هويدي 20-5-2003
إلي أن يتاح لنا أن نبوح بما ينبغي أن يقال في استيعاب عبرة المشهد العراقي ودروسه, فربما كان مفيدا أن نتابع الحوار الدائر حول الموضوع في اسرائيل, الذي يبدو أنه أوسع كثيرا مما نظن. لم لا, وقد اعتبر شارون أن غزو العراق بمثابة زلزال ضرب الشرق الأوسط وقلب ميزان القوي فيه, الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في كل شيء فيه.( هاآرتس4/14).
(1)
لفت نظري أن سلاح الجو الإسرائيلي شكل فور انتهاء العمليات العسكرية في العراق عشر مجموعات عمل لدراسة ماجري, واستخلاص الدروس التي يمكن الإفادة منها في إسرائيل, وهي معلومة وقعت عليها في ثنايا حديث نشرته صحيفة ها آرتس( في3/28) لقائد سلاح الطيران دان حالوتس. ولا أكتمك أنني شعرت بالغيرة والغيظ للأسباب التي تعرفها, وكان أول سؤال خطر لي هو: إذا كان ذلك هو الصدي في سلاح الجو وحده, فكيف به في بقية أجهزة الجيش ومؤسسات الدولة الأخري؟ ــ أغراني التساؤل بمتابعة ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الموضوع. وأنا مدين في تمكيني من تلك المتابعة لثلاثة من الكتاب والصحفيين الفلسطينيين المقيمين في الأرض المحتلة وإسرائيل هم الأساتذة إبراهيم عبدالكريم وصالح النعامي ونظير مجلي. وحين تجمعت حصيلة المتابعة, وجدت أنها تتوزع علي ثلاث دوائر. فثمة حوارات جرت حول ما أحدثه الاحتلال من تغيير علي الساحتين الدولية والإقليمية. وأخري ركزت علي الدروس التي يتعين علي إسرائيل أن تستخلصها عسكريا واستراتيجيا, ثم إن هناك مستوي ثالثا من التحليلات تتناول أوضاع العالم العربي. وسأحاول أن أعرض لخلاصة تلك الأصداء تباعا.
من نماذج الأصداء التي سلطت الأضواء علي الدائرة الأولي أن صحيفة يديعون أحرونوت دعت سبعة من الخبراء المعنيين بالدراسات الاستراتيجية لمناقشة دلالات ما جري دوليا وإقليميا من وجهة النظر الإسرائيلية, ونشرت في3/16 ما انتهي إليه هؤلاء الخبراء, الذين ركزوا علي ثلاث نقاط هي:
* أن الانتصار الأمريكي الذي تحقق لم يكن في مواجهة العراق فحسب, ولكنه أيضا انتصار علي محور التحالف الأوروبي الجديد( روسيا ــ فرنسا ــ الصين). وهو ما أدي إلي شق الاتحاد الأوروبي إلي شقين يفصل بينهما شرخ كبير. وفي هذا فائدة ليس فقط للسيطرة الأمريكية علي العالم وضعف المارد الأوروبي أمام واشنطن, بل أيضا وبشكل خاص لفائدة اسرائيل. فقد انتهت اللعبة الأوروبية في التأثير علي الأحداث في الشرق الأوسط, وما عاد ممكنا أن تقبل الإدارة الأمريكية بدور فاعل للأوروبيين, كما انتهي دور اللجنة الرباعية الدولية( الأمم المتحدة وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة). وكل هذا يعني تخفيف الضغط الأوروبي علي اسرائيل في موضوع تسوية النزاع في الشرق الأوسط.
* بعد الانتصار لم يعد العالم محكوما بلون واحد رأسمالي/ غربي كما قيل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وإنما أصبح عالما أمريكيا بامتياز. إذ أصبحت الولايات المتحدة هي المهيمنة وصاحبة الكلمة الأخيرة في شئون العالم, خصوصا مجال السياسة الدولية. وفي هذه الحالة فمن مصلحة اسرائيل أن تتحرك في إطار المظلة الأمريكية, بحيث تصبح الولاية الأمريكية الحادية والخمسين. وبرغم أن هذا الوضع قد يكون له مردوده السلبي, من حيث إنه قد يمكن واشنطن من الضغط علي اسرائيل في قضايا معينة, فإن الأغلبية رأت أن ذلك الاحتمال بعيد, وأن واشنطن لن تمارس أي ضغط جدي علي اسرائيل, لأنها تشاركها عمليا في كل شيء.
* باحتلال العراق فإن قوة عسكرية عربية خرجت من دائرة الحرب ضد اسرائيل, الأمر الذي من شأنه إضعاف سوريا وفقدانها لعمق استراتيجي مهم. مما يحدث خللا جوهريا في توازن القوي. ومن ثم يجب أن تعمل اسرائيل علي تحقيق هدفين: أولهما مطالبة حكومة العراق القادمة بتوقيع اتفاق سلام معها, والثاني ممارسة أقوي ضغوط ممكنة لإحداث تغيير أساسي في السياسات السورية والإيرانية إزاء اسرائيل.
(2)
أهم النقاط التي أثيرت في القراءة الإسرائيلية للحدث من الناحية العسكرية هي:
* انه يجب إعادة النظر في التفكير العسكري الإسرائيلي. ذلك أن التخوف من الجبهة الشرقية فرض اتخاذ احتياطات كثيرة, مثل إقامة حزام أمني علي طول نهر الأردن, وإقامة مستوطنات وقواعد عسكرية علي سفوح الجبال, والاحتفاظ بسياج ضخم من المدرعات. وذلك كله لم يعد له لزوم الآن بعد انهيار الجبهة الشرقية. في الوقت ذاته فإن هذه القراءة الإسرائيلية تري أن الجيوش البرية العربية لم تعد تشكل مصدر قلق لإسرائيل, إنما ما قد يثير قلقها هو العمليات الإرهابية, أو استخدام أسلحة غير تقليدية.( المعلق الاستراتيجي يارون لندون ــ يديعوت أحرونوت3/18).
* ذهب معلق آخر هو عوفر شيلح إلي ماهو أبعد, حيث نشرت له يديعوت أحرونوت( في4/21) تحليلا تحت عنوان حان الوقت لبحث وضع الجيش الاسرائيلي. وقال فيه إنه لعدة عقود خلت ظلت اسرائيل تعاني هاجس اشتراك الجيشين العراقي والسوري في هجوم ضدها. وقد تلاشي الآن ذلك الهاجس/ الكابوس, ولذلك فالأمر يتطلب إعادة نظر شاملة في الوجهة المستقبلية للجيش. وقد شكك في إمكانية إجراء مثل ذلك الحوار في الوقت الراهن, الذي تمني أن يشترك فيه السياسيون والأكاديميون والإعلاميون, إلي جانب العسكريين بطبيعة الحال.
* محلل استراتيجي آخر هو أوري دان, كتب في هاآرتس(3/27) يقول إن الدرس الفوري الذي يتعين علي الجيش الإسرائيلي أن يتعلمه هو تلك الأهمية التي تمتعت بها القوات البرية. ذلك أن تلك القوات هي التي حسمت المعركة العسكرية. وهو ما ينبغي أن يذكر اسرائيل الصغيرة بأنه آن أوان تقوية أجهزة الجيش, لأنه ونحن في القرن الـ21 ليس الجيش الصغير والذكي هو المهيأ للدفاع عنها عند اللزوم. وإنما إذا كان من أهداف اسرائيل الحصول علي السلام والدفاع عنه, فلذلك يتعين علي الجيش الإسرائيلي أن يجدد نفسه كليا.
* قائد سلاح الجو دان حالوتس ذكر أن اسرائيل ستظل بحاجة إلي جيش قوي, برغم تحسن موقفها الأمني بعد احتلال العراق. ذلك أن الأخطار التي تهددها لن تتوقف, وفي المقدمة منها احتمال انهيار أنظمة صديقة لإسرائيل. لكنه يري أن الخطر الأكبر يكمن في الارهاب, والجيوش العربية آخر ما يخشي منه. وقد دعا إلي استغلال الفرصة وإحداث تغييرات أساسية في المبني وتنظيم القوات, مع إجراء تقليص جزء كبير من القوة المدرعة. واقترح تطوير قوات برية خفيفة ومتحركة, تكون قوتها الأساسية الضاربة قوة جوية.( هاآرتس ــ3/28). وحين أشار إلي ما خلصت إليه مجموعات العمل العشر التي تشكلت بعد انتهاء الحرب, قال إنها انتهت إلي توصيات عدة, منها أن القوة الجوية إذا أحسن استخدامها يمكن أن تكون حاسمة في أي معركة, وأن إدماجها مع القوة البرية من شأنه أن يولد قوة مضاعفة, شديدة التأثير والفعالية.
(3)
في صدد آثار الحرب قدر البروفيسور يئير زيمون( محاضر في الاقتصاد بالمجمع الأكاديمي في كريات أونو), أن زوال الخطر الصاروخي العراقي الذي كان يؤرق المجتمع الإسرائيلي أدي إلي تحسين المزاج القومي. وهو ما يزيد بالتالي من حجم المشتريات وحركة النشاط الاقتصادي. وهذه الأجواء الإيجابية كان لها إسهامها في ارتفاع أسعار الأسهم بإسرائيل في الآونة الأخيرة( يديعوت أحرونوت ــ4/9).
رجح البروفيسور زيمون أن تشجع نتائج الحرب الولايات المتحدة علي أن تضخ مزيدا من المساعدات المالية لإسرائيل. وهو ما حدث, فقد وافق الكونجرس علي منح إسرائيل مساعدات, مع تقديم ضمانات مالية أخري بقيمة تسعة بلايين دولار.
خشي آخرون أن تؤدي نتائج الحرب إلي إثارة التعاطف الدولي مع الفلسطينيين, باعتبار أن وضعهم صار أضعف, أمام اسرائيل التي تضاعفت قوتها.. وفي هذا المعني كتب الصحفي البارز يهودا ليطاني, قائلا إنه كلما ضعف الفلسطينيون صار وضع اسرائيل أكثر تعقيدا, حيث سيتوجه عطف العالم أكثر نحو نصرة الضعيف الذي يثير وضعه الشفقة ويدفع إلي التضامن( يديعوت أحرونوت3/24).
ثمة قلق إضافي عبرت عنه كتابات إسرائيلية أخري. فقد ذهب المحلل الاستراتيجي أفيعاد كلينبرج إلي أن اسرائيل لم تستوعب بعد دلالات الغزو الأمريكي للعراق ــ لماذا؟.. أجاب علي السؤال قائلا: لأن غزو العراق يقلل بمقدار كبير أسهم دولة اسرائيل ككنز استراتيجي, ليس لأنها غير وفية للعم سام, وهي التابع المطيع والمخلص, وإنما ببساطة لأنها لم تعد ضرورية. فالثقل الاستراتيجي الكبير الذي تمتعت به نجم عن قدرتها, في منطقة لم تكن الولايات المتحدة معنية بالتدخل المباشر فيها. وكانت إسرائيل بمثابة دولة عظمي إقليمية مصغرة أمكن بها تهديد الكتلة السوفيتية وتوابعها والعالم العربي, وحين يصبح التدخل الأمريكي مباشرا, لا تبقي حاجة إلي وسطاء, فالولايات المتحدة تقوم بمهماتها القذرة بنفسها. وأكثر من هذا, اختارت الولايات المتحدة التدخل المباشر في الشرق الأوسط لكونه أمرا سهل التنفيذ. ومعني التناقص في مكانة اسرائيل ــ يتابع كلينبرج ــ أن الاستعداد الأمريكي لمواصلة دفع الثمن لقاء إخراجنا من الوحل الذي نورط أنفسنا فيه من حين إلي آخر سيقل كثيرا, فالدعم الأمريكي سيتضاءل, والأزمة الاقتصادية ستتعمق, والديمقراطية الاسرائيلية ستتآكل, ويمكن أن تتحول اسرائيل بسهولة إلي دولة أخري في العالم الثالث لتدق أبواب المتصدقين. من ثم فالعبرة التي ينبغي أن تتعلمها إسرائيل من الحرب هي ــ في تقديره ــ الإسراع إلي التوصل إلي تسوية جديدة تتيح ترميم الاقتصاد والشروع في ترميم المجتمع والديمقراطية, حيث يري أن الكنز الأساسي والأهم الذي يمكن أن تمتلكه اسرائيل في العالم الجديد ليس القوة العسكرية, بل الانتماء الحقيقي لنادي الدول المتقدمة.( هاآرتس ــ4/11).
(4)
الشق الذي يتعلق بالعالم العربي بشكل مباشر تلقيته من زميلنا الباحث والصحفي الفلسطيني صالح النعامي, في رسالة بعث بها من غزة, ضمنها حصيلة متابعاته للحوارات الاسرائيلية التي ركزت علي ذلك الجانب, في البرامج التليفزيونية والاذاعية العبرية. فذكر أن أكثر من45 من الجنرالات السابقين والأكاديميين والمعلقين في إسرائيل أجمعوا في برامج حوارية مختلفة علي أن النهاية السريعة للحرب في العراق وانهيار النظام في مواجهة آلة الحرب الأمريكية, لايرجع بشكل أساسي إلي اختلال موازين القوي بشكل جارف لمصلحة أمريكا, بل أولا وقبل كل شيء إلي رغبة العراقيين في التخلص من نظام صدام حسين القمعي, حتي ولو كان ذلك عبر قوة معادية مثل الولايات المتحدة ــ في هذا المعني ذكر الجنرال يعكوف عامي درور, الذي كان مديرا للأبحاث في الاستخبارات العسكرية أن بعض نظم الحكم الشمولية في العالم العربي أسهمت بشكل كبير في قتل الشعور بالانتماء لدي بعض قطاعات العالم العربي. ولأن حصانة المجتمع الداخلي هي التي تحسم المواجهة مع أي عدو خارجي, فلم يكن ما حدث في العراق مفاجئا. وخلال حديث طويل مع التليفزيون الإسرائيلي قال الجنرال درور: إنني أتميز غيظا حينما أستمع إلي أولئك الذين يدعون إلي دمقرطة العالم العربي, لأن ذلك إذا ما حدث فإنه سيجعل العرب في موقف قوي يهدد اسرائيل في أي مواجهة بيننا وبينهم في المستقبل. لكنه طمأن المشاهدين إلي أن ذلك لن يحدث, لأن الولايات المتحدة غير جادة في حديثها عن حكاية الدمقرطة( ما رأي حزب أمريكا في الإعلام العربي؟!).
البروفيسور عماتسيا برعام أستاذ التاريخ في جامعة حيفا قال إن غياب الأنظمة الديمقراطية في العالم العربي أفقدها القدرة علي مراجعة الأداء واستخلاص العبر. ولو كانت هناك ديمقراطية لحوسب المسئولون عن الهزائم التي لحقت بالعرب عامي1948 و1967, وهو ما لم يحدث. أضاف أنه من الناحية النظرية لايوجد أي مبرر منطقي يفسر هزيمة العرب أمام اسرائيل بشكل متتال في عدة حروب, لو أن الأنظمة آمنت بالقضايا الوطنية التي تطرحها. ذلك أن الأولوية ظلت منصبة علي استمرار تلك الأنظمة بصرف النظر عما يلحق بالأوطان.
يعكوف بيري الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية( الشاباك) قال إنه في بعض الأحيان كانت الأنظمة العربية المتشددة أكثر إراحة لإسرائيل من غيرها. ودلل علي ذلك مذكرا بأنه منذ توقيع اتفاقية الهدنة في عام1974 بين اسرائيل وسوريا, لم تقع أي عملية عسكرية ولو واحدة انطلاقا من الحدود السورية.
الدكتور افرايم سنيه الوزير السابق والقيادي في حزب العمل, قال في حديث له ضمن برنامج صباح الخير يا اسرائيل. علينا أن نصلي جميعا لكي يبقي العالم العربي خاضعا لأنظمته. وأضاف أن غياب الديمقراطية عن العالم العربي عطل الإبداع عن العرب. ففي الوقت الذي نطور فيه إمكاناتنا في مختلف المجالات, فإن هذه الأمور لاتشكل أولوية بالنسبة للعرب, برغم إمكاناتهم المادية الهائلة. لذلك فإن أشد الكوابيس سوداوية ستبرز أمام اسرائيل لو حدث إبداع حقيقي في العالم العربي.
رافي ايتان الذي شغل في السابق منصب قائد وحدة تجنيد العملاء في جهاز الموساد, وهي المعروفة باسم كيساريا ذكر في أكثر من لقاء إعلامي أن أحد أهم الأسباب التي تساعدهم علي تجنيد العرب لصالحهم هو غياب أو ضعف الشعور بالانتماء لدي البعض في العالم العربي, من جراء الأوضاع الاستبدادية السائدة فيه. وفي هذا السياق تحدث يعكوف غرودي الذي كان ضابطا في جهاز الاستخبارات العسكرية عن نجاح بعض صغار الضباط في سلك المخابرات الإسرائيلية, في تجنيد عدد من كبار الضباط والمسئولين في بعض الدول العربية.
(5)
التحليل الإسرائيلي كانت له قراءة خاصة للحالة الإسلامية. فالبروفيسور يجال كارين المستشرق والباحث في الشئون العربية ذكر أنه من حسن حظ اسرائيل أن الأنظمة العربية لاتبقي إلا علي القوي السياسية التي تخدم استمرارها. وهي بذلك قدمت خدمة جليلة لإسرائيل في الماضي والحاضر. ذلك أن معظم تلك الأنظمة توصلت إلي استنتاج مفاده أنه يتوجب استبعاد الحركات الإسلامية, التي هي أخطر القطاعات الفكرية في العالم العربي علي إسرائيل. وخلص في حديثه للإذاعة الإسرائيلية إلي أنه لولا الحرب التي خاضتها العديد من الأنظمة العربية ضد الحركات الإسلامية, لكان شكل المنطقة قد تغير منذ زمن. وفي تفصيل هذه النقطة قال كارين: خذوا علي سبيل المثال الأراضي الفلسطينية التي أتيح للحركات الإسلامية حرية عمل أكبر فيها, ستجدون أن الإسلاميين جعلوا من ثقافة الاستشهاد سمة إجماع لدي المنظمات الفلسطينية, حتي العلمانية منها. واستطرد قائلا إن مواجهة الأنظمة العربية للحركات الإسلامية كانت دائما في مصلحة اسرائيل. لذلك فإن مواصلة تقييد حركتها( قمعها) تفيدنا كثيرا, ومن المهم جدا استمرار هذا الوضع. كما أنه من المهم للغاية الاتصال بأصدقاء اسرائيل في الإدارة الأمريكية لإثنائهم عن المضي إلي النهاية فيما يقولونه في العلن عن دمقرطة العالم العربي.
الملاحظة الأخيرة مثيرة للغاية, وصاحبها هو حاييم هنجبي الروائي والكاتب الذي ينتمي إلي مدرسة مابعد الصهيونية, الذي ذكر أنه تعرف قبل خمس سنوات علي الجنرال موشيه كلاو, الذي هو واحد من أهم أصدقاء شارون ورفاقه منذ التحق بالجيش الإسرائيلي قبل العام1948. وقد دأب حاييم علي زيارته إلي حين وفاته قبل ثلاث سنوات. وفي إحدي الزيارات وجده مكتئبا ومغموما, بينما كان ممسكا بكتاب في يده. وحين سأله عما به, قال كلاو إنه لم يعد يغمض له جفن, بعد أن تعددت قراءاته لملابسات معركة حطين التي انتصر فيها العرب علي الصليبيين. خصوصا بعدما لاحظ أن أوضاع العرب والمسلمين في المرحلة التي سبقت المعركة كانت لاتقل سوءا عن وضعهم الآن. ومع ذلك حققوا نصرا غير من شكل المنطقة. ثم أضاف: إنني أخشي أن تعود الكرة مرة أخري, وقد يكون طريق الذي قدم من كردستان( يقصد صلاح الدين) مهيأ لقادم آخر, يأتي ليغير ما عليه الحال الآن.
ما رأيكم, دام فضلكم؟
إلي أن يتاح لنا أن نبوح بما ينبغي أن يقال في استيعاب عبرة المشهد العراقي ودروسه, فربما كان مفيدا أن نتابع الحوار الدائر حول الموضوع في اسرائيل, الذي يبدو أنه أوسع كثيرا مما نظن. لم لا, وقد اعتبر شارون أن غزو العراق بمثابة زلزال ضرب الشرق الأوسط وقلب ميزان القوي فيه, الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في كل شيء فيه.( هاآرتس4/14).
(1)
لفت نظري أن سلاح الجو الإسرائيلي شكل فور انتهاء العمليات العسكرية في العراق عشر مجموعات عمل لدراسة ماجري, واستخلاص الدروس التي يمكن الإفادة منها في إسرائيل, وهي معلومة وقعت عليها في ثنايا حديث نشرته صحيفة ها آرتس( في3/28) لقائد سلاح الطيران دان حالوتس. ولا أكتمك أنني شعرت بالغيرة والغيظ للأسباب التي تعرفها, وكان أول سؤال خطر لي هو: إذا كان ذلك هو الصدي في سلاح الجو وحده, فكيف به في بقية أجهزة الجيش ومؤسسات الدولة الأخري؟ ــ أغراني التساؤل بمتابعة ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الموضوع. وأنا مدين في تمكيني من تلك المتابعة لثلاثة من الكتاب والصحفيين الفلسطينيين المقيمين في الأرض المحتلة وإسرائيل هم الأساتذة إبراهيم عبدالكريم وصالح النعامي ونظير مجلي. وحين تجمعت حصيلة المتابعة, وجدت أنها تتوزع علي ثلاث دوائر. فثمة حوارات جرت حول ما أحدثه الاحتلال من تغيير علي الساحتين الدولية والإقليمية. وأخري ركزت علي الدروس التي يتعين علي إسرائيل أن تستخلصها عسكريا واستراتيجيا, ثم إن هناك مستوي ثالثا من التحليلات تتناول أوضاع العالم العربي. وسأحاول أن أعرض لخلاصة تلك الأصداء تباعا.
من نماذج الأصداء التي سلطت الأضواء علي الدائرة الأولي أن صحيفة يديعون أحرونوت دعت سبعة من الخبراء المعنيين بالدراسات الاستراتيجية لمناقشة دلالات ما جري دوليا وإقليميا من وجهة النظر الإسرائيلية, ونشرت في3/16 ما انتهي إليه هؤلاء الخبراء, الذين ركزوا علي ثلاث نقاط هي:
* أن الانتصار الأمريكي الذي تحقق لم يكن في مواجهة العراق فحسب, ولكنه أيضا انتصار علي محور التحالف الأوروبي الجديد( روسيا ــ فرنسا ــ الصين). وهو ما أدي إلي شق الاتحاد الأوروبي إلي شقين يفصل بينهما شرخ كبير. وفي هذا فائدة ليس فقط للسيطرة الأمريكية علي العالم وضعف المارد الأوروبي أمام واشنطن, بل أيضا وبشكل خاص لفائدة اسرائيل. فقد انتهت اللعبة الأوروبية في التأثير علي الأحداث في الشرق الأوسط, وما عاد ممكنا أن تقبل الإدارة الأمريكية بدور فاعل للأوروبيين, كما انتهي دور اللجنة الرباعية الدولية( الأمم المتحدة وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة). وكل هذا يعني تخفيف الضغط الأوروبي علي اسرائيل في موضوع تسوية النزاع في الشرق الأوسط.
* بعد الانتصار لم يعد العالم محكوما بلون واحد رأسمالي/ غربي كما قيل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وإنما أصبح عالما أمريكيا بامتياز. إذ أصبحت الولايات المتحدة هي المهيمنة وصاحبة الكلمة الأخيرة في شئون العالم, خصوصا مجال السياسة الدولية. وفي هذه الحالة فمن مصلحة اسرائيل أن تتحرك في إطار المظلة الأمريكية, بحيث تصبح الولاية الأمريكية الحادية والخمسين. وبرغم أن هذا الوضع قد يكون له مردوده السلبي, من حيث إنه قد يمكن واشنطن من الضغط علي اسرائيل في قضايا معينة, فإن الأغلبية رأت أن ذلك الاحتمال بعيد, وأن واشنطن لن تمارس أي ضغط جدي علي اسرائيل, لأنها تشاركها عمليا في كل شيء.
* باحتلال العراق فإن قوة عسكرية عربية خرجت من دائرة الحرب ضد اسرائيل, الأمر الذي من شأنه إضعاف سوريا وفقدانها لعمق استراتيجي مهم. مما يحدث خللا جوهريا في توازن القوي. ومن ثم يجب أن تعمل اسرائيل علي تحقيق هدفين: أولهما مطالبة حكومة العراق القادمة بتوقيع اتفاق سلام معها, والثاني ممارسة أقوي ضغوط ممكنة لإحداث تغيير أساسي في السياسات السورية والإيرانية إزاء اسرائيل.
(2)
أهم النقاط التي أثيرت في القراءة الإسرائيلية للحدث من الناحية العسكرية هي:
* انه يجب إعادة النظر في التفكير العسكري الإسرائيلي. ذلك أن التخوف من الجبهة الشرقية فرض اتخاذ احتياطات كثيرة, مثل إقامة حزام أمني علي طول نهر الأردن, وإقامة مستوطنات وقواعد عسكرية علي سفوح الجبال, والاحتفاظ بسياج ضخم من المدرعات. وذلك كله لم يعد له لزوم الآن بعد انهيار الجبهة الشرقية. في الوقت ذاته فإن هذه القراءة الإسرائيلية تري أن الجيوش البرية العربية لم تعد تشكل مصدر قلق لإسرائيل, إنما ما قد يثير قلقها هو العمليات الإرهابية, أو استخدام أسلحة غير تقليدية.( المعلق الاستراتيجي يارون لندون ــ يديعوت أحرونوت3/18).
* ذهب معلق آخر هو عوفر شيلح إلي ماهو أبعد, حيث نشرت له يديعوت أحرونوت( في4/21) تحليلا تحت عنوان حان الوقت لبحث وضع الجيش الاسرائيلي. وقال فيه إنه لعدة عقود خلت ظلت اسرائيل تعاني هاجس اشتراك الجيشين العراقي والسوري في هجوم ضدها. وقد تلاشي الآن ذلك الهاجس/ الكابوس, ولذلك فالأمر يتطلب إعادة نظر شاملة في الوجهة المستقبلية للجيش. وقد شكك في إمكانية إجراء مثل ذلك الحوار في الوقت الراهن, الذي تمني أن يشترك فيه السياسيون والأكاديميون والإعلاميون, إلي جانب العسكريين بطبيعة الحال.
* محلل استراتيجي آخر هو أوري دان, كتب في هاآرتس(3/27) يقول إن الدرس الفوري الذي يتعين علي الجيش الإسرائيلي أن يتعلمه هو تلك الأهمية التي تمتعت بها القوات البرية. ذلك أن تلك القوات هي التي حسمت المعركة العسكرية. وهو ما ينبغي أن يذكر اسرائيل الصغيرة بأنه آن أوان تقوية أجهزة الجيش, لأنه ونحن في القرن الـ21 ليس الجيش الصغير والذكي هو المهيأ للدفاع عنها عند اللزوم. وإنما إذا كان من أهداف اسرائيل الحصول علي السلام والدفاع عنه, فلذلك يتعين علي الجيش الإسرائيلي أن يجدد نفسه كليا.
* قائد سلاح الجو دان حالوتس ذكر أن اسرائيل ستظل بحاجة إلي جيش قوي, برغم تحسن موقفها الأمني بعد احتلال العراق. ذلك أن الأخطار التي تهددها لن تتوقف, وفي المقدمة منها احتمال انهيار أنظمة صديقة لإسرائيل. لكنه يري أن الخطر الأكبر يكمن في الارهاب, والجيوش العربية آخر ما يخشي منه. وقد دعا إلي استغلال الفرصة وإحداث تغييرات أساسية في المبني وتنظيم القوات, مع إجراء تقليص جزء كبير من القوة المدرعة. واقترح تطوير قوات برية خفيفة ومتحركة, تكون قوتها الأساسية الضاربة قوة جوية.( هاآرتس ــ3/28). وحين أشار إلي ما خلصت إليه مجموعات العمل العشر التي تشكلت بعد انتهاء الحرب, قال إنها انتهت إلي توصيات عدة, منها أن القوة الجوية إذا أحسن استخدامها يمكن أن تكون حاسمة في أي معركة, وأن إدماجها مع القوة البرية من شأنه أن يولد قوة مضاعفة, شديدة التأثير والفعالية.
(3)
في صدد آثار الحرب قدر البروفيسور يئير زيمون( محاضر في الاقتصاد بالمجمع الأكاديمي في كريات أونو), أن زوال الخطر الصاروخي العراقي الذي كان يؤرق المجتمع الإسرائيلي أدي إلي تحسين المزاج القومي. وهو ما يزيد بالتالي من حجم المشتريات وحركة النشاط الاقتصادي. وهذه الأجواء الإيجابية كان لها إسهامها في ارتفاع أسعار الأسهم بإسرائيل في الآونة الأخيرة( يديعوت أحرونوت ــ4/9).
رجح البروفيسور زيمون أن تشجع نتائج الحرب الولايات المتحدة علي أن تضخ مزيدا من المساعدات المالية لإسرائيل. وهو ما حدث, فقد وافق الكونجرس علي منح إسرائيل مساعدات, مع تقديم ضمانات مالية أخري بقيمة تسعة بلايين دولار.
خشي آخرون أن تؤدي نتائج الحرب إلي إثارة التعاطف الدولي مع الفلسطينيين, باعتبار أن وضعهم صار أضعف, أمام اسرائيل التي تضاعفت قوتها.. وفي هذا المعني كتب الصحفي البارز يهودا ليطاني, قائلا إنه كلما ضعف الفلسطينيون صار وضع اسرائيل أكثر تعقيدا, حيث سيتوجه عطف العالم أكثر نحو نصرة الضعيف الذي يثير وضعه الشفقة ويدفع إلي التضامن( يديعوت أحرونوت3/24).
ثمة قلق إضافي عبرت عنه كتابات إسرائيلية أخري. فقد ذهب المحلل الاستراتيجي أفيعاد كلينبرج إلي أن اسرائيل لم تستوعب بعد دلالات الغزو الأمريكي للعراق ــ لماذا؟.. أجاب علي السؤال قائلا: لأن غزو العراق يقلل بمقدار كبير أسهم دولة اسرائيل ككنز استراتيجي, ليس لأنها غير وفية للعم سام, وهي التابع المطيع والمخلص, وإنما ببساطة لأنها لم تعد ضرورية. فالثقل الاستراتيجي الكبير الذي تمتعت به نجم عن قدرتها, في منطقة لم تكن الولايات المتحدة معنية بالتدخل المباشر فيها. وكانت إسرائيل بمثابة دولة عظمي إقليمية مصغرة أمكن بها تهديد الكتلة السوفيتية وتوابعها والعالم العربي, وحين يصبح التدخل الأمريكي مباشرا, لا تبقي حاجة إلي وسطاء, فالولايات المتحدة تقوم بمهماتها القذرة بنفسها. وأكثر من هذا, اختارت الولايات المتحدة التدخل المباشر في الشرق الأوسط لكونه أمرا سهل التنفيذ. ومعني التناقص في مكانة اسرائيل ــ يتابع كلينبرج ــ أن الاستعداد الأمريكي لمواصلة دفع الثمن لقاء إخراجنا من الوحل الذي نورط أنفسنا فيه من حين إلي آخر سيقل كثيرا, فالدعم الأمريكي سيتضاءل, والأزمة الاقتصادية ستتعمق, والديمقراطية الاسرائيلية ستتآكل, ويمكن أن تتحول اسرائيل بسهولة إلي دولة أخري في العالم الثالث لتدق أبواب المتصدقين. من ثم فالعبرة التي ينبغي أن تتعلمها إسرائيل من الحرب هي ــ في تقديره ــ الإسراع إلي التوصل إلي تسوية جديدة تتيح ترميم الاقتصاد والشروع في ترميم المجتمع والديمقراطية, حيث يري أن الكنز الأساسي والأهم الذي يمكن أن تمتلكه اسرائيل في العالم الجديد ليس القوة العسكرية, بل الانتماء الحقيقي لنادي الدول المتقدمة.( هاآرتس ــ4/11).
(4)
الشق الذي يتعلق بالعالم العربي بشكل مباشر تلقيته من زميلنا الباحث والصحفي الفلسطيني صالح النعامي, في رسالة بعث بها من غزة, ضمنها حصيلة متابعاته للحوارات الاسرائيلية التي ركزت علي ذلك الجانب, في البرامج التليفزيونية والاذاعية العبرية. فذكر أن أكثر من45 من الجنرالات السابقين والأكاديميين والمعلقين في إسرائيل أجمعوا في برامج حوارية مختلفة علي أن النهاية السريعة للحرب في العراق وانهيار النظام في مواجهة آلة الحرب الأمريكية, لايرجع بشكل أساسي إلي اختلال موازين القوي بشكل جارف لمصلحة أمريكا, بل أولا وقبل كل شيء إلي رغبة العراقيين في التخلص من نظام صدام حسين القمعي, حتي ولو كان ذلك عبر قوة معادية مثل الولايات المتحدة ــ في هذا المعني ذكر الجنرال يعكوف عامي درور, الذي كان مديرا للأبحاث في الاستخبارات العسكرية أن بعض نظم الحكم الشمولية في العالم العربي أسهمت بشكل كبير في قتل الشعور بالانتماء لدي بعض قطاعات العالم العربي. ولأن حصانة المجتمع الداخلي هي التي تحسم المواجهة مع أي عدو خارجي, فلم يكن ما حدث في العراق مفاجئا. وخلال حديث طويل مع التليفزيون الإسرائيلي قال الجنرال درور: إنني أتميز غيظا حينما أستمع إلي أولئك الذين يدعون إلي دمقرطة العالم العربي, لأن ذلك إذا ما حدث فإنه سيجعل العرب في موقف قوي يهدد اسرائيل في أي مواجهة بيننا وبينهم في المستقبل. لكنه طمأن المشاهدين إلي أن ذلك لن يحدث, لأن الولايات المتحدة غير جادة في حديثها عن حكاية الدمقرطة( ما رأي حزب أمريكا في الإعلام العربي؟!).
البروفيسور عماتسيا برعام أستاذ التاريخ في جامعة حيفا قال إن غياب الأنظمة الديمقراطية في العالم العربي أفقدها القدرة علي مراجعة الأداء واستخلاص العبر. ولو كانت هناك ديمقراطية لحوسب المسئولون عن الهزائم التي لحقت بالعرب عامي1948 و1967, وهو ما لم يحدث. أضاف أنه من الناحية النظرية لايوجد أي مبرر منطقي يفسر هزيمة العرب أمام اسرائيل بشكل متتال في عدة حروب, لو أن الأنظمة آمنت بالقضايا الوطنية التي تطرحها. ذلك أن الأولوية ظلت منصبة علي استمرار تلك الأنظمة بصرف النظر عما يلحق بالأوطان.
يعكوف بيري الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية( الشاباك) قال إنه في بعض الأحيان كانت الأنظمة العربية المتشددة أكثر إراحة لإسرائيل من غيرها. ودلل علي ذلك مذكرا بأنه منذ توقيع اتفاقية الهدنة في عام1974 بين اسرائيل وسوريا, لم تقع أي عملية عسكرية ولو واحدة انطلاقا من الحدود السورية.
الدكتور افرايم سنيه الوزير السابق والقيادي في حزب العمل, قال في حديث له ضمن برنامج صباح الخير يا اسرائيل. علينا أن نصلي جميعا لكي يبقي العالم العربي خاضعا لأنظمته. وأضاف أن غياب الديمقراطية عن العالم العربي عطل الإبداع عن العرب. ففي الوقت الذي نطور فيه إمكاناتنا في مختلف المجالات, فإن هذه الأمور لاتشكل أولوية بالنسبة للعرب, برغم إمكاناتهم المادية الهائلة. لذلك فإن أشد الكوابيس سوداوية ستبرز أمام اسرائيل لو حدث إبداع حقيقي في العالم العربي.
رافي ايتان الذي شغل في السابق منصب قائد وحدة تجنيد العملاء في جهاز الموساد, وهي المعروفة باسم كيساريا ذكر في أكثر من لقاء إعلامي أن أحد أهم الأسباب التي تساعدهم علي تجنيد العرب لصالحهم هو غياب أو ضعف الشعور بالانتماء لدي البعض في العالم العربي, من جراء الأوضاع الاستبدادية السائدة فيه. وفي هذا السياق تحدث يعكوف غرودي الذي كان ضابطا في جهاز الاستخبارات العسكرية عن نجاح بعض صغار الضباط في سلك المخابرات الإسرائيلية, في تجنيد عدد من كبار الضباط والمسئولين في بعض الدول العربية.
(5)
التحليل الإسرائيلي كانت له قراءة خاصة للحالة الإسلامية. فالبروفيسور يجال كارين المستشرق والباحث في الشئون العربية ذكر أنه من حسن حظ اسرائيل أن الأنظمة العربية لاتبقي إلا علي القوي السياسية التي تخدم استمرارها. وهي بذلك قدمت خدمة جليلة لإسرائيل في الماضي والحاضر. ذلك أن معظم تلك الأنظمة توصلت إلي استنتاج مفاده أنه يتوجب استبعاد الحركات الإسلامية, التي هي أخطر القطاعات الفكرية في العالم العربي علي إسرائيل. وخلص في حديثه للإذاعة الإسرائيلية إلي أنه لولا الحرب التي خاضتها العديد من الأنظمة العربية ضد الحركات الإسلامية, لكان شكل المنطقة قد تغير منذ زمن. وفي تفصيل هذه النقطة قال كارين: خذوا علي سبيل المثال الأراضي الفلسطينية التي أتيح للحركات الإسلامية حرية عمل أكبر فيها, ستجدون أن الإسلاميين جعلوا من ثقافة الاستشهاد سمة إجماع لدي المنظمات الفلسطينية, حتي العلمانية منها. واستطرد قائلا إن مواجهة الأنظمة العربية للحركات الإسلامية كانت دائما في مصلحة اسرائيل. لذلك فإن مواصلة تقييد حركتها( قمعها) تفيدنا كثيرا, ومن المهم جدا استمرار هذا الوضع. كما أنه من المهم للغاية الاتصال بأصدقاء اسرائيل في الإدارة الأمريكية لإثنائهم عن المضي إلي النهاية فيما يقولونه في العلن عن دمقرطة العالم العربي.
الملاحظة الأخيرة مثيرة للغاية, وصاحبها هو حاييم هنجبي الروائي والكاتب الذي ينتمي إلي مدرسة مابعد الصهيونية, الذي ذكر أنه تعرف قبل خمس سنوات علي الجنرال موشيه كلاو, الذي هو واحد من أهم أصدقاء شارون ورفاقه منذ التحق بالجيش الإسرائيلي قبل العام1948. وقد دأب حاييم علي زيارته إلي حين وفاته قبل ثلاث سنوات. وفي إحدي الزيارات وجده مكتئبا ومغموما, بينما كان ممسكا بكتاب في يده. وحين سأله عما به, قال كلاو إنه لم يعد يغمض له جفن, بعد أن تعددت قراءاته لملابسات معركة حطين التي انتصر فيها العرب علي الصليبيين. خصوصا بعدما لاحظ أن أوضاع العرب والمسلمين في المرحلة التي سبقت المعركة كانت لاتقل سوءا عن وضعهم الآن. ومع ذلك حققوا نصرا غير من شكل المنطقة. ثم أضاف: إنني أخشي أن تعود الكرة مرة أخري, وقد يكون طريق الذي قدم من كردستان( يقصد صلاح الدين) مهيأ لقادم آخر, يأتي ليغير ما عليه الحال الآن.
ما رأيكم, دام فضلكم؟