مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الغـــــــزو الـذي بـــــــدأ
هويدي 19-11-2002

فرجت أيها السادة‏,‏ فقد صار مستقبلنا الديمقراطي أكيدا ومضمونا‏.‏ لم لا وقد دعيت خمسون امرأة عربية ينتمين إلي‏14‏ قطرا إلي الولايات المتحدة للتدريب علي الديمقراطية‏,‏ ضمن برنامج مكثف اعد خصيصا لاصلاح حال العرب المعوج‏.‏ وهو مايطمئننا إلي أن السيدات العربيات سيعدن إلي بلادنا وقد تحولت كل واحدة منهن إلي طاقة ديمقراطية معتبرة ـ مستوردة من بلادها وليست محلية الصنع من ذلك النوع الذي تعرف ـ وبذلك سنضمن أن تنجب كل واحدة منهن عددا لابأس به من الديمقراطيين الصغار‏,‏ وهؤلاء اذا ما كبروا وتناسلوا‏,‏ فإننا نستطيع أن نثق في أن شمس الديمقراطية سوف تسطع علي العالم العربي بأسره يوما ما‏,‏ بحيث لايكاد يطل علينا القرن الثاني والعشرون إلا وقد تلبست الأمة العربية من المحيط إلي الخليج حالة ديمقراطية من النوع المستورد المتين‏,‏ الذي لاتشوبه شائبة‏!‏

‏(1)‏
هذا الكلام ليس من عندي‏.‏ فقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية علي صدر صفحتها الأولي خبرا كبيرا زفت إلينا فيه البشارة‏.‏ ذكرت فيه أن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول سوف يعقد في يوم النشر‏(11/6)‏ اجتماعا مغلقا مع العربيات الخمسين‏,‏ اللاتي دعين إلي واشنطن في إطار برنامج الاصلاح العربي الذي أعدته وزارة الخارجية‏,‏ وتشرف علي تنفيذه اليزابيث تشيني‏(‏ ابنة نائب الرئيس الأمريكي‏).‏ وهذا البرنامج الذي يأتي في إطار الجهود التي تبذلها الولايات التحدة لتعزيز ونشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ ومساعدة دول المنطقة في خططها التنموية‏,‏ في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية‏.‏ وهو البرنامج الذي وضعته الادارة الأمريكية عقب‏11‏ سبتمبر‏,‏ ورصدت لتنفيذه مبلغ‏25‏ مليون دولار‏.‏
حين نشر الخبر في‏11/6,‏ كانت النساء العربيات قد امضين ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة‏.‏ وقد توزعن علي مجموعات عمل صغيرة‏,‏ وجري اطلاعهن علي الدور الذي تقوم به المرأة الأمريكية في عملية الانتخابات‏,‏ في الترشيح وتنظيم الحملات الانتخابية وإدارتها‏.‏ كما عملن بعض الوقت مع المعهد الديمقراطي الوطني‏,‏ ونظيره المعهد الجمهوري الذي يشرف علي الحملات الانتخابية‏.‏ في الوقت ذاته نظمت لهن لقاءات مع بعض كبار المسئولين ـ والمسئولات ـ في الادارة الأمريكية‏.‏أما النساء العربيات اللاتي اشتركن في هذه الدورة التدريبية فقد توزعن علي العالم العربي علي النحو التالي‏:4‏ من الجزائر ـ‏5‏ من مصر ـ واحدة من الأردن ـ‏4‏ من الكويت ـ‏5‏ من لبنان ـ‏5‏ من المغرب ـ‏3‏ من سوريا ـ‏3‏ من الضفة الغربية وواحدة من غزة ـ سيدتان من سلطنة عمان ـ‏3‏ من الامارات ـ‏4‏ من اليمن ـ سيدتان من السعودية ـ واحدة من قطر ـ‏3‏ من تونس‏.‏

‏(2)‏
رغم أن الخبر صحيح إلا أننا لانستطيع أن نأخذه علي محمل الجد‏.‏ ولذلك فلم يكن هناك بد من صياغته علي النحو الذي رأيت‏.‏ مع ذلك فلابد أن يلفت أنظارنا فيه ـ فضلا عن فكرته ومضمونه ـ تلك الاشارة الي أن العملية تمت في أطار برنامج الاصلاح العربيالذي أعدته وزارة الخارجية الأمريكية‏.‏ ومايهمني في الأمر هو ذلك البرنامج تحديدا‏,‏ الذي هو حلقة في سلسلة من البرامج والمشروعات الأخري التي تصب في وعاءين أساسيين لم يخف الأمريكيون أمرهما‏,‏ هما‏:‏ إعادة تأهيل العالم العربي‏,‏ وتحسين صورة الولايات التحدة لدي عموم العرب والمسلمين‏.‏ والسر المعلن المحرك لتلك البرامج والمشروعات هو أنها تستهدف في النهاية التدخل في تشكيل العقل العربي‏,‏ لكي يفكر بطريقة مختلفة ويري الأمور بمنظار مختلف‏,‏ اكثر تجاوبا وتوافقا مع الرؤي الأمريكية‏.‏لسنا ندعي أن العقل العربي بخير او انه في تمام العافية‏,‏ لكن لعلنا لانختلف أن صلاح أمره لايتم من خلال التدخل الأمريكي الذي لانستطيع أن نفترض البراءة فيه‏.‏ وهو في كل أحواله معني بالمصالح والمقاصد الأمريكية‏.‏ غير أن هذه المهمة أصبحت تحتل موقعا متقدما في أولويات الخارجية الأمريكية‏.‏ ورغم أن ثمة لجنة للدبلوماسية الشعبية في الوزارة مشكلة منذ الأربعينيات في عهد الرئيس ترومان‏,‏ إلا أن تقاريرها لم تكن تحظي بالاهتمام‏,‏ إلي أن وقعت واقعة‏11‏ سبتمبر‏,‏ وتقرر تنشيط مخاطبة المجتمعات العربية والاسلامية للتأثير علي مواقفها ومداركها‏,‏ فجيء بسيدة اسمها شارلوت بيرس‏,‏ كانت مديرة لاحدي شركات العلاقات العامة في نيويورك‏,‏ وتم تعيينها مساعدا لوزير الخارجية لشئون العلاقات الدبلوماسية العامة لتنهض بالمهمة‏.‏

الملاحظة الأخري المهمة في هذا التوجه‏.‏ أن الادارة الأمريكية في سعيها لتحقيق الاصلاح المنشود لم تكن مستعدة لان تري الغلط إلا في الجانب العربي والاسلامي دون غيره‏.‏ فهي لم تدرك بعد أن شيئا مافي سياستها الخارجية علي الأقل يحتاج إلي مراجعة أو تغيير‏.‏ وهو ماتنبأ به جورج ارويك في كتابه العالم سنة‏1984‏ حين قدم لنا صورة الأخ الأكبر الذي لايخطيء‏,‏ ولايمكن أن يخضع لأي حساب‏,‏ وليس امام الآخرين خيار إزاء مشيئته‏.‏ فما لم يمتثلوا لارادته فالويل لهم والجحيم مصيرهم‏,‏ وهي الطبعة الأولي المبكرة من محور الشر الذي تحدث عنه الرئيس بوش‏.‏
لو أن الأمر اقتصر علي سفر‏50‏ سيدة إلي الولايات التحدة للتأهل الديمقراطي لهان‏,‏ ولكن الأمر اكبر من ذلك بكثير‏.‏ ذلك أن المتابع للمشهد العربي خلال الأشهر الأخيرة يلاحظ مدي كثافة حملة إعادة تشكيل الادراك العام فيما يمكن اعتباره اختراقا او غزوا توجه إلي المجتمعات العربية‏,‏ وتنوعت أساليبه وأدواته‏.‏
قلت إن الأمريكيين انطلقوا من أن الأغلاط كلها في جانبنا‏,‏ وأضيف انهم أعطوا لأنفسهم حق التدخل بأنفسهم لاصلاح تلك الأغلاط في المجتمعات العربية‏,‏ علي اعتبار أن علو شأنهم يعطيهم الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أي مكان بالكرة الأرضية‏.‏ وهو ماعبرت عنه تصريحات وتصرفات السفراء الأمريكيين في اكثر من قطر عربي‏.‏ كا أننا لمسنا‏,‏ في مماسات أخري عديدة‏,‏ بدءا بالتدخل في مناهج التعليم‏,‏ وانتهاء بالتدخل في حلقات المسلسل التليفزيوني فارس بلاجواد‏.(‏ ريتشارد باوتشر الناطق باسم الخارجية الأمريكية قال في‏11/3‏ انه ليس لمحطات التليفزيون الحكومية في العالم العربي عرض أي برامج تراها الولايات المتحدة عنصرية وغير صحية ـ هكذا بمنتهي الجرأة والبساطة‏).‏

‏(3)‏
هناك جديد في الحملة لاح خلال الأشهر الأخيرة‏,‏ ويوحي بأن محاولات إعادة تشكيل الادراك العربي ـ غزوه أن شئت الدقة ـ تتم علي مستويات أربعة هي‏:‏
‏*‏ خطاب مباشر تتولاه الحكومة الأمريكية علي نحو صريح وواضح فبعد أن تم تطوير إذاعة صوت أمريكا وإضفاء قدر ملحوظ من الحيوية علي برامجها ونشراتها الاخبارية‏,‏ أنشئت محطة إذاعة أخري مستقلة تخاطب جيل الشباب العربي بوجه أخص أطلق عليها اسم سوا‏.‏ وتبث برامجها طيلة‏24‏ ساعة يوميا‏.‏ وفي ماليزيا انشئت محطة تليفزيونية لمخاطبة مسلمي جنوب شرق آسيا‏.‏ وفي الوقت ذاته تم إعداد أفلام تسجيلية تقدم صورة زاهية لحياة المسلمين في الولايات المتحدة‏,‏ لاقناع المشاهدين بان الادارة الأمريكية لاتحارب الاسلام وإنما ترحب به‏,‏ لكن معركتها ضد الارهاب‏.‏ وهذه الافلام وزعت علي مختلف التليفزيونات العربية‏.‏
كما أن موظفي السفارات الأمريكية المختصين اصبحوا يوزعون حقائب علي الشخصيات العامة في كل بلد‏,‏ احتوت علي نماذج من تلك الأفلام‏,‏ إضافة إلي تسجيلات ونصوص للفتاوي التي أصدرها بعض العلماء في إدانة عمليات‏11‏ سبتمبر‏,‏ وغير ذلك من المطبوعات والبيانات الأمريكية التي عبرت عن موقف متوازن من العقيدة الاسلامية‏,‏ وركزت علي التنديد بالارهاب‏..‏

بشكل مواز فان الادارة الأمريكية أناطت ببعض المؤسسات‏,‏ في مقدمتها مجلس العلاقات الخارجية‏(‏ ايباك‏)‏ مسئولية إدارات الحوار بين المثقفين والخبراء الأمريكيين وبين نظرائهم في العام العربي والاسلامي‏,‏ ولأجل ذلك عقد مؤتمر كبير في العاصمة الاندونيسية جاكرتا‏,‏ ثم مؤتمر آخر في واشنطن‏,‏ وعقد المؤتمر الثالث في الدوحة‏,‏ خلال شهر أكتوبر الماضي‏.‏
المفارقة اللافتة للنظر في هذه المحاولة الأخيرة ان الذين يشرفون علي برنامج الحوار من الجانب الأمريكي‏,‏ خصوصا عناصر ايباك‏,‏ هم جميعا من الشخصيات ذات الميول الصهيونية‏,‏ إذ المعروف أن ايباك هي أحد المنابر الاسرائيلية المهمة في الولايات المتحدة‏,‏ وهي المفارقة التي دعت أحد المعلقين العرب البارزين ـ الاستاذ جميل مطر ـ إلي كتابة مقال نقدي للفكرة تساءل فيه عما اذا كان من الممكن لزارعي الكراهية للعرب من صهاينة واشنطن‏,‏ أن يساعدوا علي إجراء حوار تفاهم أو تقريب مع العرب‏(‏ الحياة اللندنية ـ‏11/5).‏

‏(4)‏
‏*‏ فضلا عن الخطاب الأمريكي المباشر‏,‏ بوسع المرء أن يلاحظ الحضور القوي للكتاب والسياسيين الأمريكيين‏,‏ وأحيانا الاسرائيليين‏,‏ علي نحو غير مسبوق في الصحافة العربية‏.‏ نعم بعض هؤلاء ينتقدون السياسة الأمريكية في بعض ممارساتها‏.‏ لكن الاغلبية تسوغها وتدافع عنها‏.‏ ومن ثم اصبح ما يقوله الامريكيون عن اجتياح أفغانستان وتبرير ضرب العراق‏,‏ والدعوة الي تغيير القيادة الفلسطينية‏,‏ ورفض فكرة المحكمة الجنائية الدولية‏..‏ الخ‏,‏ هذا كل اصبح يتوجه به الكتاب الأمريكيون إلي القارئ العربي‏,‏ من خلال الصحافة العربية ذاتها‏.‏ ليس ذلك وحسب‏,‏ وإنما أصبحت بعض الصحف العربية الرئيسية تعتمد في تقاريرها الاخبارية عما يجري في مختلف انحاء العالم علي الخدمات الخاصة التي تقدمها المؤسسات الصحفية الأمريكية‏(‏ نيويورك تايمز ـ لوس انجيليس تايمز ـ كريستيان سيانس مونيتور‏..‏ الخ‏)‏ وبذلك فا ن القارئ العربي لم يعد يقرأ تحليل الاخبار باقلام امريكية وحسب‏,‏ وإنما اصبح ايضا يقرأ الاخبار ذاتها بعيون أمريكية‏.‏ وهذا الشق الأخير ليس جديدا تماما‏,‏ لان وكالات الانباء الغربية لاتزال هي المصدر الرئيسي لـ‏85%‏ من الاخبار التي تنشر في الصحافة العربية عن العالم الخارجي‏.‏ لكن الجديد هو ان الصحف العربية أصبحت تعتمد‏,‏ فضلا عن الوكالات‏,‏ علي المراسلين الأجانب ـ أكثرهم أمريكيون ـ في تغطية ما لا تنهض به وكالات الانباء‏.‏ ثم ان هؤلاء المراسلين اصبحوا يسهمون في محاولة تحسين الصورة الأمريكية واحدث ما قرأته في هذا الصدد تقرير نشرته الشرق الاوسط في‏11/8,‏ عن حياة المسلمين وازدهار الاسلام في الولايات المتحدة‏,(‏ للعلم‏:‏ في تقرير أخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش ـ مراقبة حقوق الانسان ـ الامريكية ان الاعتداءات علي المسلمين في أمريكا زادت في عام‏2001‏ بنسبة‏1700%)‏ وهو ماعبر عنه ثلاثة من المهاجرين المسلمين‏,‏ بينهم احد الفلسطينيين العاملين في المباحث الفيدزالية‏(!!)‏ منذ ثلاث سنوات‏,‏ الذي قال انه ينوي ان يختم القرآن خلال شهر رمضان‏.‏ وهو ما لم يقم به منذ سنوات‏.‏ حدثنا التقرير عن مسلم آخر وصل الي مطار ريجان الدولي‏,‏ واراد أن يصلي الصبح فاستأذن أحد الحراس لكي يختلي بركن في المطار‏.‏ فآذن له ولم يعترض‏.‏ وكأنه اراد بذلك ان يغير من الانطباع السائد عن سوء معاملة المسلمين بالمطارات‏.‏
غير هذا وذاك فهناك الاخبار التي تنشر تسريبا من واشنطن لتزييف الادراك وتشكيل انطباعات الرأي العام‏,‏ دون أن يشار إلي مصادرها‏.‏ وكانت وزارة الدفاع قد أنشأت بعد‏11‏ سبتمبر جهازا لهذا الغرض باسم مكتب التأثير الاستراتيجيوظيفته أحكام تضليل الرأي العام عن طريق نشر اخبار مزيفة أو محرفة‏.‏ ولكن افتضاح أمر المكتب دفع الادارة الأمريكية إلي إلغائه والاكتفاء بما تقوم به المخابرات المركزبة أو الوكالات الأخري المتخصصة في إشاعة الاخبار والتقارير الكاذبة المطلوبة‏,‏ من قبيل تلك التي نشرت عن وجود علاقات بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة‏,‏ أو ايواء إيران لعناصر إرهابية مطلوبة‏,‏ أو عقد اجتماع بين الفلسطينيين والايرانيين في موسكو‏,‏ أو وجود خلايا إرهابية نائمة في ألمانيا وإيطاليا‏.‏ مثل هذه الاخبار الكاذبة يفترض أنها تعبئ الرأي العام في اتجاهات معينة‏,‏ بحيث تجعله متقبلا لفكرة ضرب العراق مثلا او الضغط علي إيران أو تغيير ياسر عرفات‏,‏ استنادا إلي أنهم يحتفظون بعلاقات مع الارهابيين‏.‏

‏(5)‏
‏*‏ ذلك كله يمكن اعتباره من قبيل الاختراقات القادمة من الخارج التي تستهدف التأثير علي العقل العربي‏.‏ الاسوأ والاشد خطرا من المستويات الثلاثة السابقة هو الاختراقات الحاصلة من الداخل‏.‏ عن الدور الذي يقوم به نفر من المثقفين الذين ظهروا في بعض العواصم العربية‏,‏ وتحولوا الي محامين للسياسة الامريكية في المنطقة‏,‏ ومنهم من أصبح يزايد علي الجميع في تبرير وتجميل ما يفعله الأمريكيون‏,‏ الي جانب إلحاحهم المستمر علي التهوين من شأن الروابط العربية فضلا عن الاسلامية‏,‏ وتأكيد ضرورة التحاق العرب بأوروبا والغرب‏,‏ وان ينصرف كل قطر إلي شئونه ومصالحه الخاصة‏,‏ بحيث ينفض يديه من تبعات الانتماء العربي ومسئوليات الدفاع عن الأمن القومي‏,‏ وذلك إعمالا لشعار أنا أولا‏,‏ أو أنا وبعدي الطوفان‏.‏
بعض هؤلاء دافعوا عن اجتياح العراق‏,‏ بدعوي أن ذلك سيفتح الباب لاقامة نظام تعددي ديمقراطي يطوي صفحة الاحزان التي عششت طويلا في ذلك البلد المبتلي‏.‏ ومنهم من هلل لما فعله الأمريكيون في افغانستان بزعم انه حرر النساء من محبسهن وحرر الرجال من اللحي المفروضة‏.‏ وقرأنا لمن دافع عن القصف الأمريكي لسيارة اليمنيين الستة في مأرب‏(‏ الذي انتقدته وزيرة خارجية السويد واعتبرته قتلا خارج العدالة‏)‏ بزعم انه من متطلبات الحملة ضذ الارهاب‏,‏ وان التنسيق مستمر بين الدول العربية والمخابرات المركزية الأمريكية‏,‏ وهو مالاتعلنه تلك الدول‏,‏ بينما صنعاء اعترفت به علنا‏.‏ وحين نجح الاسلاميون في الانتخابات النيابية التركية كتب أحدهم يقول أن ذلك دليل علي أن الولايات المتحدة ليست لها معركة ضد الاسلام وأنها تحارب الارهاب فقط‏.‏
‏*‏ كأنك تقرأ فصول كتاب الحرب الباردة الثقافية لمؤلفته البريطانية فرانسيس سوندرز‏.‏ ذلك أن ما يحدث الآن‏,‏ وما قدمنا بعضه وليس كله‏,‏ ليس اكثر من استعادة لذات الاساليب التي استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية‏,‏ والمخابرات المركزية بوجه أخص ضد السوفييت‏,‏ اثناء سنوات الحرب الباردة‏,‏ حيث كانت مجالات الاعلام والثقافة والفنون هي أحدي ساحات الصراع بين القطبين الكبيرين‏.‏ الفرق الوحيد بين التجربتين ان الولايات المتحدة كانت اثناء الحرب الباردة تواجه دولة كبري محددة الكيان والمعالم هي الاتحاد السوفيتي‏,‏ لكنها هذه المرة تواجه عفريتا اسمه الارهاب لايعرف له مكان أو كيان أو معالم‏,‏ بل لايعرف حجم الحقيقة فيه او الوهم‏.‏ والأولي معركة كانت لها نهاية اما المعركة الثانية فهي بغير نهاية‏,‏ وممتدة بطول الزمان وعرض المكان‏!‏
أضافة تعليق