محمد الحمّار
قال لي أحد الأصحاب: ’’أعْلمَني أحد معتصمي الرحيل بباردو أنّ الأمر أصبح مَقضيا بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي’’. وكان ذلك على خلفية لقاء ’’مُركّب’’ تمّ بين الرجلين بباريس بتاريخ 14 أوت/ آب/ أغسطس 2013.
ذُهلتُ من كلام صاحبي وعقَّبتُ عليه على التوّ: ’’هذا خبر خاطئ. حتى ولو افترضنا جدلا أنه صحيح فسوف لن نترك الرجلين يأتمران بأوامر أمريكا وفرنسا وحتى ألمانيا (التي دخلت على خط ’’التهدئة’’ محاباةً لتركيا الأردوغانية التي لها جالية كبيرة في هذا البلد) على حساب مصالح الشعب التونسي’’. وإذا بالرجل ينفعل ويردف صائحا: ’’من أنتم؟ وإلى أي حزب تنتمون؟’’
من خلال موقف مخاطبي فهمتُ كل التناقض الذي يسيطر على جانبٍ من المجتمع لم يعِ بعدُ معنى أن يكون الفرد جزءً لا يتجزأ من المجموعة الوطنية، ناهيك أن يدرك أنّ المجتمع أقوى من الأحزاب مجتمعة وأنّ النظام السياسي الأمثل والأصلح والأجدى، حسب العقد الاجتماعي التاريخي والعالمي، وحسب كل العقود، هو الذي يمتثل بمقتضاه الأحزاب لموقف المجموعة المستنيرة بفضل نخبها، وأنّ العكس جريمة في حق هذا الأخير وفي حق الديمقراطية وفي حق الإسلام وأخلاق الإسلام.
لقد اغتيل الناشطان اليساريان شكري بلعيد ثم محمد البراهمي، وربما أُسكتَ صوت الحق لمناضلين آخرين بعنوان ’’السكتة القلبية’’، لا لأنّ هؤلاء كانوا يمثلون أحزابهم ولكن لأنهم كانوا يمثلون الشعب وسلطة المجتمع. والدليل على ذلك أنّ مئات الآلاف من المواطنين الذين رافقوا هؤلاء الشهداء إلى مثواهم الأخير قُدّرت أعدادهم بأضعاف أضعاف منخرطي أحزابهم، بل كانت صورةً صادقة لمجتمع متّحد حول غاية التَوقِ إلى التحرر واستقلالية القرار والتقدم.
إنّ كلام صاحبي يترجم حالة الحصار التي تريد الأطراف الرجعية فرضها على مجتمع أصبح في المقابل يثق شيئا فشيئا في مهاراته المكتسبة بشأن مقاومة كل مخططات التشكيك والتضليل التي يريد مُروّجوها الإطاحة به. كما يدل على أنّ تلكم المزاعم لم تعد تنطلي على مجتمع قرر تكليف نفسه بنفسه ﺑ’’مطاردة السارق حتى يصل إلى باب بيته’’ كما يقول المثل الشعبي.
وبالفعل، لئن لم يتمّ نفي حصول لقاء في باريس (في 14 أوت 2013) بين الغنوشي وقائد السبسي فالمؤكد أنّ اللقاء لم يكن مبرمجا مسبقا بل كان مخططا له بأن يظهر على أنه مبرمج وذلك بنيّة التشويش على العقد الذي يربط قائد السبسي وجماعته بالهمامي وجماعته وذلك من قِبل جهات أقل ما يقال عنها إنها قطعة الفحم التي تعتمدها السلطة السياسية لممارسة الشعوذة على روح وعقل المجتمع. وقد تمّ تكذيب كل الادعاءات المُلوِّحة بأنّ الغنوشي وقائد السبسي قد اتفقا على خارطة طريق تسد الطريق أمام الهمامي والجبهة الشعبية بالرغم من أنّ هذه الأخيرة مكوّنٌ أساس لجبهة الإنقاذ، التي ينتمي إليها قائد السبسي ويدحضها الحزب الإخواني (وتم التكذيب في حديث أدلى به حمة الهمامي لإذاعة ’’شمس آف آم’’ بتاريخ 20 أوت 2013).
والشيء من مأتاه لا يستغرب. فتلك الفتنة تندرج ضمن حملة منظمة تشنها أطراف متأسلمة على اليسار عموما، ولو كان هذا الأخير يسارا مؤمنا وفي حِلٍّ من كل صلة اعتبارية تربطه بيمينٍ مهرِّب للإسلام. وثبوت الفتنة التي تستهدِف اليسار ولو كان مؤمنا أمرٌ لم يعد يحتمل التشكيك. كيف لا و قد كان وزير الصحة الإسلامي آخر من عبّر عن انزعاجه من اليسار بالرغم من استقطاب هذا الأخير لفئات عديدة من المجتمع، لمّا أجاب عن سؤال ’’هل أنت عطلت لغة الحوار؟’’ ألقته عليه جريدة ’’المغرب’’ بقوله ’’إننا ندعو إلى الحوار وهذه الادعاءات كاذبة من قوى اليسار’’ (’’المغرب’’ بتاريخ 20 أوت 2013 ص7)؟
أما المجتمع فهو بالمرصاد حتى لمحاولات التشكيك التي تأتي من داخل جبهة الإنقاذ نفسها. وإلا فكيف نُفسر حملة التشويه التي يتعرض لها حاليا الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي من طرف مكوّن (عروبي) من مكونات الجبهة بعينها؟
بالمحصلة، سواءً كان التشكيك والتضليل والتشويه وبث الإشاعة مأتاه الأحزاب اليمينية أو اليسارية، السلطة أو فئة ضالة من المجتمع، فإنّ هذا الأخير أبدى إصراره على دفع السلطة في تونس إلى حيث الاستقلالية بشأن اتخاذ القرار السياسي.
وليَبْقَ الإخوان إخوانا، إن شاء المجتمع، لكن فليُحَوّلوا وِجهتهم إلى حيث تكون تونس أكبر مما صوّرها لهم المستعمر الفرنسي واستنسختها العقلية التابعة التي يجسدون واحدا من أبعادها، وحيث تكون تونس أغنى من حيث الثروات الطبيعية مما صورته للشعب القوى الرجعية والكمبرادورية على امتداد عقود.
وليَبقَ نواب الشعب في المجلس الوطني التأسيسي نوابا، إن شاء المجتمع، لكن فليُعَدّلوا عقارب ساعاتهم (مذهلة الثمن..) على انتظارات شعبٍ كَل وملّ من استبلاهه بواسطة مقولات استعمارية مثل ’’تونس صغيرة’’ و’’تونس فقيرة’’بينما هم يتقاضون أجورا خيالية لا يُسدون مقابلها خدمات تضاهيها، وبينما هو أضحى يطمح إلى تصدير السعادة إلى العالم بأسره و بدون مقابل.
وليَعلمْ أعداء التحرر والاستقلالية أنّ البلد (واسمه قديما ’’مطمور روما’’) الذي تفوق مساحته أعتى البلدان التي كانت لها إمبراطورية في القرن 19 وما قبله، على غرار البرتغال وهولندا وبلجيكا وحتى انقلترا، بإمكانه تأمين الغذاء لكل أبنائه وبناته، ويزيد، ولن يكون عالة على أصحاب الحل السحري ومن يدور في فَلَكهم المختنق بالرغم من اتساعه.
*التجديد
قال لي أحد الأصحاب: ’’أعْلمَني أحد معتصمي الرحيل بباردو أنّ الأمر أصبح مَقضيا بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي’’. وكان ذلك على خلفية لقاء ’’مُركّب’’ تمّ بين الرجلين بباريس بتاريخ 14 أوت/ آب/ أغسطس 2013.
ذُهلتُ من كلام صاحبي وعقَّبتُ عليه على التوّ: ’’هذا خبر خاطئ. حتى ولو افترضنا جدلا أنه صحيح فسوف لن نترك الرجلين يأتمران بأوامر أمريكا وفرنسا وحتى ألمانيا (التي دخلت على خط ’’التهدئة’’ محاباةً لتركيا الأردوغانية التي لها جالية كبيرة في هذا البلد) على حساب مصالح الشعب التونسي’’. وإذا بالرجل ينفعل ويردف صائحا: ’’من أنتم؟ وإلى أي حزب تنتمون؟’’
من خلال موقف مخاطبي فهمتُ كل التناقض الذي يسيطر على جانبٍ من المجتمع لم يعِ بعدُ معنى أن يكون الفرد جزءً لا يتجزأ من المجموعة الوطنية، ناهيك أن يدرك أنّ المجتمع أقوى من الأحزاب مجتمعة وأنّ النظام السياسي الأمثل والأصلح والأجدى، حسب العقد الاجتماعي التاريخي والعالمي، وحسب كل العقود، هو الذي يمتثل بمقتضاه الأحزاب لموقف المجموعة المستنيرة بفضل نخبها، وأنّ العكس جريمة في حق هذا الأخير وفي حق الديمقراطية وفي حق الإسلام وأخلاق الإسلام.
لقد اغتيل الناشطان اليساريان شكري بلعيد ثم محمد البراهمي، وربما أُسكتَ صوت الحق لمناضلين آخرين بعنوان ’’السكتة القلبية’’، لا لأنّ هؤلاء كانوا يمثلون أحزابهم ولكن لأنهم كانوا يمثلون الشعب وسلطة المجتمع. والدليل على ذلك أنّ مئات الآلاف من المواطنين الذين رافقوا هؤلاء الشهداء إلى مثواهم الأخير قُدّرت أعدادهم بأضعاف أضعاف منخرطي أحزابهم، بل كانت صورةً صادقة لمجتمع متّحد حول غاية التَوقِ إلى التحرر واستقلالية القرار والتقدم.
إنّ كلام صاحبي يترجم حالة الحصار التي تريد الأطراف الرجعية فرضها على مجتمع أصبح في المقابل يثق شيئا فشيئا في مهاراته المكتسبة بشأن مقاومة كل مخططات التشكيك والتضليل التي يريد مُروّجوها الإطاحة به. كما يدل على أنّ تلكم المزاعم لم تعد تنطلي على مجتمع قرر تكليف نفسه بنفسه ﺑ’’مطاردة السارق حتى يصل إلى باب بيته’’ كما يقول المثل الشعبي.
وبالفعل، لئن لم يتمّ نفي حصول لقاء في باريس (في 14 أوت 2013) بين الغنوشي وقائد السبسي فالمؤكد أنّ اللقاء لم يكن مبرمجا مسبقا بل كان مخططا له بأن يظهر على أنه مبرمج وذلك بنيّة التشويش على العقد الذي يربط قائد السبسي وجماعته بالهمامي وجماعته وذلك من قِبل جهات أقل ما يقال عنها إنها قطعة الفحم التي تعتمدها السلطة السياسية لممارسة الشعوذة على روح وعقل المجتمع. وقد تمّ تكذيب كل الادعاءات المُلوِّحة بأنّ الغنوشي وقائد السبسي قد اتفقا على خارطة طريق تسد الطريق أمام الهمامي والجبهة الشعبية بالرغم من أنّ هذه الأخيرة مكوّنٌ أساس لجبهة الإنقاذ، التي ينتمي إليها قائد السبسي ويدحضها الحزب الإخواني (وتم التكذيب في حديث أدلى به حمة الهمامي لإذاعة ’’شمس آف آم’’ بتاريخ 20 أوت 2013).
والشيء من مأتاه لا يستغرب. فتلك الفتنة تندرج ضمن حملة منظمة تشنها أطراف متأسلمة على اليسار عموما، ولو كان هذا الأخير يسارا مؤمنا وفي حِلٍّ من كل صلة اعتبارية تربطه بيمينٍ مهرِّب للإسلام. وثبوت الفتنة التي تستهدِف اليسار ولو كان مؤمنا أمرٌ لم يعد يحتمل التشكيك. كيف لا و قد كان وزير الصحة الإسلامي آخر من عبّر عن انزعاجه من اليسار بالرغم من استقطاب هذا الأخير لفئات عديدة من المجتمع، لمّا أجاب عن سؤال ’’هل أنت عطلت لغة الحوار؟’’ ألقته عليه جريدة ’’المغرب’’ بقوله ’’إننا ندعو إلى الحوار وهذه الادعاءات كاذبة من قوى اليسار’’ (’’المغرب’’ بتاريخ 20 أوت 2013 ص7)؟
أما المجتمع فهو بالمرصاد حتى لمحاولات التشكيك التي تأتي من داخل جبهة الإنقاذ نفسها. وإلا فكيف نُفسر حملة التشويه التي يتعرض لها حاليا الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي من طرف مكوّن (عروبي) من مكونات الجبهة بعينها؟
بالمحصلة، سواءً كان التشكيك والتضليل والتشويه وبث الإشاعة مأتاه الأحزاب اليمينية أو اليسارية، السلطة أو فئة ضالة من المجتمع، فإنّ هذا الأخير أبدى إصراره على دفع السلطة في تونس إلى حيث الاستقلالية بشأن اتخاذ القرار السياسي.
وليَبْقَ الإخوان إخوانا، إن شاء المجتمع، لكن فليُحَوّلوا وِجهتهم إلى حيث تكون تونس أكبر مما صوّرها لهم المستعمر الفرنسي واستنسختها العقلية التابعة التي يجسدون واحدا من أبعادها، وحيث تكون تونس أغنى من حيث الثروات الطبيعية مما صورته للشعب القوى الرجعية والكمبرادورية على امتداد عقود.
وليَبقَ نواب الشعب في المجلس الوطني التأسيسي نوابا، إن شاء المجتمع، لكن فليُعَدّلوا عقارب ساعاتهم (مذهلة الثمن..) على انتظارات شعبٍ كَل وملّ من استبلاهه بواسطة مقولات استعمارية مثل ’’تونس صغيرة’’ و’’تونس فقيرة’’بينما هم يتقاضون أجورا خيالية لا يُسدون مقابلها خدمات تضاهيها، وبينما هو أضحى يطمح إلى تصدير السعادة إلى العالم بأسره و بدون مقابل.
وليَعلمْ أعداء التحرر والاستقلالية أنّ البلد (واسمه قديما ’’مطمور روما’’) الذي تفوق مساحته أعتى البلدان التي كانت لها إمبراطورية في القرن 19 وما قبله، على غرار البرتغال وهولندا وبلجيكا وحتى انقلترا، بإمكانه تأمين الغذاء لكل أبنائه وبناته، ويزيد، ولن يكون عالة على أصحاب الحل السحري ومن يدور في فَلَكهم المختنق بالرغم من اتساعه.
*التجديد