مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
التهنئة بالمناسبات الإسلامية ليست بدعة
د.سيف العصري
الحمد لله الذي خلقنا مَنَّا، وأمرنا أن نقول {لِلنَّاسِ حُسْنًا}، والصلاة والسلام على نبينا الكريم القائل كما في الصحيحين: (ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة)، وبعد:
فقد كثر القيل والقائل في مسألة التهنئة بالمناسبات السارة، والأيام المشهودة، والوقائع المحمودة، كالعيدين والجمعة ورمضان، والهجرة النبوية، ونحو ذلك، فأحببت أن أكتب في ذلك ما أرجو أن يكون للحقِّ موضحاً، ولمن تشدد ناصحاً، فأقول:

إن إدخال السرور بالكلمة الطيبة، والدعوة الصالحة؛ من محاسن الشريعة السمحاء، ومما جرى به عرف السلف الماضين، الذين هم القدوة في الدين، ويُستدل لذلك بأمور:

الأول: أنه مندرج تحت أصلٍ عامٍ، وهو مشروعية الكلمة الطيبة، كما في قول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين: (والكلمة الطيبة صدقة). وكل هذه المباركات التي يتداولها المسلمون بينهم هي كلمات طيبة، ودعوات صالحة (تقبل الله، جمعة مباركة، كل عام وأنتم بخير، أعاد الله عليك الشهر وأنتم في عز وسعادة، ووو).

الثاني: أن التهنئة قد وردت على الخصوص في مجموعة من المناسبات، كالتهنئة بالعيد، والثوب الجديد، كما وردت التهنئة بالصباح والمساء، وبالفضائل العلية والمناقب الدينية، والتوبة والعافية من المرض، وتمام الحج والعودة منه، والنكاح والمولود، فيقاس عليها ما لم يرد، لاتحاد العلة، (والعلة الجامعة) إدخال السرور، وإظهار الفرح، وتحقيق الألفة بين المسلمين، فيلتحق بذلك كل مناسبة لا تصادم الشريعة.

ثالثاً: القاعدة أن (الأمور بمقاصدها)، و(وللوسائل أحكام المقاصد من الندب والإيجاب والتحريم والكراهة والإباحة)، وهذه التهاني موصلة إلى الألفة والمودة وإظهار السرور بين المسلمين فهي حسنة مطلوبة، وقد جرت عادة الناس بها، وهم لا ينسبون ذلك إلى النبي الكريم، ولا يدَّعون أن ذلك مما أمرَ به على الخصوص، فليس فيه زيادة في الدين، ولا تلبيس على عامة المسلمين.

وممن جمع ذلك وبينه الإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني في جزء مستقل (جزء في التهنئة في الأعياد وغيرها)، وألف الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رسالة سماها: (وصول الأماني بأصول التهاني)، والإمام الحافظ المحدث السخاوي في المقاصد الحسنة، ونص على استحبابه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب، والإمام الفقيه ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى، والإمام الخطيب الشربيني في مغني المحتاج، والإمام شمس الدين الرملي في نهاية المحتاج، والإمام المناوي في فيض القدير، والإمام المحدث الفقيه ملا علي القاري الحنفي في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، والعلامة الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم عند الكلام عن توبة الله على كعب بن مالك، وقول الصحابة له: (يا كعب بن مالك أبشر): قال النووي: (فيه دليل لاستحباب التبشير والتهنئة لمن تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه كربة شديدة ونحو ذلك، وهذا الاستحباب عام في كل نعمة حصلت وكربة انكشفت سواء كانت من أمور الدين أو الدنيا).

وقال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في جزء في التهنئة في الأعياد وغيرها: (يستدل لعموم التهنئة لما يحدث من النعم أو يندفع من النقم بمشروعية سجود الشكر لمن يقول به وهو الجمهور، ومشروعية التعزية لمن أصيب بالإخوان).

وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: (التهنئة بالعيد والشهور سنة كما ذكره بعض أئمتنا واستدل له).
وقال الإمام المناوي في فيض القدير: (قال بعضهم: من أسباب التأليف المطلوب شرعا وهو عمدة في التحبب والتودد الذي هو رأس العقل التهنئة بنحو الأعياد والشهور، وقد صرح بأنها بدعة حسنة وقال المؤلف [أي: السيوطي]: بل لها أصل في السنة كالتهنئة بالمولود وألف فيها أصول الأماني بحصول التهاني).

وقال الإمام المحدث الفقيه ملا علي القاري الحنفي في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح عند شرحه لحديث: (أتاكم رمضان، شهر مبارك ..)، قال: (وهو أصل في التهنئة المتعارفة في أول الشهور بالمباركة).

وقال العلامة قليوبي في حاشيته على شرح جلال الدين المحلي للمنهاج: (فائدة: التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام. قال ابن حجر: مندوبة ويستأنس لها بطلب سجود الشكر عند النعمة وبقصة كعب وصاحبيه وتهنئة أبي طلحة له).
أضافة تعليق