هويدي 15-4-2003
إذا كان الذي جري في العراق قد شابته مفاجآت وألغاز يستعصي فهمها أو تفسيرها, في الوقت الراهن علي الأقل, فإن الذي سيجري لم يعد فيه سر, وإنما أصبح أكثره واضحا وضوح الشمس, بعدما ظهرت علي المسرح شخوصه, وأعلنت عناوينه علي الملأ, وسربت تفاصيله إلي وسائل الإعلام بقصد أو بغير قصد.
(1)
باحتلال بغداد تكون قد سقطت أول عاصمة عربية في القرن الحادي والعشرين, وعلي الرغم من أن القرن الماضي شهد سقوط القدس في عام48 وبيروت عام82 وكابول في2001, فإن ما حدث في حالة بغداد أسوأ بكثير, لأن تلك هي المرة الأولي في التاريخ العربي والإسلامي الذي تسقط فيه عاصمة عربية بترتيب وتعاون مع أطراف عربية عدة محيطة بها.
بعد السقوط تردد السؤال في مختلف الأوساط السياية والإعلامية: من بعد؟ البعض ألقي السؤال شامتا أو ساعيا إلي تصفية الحسابات, وآخرون طرحوه من قبيل التحذير والقلق والدعوة إلي تجنب المصير البائس للنظام العراقي ورئيسه.
الإسرائيليون ومن لف لفهم علي رأس الفريق الأول, إذ منذ السقوط البائس في9 أبريل والصحف الإسرائيلية تلح علي أن الحرب لن تحقق هدفها ما لم يتم تأديب سوريا وإيران, وهي وجهة النظر التي دعا إليها في عام2001 بيان مجموعة المحافظين الأمريكيين الجدد.( ملف سوريا فتح فيما يبدو من خلال الانتقادات والتهديدات الأمريكية التي وجهت في الأسبوع الماضي إلي دمشق).
القلقون والمحذرون ترددت أصواتهم في أغلب العواصم العربية, وكان لسان حالهم يقول: إن التدخل الخارجي بذريعة الدفاع عن الديمقراطية يمكن أن يتكرر في أي بلد آخر, لذلك فلابد من المسارعة إلي إحداث إصلاح سياسي حقيقي, سواء لإحباط محاولات التدخل, أو لامتصاص غضب الجماهير التي خرجت للانتقام من كل رموز السلطة, من الأبنية الحكومية إلي بيوت الحكام وصولا إلي صور وتماثيل الزعيم الأوحد. وكانت رسالة رئيس الوزراء الجزائري الأسبق سيد أحمد غزالي إلي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة, التي نشرتها الصحف في الأسبوع الماضي, تجسيدا لما نقول, إذ في الرسالة قال غزالي: إنه ما لم تشهد الجزائر إصلاحا سياسيا وديمقراطيا يرد إلي المجتمع اعتباره ويحفظ كرامته, فإن دور الجزائر سيأتي في الوقت المناسب.. تطبيقا للخطة الأمريكية, خصوصا أن إعادة تشكيل الخريطة العربية بدأ فعليا بالعراق.. ومن ثم فإن الاحتلال يتهددنا بصفتنا أعضاء في المجموعة الدولية, وبصفتنا عربا ومسلمين, ولأن بلدنا الجزائر يملك احتياطيات بترولية مهمة هي محل أطماع كثيرين.
في الثالث من أبريل الحالي نقلت سي. إن. إن من لوس أنجلوس أن جيمس وولسي رئيس المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق ألقي محاضرة أمام مجموعة من الدارسين قال فيها: إن الولايات المتحدة تخوض الان الحرب العالمية الرابعة( بعد الحربين العالميتين الأولي والثانية, وكانت الحرب الباردة هي الثالثة), وهذه الحرب قد تستمر لعدة سنوات, والأعداء فيها ثلاثة هم: الملالي الذين يحكمون إيران, والفاشيست في العراق وسوريا, والمتطرفون الإسلاميون من أمثال تنظيم القاعدة.( لاحظ أن ساحة الحرب هي العالم الإسلامي). ثم أضاف أن واشنطن في مسيرتها ستدعم الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط.
في مقالة للصحفي وداعية السلام الاسرائيلي يوري افنيري نشرت علي الأنترنت في4/10 الحالي ذكر أن الحرب الراهنة لن تقف عند العراق, لكن ستكون لها أبعاد أخري عميقة الأثر في مستقبل العالم, من ناحية لأنها فتحت شهية الولايات المتحدة لقصف أي مكان في الكرة الأرضية, مهما يبلغ من قوة, انطلاقا من فكرة استباق الخطر وإجهاضه, التي اتبعتها مع العراق, أما الناحية الثانية الأهم والأخطر, فإن الحرب مثلت انتصارا لتحالف المحافظين الصهاينة مع الأصوليين الإنجيليين, سوف يقوي من شوكتهم, ويمكنهم من السيطرة بلا حدود علي القرار السياسي في واشنطن, وهو أمر كارثي بكل المقاييس, لأن ذلك التحالف معاد للحرب عموما وللفلسطينيين بوجه أخص, ومعاد لأية حلول سلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي, الأمر الذي لن يمكن إسرائيل من أن تنعم بالهدوء أو السلام مع جيرانها, ليس ذلك فحسب, وإنما يذهب الأصوليون الإنجيليون إلي أبعد من ذلك بكثير, حيث يعتبرون الحرب علي العراق بمثابة حلقة في الصراع بين أبناء النور( الأمريكيون والإسرائيليون) ضد أبناء الظلمات الذين هم العرب والمسلمون.
(2)
علي الرغم من تعدد التكهنات بشأن طبيعة وشكل الشرق الأوسط الجديد, فإن حصة إسرائيل منه هي الأكثر وضوحا حتي الآن, وكنت قد ذكرت قبلا بعض التفاصيل عن الدور الإسرائيلي في التعبئة للحرب والتخطيط لها وتنفيذها أيضا, وأشرت إلي الوعود الأمريكية بإعطاء الأولوية لإسرائيل في الحصول علي النفط العراقي بسعر رخيص, ثم نشر لاحقا أن ملف مد خط أنابيب البترول من الموصل إلي حيفا بإسرائيل قد وضع علي الطاولة, وبمضي الوقت بدأت بقية التفاصيل تتكشف, منها مثلا:
* إن الجنرال المتقاعد جاي جارنر الحاكم العسكري الأمريكي الذي نصبته الإدارة الأمريكية ليمسك بزمام الأمور في بغداد, رشحه وزير الدفاع رامسفيلد, وزكاه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون( الحياة اللندنية4/12), وبسبب علاقته الخاصة مع المتطرفين في تل أبيب فإن افنيري وصفه بأنه جنرال صهيوني, وذكرت هاآرتس في4/9 أنه شارك في نصب شبكات الصواريخ بإسرائيل, وفي تطوير صواريخ الحيتس, وقالت التليجراف البريطانية: إن هذه هي المرحلة الأولي التي يحكم فيها العراق رجل معترف بإسرائيل.
*إن من المرشحين لطاقم الإدارة في العراق, اثنين من رؤساء المخابرات المركزية الأمريكية السابقين, أحدهما جيمس وولسي الذي سيكون وزيرا للإعلام(!!) وتيموني كرني الذي سيكون وزيرا للصناعة, أما مدير إذاعة صوت أمريكا السابق روبرت رايلي فإنه سيدير الإذاعة والتليفزيون العراقين(!!) هاآرتس.
* أن المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة أقامت علاقات جيدة مع كل عناصر المعارضة العراقية الموجودة بأمريكا, وقد عقدت لقاءات عدة مع أحمد شلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي, المرشح لكي يلعب دورا رئيسيا في المستقبل, وكان رئيس مكتب المؤتمر الوطني في واشنطن انتفاض قنبر قد دعي هذا العام بصور غير عادية لحضور مؤتمر إيباك السنوي, وهي أهم منظمة متحدثة باسم إسرائيل في واشنطن, لكنه لم يحضر لأن الأمريكيين طلبوا منه الذهاب إلي شمال العراق, وحضر بدلا منه معارض آخر هو كنعنان مكية. صحيفة هاآرتس نشرت هذه المعلومة في عدد4/7, وقالت: إن دعوة ممثل المؤتمر الوطني إلي اجتماع إيباك قصد به في الظرف الراهن إعلان العلاقة الخاصة بين المعارضة العراقية واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة, بعد أن حرص الجانبان علي إخفائها طيلة السنين السابقة.
* إن بعض الشركات الإسرائيلية بدأت تخطط منذ الآن لتنظيم الرحلات بين تل أبيب وبغداد, من خلال مد خط الطيران بين البلدين وتنشيط السياحة علي الجانبين( معاريف4/9).
(3)
ثمة فرق لابد من الانتباه إليه بين الأمنيات والمخططات, وما سيحدث بالفعل ويتحقق علي أرض الواقع, وفي الحالة العراقية بوجه أخص, فالأمر أعمق وأكثر تعقيدا مما يبدو علي السطح, ليس فقط لأن ثمة احتمالا كبيرا لأن يواجه الاحتلال بمقاومة تؤرق راحته, وأن يواجه الأمريكيون متاعب من قبيل تلك التي يواجهونها في أفغانستان حتي الآن, الأمر الذي لابد أن يعطل ـ إن لم يبدد ـ تلك المخططات, وقد قرأنا في الأسبوع الماضي بيانا عن تشكيل الجبهة الوطنية لتحرير العراق, دعا إلي الكفاح المسلح ضد المحتلين, وعن ظهور تنظيم آخر في الداخل باسم أحرار العراق والذين يعرفون الأسلحة العراقية جيدا يدركون أن ذلك أول الغيث.
من ناحية أخري فإن الذين يتحدثون عن تطبيع أو اختراق إسرائيلي للعراق يجهلون حقيقة الشعب العراقي, وعمق انتمائه العربي والإسلامي, وقد ألمح إلي هذا البعد كاتب إسرائيلي هو سامي ميخائيل, نشر في معاريف( عدد4/9) مقالة قال فيها إن سقوط صدام حسين لا يبشر بالضرورة بعهد قرب وود مع إسرائيل, ذلك أن القضية الفلسطينية احتلت دائما مكانة خاصة في الوجدان العراقي, وليس مصادفة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني وجد ملاذا دافئا حين لجأ إلي العراق في عام1939, كما أن الانقلاب المتعاطف مع النازية الذي وقع في بغداد عام1940, نشأ علي خلفية التضامن مع الفلسطينيين والكراهية للبريطانيين, الذين فتحوا أبواب هجرة اليهود إلي فلسطين.
ثمة سؤال أخير يتعين الوقوف أمامه طويلا ونحن نرصد ما يخططون ويدبرون, هو: ماذا نحن فعلون؟
ليست عندي إجابة محددة الآن, أو قل إن ثمة إجابات متعددة تحتاج إلي مناقشة وبلورة, لكني وقفت عند نقطتين مضيئتين في رسالة السيد غزالي رئيس وزراء الجزائر الأسبق إلي الرئيس بوتفليقة, الأولي تمثلت في دعوته إلي تخفيض مستوي التمثيل الدبلوماسي, والاكتفاء بالحد الأدني من العلاقات مع حكومات الدول التي شاركت في العدوان, حتي ينتهي الاحتلال ويخرج الغزاة من العراق.
أما النقطة الثانية فكانت تذكيره بما فعله الرئيس الأسبق هواري بومدين بعد حرب عامي67 و73, حين قرر قطع العلاقات مع الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات, ومقاطعتها نفطيا, كما قرر تأميم المصالح الأمريكية البترولية بالجزائر.
والنقطتان أسوقهما من باب تنشيط الوعي والذاكرة لا أكثر.
إذا كان الذي جري في العراق قد شابته مفاجآت وألغاز يستعصي فهمها أو تفسيرها, في الوقت الراهن علي الأقل, فإن الذي سيجري لم يعد فيه سر, وإنما أصبح أكثره واضحا وضوح الشمس, بعدما ظهرت علي المسرح شخوصه, وأعلنت عناوينه علي الملأ, وسربت تفاصيله إلي وسائل الإعلام بقصد أو بغير قصد.
(1)
باحتلال بغداد تكون قد سقطت أول عاصمة عربية في القرن الحادي والعشرين, وعلي الرغم من أن القرن الماضي شهد سقوط القدس في عام48 وبيروت عام82 وكابول في2001, فإن ما حدث في حالة بغداد أسوأ بكثير, لأن تلك هي المرة الأولي في التاريخ العربي والإسلامي الذي تسقط فيه عاصمة عربية بترتيب وتعاون مع أطراف عربية عدة محيطة بها.
بعد السقوط تردد السؤال في مختلف الأوساط السياية والإعلامية: من بعد؟ البعض ألقي السؤال شامتا أو ساعيا إلي تصفية الحسابات, وآخرون طرحوه من قبيل التحذير والقلق والدعوة إلي تجنب المصير البائس للنظام العراقي ورئيسه.
الإسرائيليون ومن لف لفهم علي رأس الفريق الأول, إذ منذ السقوط البائس في9 أبريل والصحف الإسرائيلية تلح علي أن الحرب لن تحقق هدفها ما لم يتم تأديب سوريا وإيران, وهي وجهة النظر التي دعا إليها في عام2001 بيان مجموعة المحافظين الأمريكيين الجدد.( ملف سوريا فتح فيما يبدو من خلال الانتقادات والتهديدات الأمريكية التي وجهت في الأسبوع الماضي إلي دمشق).
القلقون والمحذرون ترددت أصواتهم في أغلب العواصم العربية, وكان لسان حالهم يقول: إن التدخل الخارجي بذريعة الدفاع عن الديمقراطية يمكن أن يتكرر في أي بلد آخر, لذلك فلابد من المسارعة إلي إحداث إصلاح سياسي حقيقي, سواء لإحباط محاولات التدخل, أو لامتصاص غضب الجماهير التي خرجت للانتقام من كل رموز السلطة, من الأبنية الحكومية إلي بيوت الحكام وصولا إلي صور وتماثيل الزعيم الأوحد. وكانت رسالة رئيس الوزراء الجزائري الأسبق سيد أحمد غزالي إلي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة, التي نشرتها الصحف في الأسبوع الماضي, تجسيدا لما نقول, إذ في الرسالة قال غزالي: إنه ما لم تشهد الجزائر إصلاحا سياسيا وديمقراطيا يرد إلي المجتمع اعتباره ويحفظ كرامته, فإن دور الجزائر سيأتي في الوقت المناسب.. تطبيقا للخطة الأمريكية, خصوصا أن إعادة تشكيل الخريطة العربية بدأ فعليا بالعراق.. ومن ثم فإن الاحتلال يتهددنا بصفتنا أعضاء في المجموعة الدولية, وبصفتنا عربا ومسلمين, ولأن بلدنا الجزائر يملك احتياطيات بترولية مهمة هي محل أطماع كثيرين.
في الثالث من أبريل الحالي نقلت سي. إن. إن من لوس أنجلوس أن جيمس وولسي رئيس المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق ألقي محاضرة أمام مجموعة من الدارسين قال فيها: إن الولايات المتحدة تخوض الان الحرب العالمية الرابعة( بعد الحربين العالميتين الأولي والثانية, وكانت الحرب الباردة هي الثالثة), وهذه الحرب قد تستمر لعدة سنوات, والأعداء فيها ثلاثة هم: الملالي الذين يحكمون إيران, والفاشيست في العراق وسوريا, والمتطرفون الإسلاميون من أمثال تنظيم القاعدة.( لاحظ أن ساحة الحرب هي العالم الإسلامي). ثم أضاف أن واشنطن في مسيرتها ستدعم الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط.
في مقالة للصحفي وداعية السلام الاسرائيلي يوري افنيري نشرت علي الأنترنت في4/10 الحالي ذكر أن الحرب الراهنة لن تقف عند العراق, لكن ستكون لها أبعاد أخري عميقة الأثر في مستقبل العالم, من ناحية لأنها فتحت شهية الولايات المتحدة لقصف أي مكان في الكرة الأرضية, مهما يبلغ من قوة, انطلاقا من فكرة استباق الخطر وإجهاضه, التي اتبعتها مع العراق, أما الناحية الثانية الأهم والأخطر, فإن الحرب مثلت انتصارا لتحالف المحافظين الصهاينة مع الأصوليين الإنجيليين, سوف يقوي من شوكتهم, ويمكنهم من السيطرة بلا حدود علي القرار السياسي في واشنطن, وهو أمر كارثي بكل المقاييس, لأن ذلك التحالف معاد للحرب عموما وللفلسطينيين بوجه أخص, ومعاد لأية حلول سلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي, الأمر الذي لن يمكن إسرائيل من أن تنعم بالهدوء أو السلام مع جيرانها, ليس ذلك فحسب, وإنما يذهب الأصوليون الإنجيليون إلي أبعد من ذلك بكثير, حيث يعتبرون الحرب علي العراق بمثابة حلقة في الصراع بين أبناء النور( الأمريكيون والإسرائيليون) ضد أبناء الظلمات الذين هم العرب والمسلمون.
(2)
علي الرغم من تعدد التكهنات بشأن طبيعة وشكل الشرق الأوسط الجديد, فإن حصة إسرائيل منه هي الأكثر وضوحا حتي الآن, وكنت قد ذكرت قبلا بعض التفاصيل عن الدور الإسرائيلي في التعبئة للحرب والتخطيط لها وتنفيذها أيضا, وأشرت إلي الوعود الأمريكية بإعطاء الأولوية لإسرائيل في الحصول علي النفط العراقي بسعر رخيص, ثم نشر لاحقا أن ملف مد خط أنابيب البترول من الموصل إلي حيفا بإسرائيل قد وضع علي الطاولة, وبمضي الوقت بدأت بقية التفاصيل تتكشف, منها مثلا:
* إن الجنرال المتقاعد جاي جارنر الحاكم العسكري الأمريكي الذي نصبته الإدارة الأمريكية ليمسك بزمام الأمور في بغداد, رشحه وزير الدفاع رامسفيلد, وزكاه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون( الحياة اللندنية4/12), وبسبب علاقته الخاصة مع المتطرفين في تل أبيب فإن افنيري وصفه بأنه جنرال صهيوني, وذكرت هاآرتس في4/9 أنه شارك في نصب شبكات الصواريخ بإسرائيل, وفي تطوير صواريخ الحيتس, وقالت التليجراف البريطانية: إن هذه هي المرحلة الأولي التي يحكم فيها العراق رجل معترف بإسرائيل.
*إن من المرشحين لطاقم الإدارة في العراق, اثنين من رؤساء المخابرات المركزية الأمريكية السابقين, أحدهما جيمس وولسي الذي سيكون وزيرا للإعلام(!!) وتيموني كرني الذي سيكون وزيرا للصناعة, أما مدير إذاعة صوت أمريكا السابق روبرت رايلي فإنه سيدير الإذاعة والتليفزيون العراقين(!!) هاآرتس.
* أن المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة أقامت علاقات جيدة مع كل عناصر المعارضة العراقية الموجودة بأمريكا, وقد عقدت لقاءات عدة مع أحمد شلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي, المرشح لكي يلعب دورا رئيسيا في المستقبل, وكان رئيس مكتب المؤتمر الوطني في واشنطن انتفاض قنبر قد دعي هذا العام بصور غير عادية لحضور مؤتمر إيباك السنوي, وهي أهم منظمة متحدثة باسم إسرائيل في واشنطن, لكنه لم يحضر لأن الأمريكيين طلبوا منه الذهاب إلي شمال العراق, وحضر بدلا منه معارض آخر هو كنعنان مكية. صحيفة هاآرتس نشرت هذه المعلومة في عدد4/7, وقالت: إن دعوة ممثل المؤتمر الوطني إلي اجتماع إيباك قصد به في الظرف الراهن إعلان العلاقة الخاصة بين المعارضة العراقية واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة, بعد أن حرص الجانبان علي إخفائها طيلة السنين السابقة.
* إن بعض الشركات الإسرائيلية بدأت تخطط منذ الآن لتنظيم الرحلات بين تل أبيب وبغداد, من خلال مد خط الطيران بين البلدين وتنشيط السياحة علي الجانبين( معاريف4/9).
(3)
ثمة فرق لابد من الانتباه إليه بين الأمنيات والمخططات, وما سيحدث بالفعل ويتحقق علي أرض الواقع, وفي الحالة العراقية بوجه أخص, فالأمر أعمق وأكثر تعقيدا مما يبدو علي السطح, ليس فقط لأن ثمة احتمالا كبيرا لأن يواجه الاحتلال بمقاومة تؤرق راحته, وأن يواجه الأمريكيون متاعب من قبيل تلك التي يواجهونها في أفغانستان حتي الآن, الأمر الذي لابد أن يعطل ـ إن لم يبدد ـ تلك المخططات, وقد قرأنا في الأسبوع الماضي بيانا عن تشكيل الجبهة الوطنية لتحرير العراق, دعا إلي الكفاح المسلح ضد المحتلين, وعن ظهور تنظيم آخر في الداخل باسم أحرار العراق والذين يعرفون الأسلحة العراقية جيدا يدركون أن ذلك أول الغيث.
من ناحية أخري فإن الذين يتحدثون عن تطبيع أو اختراق إسرائيلي للعراق يجهلون حقيقة الشعب العراقي, وعمق انتمائه العربي والإسلامي, وقد ألمح إلي هذا البعد كاتب إسرائيلي هو سامي ميخائيل, نشر في معاريف( عدد4/9) مقالة قال فيها إن سقوط صدام حسين لا يبشر بالضرورة بعهد قرب وود مع إسرائيل, ذلك أن القضية الفلسطينية احتلت دائما مكانة خاصة في الوجدان العراقي, وليس مصادفة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني وجد ملاذا دافئا حين لجأ إلي العراق في عام1939, كما أن الانقلاب المتعاطف مع النازية الذي وقع في بغداد عام1940, نشأ علي خلفية التضامن مع الفلسطينيين والكراهية للبريطانيين, الذين فتحوا أبواب هجرة اليهود إلي فلسطين.
ثمة سؤال أخير يتعين الوقوف أمامه طويلا ونحن نرصد ما يخططون ويدبرون, هو: ماذا نحن فعلون؟
ليست عندي إجابة محددة الآن, أو قل إن ثمة إجابات متعددة تحتاج إلي مناقشة وبلورة, لكني وقفت عند نقطتين مضيئتين في رسالة السيد غزالي رئيس وزراء الجزائر الأسبق إلي الرئيس بوتفليقة, الأولي تمثلت في دعوته إلي تخفيض مستوي التمثيل الدبلوماسي, والاكتفاء بالحد الأدني من العلاقات مع حكومات الدول التي شاركت في العدوان, حتي ينتهي الاحتلال ويخرج الغزاة من العراق.
أما النقطة الثانية فكانت تذكيره بما فعله الرئيس الأسبق هواري بومدين بعد حرب عامي67 و73, حين قرر قطع العلاقات مع الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات, ومقاطعتها نفطيا, كما قرر تأميم المصالح الأمريكية البترولية بالجزائر.
والنقطتان أسوقهما من باب تنشيط الوعي والذاكرة لا أكثر.