مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مفارقات المشهد وأسئلته المدببة‏!‏
هويدي 18-2-2003

‏90‏ مدينة أمريكية أعلنت رفضها الحرب‏,‏ فمتي يسمع صوت المدن العربية؟
يداهمنا السؤال ونحن نتابع نشرة الأخبار‏,‏ فينغرز في الخاصرة كسكين‏,‏ وإذ تتوالي الأخبار بعد ذلك مستصحبة قائمة من التساؤلات المدببة والمقارنات المريرة‏,‏ التي تتحول الي سهام ترشق الجسم وتعذب الضمير‏,‏ فإن المرء يخرج منها مثقلا بالهم والحزن‏,‏ بل مثخنا بجراح نازفة أصابت فيه النخوة والكبرياء‏,‏ حتي يستحيي من النظر إلي وجهه في المرآة‏.‏

‏(1)‏
تفضحنا نشرات الأخبار‏,‏ إذ تبدو إعلانات يومية صارخة‏,‏ تشير الي غيابنا تارة‏,‏ وإلي هزيمتنا تارة أخري‏,‏ فالذين يدقون طبول الحرب‏,‏ والذين يقودون معسكر الموت‏,‏ وهم يحشدون حشودهم فوق الأرض العربية‏,‏ ويوجهون صواريخهم وحاملات طائراتهم صوب أهداف عربية‏,‏ لا تشغل بالهم ولا تزعجهم الأمة العربية‏,‏ وإنما تؤرقهم أوروبا والصين وروسيا‏,‏ والذين يقودون الحملة ضد الحرب ويرسلون الوفود إلي العراق كي تتحول إلي دروع بشرية في مواجهة الحرب‏,‏ ليسوا من العرب‏,‏ ولكنهم قادمون من أقطار أخري وراء حدودنا‏,‏ الأمر الذي يثير أكثر من سؤال حول عدم حضور الجماهير العربية وتفسير غيابها‏.‏
سيقول قائل إن بعض العواصم العربية شهدت هذا الأسبوع نماذج من تلك المظاهرات الاحتجاجية‏,‏ وسيدعي آخر أن قياديا في هذا الحزب أو ذاك صاح قائلا‏:‏ لا لضرب العراق‏,‏ وإن كان يشكر ويقدر موقف هؤلاء وهؤلاء‏,‏ إلا أن الذي يعيش في العالم العربي ويسمع نبضه جيدا‏,‏ لا تقنعه مثل هذه المظاهر‏,‏ وبوسعه أن يقول بثقة إن الذي حدث كان من قبيل تلك المظاهرات والأصوات المتواضعة‏,‏ التي تعد جزءا من الفيلم بأكثر منها تعبيرا عن الحقيقة‏,‏ ذلك أن أحداثا جساما كتلك التي نشهدها الآن‏,‏ وأهوالا من قبيل تلك التي تلوح في أفق الغد‏,‏ لا يمكن أن يكون صداها في الشارع العربي بتلك الدرجة من التهافت‏,‏ كما أنها لاتتجاوز بكثير كل ما نسمع ونقرأ من كلام ساكت كما يقول السودانيون‏.‏

لابد أن يؤرقنا خفوت الصوت العربي‏,‏ ذلك أن ارتفاع ذلك الصوت علاوة علي أنه يعلن موقفا ويوصل رسالة‏,‏ إلا أنه وسيلة فعالة للتنفيس وتصريف شحنة الغضب المتراكم‏,‏ وإذا سلمنا أمرنا لله في الأولي‏,‏ وقلنا إن الرسالة يمكن توصيلها عبر وسائط أخري‏,‏ فإن السؤال الذي ينبغي أن نفكر فيه طويلا هو‏:‏ إذا لم يتم تصريفها فأين تذهب شحنة الغضب التي تعتمل في صدور الناس؟‏.‏
القلق يتضاعف حين يلقي علينا السؤال‏,‏ لأن غضبا من العيار الثقيل الذي نحن بصدده‏,‏ ذلك الذي تتراكم طبقاته من جراء اجتراح الكرامة والدوس علي الكبرياء‏,‏ يتعذر ابتلاعه ونسيانه‏,‏ كما يتعذر حصاره أو كتمانه طويلا‏,‏ أما الاستخفاف به فهو أم الخطايا في السياق الذي نحن بصدده‏,‏ ذلك أن الشارع العربي لم يمت‏,‏ والحاصل في فلسطين دليل صحوته وحيويته‏.‏

‏(2)‏
في الخامس من فبراير الحالي‏,‏ عقد مؤتمر مشترك للعديد من الكنائس‏,‏ صدر عنه بيان قوي رافض للحرب التي اعتبرها غير مبررة أخلاقيا ودينيا‏,‏ وتضمن البيان تنديدا بمبدأ اللجوء إلي القوة العسكرية‏,‏ بدلا من المساعي السياسية لحل الخلافات‏,‏ راجعت قائمة المشاركين في المؤتمر‏,‏ فوجدته ضم ممثلين عن‏:‏ مجلس الكنائس العالمي ومؤتمر الكنائس الأوروبي‏,‏ والمجلس الوطني لكنائس المسيح في الولايات المتحدة‏,‏ ومجلس كنائس الشرق الأوسط‏,‏ وإذ تزامن ذلك مع نداء البابا بولس الثاني في الفاتيكان‏,‏ فإنني لم أستطع أن أكتم شعورا بالحسرة‏,‏ عبر عنه سؤال عن موقف المنظمات الإسلامية من الحرب‏,‏ التي لم يسمع لها بدورها صوت يذكر‏,‏ وإن سمعنا أصواتا قوية لعدد من العلماء في هذا القطر العربي أو ذاك‏.‏
لم أكن وحدي في الشعور بالحسرة‏,‏ فقد قرأت مقالة لأحد الألمان من أصل عربي‏,‏ هو جمال قارصلي المنتخب نائبا في برلمان ولاية شمال الراين‏,‏ ردد فيها ذات السؤال‏,‏ قائلا‏:‏ أليس مخجلا أن تعلن الكنائس مجتمعة رفضها للحرب ضد العراق‏,‏ فيما لا نسمع صوتا مماثلا للمؤسسات الإسلامية الدينية منفردة أو مجتمعة؟ وهل يمكن أن تكون تلك الكنائس أكثر حرصا علي حقن دماء الشعب العراقي‏(‏ المسلم‏)‏ من المراجع الإسلامية؟‏(‏ القدس العربي‏)2/14.‏

وجدت في مقالة قارصلي العديد من الأسئلة والملاحظات الأخري الموجعة والمربكة‏,‏ فقد كان عنوانها‏:‏ متي يستطيع العرب أن يقفوا موقف الألمان؟‏,‏ وهو سؤال استنكاري وليس استفهاميا‏,‏ سمعته بصيغة أخري علي لسان مراسل لإحدي الفضائيات‏,‏ كان يتابع المظاهرات الحاشدة التي خرجت في روما مناهضة للحرب‏,‏ حين قال‏:‏ هل يمكن أن يكون الطليان أكثر عروبة من العرب؟ ـ صحيح أن لكل حساباته ودوافعه الخاصة‏,‏ التي ليس بينها بالضرورة التضامن مع الشعوب العربية‏,‏ لكن الحاصل أن تلك المواقف انصبت في نهاية المطاف في وعاء المصلحة العربية‏.‏
لقد تساءل صاحبنا الألماني‏/‏العربي‏:‏ ماذا سيكون الموقف الأمريكي لو رفضت دول الجامعة العربية بصوت واحد‏,‏ الحرب لماذا لا تتبلور سياسات عربية تجاه الدول الداعمة للحرب وتلك الداعية إلي السلم؟ لماذا لا تنهال الاستثمارات العربية علي ألمانيا وفرنسا‏,‏ اللتين هما أكثر عدالة تجاه القضايا العربية‏,‏ بغض النظر عن انطلاقهما من مصالحهما الخاصة‏.‏

‏[‏ملحوظة‏:‏ ارتفعت في الولايات المتحدة أصوات تنادي بمقاطعة النبيذ والأجبان الفرنسية‏,‏ للرد علي موقف الحكومة الفرنسية‏.‏
أخيرا ذكر قارصلي‏,‏ أن الكاتب الألماني الكبير جونتر جراس‏,‏ الحائز علي جائزة نوبل في الآداب‏,‏ امتلك الشجاعة الأدبية‏,‏ وأعلن أن الرئيس الأمريكي جورج بوش شخصية مهددة للسلم العالمي‏,‏ ثم تساءل عن موقف الرموز الأدبية العربية‏.‏

‏(3)‏
لقد كان علماء السلف يستغربون الأوضاع المقلوبة والمفارقات الشديدة‏,‏ حتي ذهب بعضهم إلي اعتبارها مقدمة لنهاية العالم‏,‏ وذهبوا إلي أنها من علامات الساعة الصغري‏,‏ وقالوا إن من تلك العلامات مثلا أن تلد الأمة ربتها‏..‏ وهو ما يغريني ـ ليس بالضرورة من باب التندر ـ بأن أضيف إلي القائمة مفارقات أخري‏,‏ من قبيل تلك التي تراءت لنا ونحن نتابع مشهد الحرب العبثية التي نحن بصددها‏,‏ أذكر بتلك القيادات السياسية الأوروبية التي بدت من وجهة نظرنا أكثر عروبة من بعض العرب‏.‏
من تلك المفارقات‏,‏ أن ثلاث دول أوروبية‏(‏ ألمانيا وفرنسا وبلجيكا‏)‏ رفضت في اجتماعات حلف الناتو ما اعتبرته مشاركة منها في الحرب ضد دولة عربية مثل العراق‏,‏ بينما نشرت مجلة نيوزويك في عدد‏2/4‏ خريطة بينت انطلاق القوات الأمريكية في تلك الحرب من أكثر من‏25‏ قاعدة عسكرية موزعة علي أراضي الأشقاء العرب‏!‏

وإذ كان مألوفا ومفهوما أن العرب حين يصادفون أزمة في علاقاتهم مع الولايات المتحدة‏,‏ فإنهم كانوا يلجأون إلي أوروبا ويستقوون بها‏,‏ لكننا وجدنا في الآونة الأخيرة أن فرنسا حين اختلفت مع أمريكا في شأن يخص العرب‏,‏ فأنها هي التي حاولت الاستعانة بالعرب‏,‏ ودعتهم إلي مساندة الموقف المناهض للحرب ضد العراق‏.‏
وفي حين دأبت واشنطن علي إقناع الأمريكيين بأن العراق رمز الشر ومصدر الخطر‏,‏ فإننا وجدناها في الأسبوع الماضي قد رفعت حالة التأهب داخل الولايات المتحدة إلي الدرجة شبه القصوي‏,‏ بعدما اكتشفت فجأة أن الخطر الذي يهدد البلاد ليس مصدره العراق‏,‏ وإنما أتت اشاراته من تنظيم القاعدة وعناصره الناشطة أو النائمة علي الأرض الأمريكية‏.‏

لكن ذلك‏;‏ كله في كفة وموقف الولايات المتحدة من حكاية أسلحة الدمار الشامل في كفة أخري‏,‏ ذلك أن المرء يكاد ينفجر من الغيظ والمرارة‏,‏ حين يلاحظ أن المفتشين الدوليين يبحثون عن أسلحة الدمار الشامل العراقية‏,‏ في الخرائب المهجورة وأروقة المساجد وغرف النوم وحقائب الطالبات ومصانع الألبان‏,‏ بينما لا يثير اهتمامهم مفاعل ديمونا الإسرائيلي القابع علي بعد أميال منهم‏,‏ وفيه تتكدس مئات القنابل النووية‏,‏ القادرة علي تدمير نصف الكرة الأرضية‏,‏ أما الأسلحة الكيماوية والجرثومية والبيولوجية‏,‏ وغير ذلك من وسائل تشويه الحياة الإنسانية وتدميرها‏,‏ فبدورها تخزن في إسرائيل بعلم الجميع‏,‏ وبغير حسيب أو رقيب‏.‏
يتضاعف الشعور بالغيظ والمرارة حين يقارن المرء موقف الولايات المتحدة من العراق‏,‏ بموقفها من كوريا الشمالية‏,‏ فالعراق نفي وجود أسلحة الدمار الشامل علي أرضه‏,‏ وأكد أنه تخلص مما كان لديه منها‏,‏ وفتح كل أبوابه للمفتشين الدوليين‏,‏ الذين زاروا حتي الآن أكثر من‏600‏ موقع‏,‏ وامتثل لكل ما طلب منه‏,‏ ومع ذلك تصر الولايات المتحدة علي تركيعه وإذلاله‏,‏ وتحشد الحشود العسكرية لاجتياحه واسقاط نظامه والاستيلاء علي نفطه واخضاعه لحكم عسكري من قبلها‏,‏ أما كوريا الشمالية فإنها أعلنت علي الملأ ملكيتها لأسلحة الدمار الشامل‏,‏ وطرردت المفتشين الدوليين‏,‏ وذكرت صراحة أن لديها مدافع وصواريخ قادرة علي اصابة كاليفورنيا في الولايات المتحدة‏,‏ فضلا عن القواعد الأمريكية في مختلف أنحاء العالم‏,‏ مع ذلك‏,‏ فإن واشنطن التي نصبت من نفسها في الحالة العراقية حارسة لأمن العالم‏,‏ ومن ثم استجمعت قواها لتأديب العراق وترويضه‏,‏ هي ذاتها التي تحلت بكل ما تملك من صبر وتسامح‏,‏ وراحت تربت علي أكتاف الكوريين وتدللهم‏,‏ متحدثة بصوت ناعم ورخيم عن حلول دبلوماسية للمسألة‏!‏

‏(4)‏
حتي يكتمل المشهد‏,‏ فإن العناوين الملتبسة والمخادعة‏,‏ تنضاف إلي قائمة الأسئلة والمفارقات الموجعة‏,‏ لكي يقترن الألم بالحيرة والبلبلة‏.‏
فقد أصبح عنوان الشرعية الدولية أنشودة الموسم ومضغة في أفواه الجميع‏,‏ وموضوعا للغيرة والحماس منقطعي النظير‏,‏ وسمعنا أكثر من مرة صوت الرئيس الأمريكي وأصوات غيره من أركان فريقه‏,‏ وهم يطالبون مجلس الأمن بالدفاع عن قراراته‏,‏ وبأن يثبت للعالم أنه جاد فيما يصدر عنه‏,‏ وأنه حريص علي الدفاع عن صدقيته وكرامته‏,‏ في الوقت ذاته فإن أولئك الذين يتحدثون عن قدسية قرارات مجلس الأمن‏,‏ هم الذين لم يترددوا في أن يدوسوا علي الأمم المتحدة بأحذيتهم‏,‏ وهم يعلنون بين الحين والآخر أنهم سينفذون مخططاتهم سواء أصدر مجلس الأمن قراره أم لم يصدر‏,‏ وهم الذين تحدوا الشرعية الدولية في معاهدة كيوتو للبيئة‏,‏ وفي موضوع المحكمة الجنائية الدولية‏,‏ وانتهكوا الضوابط التي تعارف عليها المجتمع الدولي المتعلقة بمبدأ استخدام القوة وحالات الدفاع الشرعي‏,‏ وهم الذين استباحوا لأنفسهم قصف أي بلد بحجة الضربات الاستباقية‏,‏ وإعداد قوائم بأسماء مطلوب قتلها دون محاكمة‏,‏ ودون التزام بقواعد السيادة ناهيك عن القانون‏.‏

تلك الغيرة علي كرامة الأمم المتحدة‏,‏ وتلك القدسية التي جري اضفاؤها علي قرارات مجلس الأمن‏,‏ ظهرت فقط في الحالة العراقية‏,‏ ثم ديست بالنعال في الحالة الإسرائيلية‏,‏ بل إن الولايات المتحدة أعلنت عن نفسها كفيلا وضامنا لإسرائيل‏,‏ أكثر من أهان المنظمة الدولية وازدري بقراراتها‏,‏ حتي صدر بحقها‏150‏ قرارا من الأمم المتحدة لم تنفذ واحدا منها‏,‏ ولم يقل أحد أنها لم تحترم الشرعية الدولية‏,‏ ولم يحاسبها أحد علي ما مارسته من تحد وازدراء‏.‏
في المشهد أيضا لقطة فضحت مدي التلفيق والافتعال في عنوان صدام الحضارات‏,‏ الذي ما برح البعض يروج له ويحتفي به ويخوفنا منه‏,‏ خصوصا بعد‏11‏ سبتمبر‏,‏ الذي صوره البعض بأنه من ارهاصات المواجهة بين الإسلام والغرب‏,‏ ذلك أن المبشرين بالفكرة اعتبروا الغرب كتلة واحدة‏,‏ ووضعوا الإسلام والمسلمين في كتلة أخري مقابلة‏,‏ في حين أن ما نراه الآن قلب المعادلة إلي حد كبير‏,‏ فأنظمة الساحة الإسلامية بدت هي الهادئة والساكنة‏,‏ بينما المواجهة والتحدي الحقيقي قائم داخل المعسكر الغربي ذاته‏,‏ بل إن المظاهرات المعادية للحرب هي في العالم المسيحي أقوي منها بكثير في العالم الإسلامي‏,‏ الأمر الذي قدم برهانا قوض النظرية‏,‏ وبين لكل ذي عينين أننا بصدد صراع مصالح وارادات وليس صراع حضارات‏,‏ وأن فكرة ذلك الصراع الأخير تعبر عن أمنيات نفر من الغلاة علي الجانبين‏,‏ بأكثر مما تعبر عن قراءة منصفة وموضوعية لخرائط الواقع وتضاريسه‏.‏

في أثناء الجدل والتراشق الدائر بين الادارة الأمريكية ألمانيا وفرنسا‏,‏ استخدمت إشارات وعبارات مسكونة بمعاني الغمز واللمز‏,‏ كان من بينها تورط وزير الدفاع الأمريكي في وصف البلدين بأنهما يمثلان أوروبا القديمة التي عفي عليها الزمن‏,‏ لكن خبيرا أمريكيا معتبرا هو جراهام فوللر‏,‏ الذي كان في السابق من كبار ضباط المخابرات المركزية ونائبا لرئيسها‏,‏ نشر مقالة رد فيها كلام الوزير رامسفيلد‏,‏ قائلا إن ألمانيا وفرنسا تمثلان أوروبا الجديدة في حقيقة الأمر‏,‏ بينما الولايات المتحدة هي التي تمثل القوة القديمة‏..‏ لماذا؟
في رأيه أن ألمانيا وفرنسا نموذج لبلدين نجحا في تجاوز خمسة قرون من الحروب المتبادلة‏,‏ والمشاركة في تكوين اتحاد أوروبي يعد نموذجا نادرا في التاريخ‏,‏ باعتبار أنه قائم علي تنازل دول الاتحاد عن جزء كبير من سيادتها القومية‏,‏ لإقامة مشروع حضاري كبير يستند إلي ديمقراطية حقيقية وإلي التزام بحقوق الإنسان‏,‏ ويتطلع لبناء قوة جديدة في العالم ترتكز علي القبول والرغبة المشتركة‏,‏ بدلا من العنف والغزو‏,‏ وهذه ظواهر يصعب وصفها بأنها تنتمي إلي أوروبا القديمة‏.‏

بالمقابل ـ أضاف فوللر ـ فإن الولايات المتحدة هي التي تمثل العالم القديم‏,‏ لأنها تمارس الهيمنة وتخاطب الآخرين بلغة القوة‏,‏ بدلا من الرضا‏,‏ وعوضا عن القانون‏,‏ ومنطق القوة هذا هو الذي كان سائدا في العالم القديم‏,‏ الذي مازالت أمريكا متعلقة به‏,‏ وعجزت عن أن تخرج من اساره حتي الآن‏.‏
إن في الفم ماء كثيرا‏,‏ ودما أيضا‏!‏
أضافة تعليق