مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
في الحاجة إلى انقلاب على الفكر السياسي العربي
الاثنين، 21 أكتوبر 2013 02:03

محمد الحمّار
في الحقبة الزمنية الحالية التي يعاني فيها المجتمع التونسي من شحٍّ في الحلول الملائمة لفك الاحتقان السياسي ولتجاوز الأزمة متعددة الجوانب وللتصدي للإرهاب، وفي الوقت الذي تحاول فيه تونس بكل رصانة تَجنبَ الانقلاب العسكري على الطريقة المصرية،

وبينما كثر الحديث عن أنّ بلدنا يعيش ما سمي ﺑ’’الانقلاب المدني’’ (بواسطة المبادرة الرباعية)، حريّ بنا أن نتعمّق في ماهية المشكلة عسى أن نهتدي إلى انقلاب من صنف ثالث لا يكون من بين المسارات المعهودة التي لم تُغن لا تونس ولا العرب أجمعين من جوع.



في هذا السياق نلاحظ أنه عادة ما يكون الواقع هو المقرر بشأن السياسة (الإيجابية) المتناسبة مع الوضع السياسي والإيديولوجي لبلدٍ ما ولشعبٍ ما، عِلما وأنّ الشعب التونسي لا يشذّ عن هذه القاعدة. لكن حتى باعتبار أنّ هذه الأخيرة صحيحة، أليس هنالك مساحات أخرى يتوجب استكشافها لتكميل القاعدة أو لتثويرها؟

في الأصل ليس هنالك داعٍ لأن نتجنب تكرار ما طرحناه في عديد الدراسات طالما أنّ المشكلة المزمع حلحلتها ما تزال قائمة. أما طرحُنا فمفاده أنّ من الأسباب العميقة جدا للأزمة الفكرية والسياسية التي لوثت الثقافة العربية الإسلامية بالكامل هو المزج، وهو مزج خاطئ وخطير، بين واقع اليمين في السياسة وواقع اليمين في الإسلام. وبالتوازي مع ذلك ما من شك في أنّ هنالك أيضا مزج بين واقع اليسار في السياسة وواقع اليسار في الإسلام.

فهذا المزج بوجهيه الاثنين هو الذي نقدّره كأصلٍ في الخلط بين السياسة والدين وبين الدين والدولة. بكلام آخر إذا أردنا القضاء على الفرع (الخلط) فلا بدّ من إيجاد السبيل إلى إماطة اللثام عن الأصل (المزج يمين/ يمين، ويسار/ يسار) ومن ثمة القيام بما هو ضروري لإصلاح الأوضاع المتعلقة بالأصل والعالقة كمشكلة مجتمعية إلى حد الآن.

في سياق معالجة الأصل نلاحظ في بادئ الأمر أنّ المزج بين ’اليمينين’ وبين ’اليسارين’ يعدُّ من الثوابت لا فقط في الواقع السياسي الحالي وإنما أيضا وبالخصوص في فكرنا وفي ثقافتنا. ولكنها ثابتة خاطئة، كما سنرى، ومع ذلك فإنّ النخب لم تهتمّ بها رغم صفة الخطأ التي تسِمها، ولم تهتدِ إلى التشكيك فيها، ناهيك أن تتدارسَها فتُراجعَها ثم تصححَها.

وتتمثل الخطورة الناجمة عن المزج بين ’اليمينين’ من جهة و’اليسارين’ من جهة ثانية، في تساوي كل ما هو سيء في السياسة (وهو اليمين: الاستغلال الطبقي وابتزاز اليد العاملة، توخي الرأسمالية المتوحشة كمنوال اقتصادي مهيمن، الخنوع للاستعمار، والاستقواء الامبريالي وما إلى ذلك) مع كل ما هو طيب في الإسلام (وهو اليمين أيضا: الملائكة الحفظة الكرام الذين يسجلون الحسنات على يمين الإنسان، إيتاء الكتاب باليمين،، تدبر القرآن الكريم، مساندة المستضعفين في الأرض، فعل الخير، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما إلى ذلك من الإيجابيات).

وبالتوازي مع ذلك يتساوى في ذهنية المسلمين كل ما هو جيّد في السياسة (وهو اليسار: السعي إلى توزيع عادل للثروات، تقليص الفروقات الاجتماعية، مجانية الرعاية الصحية والتعليم، وما إلى ذلك من الأهداف النبيلة) مع ما هو رديء في عيون الإسلام (وهو اليسار أيضا: السيئات التي تسجلها ملائكة كرام تقع على يسار الإنسان، إيتاء الكتاب بالشِّمال، مسك الخبز والأكل باليد اليسرى، وهلم جرا).

بالمحصلة هل يجوز أن تواصل ثقافتنا أخذها الخيرَ على أنه شر والشرَّ على أنه خير؟ في سياق المعالجة، نؤكد في مرحلة ثانية على أنّ ما سهّل غض الطرف عن الثابتة الثقافية والعقدية المتمثلة في المزج بين يمينين اثنين متناقضين وبين يسارين اثنين متناقضين، هو خنوع اللغة العربية وذلك بقبولها لمدلولين اثنين يتسمان بالتناقض والتباين لكل واحد من الاسمين (’يمين’ و’شمال’). فالمشكل اللغوي ذو بال ولا بدّ من قراءة ألف حساب له.

وفي مرحلة ثالثة نشدد على ضرورة قلب المفهومين الاثنين لليمين وكذلك قلب المفهومين الاثنين لليسار وذلك بصفة تستجيب للضرورة المعرفية ولو أنّ اللغة سوف تكتفي مبدئيا بضرورة الإتباع لا غير. و من هذا المنطلق لا مناص من معادلة اليمين في السياسة مع اليسار في الإسلام وبطبيعة الحال سيستوي حال اليسار في السياسة كمرادفٍ لليمين في الإسلام.

مع هذا فستبقى المشكلة الأساسية والمشكلات الناجمة عنها مطروحة طالما أنّ الفاعلين الثقافيين لم يحسموا أمر الانقلاب الثالث، وهو من الصنف الابستيمولوجي والمنهجي والتواصلي، وذلك بتبني أحد الخيارين الاثنين المطروحين للخروج من المأزق الراهن:

إما أن نعلن لبقية العالم أنّ ’اليسار’ عندنا سيتبدّل اسمه من هنا فصاعدا ويصبح ’اليمين’ لكنه نقيضٌ ﻟ’اليمين’ لديهم ومتساوٍ مع ’اليسار’ عندهم، وهو خيار مستعصٍ من الناحية الإجرائية وعلى المدى القريب مع أنه جائز مبدئيا ومنطقيا، وإما أن نتمادى في إتباع بقية العالم في استعمال عبارتَي ’يمين’ و’يسار’ مع ضرورة تبديل مدلول كليهما بصفةٍ تتماشى مع ثقافتنا لكي تتغير سلوكيات اليسار ومواقفه نحو الأفضل فيصبح يسارا جديدا مساهما بقسط وافر في تشكيل الطريق الثالث الضروري لتقويم الفكر السياسي.
*التجديد
أضافة تعليق