصارعان واقعاً، يجعلنا نفهم سر مسارعة التجمع اليمني للإصلاح ، الأخ غير الشقيق للحزبين الآنفا الذكر، للتوقيع على الوثيقة، رغم ما تكتنفه من مخاطر مستقبلية، حيث رأى الإصلاح أنّ الوثيقة تحقق ضمانة أكيدة لإزاحة طرفي السلطة ’’المؤتمر والاشتراكي’’ بأقل التكاليف، وما يمكن أن تتضمنه الوثيقة من أضرار فلن يكون أضر على الإصلاح وعلى البلاد من ثنائي الظلم والاستبداد، أعني المؤتمر والاشتراكي.
لذا قد يبدوا أنّ الرابح الأكبر من التوقيع على الوثيقة ربما يكون هو التجمع اليمني للإصلاح لأنه من خلال الوثيقة يكون حزب الإصلاح قد أطلق آخر رصاصة في جعبته على مخلفات النظامين البائدين، الآنفا الذكر، حيث لا مجال لعودتهما إلى السلطة لأنّ النظام الفيدرالي لا يستطيع من خلاله حزب أو أسرة كائنة ما كانت أن تلتهم خيرات البلاد، أو أن تستعبد أبناءه على النحو الذي عاشته اليمن طوال نصف قرن ، أو يزيد.
صحيح أن الأقلمة توهن البلاد أمام العدو الخارجي، وربما ارتهنت البلاد في أحضان المستعمر، شأنها شأنها الأقاليم المجاورة، في الجزيرة والخليج، لكن هذا احتمال يمكن أن يتلافاه اليمانيون بحكمتهم، فور القضاء على المستعمر الداخلي، الذي بات أشرس من المستعمر الخارجي فقد أثبتت الأيام أن اليمانيين قادرون على تجاوز كل هذه المخاطر.
لعلّ من أبرز هذه المخاطر في ظني خطران عظيمان هما :
الخطر الأول :
خطر التقسيم والانفصال، وهذا يعد أحد أهم المخاطر، وأقساها وأصعبها، سيما وأنّ الوثيقة تشير أن ’’من حق الشعب اليمني في أي مستوى أن يختار النظام السياسي الذي يناسبه..’’ بيد أنّ من يعرف الشعب اليمني ووعيه، يجزم بالقول أن الشعب اليمني قادر بإذن الله على تجاوز هذا الخطر، فليس هناك أحرص من الشعب اليمني شمالا وجنوبا وشرقا وغربا سهلا وجبلا برا وبحرا، على وحدته، وهناك مئات من الدلائل والبراهين على ذلك لعلّ من آخرها :
-ما عرف بالهبّة الحضرمية، حيث كان يراد لهذه الهبة، أن يعلن بعدها الانفصال وعودة الاشتراكي الخائن علي سالم البيض، عبر البوابة الشرقية، حضرموت، لكن تمكنت القبائل الحضرمية الأبيّة ، من إفشال هذا المخطط ، كما هو معلوم لدى الجميع.
وبالتالي فإنّ الرهان على إرادة الشعب اليمني كله للوحدة والائتلاف، رهان رابح لا خاسر بكل تقدير .
أمر آخر يجب أخذه بعين الاعتبار، ألا وهو ما يفرضه الاستحقاق الانتخابي بعد نحو ثلاثة أعوام، والذي لن يكون بالطبع في صالح مشروع التشطير والانفصال، ولا في صالح أسرة أو حزب، لسبب بسيط وهو أنّ آليات التزوير الانتخابي زالت ومنظومته تلاشت.
ربما تكون هذه هي قراءة الإصلاحيين للوثيقة، وهو ما جعلهم يهرعون بل يفرون نحوها بالتوقيع والمباركة، وهو ما جعل الاشتراكي يفر منها، كالفرار من المجذوم، بينما شطّرت الوثيقة المؤتمر إلى شطرين، أو أشطار مختلفة، تبعاً لأجنحته السياسية المتصارعة.
الخطر الثاني : الخطر الحوثي.
منحت الوثيقة الحوثيين ما لم يكونوا يحلمون به ، في أي انتخابات، حتى ولو كان الحوثي نفسه يشرف عليها، وهو استحقاق حصول 50 عضوا حوثيا على عضوية مجلس الشورى ، بقرار رئاسي، دون أن تلزم الوثيقة الحوثيين في اتفاق معلن بتسليم أسلحتهم الثقيلة، وخوض غمار السياسة بدلا عن خوض غمار الحرب والفتنة .
بيد أنّ هذا الخطر يمكن أن يزول فالوثيقة تلزم أطرافها بأن يكون لكل إقليم مجلسه النيابي والتشريعي والمحلي، وهذا فيه قضاء كذلك على المشروع الحوثي،التوسعي، لأنّ أي انتخابات تجرى في إقليم صعدة لن يكون لصالح الحوثيين، إلا كما يدخل الجمل في سم الخياط، نظرا للتركيبة السكانية التي تؤلف إقليم صعدة.
وبالتالي فهذه الوثيقة في تقديري تمثل صلحا عاما وشاملا ،بين أطراف عدة، وليس فقط طرف القضية الجنوبية، غير أنّ القراءة العميقة للواقع اليمني تجعلنا نطمئن إلى حد ما إلى هذه الوثيقة، شريطة الالتزام بكل بنودها، ومراحلها ، وعدم الانقلاب عليها، وهو أمر مستبعد وغير ممكن نظراً لوجود دولة مركزية لا تزال قائمة، وضعف كل الأطراف، كما أن الوثيقة برعاية ومباركة دولية وإقليمية .
حفظ الله تعالى شعب الإيمان والحكمة ويسر الله لهذا الشعب كل أسباب الأمن والاستقرار، وألّف بين أبنائه ووحد صفهم وجمع كلمتهم على الحق المبين .
[email protected]
*مأرب برس
جاءت وثيقة حل القضية الجنوبية في ظل ظروف استثنائية تشهدها اليمن، بل والمنطقة العربية برمتها، على كل الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، هذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية، تشكل خطراً على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره، ومن هنا فالوثيقة جاءت - فيما يبدوا – للتخفيف من آثار هذا الوضع الكارثي على اليمن ومستقبله ومستقبل أجياله، وبالتالي التخفيف من أي مهددات لأمن العالم وغذاءه وتجارته، كون اليمن يتحكم في أهم شرايين العالم .
ولذا فإنّ من أبرز ثمار الوثيقة، مع ما يكتنفها من مخاطر مستقبلية بالغة الخطورة، أنّ الوثيقة في ظل الوضع الراهن تمثل المدفئة الشتوية أو زخات مطر في يوم صائف شديد الحر، بمعنى أن الوثيقة تخفف من حدة الاحتقان السياسي والأمني، ولو إلى حين.
في تقديري من أبرز ثمار الوثيقة كذلك أنّ الأحزاب اليمنية المختلفة وغير المؤتلفة والتي تمثل اللاعب الأكبر والأبرز على الساحة اليمنية مضطرة عاجلا أو آجلا للتوقيع على الوثيقة والعمل على تنفيذها، لأنها تمثل الإرادة الدولية العمرية، كما تمثل جزءا لا بأس به من حل للقضية الجنوبية، بل والقضية التهامية، وقضية صعدة، والمناطق الوسطى، هذه المناطق عانت عقودا طويلة من ثقافة الاضطهاد والاستبداد والتسلط الأسري والحزبي.
في تقديري كذلك أنّ من ثمار هذه الوثيقة الحفاظ على الوحدة اليمنية وعدم التشظي الذي كان ينتظر اليمن أرضاً وإنساناً، وإن كانت هذه الوحدة وحدة فيدرالية.
وهذا بعينه هو ما أزعج ذوي النوايا الخبيثة والأحلام السقيمة والأماني المريضة، في الانفصال الكلي، أو حب السيطرة واستمرار مسلسل النهب والسلب، فجاءت هذه الوثيقة لتقضي على هذه الأماني والأحلام، مع ضمان الحقوق السياسية والاقتصادية للشعب اليمني بمختلف أقاليمه، ولذا رأينا بعض القوى السياسية راحت تولول وتضج من الوثيقة ، وترفض التوقيع عليها، وما ذلك إلا لما تمثله هذه الوثيقة من قضاء على أحلامها، وضرب لمخططاتها، وبالأخص نهّابة المؤتمر الشعبي العام، الذي ليس حريصا على الوحدة اليمنية بقدر ما هو حريص على وضع العراقيل أمام عجلة التغيير، ولحنين قيادة المؤتمر إلى أيام النهب الأسطوري والسلب والامتلاك والاستئثار.
المتضرر كذلك من هذه الوثيقة ’’الحزب الاشتراكي اليمني’’ حيث جاءت هذه الوثيقة لتقضي على ما بقي في جعبته من آمال وأمانٍ للعودة إلى السلطة والسطوة من بوابة الانفصال، والتشطير.
ولذا رأينا هذان الطرفان - وهما طرفا السلطة السياسية قديماً - يقفان ضد هذه الوثيقة، لأنها تقضي على المدى القريب على آمال عودة دولتيهما السلطوية المتسلطة .
هذان الموقفان المتحدان فكرا المتصارعان واقعاً، يجعلنا نفهم سر مسارعة التجمع اليمني للإصلاح ، الأخ غير الشقيق للحزبين الآنفا الذكر، للتوقيع على الوثيقة، رغم ما تكتنفه من مخاطر مستقبلية، حيث رأى الإصلاح أنّ الوثيقة تحقق ضمانة أكيدة لإزاحة طرفي السلطة ’’المؤتمر والاشتراكي’’ بأقل التكاليف، وما يمكن أن تتضمنه الوثيقة من أضرار فلن يكون أضر على الإصلاح وعلى البلاد من ثنائي الظلم والاستبداد، أعني المؤتمر والاشتراكي.
لذا قد يبدوا أنّ الرابح الأكبر من التوقيع على الوثيقة ربما يكون هو التجمع اليمني للإصلاح لأنه من خلال الوثيقة يكون حزب الإصلاح قد أطلق آخر رصاصة في جعبته على مخلفات النظامين البائدين، الآنفا الذكر، حيث لا مجال لعودتهما إلى السلطة لأنّ النظام الفيدرالي لا يستطيع من خلاله حزب أو أسرة كائنة ما كانت أن تلتهم خيرات البلاد، أو أن تستعبد أبناءه على النحو الذي عاشته اليمن طوال نصف قرن ، أو يزيد.
صحيح أن الأقلمة توهن البلاد أمام العدو الخارجي، وربما ارتهنت البلاد في أحضان المستعمر، شأنها شأنها الأقاليم المجاورة، في الجزيرة والخليج، لكن هذا احتمال يمكن أن يتلافاه اليمانيون بحكمتهم، فور القضاء على المستعمر الداخلي، الذي بات أشرس من المستعمر الخارجي فقد أثبتت الأيام أن اليمانيين قادرون على تجاوز كل هذه المخاطر.
لعلّ من أبرز هذه المخاطر في ظني خطران عظيمان هما :
الخطر الأول :
خطر التقسيم والانفصال، وهذا يعد أحد أهم المخاطر، وأقساها وأصعبها، سيما وأنّ الوثيقة تشير أن ’’من حق الشعب اليمني في أي مستوى أن يختار النظام السياسي الذي يناسبه..’’ بيد أنّ من يعرف الشعب اليمني ووعيه، يجزم بالقول أن الشعب اليمني قادر بإذن الله على تجاوز هذا الخطر، فليس هناك أحرص من الشعب اليمني شمالا وجنوبا وشرقا وغربا سهلا وجبلا برا وبحرا، على وحدته، وهناك مئات من الدلائل والبراهين على ذلك لعلّ من آخرها :
-ما عرف بالهبّة الحضرمية، حيث كان يراد لهذه الهبة، أن يعلن بعدها الانفصال وعودة الاشتراكي الخائن علي سالم البيض، عبر البوابة الشرقية، حضرموت، لكن تمكنت القبائل الحضرمية الأبيّة ، من إفشال هذا المخطط ، كما هو معلوم لدى الجميع.
وبالتالي فإنّ الرهان على إرادة الشعب اليمني كله للوحدة والائتلاف، رهان رابح لا خاسر بكل تقدير .
أمر آخر يجب أخذه بعين الاعتبار، ألا وهو ما يفرضه الاستحقاق الانتخابي بعد نحو ثلاثة أعوام، والذي لن يكون بالطبع في صالح مشروع التشطير والانفصال، ولا في صالح أسرة أو حزب، لسبب بسيط وهو أنّ آليات التزوير الانتخابي زالت ومنظومته تلاشت.
ربما تكون هذه هي قراءة الإصلاحيين للوثيقة، وهو ما جعلهم يهرعون بل يفرون نحوها بالتوقيع والمباركة، وهو ما جعل الاشتراكي يفر منها، كالفرار من المجذوم، بينما شطّرت الوثيقة المؤتمر إلى شطرين، أو أشطار مختلفة، تبعاً لأجنحته السياسية المتصارعة.
الخطر الثاني : الخطر الحوثي.
منحت الوثيقة الحوثيين ما لم يكونوا يحلمون به ، في أي انتخابات، حتى ولو كان الحوثي نفسه يشرف عليها، وهو استحقاق حصول 50 عضوا حوثيا على عضوية مجلس الشورى ، بقرار رئاسي، دون أن تلزم الوثيقة الحوثيين في اتفاق معلن بتسليم أسلحتهم الثقيلة، وخوض غمار السياسة بدلا عن خوض غمار الحرب والفتنة .
بيد أنّ هذا الخطر يمكن أن يزول فالوثيقة تلزم أطرافها بأن يكون لكل إقليم مجلسه النيابي والتشريعي والمحلي، وهذا فيه قضاء كذلك على المشروع الحوثي،التوسعي، لأنّ أي انتخابات تجرى في إقليم صعدة لن يكون لصالح الحوثيين، إلا كما يدخل الجمل في سم الخياط، نظرا للتركيبة السكانية التي تؤلف إقليم صعدة.
وبالتالي فهذه الوثيقة في تقديري تمثل صلحا عاما وشاملا ،بين أطراف عدة، وليس فقط طرف القضية الجنوبية، غير أنّ القراءة العميقة للواقع اليمني تجعلنا نطمئن إلى حد ما إلى هذه الوثيقة، شريطة الالتزام بكل بنودها، ومراحلها ، وعدم الانقلاب عليها، وهو أمر مستبعد وغير ممكن نظراً لوجود دولة مركزية لا تزال قائمة، وضعف كل الأطراف، كما أن الوثيقة برعاية ومباركة دولية وإقليمية .
حفظ الله تعالى شعب الإيمان والحكمة ويسر الله لهذا الشعب كل أسباب الأمن والاستقرار، وألّف بين أبنائه ووحد صفهم وجمع كلمتهم على الحق المبين .
[email protected]
*مأرب برس