مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
فجـر العـراق لـم يطلـع بعـد‏!‏
هويدي 29-4-2003

خلاصة ما جري حتي الآن أن العراق انتقل من كارثة إلي كارثة‏.‏
إذ أزعم أنه أطلق من سلطة قاهرة ليخضع لسلطة فاجرة‏,‏ وغادر زمن العبودية لينخرط في سلك التبعية السياسية‏.‏ الأمر الذي يدعونا للقول إن ليل بغداد لم ينقشع وان فجرها لم يحن أوانه‏,‏ وان التحرير المنشود لم يقع بعد‏.‏ وبلوغه هو التحدي الكبير الذي يواجه الجميع‏.‏ كل العراقيين وكل العرب‏.‏

‏(1)‏
ليس عندي اعتذار عن خشونة بعض الأوصاف التي استخدمتها في هذا المنطوق‏,‏ لأن فجاجة المشهد وعبثيته تفوقان قدرة المرء علي الاستيعاب علي الأقل فأن الصورة التي تلاحقت والخطط والمعلومات التي مابرحت تتسرب حول مايراد أن يفعل في العراق وبه‏,‏ وضعت الضمير العربي والإسلامي في بؤرة مجموعة من الزلازل‏,‏ التي لاتتيح لنا فرصة الإفاقة من الذهول والصدمة‏.‏
خذ مثلا ذلك الخبر الذي نشرته مختلف الصحف العربية صبيحة الثلاثاء الماضي‏4/22,‏ والذي أنبأنا بأن الجنرال المتقاعد جاي جارنر رئيس الادارة الأمريكية للعراق وصل إلي بغداد‏,‏ يصحبه فريق يضم‏400‏ من مسئولي الادارة الجديدة‏.‏ كيف يكون شعور مواطن عربي عادي‏,‏ حين يستفتح يومه بقراءته‏,‏ وفي كل كلمة منه نصل حاد ينغرس في قلبه؟‏.‏

من ناحيتي اعتبرته خبرا مغشوشا وواجب التصويب‏.‏ ذلك أن الجنرال المتقاعد هذا‏,‏ كان إلي شهر يناير الماضي‏,‏ رئيسا لشركة لإنتاج الصواريخ‏,‏ التي أسهمت جزئيا في تدمير العراق‏.‏ ثم إنه ليكودي الهوي‏,‏ وصفه الصحفي الإسرائيلي يوري افنيري بالجنرال الصهيوني‏,‏ الذي زكاه شارون لكي يتبوأ منصبه في العراق الحر‏(!)‏ ـ وهو حين يأتي إلي بغداد‏,‏ كأي مغتصب مسكون بالرغبة في افتراس ضحيته‏,‏ لا يعقل أن يقال هكذا ببساطة أنه وصل‏,‏ لأنه في الحقيقة يكون قد انقض أو اقتحم‏.‏ وحين يكون مصحوبا بآخرين يشاركونه عملية الاغتصاب‏,‏ فمن التغليظ والتدليس أن يوصف هؤلاء بأنهم مجرد فريق لأنهم بمثابة تشكيل عصابي جاء مشاركا في الفعل المشين عمدا ومع سبق الاصرار‏.‏ وكاذب من أضفي البراءة علي مهمتهم ووصفهم بأنهم أركان الادارة المدنية‏,‏ لأنهم كتيبة أخري تنكرت في ثياب مدنية‏,‏ من الغزاة الذي فرضوا بقوة السلاح‏,‏ وداسوا في طريقهم علي جثث وأشلاء آلاف العراقيين الذين قتلتهم صواريخ كروز‏.‏
وأكذب منه من تصور أن العراق بكل هيبته وجلاله صار إدارة أمريكية ينصب البنتاجون علي رأسها ممثلا له‏,‏ لأن العراق وان انهزم أو انكسر‏,‏ فسوف يظل الشامخ الكبير‏,‏ الذي تعلو هامته هامات غاصبيه فضلا عن جلاديه‏.‏

ثم‏,‏ كيف يكون شعور المواطن العربي العادي حين يقرأ أن الادارة الأمريكية تعد عميلا فاسدا لكي يكون في المستقبل رئيس العراق المحرر‏,‏ ووصف العميل الفاسد ليس من عندي‏,‏ ولكني استعرته مما كتبته مجلة الايكونوميست البريطانية في عددها قبل الأخير‏,‏ وهي تتحدث عن مستقبل العراق‏,‏ كأن المطلوب أن يظل العراقيون أذلاء إلي الأبد‏,‏ مرة باسم الاستبداد البعثي‏,‏ ومرة ثانية باسم الديمقراطية الأمريكية؟ وكيف يمكن أن يتمالك ذلك المواطن شعوره وهو يري رتلا يضم مئات العملاء الذين دربتهم المخابرات الأمريكية وأطعمتهم‏,‏ وكستهم حتي ألبستهم ثياب جنودها‏,‏ وقد أريد لهم أن يصبحوا طليعة النظام الجديد‏,‏ والنخبة التي ستضمد جراح العراق وتطوي صفحة أحزانه وعذاباته؟‏.‏
وأي مهانة يستشعرها المواطن العربي حين يجد أن العراق الكبير تحول بكامله بعد تحريره إلي قاعدة عسكرية أمريكية‏,‏ في استعادة بائسة لدور إيران الشاهنشاهية إبان سنوات الحرب الباردة‏,‏ وفي نقلة عبثية غيرت ديكور السجن وإحالته ماخورا‏!‏ ـ‏(‏ للعلم‏:‏ من المواقع التي ستتمركز فيها القوات الأمريكية منطقة الشريط المعزول في غرب العراق بالقرب من خط أنابيب النفط القديم الممتد للأردن‏,‏ الذي تسعي إسرائيل إلي تشغيله لنقل البترول العراقي إلي حيفا‏,‏ وعبر الموانيء الإسرائيلية كبديل عن الموانيء السورية‏).‏

‏(2)‏
كي أقرب إلي الأذهان ماعنيته بالذي سيفعل في العراق وبه‏,‏ وبالذي عنيته بالأفعال الفاضحة التي سترتكب بحق البلد الكبير علي المستويين السياسي والتاريخي‏,‏ فأنني أضع بين أيدي الجميع لقطتين من خلفية المشهد‏.‏
اللقطة الأولي تتعلق بالفريق الذي يقف وراء مشروع الحرب‏,‏ والذي تابع كثيرون خلفيات أعضائه الأيديولوجية‏,‏ الأصولية الإنجيلية والصهيونية‏,‏ لكن خلفياتهم السياسية ومآربهم الاقتصادية لم تلق ماتستحقه من اهتمام‏.‏ ليس جديدا القول إن تلك المجموعة هي الأكثر حماسا لفكرة الإمبراطورية الأمريكية‏,‏ التي صاغها وتبناها في عام‏1997‏ أصحاب مشروع القرن الأمريكي الجديد‏,‏ وهم من يرمز إليهم في الولايات المتحدة باسم بناك‏.‏ وهؤلاء هم الذين دعموا وشكلوا مجموعة المعارضين العراقيين‏,‏ الذين عرفوا باسم المؤتمر الوطني العراقي‏,‏ ووضعوا علي رأسه أحمد جلبي المهاجر مع أسرته إلي الولايات المتحدة منذ عام‏58,‏ والذي أدانته المحاكم الأردنية لاحقا في ارتكاب جرائم اختلاس وفساد مصرفي‏(‏ اتهم بأنه حول لحسابه الشخصي‏300‏ مليون دولار من أموال البنك‏),‏ وحكم عليه بالسجن مدة‏32‏ عاما‏.‏ وهو ذات الشخص الذي ترشحه الإدارة الأمريكية لكي يكون رئيس عراق المسقبل‏(!).‏

المثير في مشروع القرن الأمريكي ليس فقط فكرته فحسب‏,‏ ولكن آباءه ومؤسسيه أيضا‏.‏ إذ في المقدمة منهم ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي‏,‏ ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع‏,‏ ونائبه بول وولفويتز‏,‏ الذي يعد الأب الروحي للمجموعة‏,‏ بالإضافة إلي أسماء أخري مهمة في الحياة العامة الأمريكية مثل اليوت ابرامز‏,‏ وجون بولتون‏,‏ وريتشارد بيرل‏,‏ الذي أطلق عليه وصف أمير الظلام‏.‏ والخطوة الأولي في مشروع المجموعة هي الهيمنة علي العراق‏.‏
أحد الكتاب الأردنيين المقيمين في الولايات المتحدة‏,‏ مالك العثامنة‏,‏ أوضح في تحليل نشرته القدس العربي في‏4/16.‏ الخلفيات الاقتصادية لتلك المجموعة‏.‏ وكيف انهم بلا استثناء يمثلون مصالح أخطبوطية عملاقة‏.‏ فتشيني مثلا وقبل أن يصبح نائبا للرئيس كان يعمل رئيسا لمجلس إدارة مجموعة هاليبرتون العملاقة‏,‏ في دالاس ـ تكساس‏.‏ والمفارقة أن هذه الشركة وبرئاسة تشيني قامت وحسب سجلات الأمم المتحدة بإنجاز عقود مع نظام البعث في بغداد بما قيمته‏730‏ مليون دولار‏,‏ وفي أكتوبر عام‏1995,‏ أي في الشهر ذاته الذي تولي فيه تشيني رئاسة الشركة‏.‏ أخيرا تم الإعلان عن صفقة لهاليبرتون وضعتها في صفوف أول المنتفعين من أي حرب علي العراق‏,‏ والصفقة تتلخص بحق هاليبرتون في السيطرة والتحكم بآبار النفط المحترق والعمل علي إخماد حرائقها ومن ثم تجهيزها للعمل مرة أخري‏!!.‏

مجموعة هاليبرتون هذه تملك من ضمن ماتملك شركة أخري لها اهتماماتها في العراق‏,‏ وهي شركة براون اندروت‏,‏ التي تختص بالانشاءات الضخمة‏,‏ وقد حصلت أخيرا علي امتياز عقد حكومي باعادة بناء الجسور بعد الحرب‏,‏ والمثير أنها تعاقدت كذلك مع وزارة الدفاع الأمريكية لبناء مباني القواعد العسكرية الدائمة في العراق كما فعلت الشيء ذاته في كوسوفا‏,‏ وبكلفة مليارات الدولارات‏!!.‏
الأكثر إثارة بين الشركات المنتفعة من مرحلة مابعد الحرب في العراق‏,‏ هي مجموعة كارلايل الاستثمارية الخاصة والتي تتوزع استثماراتها علي أكثر من‏194‏ شركة أمريكية‏,‏ في مجال الاتصالات وشركات تزويد المعدات العسكرية‏,‏ والمثير في هذه المجموعة الاستثمارية الضخمة أن مؤسسيها أسماء مهمة ولها تأثيرها ومعظمهم مسئولون كبار سابقون في إدارة ريجان أو بوش الأب‏,‏ بل أن بوش الأب نفسه يعمل رسميا لهذه المجموعة بالإضافة أنه مساهم بها‏,‏ ووظيفته الرسمية المستشار الأول‏,‏ ويساعده في تقديم المشورة‏,‏ وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر‏.‏
بعدما استعرض العثامنة هذه الخلفية تساءل قائلا‏:‏ هل كانت الحرب تحريرا للعراق‏,‏ أم تحريرا للعقود في العراق؟‏!.‏

‏(3)‏
اللقطة الثانية تتعلق بالخبرة الأمريكية في صدد عملية إعادة تأهيل المهزومين‏,‏ التي طبقت في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية‏,‏ والتي يجري استنساخها في العراق الآن‏.‏ وهو ماعرضت له قبل أسابيع من وقوع الحرب‏,‏ ووجدت أن من المهم استعادة بعض ملامحه الآن‏.‏ بعدما بدأت التوقعات والمخاوف تتحول إلي حقائق تتحرك علي الأرض‏.‏
لقد اعتبرت الولايات المتحدة أنه من المهم للغاية إعادة تشكيل أهم بلدين هزما في الحرب‏,‏ لما مثلاه من خطورة علي محيطها وعلي النفوذ الغربي بعامة‏,‏ بسبب تطلعاتها التوسيعة‏,‏ فنصبت الجنرال ماك آرثر حاكما عسكريا علي اليابان‏,‏ الذي تولي تقريبا نفس المهمة المكلف بها الجنرال جاي جارنر في العراق الآن‏.‏ وتضمن برنامجه ثلاثة عناصر هي‏:‏ نزع سلاح اليابان‏,‏ والإشراف علي التحول الديمقراطي في البلاد‏,‏ واستعادة قوتها الاقتصادية‏.‏ وكان الهدف هو دمج اليابان في منظومة القيم الغربية لأسباب مفهومة‏,‏ وإنعاشها اقتصاديا‏,‏ ليس إكراما لها ولا سعيا وراء رفاهيتها ولكن لكيلا تنتشر فيها الشيوعية ومن ثم تنحاز إلي العدو السوفيتي‏.‏

تحت الاحتلال أجريت أول انتخابات ديمقراطية في اليابان سنة‏45,‏ وأشرف الجنرال ماك آرثر علي إصدار أول دستور ياباني اصبح ساري المفعول في عام‏47,‏ ونص علي ما أراده الأمريكيون من تنازل اليابان عن إعلان الحرب إلي الأبد‏,‏ وتسريحها لكل قواتها المسلحة‏,‏ البرية والبحرية والجوية‏.‏ وكما أرسلت الولايات المتحدة خبراء لوضع الميزانية‏,‏ وعملت علي المساعدة في حل المشاكل الاقتصادية لليابان‏,‏ فأنها أوفدت بعثة تعليمية إلي طوكيو تولت تحديد عناصر النظام التعليمي بحيث يركز علي المفاهيم الديمقراطية والواجبات المدنية للمواطنين‏..‏ إلي آخر الاصلاحات التي كانت لها نتائجها الايجابية سواء بسبب طبيعة الشعب الياباني‏,‏ أو نتيجة للتطورات الاقليمية التي عززت من مكانة اليابان وزادت من اعتماد واشنطن عليها كشريك استراتيجي في المنطقة‏.‏
ألمانيا التي خضعت لاحتلال رباعي من دول الحلفاء المنتصرة‏,‏ حوكم قادة النظام النازي‏,‏ وجري اعتقال ربع مليون من أنصار الحزب‏,‏ كما حرم أكثر من نصف مليون من تولي أية وظائف حكومية‏.‏ واجبر كل ألماني علي ملء استمارة توضح تاريخ حياته‏,‏ لاستئصال كل اثر للنازية‏.‏ وعمل المحتلون الغربيون علي إعادة تعليم الشعب الألماني لكي يصبح محبا للديمقراطية‏.‏ في هذا السياق جري إلغاء الجمعيات ذات التوجهات الأيديولوجية‏.‏ وحظر إصدار الصحف‏.‏ وتم تشجيع إنشاء الجمعيات والنوادي الشبابية غير السياسية‏,‏ وإصدار نشرات صحفية تعبر عن القيم الديمقراطية الغربية‏.‏ وتمت تنقية الكتب المدرسية وأعيدت كتابة أغلبها من جديد‏.‏

‏(4)‏
في صدد محاولة إعادة تأهيل العراق‏,‏ من الواضح أن الولايات المتحدة ليست قلقة من الوضع الاقتصادي‏,‏ لإدراكها أن عائدات النفط قادرة علي تمويل عملية الاعمار وتغطية نفقات الاحتلال‏,‏ فضلا عن تخصيص قطاع النفط وتسليمه للشركات الأمريكية يعد جائزة كبيرة توفر فرصة معتبرة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي‏.‏ وقد أولت الإدارة الأمريكية التعليم اهتماما خاصا‏,‏ لأنك بالتعليم تصنع المستقبل علي النحو الذي تريد‏.‏ فأوكلت إلي بعض الشركات المختصة مهمة تغيير النظام التعليمي‏,‏ وتم توقيع عقد بقيمة‏41‏ مليون دولار مع شركة كرييتيف اسوشيتس لإعداد مقرر دراسي يخلو من مديح النظام السابق وأيديولوجيته ويبشر بالقيم التي يريد الأمريكيون بثها والتعويل عليها في مشروع إعادة التشكيل‏.‏ وقد نقلت القدس العربي في‏4/17‏ عن بعض المسئولين الأمريكيين قولهم انهم يريدون كتبا مدرسية تخلو من العداء لليهود والولايات المتحدة‏.‏ وتعبر عن رؤية علمانية للحاضر والمستقبل‏.‏
الحاصل في التعليم سوف يتكرر في مختلف المجالات الأخري طبقا للسيناريو الذي جري تطبيقه في اليابان وألمانيا‏.‏ ومن وضع دستور جديد إلي إنشاء إعلام يتبني إلحاق المجتمع بمنظومة القيم الغربية السياسية فضلا عن الاجتماعية‏,‏ بحيث يوضع العراق الجديد في القالب الذي يريده له الأمريكيون‏.‏ وهو مايعني في حقيقة الأمر أنه في مقابل إطلاق الحريات السياسية والمدنية التي يتوق لها الشعب العراقي لا ريب‏,‏ سيتم إخضاع المجتمع العراقي وتغريبه‏,‏ بحيث تقتلع جذوره ويعاد تركيبه من جديد بالمواصفات الأمريكية‏.‏ وبذلك يتحول العراق في نظرهم إلي إحدي حلقات الحلم الإمبراطوري‏,‏ وقاعدة لتغيير الخرائط الثقافية والاجتماعية للمنطقة‏,‏ جنبا إلي جنب مع تغيير خرائطها السياسية‏.‏
مشكلة هذا التصور المفرط في التبسيط والسذاجة‏.‏ انه يعتبر العراق مختبرا مماثلا لليابان وألمانيا‏,‏ ويتجاهل علي نحو مذهل مختلف عناصر الخصوصية لدي المجتمع العراقي‏,‏ وفي المقدمة منها عمق انتمائه العربي والإسلامي‏.‏ الأمر الذي يعني الاقتلاع وإعادة التشكيل التي تستهدف إحداث التغريب‏,‏ لن تكون بمثابة استباحة للعراق وهتك عرضه فحسب‏,‏ وإنما ستكون أيضا عنصر تفجير لمختلف مظاهر المقاومة‏,‏ التي قد تفتح الباب للعديد من صور العنف والفوضي‏.‏

‏(5)‏
أما الذي سيفعل بالعراق فهو كثير‏.‏ وقاريء الصحف الإسرائيلية يرصد العديد من الآمال المعلقة علي عراق مابعد الاحتلال الذي اعتبرته بمثابة ميلاد جديد له‏,‏ وفجر جديد اطل علي العالم‏.(‏ موشيه ارينز ـ هاآرتس‏4/15).‏ وتتراوح الآمال الإسرائيلية بين حلمهم في أن يؤدي تغيير توازنات المنطقة إلي اتساع نطاق التطبيع الذي اعتبروه مفروغا منه مع العراق‏,‏ ومضاعفة الضغط لإنهاء القضية الفلسطينية‏,‏ وعقد حلف بغداد جديد يضم العراق والأردن مع إسرائيل بطبيعة الحال‏(‏ قالت يديعوت احرونوت التي تحمست للفكرة إن الدول الثلاث لها تراث انتدابي بريطاني مشترك‏).‏ مرورا بتوفير النفط العراقي بسعر أرخص بنسبة‏25%‏ وتنشيط الركود الاقتصادي المخيم بسبب الانتفاضة‏.‏ أما ضغوط العراق الأمريكي الجديد علي إيران وسوريا فحدث فيه ولا حرج‏.‏ ولاتسأل عن التصدعات التي ستحدث في الصف العربي ومنظومة الأمن القومي العربي‏,‏ ومن ثم علي النظام العربي ككل‏.‏
ليس ذلك آخر كلام بطبيعة الحال‏,‏ لأن كل هذا الذي يرتب ويدبر يمكن أن ينقلب رأسا علي عقب إذا ما راحت السكرة وانتفض الشعب العراقي مدافعا عن كرامته وشرف وطنه الكبير‏,‏ وإذا ما أفاقت الدول العربية وأدركت أن الطوفان إذا ما استمر فلن يسلم منه أحد‏,‏ وأن الذين أكلوا الثور الأبيض‏.‏ لن تتوقف شهيتهم عند حد‏.‏ وإذا ماحدث ذلك‏,‏ فربما توافرت لنا الإجابة علي تساؤل الشاعر اليمني ابراهيم الحضراني الذي قال فيه‏:‏ كل فجر لاح كاذبا‏,‏ فمتي يجيء الذي لا يكذب؟‏!‏
أضافة تعليق