مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إرهاصــات أم الكــوارث
هويدي 6-5-2003

فاجعة الوقت لا تكمن فقط في أن العراق جري احتلاله‏,‏ ولكن أيضا في أن أصواتا عدة‏,‏ ارتفعت داعية إلي إشهار إفلاس الأمة العربية كلها واستسلامها‏,‏ إزاء ذلك فلعلني لا أبالغ اذا قلت إنه اذا كان ما جري للعراق كارثة من العيار الثقيل‏,‏ انضافت إلي سجل كوارثنا الذي يمثل احتلال فلسطين عنوانا كبيرا له‏,‏ فإن دعوة الأمة إلي الانبطاح تغدو أم الكوارث بامتياز‏.‏
‏(1)‏

للمشهد الكارثي وجه آخر‏,‏ لا نستطيع أن نتجاهله‏,‏ يتمثل في كم الفضائح التي استصحبته‏,‏ وهي بدورها من العيار الثقيل‏,‏ ولأنها كثيرة فإنني سوف أؤجل التفصيل فيها إلي فرصة أخري‏,‏ لكني سأتوقف لحظة أمام واحدة من تلك الفضائح‏,‏ تنتمي إلي جنس الكبائر الفكرية والسياسية التي لا تغتفر‏,‏ ذلك أن ثمة جدلا مدهشا في بعض الصحف العربية حول تكييف ما جري في العراق‏,‏ وهل هو احتلال أم تحرير؟ وهو السؤال الذي لم يكن متصورا أن يطرح من أساسه‏,‏ علي الأقل في عالمنا العربي‏,‏ ولكن لأننا في زمن اللامعقول السياسي‏,‏ فقد طفا السؤال علي السطح‏,‏ وتعددت في شأنه الاجتهادات‏,‏ فمن قائل اننا بصدد تحرير للعراق وشعبه‏,‏ وبداية لربيع الديمقراطية في البلد الذي خضع للاستبداد طيلة أكثر من ثلاثة عقود‏,‏ وهناك من اصطنع الحكمة والرصانة‏,‏ ودعا الناس إلي عدم التعجل في إصدار الأحكام‏,‏ والانتظار لبعض الوقت مع متابعة السلوك الأمريكي في حكم العراق‏,‏ للتحقق مما اذا كانوا طامعين‏,‏ أم مصلحين ومحررين‏,‏ وقرأنا لمن قال إنه احتلال حقا‏,‏ ولكنه من نوع خاص أرقي وأرفع‏,‏ بمعني أنه لا يخلو من إيجابيات‏(‏ أهمها إسقاط النظام الاستبدادي‏),‏ أما أغرب ما قرأت في هذا الصدد فعنوان لمقالة نشرتها إحدي الصحف العربية اللندنية‏,‏ يقول‏:‏ يجب أن نتعلم أخلاق الأحرار ولو علي حساب الاستقلال‏,‏ ووجدت للعنوان أصلا في المقاله هذا نصه‏:‏ حق لنا أن نتعلم أخلاق الأحرار‏,‏ حتي لو كان ذلك علي حساب استقلال وكرامة وشرف‏,‏ تبين في النهاية أنها وهم من أوهام كهوفنا الجميلة‏,‏ منذ أن مرغها أبناء جلدتنا في الوحل والطين‏,‏ قبل أن يفعلها الآخرون‏(!).‏
هذه ليست اجتهادات تشين أصحابها فحسب‏,‏ إنما هي في الوقت ذاته شهادات فضائحية تكتب تاريخ المرحلة التي نعيشها‏,‏ والتي اهتز فيها كل شيء والتبس‏,‏ بما في ذلك القيم التي تمثل ركائز المجتمع وثوابته‏,‏ حتي تداخلت الحدود بين الخطأ والصواب‏,‏ والفضيلة والرذيلة‏,‏ والعقل والجنون‏.‏
المذهل في الأمر‏,‏ أن هذه النقاشات تدور علي صفحات صحفنا‏,‏ بينما تتصرف الولايات المتحدة في العراق كدولة محتلة‏,‏ عاتية فقررت أن تقيم في أرجاء البلاد أربع قواعد عسكرية باعتبارها من مستلزمات الإقامة الطويلة‏,‏ فضلا عن أنها مضت تمارس احتلالها بطريقة مباشرة وفظة‏,‏ فالرئيس بوش قرر تعيين حاكم مدني لذلك البلد الكبير‏,‏ هو بمثابه‏(‏ وال‏)‏ يمثل سلطان البيت الأبيض‏(‏ وهو ما لم تفعله الولايات المتحدة في أفغانستان‏,‏ التي جاءت بأفغاني من رجالها ونصبته علي رأس الدولة‏),‏ في حين أن السيد رامسفيلد وزير الدفاع أعلن أن واشنطن وهي تعيد تشكيل العراق‏(‏ الديمقراطي والحر‏),‏ فإنها لن تسمح بأن يقوم فيه نظام إسلامي‏,‏ أي أن الديمقراطية الأمريكية المفترضة لها خطوطها الحمراء‏,‏ التي لن تسمح للشعب العراقي بتجاوزها‏,‏ حتي اذا قررت الأغلبية ذلك‏,‏ في ذات الوقت‏,‏ فإن أصواتا أمريكية بدأت تعلو هناك محذرة من إطالة أمد الاحتلال‏,‏ وفي عدد مجلة نيوزويك الأخير‏(5/4)‏ مقالة نقلت ذلك التحذير بوضوح‏.‏ أما ثالثة الاثافي فهي ما أشار اليه الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في مقالته التي نشرتها الشرق الاوسط امس‏(5/5)‏ من ان العراق اصبح الولاية الامريكية رقم‏51.‏
‏(2)‏

ذلك كله يهون إلي جانب سيل الكتابات التفكيكية‏,‏ والانبطاحية التي ظهرت في مختلف العواصم العربية بعد سقوط بغداد في‏9‏ أبريل الماضي‏,‏ وقد جمعت عددا غير قليل منها‏,‏ ووجدتها تصب في ثلاثة أوعية رئيسية‏,‏ فهي من ناحية تحاول هدم فكرة الانتماء العربي‏,‏ ومن ناحية ثانية فإنها لا تري أملا ولا حلا إلا في الالتحاق بالمركبة الأمريكية‏,‏ وهي في الوقت ذاته تدعو إلي التعامل مع إسرائيل والقبول بها علي علاتها‏,‏ وإدخالها ضمن ما سمي بالنظام الإقليمي‏.‏
اذا أخذنا الكتابات التي حاولت نسف الانتماء العربي من أساسه‏,‏ فسنجد أنها ارتكزت علي النقاط التالية‏:‏
‏*‏ إنه لا يوجد شيء اسمه الأمة العربية‏,‏ التي هي مجرد عنوان رومانسي يدغدغ المشاعر ويخدر عقول الناس‏,‏ في حين إن الموجود علي الأرض والملموس حقا‏,‏ هو دول عربية تختلف وتتفق‏,‏ تبعا لاختلاف مصالحها ومشاربها‏.‏
‏*‏ إن فكرة القومية العربية كانت وبالا علي العرب جميعا‏,‏ فقد كانت سبيلا إلي مصادرة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان‏,‏ الأمر الذي أثبت أن العنوان خال من أي قيمة عملية وسياسية إيجابية‏.‏
‏*‏ إن العمل العربي المشترك أكذوبة صدقها الجميع‏,‏ ووهم عاشوا في ظله طويلا‏,‏ والدليل علي ذلك‏,‏ أن ذلك العمل العربي المشترك لم يصمد أمام أي تحد واجهته الأمة‏,‏ كما أنه لم يحقق شيئا ذا بال منذ أكثر من نصف قرن‏,‏ وأن الجامعة العربية كانت ومازالت عنوانا للخيبة العربية‏,‏ ولذلك طالب البعض بإلغائها‏.‏
الكتابات الأخري التي رفعت شعار أمريكا هي الحل‏,‏ تبنت أفكارا متعددة‏,‏ أحدها أن المرجعية الدولية الآن هي أمريكية بالدرجة الأولي‏(‏ هل تذكر مقولة أن‏99%‏ من أوراق اللعبة في يد أمريكا؟‏),‏ ولا مفر من التعامل مع تلك المرجعية عراقيا وفلسطينيا أيضا‏,‏ ومن ثم فإن المطالبة بإخراج أمريكا من العراق مثلا‏,‏ تعد عملا طائشا يتجاهل الواقع ويسبح ضد التيار‏,‏ البعض الآخر قال إن أمريكا هي الوحيدة القادرة علي إحداث أي تغيير في المنطقة‏,‏ وما كان ممكنا للشعب العراقي أن يخرج من الظلمات إلي النور إلا لأن أمريكا هي التي عملت علي ذلك‏,‏ من ثم فأي مراهنة من جانب العرب علي غير واشنطن تصبح مغامرة غير مأمونة العاقبة‏.‏
أصوات الفريق الثالث‏,‏ اتجهت صوب إسرائيل‏,‏ قائلة إن غزو العراق ينبغي أن يكون نقطة تحول في النظر إلي النظام الإقليمي‏,‏ والإفاقة من أوهام الماضي ومن ثم التعامل مع أصول اللعبة في المنطقة بأسلوب أكثر واقعية‏,‏ وهذه الواقعية ينبغي أن يحتكم فيها إلي المصلحة الوطنية وليس إلي القيم الأخلاقية‏(!),‏ فإسرائيل عنصر شرير حقا‏,‏ لكنها قوة إقليمية مؤثرة‏,‏ ليس فقط في رسم خرائط المنطقة كما أثبتت عملية الغزو‏,‏ لكنها قوة مؤثرة أيضا في القرار السياسي الأمريكي ذاته‏,‏ بل انها أصبحت بابا يتعين العبور منه للوصول إلي الإدارة الأمريكية‏,‏ في الوقت ذاته فإن النظام العربي صار حالة ميئوسا منها‏,‏ لذلك فالحل المقترح هو ضرورة دمج إسرائيل في النظام الإقليمي‏,‏ والكف عن تجاهلها الذي استمر طيلة نصف القرن المنصرم‏,‏ وعن طريق ذلك الإدماج المقترح‏,‏ يمكن حل الكثير من مشكلات المنطقة‏.‏
‏(3)‏

هذا الخطاب يثير ملاحظات عدة‏,‏ في مقدمتها ما يلي‏:‏
‏*‏ إنه مسكون باليأس ويعبر عن استعداد مذهل للاستقالة من العروبة‏,‏ مرة بزعم أن الأمة العربية لم توجد‏,‏ ومرة ثانية بسبب اليأس من جدواها والفشل الذي منيت به دعوة القومية العربية‏,‏ والأولون يجهلون أو يتجاهلون الفرق بين الدولة والأمة‏,‏ والدولة مؤسسة سياسية والأمة حالة اجتماعية‏,‏ وقد تكون هناك أمة بلا دولة‏,‏ أو أمة تتوزع علي عدة دول‏,‏ والمهم في الحالتين أن تتوافر الوشائج التي تربط بين مكونات الأمة‏,‏ وهذه الوشائج متعددة‏,‏ وتتراوح بين العيش في بقعة جغرافية واحدة‏,‏ أو في إطار انتماء عرقي أو ديني‏,‏ أو في وجود أشواق وأحلام مشتركة‏,‏ فضلا عن ذلك‏,‏ فإن الأمة تمثل عمقا حضاريا من ناحية‏,‏ واستراتيجيا من ناحية ثانية‏.‏
إن آلاف الشباب العربي الذين تقاطروا من كل صوب في العالم علي العراق‏,‏ بعد بدء العدوان‏,‏ لم يذهبوا دفاعا عن نظامه أو رئيسه كما ادعي البعض‏,‏ ولكنهم ذهبوا دفاعا عن جزء من الأمة العربية والإسلامية تعرض للغزو والاغتصاب‏,‏ وأبدوا استعدادا للموت والاستشهاد دفاعا عن شرف وكرامة تلك الأمة‏,‏ وإخوانهم الذين خاضوا التجربة ذاتها في أفغانستان والشيشان والبوسنة‏,‏ والذين سبقوهم إلي الجهاد في فلسطين من ثلاثينيات القرن الماضي‏,‏ انطلقوا من نفس الموقف‏,‏ وللعلم فإن شيخ المجاهدين عزالدين القسام ـ الذي يحمل اسمه الجناح المسلح في حركة حماس الآن ـ كان سوريا ولم يكن فلسطينيا‏,‏ ولا أعرف بعد ذلك كيف يمكن أن يقول قائل إن الأمة لم توجد في الماضي ولا في الحاضر‏,‏ كما أنني أتشكك كثيرا في براءة تلك المقولات التي تستهدف تجريد الأمة من هويتها‏.‏
أما النقد الذي وجه إلي القومية العربية‏,‏ ففيه خلط معيب بين الفكرة وتطبيقاتها‏,‏ ناهيك عن أنه يتجاهل حقيقة أن زوال الاحتلال عن العالم العربي‏,‏ واسترداده لاستقلاله لم يتما إلا في أجواء المد القومي‏,‏ ولا ينكر أحد أن الأنظمة القومية فشلت في إرساء قيم الحرية والديمقراطية‏,‏ كما يؤخذ عليها أنها همشت الانتماء الإسلامي‏,‏ لكن ذلك لم يحدث لأنها قومية‏(‏ بدليل أن أنظمة أخري غير قومية وقعت في ذات المحظور‏),‏ ولكن لأنها لم توظف الانتماء القومي أو تستثمره في الاتجاه الصحيح‏,‏ الذي يعزز قيمة الإنسان العربي ويدافع عن حقوقه وكرامته‏,‏ وهو ما سعي إلي تداركه نفر من عقلاء القوميين في طور لاحق‏.‏
‏*‏ بعد هجاء الانتماء العربي علي ذلك النحو‏,‏ فإن القطرية ستكون الصيغة الوحيدة المتاحة‏,‏ والمفضلة‏,‏ الأمر الذي يحول الأمة في نهاية المطاف إلي بنيان هش بغير قواعد‏,‏ والي شراذم موزعة علي الشعوب والقبائل والأقطار المتناثرة‏,‏ وهو ما يرتب نتيجتين حتميتين‏,‏ الأولي أن الشرذمة توفر فرصة العمر للمتربصين والطامعين‏,‏ باعتبار أن الذئب يأكل من الغنم القاصية أو الشاردة‏,‏ والثانية أن الاستقواء بالولايات المتحدة يصبح الحل الوحيد لتبديد المخاوف وإشاعة الشعور بالأمن لدي تلك الشراذم المستضعفة‏.‏
‏*‏ الكلام عن إدماج إسرائيل في منظومة النظام الإقليمي يصبح أمرا مفهوما‏,‏ بل سياقا طبيعيا بعد هجاء العروبة والارتماء علي أمريكا‏,‏ ولعلي لا أبالغ اذا قلت إن حكاية إدماج إسرائيل هذه ـ حتي وإن صدرت بحسن نية ـ تعد شكلا من أشكال الارتماء علي الولايات المتحدة‏,‏ خصوصا في ظل تداخل وظائف الأصيل والوكيل في علاقات الطرفين‏,‏ ولعلك لاحظت أن من دعا إلي فكرة الإدماج تحدث عن النظام الإقليمي‏,‏ وتجاهل فكرة النظام العربي والعمق الحضاري الإسلامي‏,‏ كما أنه تحدث عن إسرائيل المؤثرة والفاعلة التي ارتأي ضرور الإفادة من تأثيرها وفاعليتها‏,‏ وبعد الدعوة إلي فصل المصالح عن الأخلاق‏,‏ فإنه غض الطرف عمليا عن إسرائيل المحتلة والغاصبة‏,‏ التي يتعين مطالبتها بإنهاء الاحتلال‏,‏ قبل أي كلام عن التفاعل المزعوم‏,‏ لكن ذلك المطلب الجوهري جري اسقاطه‏,‏ وتلك نتيجة طبيعية في ظل سيادة منطق الانبطاح والاستسلام‏.‏
‏(4)‏

في مقالة سابقة نشرت في‏4/1‏ الماضي تحت عنوان إسرائيل في قلب الحرب‏,‏ قلت إن أركان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يرون أن أهم آثار الانتصار الأمريكي في العراق‏,‏ تتلخص في أمرين‏:‏ الأول عبر عنه موشيه يعلون رئيس أركان الجيش‏,‏ ويتلخص في أن ذلك الانتصار سوف يسرب الشعور بالعجز والهزيمة لدي العرب عامة والفلسطينيين خاصة‏..‏ والثاني أورده شفتاي شفيط الرئيس الأسبق للموساد‏,‏ الذي توقع أن يسود العالم العربي مناخ ثقافي مغاير‏,‏ يعطي للجناح الداعي إلي التطبيع مع إسرائيل قوة دفع جديدة‏,‏ تمكنهم من الدعوة إلي مراعاة متغيرات الموقف‏,‏ والواقعية في التعامل مع الأوضاع المستجدة‏.‏
من أسف‏,‏ أن تلك النبوءات صدقت‏,‏ وأثبتت الأيام أن قراءة الخبيرين الإسرائيليين كانت صحيحة‏,‏ وما الأفكار التي عرضنا لها إلا دليل تلك الصحة‏,‏ وهي الأفكار التي لم تخرج إلا من رحم الشعور بالعجز والهزيمة‏,‏ الذي أصاب شرائح العاجزين والمهزومين بالاحباط واليأس‏,‏ فلم يروا من الكأس إلا نصفها الفارغ‏,‏ ولم يقرأوا من التاريخ إلا أتعس صفحاته‏,‏ ولم يجدوا في الانتماء إلي الأمة ما يعتزون به‏,‏ ولا في شعوبها خيرا يمكن المراهنة عليه‏,‏ ولا في عمقها الحضاري ما يمكن التعويل عليه والاستقواء به‏,‏ وكان طبيعيا إزاء ذلك أن يسهل عليهم الانخلاع من الذات‏,‏ والارتماء في أحضان الآخر‏,‏ والتسليم بالهيمنة الإسرائيلية‏.‏
المفجع في ذلك كله‏,‏ أن الذين صبوا سخطهم علي الانتماء العربي والقومية العربية والعمل العربي المشترك‏,‏ لم يفكروا لحظة في توظيف تلك العناوين علي نحو إيجابي‏,‏ واستخلاص عناصر القوة والعزة فيها‏,‏ لكي تكون رصيدا يستثمر في الدفاع عن كرامة الأمة والنهوض بها‏,‏ والذين راهنوا علي المخلص الأمريكي‏,‏ لم يخطر علي بالهم أن يراهنوا علي الشعوب التي ينتمون إليها‏,‏ أو علي إصلاح الخلل في البيت الذي يقيمون فيه‏,‏ لقد قلت في البداية ان هذه أم الكوارث وأعلي درجات الانكسار‏,‏ وهو تشخيص لا مبالغة فيه‏,‏ لأن هزيمة نكراء من ذلك القبيل الذي نحن بصدده‏,‏ اذا ما تمت بلا حرب‏,‏ وأصبحت مجرد صدي للحرب ضد العراق‏,‏ وحين يتمثل التجلي المباشر لها في الإلحاح علي التفكيك والانبطاح اللذين يرتبان الانتحار السياسي والحضاري‏,‏ فإن بطن الأرض يصبح خيرا من ظهرها‏,‏ بالنسبة لكل الشرفاء من أبناء هذه الأمة‏,‏ لكن عزاءنا أن أصحاب تلك الدعوات‏,‏ وإن علت أصواتهم أو تعددت منابرهم‏,‏ يظلون أقلية استثنائية في محيط هذه الأمة‏,‏ التي مازالت أجيالها الصاعدة مستعدة للموت دفاعا عن عزتها ووجودها‏,‏ وعلي تلك الأجيال وحدها نراهن‏,‏ واثقين أنه لن يصح في النهاية غير الصحيح‏..‏ وأن الله ناصر لمن استوفي شرائط نصرته وأخذ بأسبابها‏.‏
أليست مناقشة تلك الأسباب وتحري مظانها أجدي بالحوار والتحقيق‏,‏ من اشاعة اليأس واستعراض حيثيات استقالة الأمة من العروبة‏,‏ ومسوغات انبطاحها في هذا الاتجاه أو ذاك؟
أضافة تعليق