مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
النموذج الأفغاني المرشـح للتعـميم
هويدي 15-10-2002

هي مفارقة لاتخلو من سخرية‏,‏ أن تكون الخبرة الأفغانية في مرحلتها الطالبانية نموذجا لما يتعين رفضه‏,‏ ثم تدور دورة الزمن لتصبح الخبرة الأفغانية في إسقاط نظام طالبان نموذجا يراد تعميمه‏.‏ ذلك أنك إذا فتشت في خلفية أصوات دعاة الإمبراطورية الأمريكية الذين ينادون بتغيير أنظمة المنطقة المتهمة بالمروق أو العقوق‏,‏ فستجد خبرة التجربة الأفغانية كامنة هناك‏.‏ وقد لا تحتاج إلي بذل جهد في عملية التفتيش‏,‏ لأنك إذا ما قرأت التحليلات والتعليقات الأمريكية التي تنشر في تأييد الحملة العسكرية علي العراق‏,‏ فستجد دائما إحالة إلي مرجعية الحالة الأفغانية‏,‏ واستدلالا لا يحلو من اعتداد وزهو بما تحقق هناك من نجاحات‏.‏
ولما كنت أحد شهود الحدث الأفغاني‏,‏ وأتيح لي أن أتابع تطوراته المختلفة‏,‏ خصوصا في المرحلتين الطالبانية ومابعدها‏,‏ حيث قمت بزيارتين لأفغانستان هذا العام‏,‏ كانت آخرهما قبل أسبوعين‏,‏ فربما سمح لي ذلك بأن أقدم شهادتي في صدد ما يجري هناك‏,‏ علي الأقل من باب العلم والإحاطة بالنموذج الذي يراد تعميمه‏.‏

‏(1)‏
يوم وصلت إلي كابول كان التوتر والقلق يخيمان علي المدينة‏.‏ ولم أستغرب حين علمت لاحقا أن حالة الطوارئ القصوي معلنة في العاصمة‏.‏ فقد كان وصولي بعد‏24‏ ساعة من وقوع حادثين جسيمين في يوم واحد صدما الجميع‏.‏ الأول كان تفجيرا لعبوة ناسفة في سوق كابول‏,‏ أدي إلي مصرع‏50‏ شخصا وإصابة‏150‏ بجراح متفاوتة‏,‏ والثاني كان محاولة لاغتيال رئيس الدولة السيد حامد كرزاي في قندهار‏.‏ الانفجار الأول هز بقوته العاصمة حقا‏,‏ لكنه أيضا هز صورة النظام الجديد وجرح هيبته‏,‏ باعتبار أن المدينة لم تشهد له مثيلا حتي في ظل نظام طالبان‏.‏ أما الثاني فقد هز مكانة رئيس الدولة وجرح صورته‏,.‏ ذلك أنه ماكان يخطرعلي بال أحد أن يكون الرجل أهم رمز بشتوني في الحكم‏,‏ ثم يتعرض لمحاولة القتل في قلعة البشتون وعاصمتهم التاريخية‏.‏
كنت قد تلقيت أول جرعة من التوتر في الطائرة الأفغانية التي ركبتها من دبي‏,‏ حيث علمت أنها مستأجرة من شركة خاصة‏,‏ وأن شركةالطيران الأفغانية ايريانا ليس لديها سوي طائرة واحدة صالحة للتشغيل‏,‏ وأن الطائرتين تعملان ليل نهار علي الخطوط الدولية والداخلية‏,‏ وتستخدمان لنقل الركاب والبضائع‏,‏ الأمر الذي يجعلهما في حالة إنهاك مستمر‏,‏ بحيث إن أي تراخ خطأ في الصيانة التي يجب أن تستمر علي مدار الساعة لابد أن تكون له عواقبه الوخيمة‏.‏
هذه المعلومات سمعتها من جار لي‏,‏ اكتشفت أنه مهندس الطائرة الذي يلازمها في كل ذهاب وإياب لإنقاذ الموقف عند حدوث أي طارئ‏,‏ تماما كما يلازم الطبيب مريضا في غرفة الإنعاش‏.‏ وإذ شاءت المقادير أن أتلقي ذلك التقرير والطائرة معلقة بين الأرض والسماء‏,‏ فلك أن تتصور السيناريوهات التي ظلت تتتابع في مخيلتي طول الوقت‏,‏ خصوصا حين تهتز الطائرة بعنف إثر مرورها ببعض المطبات الهوائية‏,‏ ثم لك أن تتصور مقدار عمق النفس الذي أخذته‏,‏ وحالة الاسترخاء التي حلت بي فجأة حين أعلن المضيف علينا نبأ استعداد الطائرة للهبوط في مطار كابول‏.‏ غيرأن الشعور بالارتياح لم يلبث أن تراجع حين ألقيت نظرة علي أرض المطار‏,‏ وانتابني شعور بأنني في الطريق إلي ساحة حرب وليس إلي مطار مدني‏.‏ فثمة أشلاء طائرات مدمرة منثورة في جانب‏,‏ ومتاريس رملية عالية تظهر وراءها خوذات جنود القوات الدولية في جانب آخر‏,‏ وبين هذا وذاك تتراءي الحفر التي قصد بها أن تخرب الممرات‏,‏ ولاتزال شاهدة علي سنوات الاقتتال المرير والمجنون بين الأخوة الأعداء‏.‏

‏(2)‏
ليست هذه كابول التي أعرف‏.‏ نعم رأيتها في عام‏79‏ وديعة وهادئة تتمدد في تراخ وكسل‏,‏ لكني في زياراتي اللاحقة ما رأيتها إلا مستسلمة للحزن ومصلوبة علي مذبح الانكسار‏.‏ وجدت الحزن ممتزجا بالذهول في شهر يناير الماضي‏,‏ بعد سقوط نظام وحكومة طالبان‏,‏ وتولي الطاجيك للسلطة في البلد الذي كان محكوما دائما بالأغلبية البشتونية‏.‏ ليس ذلك فحسب وإنما جاء الطاجيك مصحوبين بالأمريكان والانجليز والفرنسيين والألمان وغيرهم من عساكر حلفاء الغرب‏.‏ وأدرك أهل كابول أن مدينتهم التي ظلت مغلقة الأبواب والنوافذ طيلة السنوات الخمس التي استغرقها حكم طالبان‏,‏ قد تحولت إلي مدينة بلا أبواب‏,‏ مفتوحة ومكشوفة لكل من هب ودب من الناس‏.‏
هذه المرة‏,‏ انضاف إلي كل ما سبق انشداد الأعصاب وتوترها‏.‏ إذ لفت انتباهي في الطريق إلي الفندق كثرة الحواجز الأسمنتية‏,‏ وتعدد عمليات تفتيش السيارات العابرة‏,‏ الأمر الذي أدي إلي إرباك المرور وتكدس السيارات في الشوارع‏.‏ وقد اكتشفت لاحقا أن التفتيش والحواجز علي طريق المطار أهون منه كثيرا في وسط البلد‏,‏ خصوصا في الشوارع القريبة من السفارات الغربية‏,‏ التي يظن أنها مستهدفة‏.‏

لم يكن الأمر كذلك في شهر يناير الماضي‏.‏ إذ كان واضحا أن العاصمة هادئة ومؤمنة بصورة نسبية‏,‏ سواء بسبب ما حل بالناس من إنهاك وتعب وخوف‏,‏ او بسبب كثافة وجود القوات الدولية علي أرضها والطائرات الأمريكية في سمائها‏.‏ أما الاضطرابات والاشتباكات فكانت مستمرة خارجها‏,‏ حتي كان البعض يتندر آنذاك قائلين أن كرزاي رئيس في مملكة كابول فقط‏,‏ وانه يسعي إلي تحسين علاقاته مع الممالك الشقيقة الأخري في بلاد الأفغان‏.‏
الانفجار الكبير الذي وقع قبل‏24‏ ساعة من وصولي كان التاسع من نوعه الذي شهدته العاصمة خلال عشرة أيام‏,‏ الأمر الذي أصاب الحكومة بالذعر قبل الناس‏,‏ لان الاعتقاد الذي كان سائدا أن عناصر حركة طالبان وتنظيم القاعدة تلقوا ضربات قاصمة وساحقة في العاصمة‏,‏ وانهم طوردوا خارجها ولوحقوا فردا فردا‏,‏ وتم القضاء علي تجمعاتهم وتدمير أسلحتهم وذخيرتهم‏,‏ بواسطة الأسلحة والقذائف الأمريكية الفتاكة‏.‏ ورغم كل ذلك فظاهر الأمر أن الأمن لم يستتب بعد في العاصمة‏.‏

‏(3)‏
حين حمل بعض المسئولين في الحكومة حركة طالبان وتنظيم القاعدة المسئولية عن انفجارات العاصمة‏,‏ فإن ذلك زاد من قلق الناس ولم يطمئنهم‏.‏ ولأنه لم يلق القبض علي أحد‏,‏ ولم يتم العثور علي أي دليل يكشف عن هوية الفاعلين‏,‏ فقد صار بوسع كل أحد أن يتهم أي أحد‏.‏ فمن قائل إن طالبان وراء عمليات التفجير‏,‏ وقائل إن طالبان لم يعد بوسعها أن تمارس نشاطا في العاصمة‏,‏ في ظل الوجود الأمني المكثف بها‏,‏ وان الفاعلين هم تجمعات بشتونية أخري غير معروفة رافضة لهيمنة الطاجيك والأمريكان‏.‏ وقائل أن الأمر لا يخرج عن كونه صراعا بين أجهزة الأمن في الحكومة حول الصلاحيات‏,‏ وان عناصر في أحد تلك الأجهزة أرادت أن تثبت عجز وفشل الجهاز المهيمن في الحفاظ علي الامن‏.‏ وآخرون اتهموا دولا أجنبية‏(‏ باكستان هي المقصودة‏)‏ بأنها تسعي من خلال عملائها إلي زعزعة أركان النظام القائم الذي لا يدين بالولاء لها‏.‏ وهناك من ذهب إلي أن الأمريكان هم وراء ما جري‏,‏ لأنه إزاء ارتفاع بعض الأصوات الداعية إلي إخراجهم من البلاد‏,‏ فإن افتعال التفجيرات يغدو إعلانا عن استمرار الخطر‏,‏ ومن ثم تأكيد ضرورة استمرار الوجود الأمريكي‏,‏ الذي بغيره يسقط النظام‏.‏
كل هذه الاحتمالات واردة‏,‏ كما أنها جميعا لا دليل ماديا عليها‏,‏ وغير مؤكدة ـ لكن المقطوع به أن شبح الخوف عاد يطل برأسه مرة أخري في كابول بعد طول غياب‏.‏ وبعد محاولة قتل رئيس الدولة في قندهار وبعد أن قتل في قلب العاصمة نائب رئيس الوزراء الحاج عبد القادر في أثناء خروجه من مكتبه‏,‏ وقبله قتل وزير الحج في مطار كابول‏,‏ فإن كل مسئول في الحكومة اصبح لا يعرف إذا ما خرج من بيته ما إذا كان سيعود إليه سالما أم لا‏.‏

لفت نظري أحد الخبراء إلي أن المتاريس الموضوعة في الشوارع‏,‏ خصوصا في قلب المدينة وقرب مبانيها الحيوية لا تعتمد علي أكياس الرمل كما هو المتعارف عليه‏,‏ ولكنها عبارة عن كتل أسمنتية أسطوانية صبت فوق الأرض‏.‏ والأولي ـ أكياس الرمل ـ تحمي من إطلاق النار‏,‏ أما الثانية فهي تعوق حركة الآليات‏.‏ انتبهت إلي أن تلك الكتل الأسمنتية لم تكن موجودة في شهر يناير الماضي‏,‏ وسألت محدثي عن تفسيره لظهورها في العاصمة في الآونة الأخيرة‏.‏ فأعاد علي مسامعي التذكير بأن أكياس الرمل تنصب تحسبا للاشتباكات التي قد يتخللها إطلاق النار‏,‏ أما الكتل الأسمنتية التي تعترض شوارع المناطق الحيوية فإنها توضع لتعويق تقدم الدبابات‏.‏ لم افهم المقصود بالضبط فطلبت إيضاحا‏,‏ حينئذ قال بصوت أقرب إلي الهمس إن تلك الكتل موضوعة تحسبا لاحتمالات حدوث انقلاب‏!‏
لاحظ صاحبنا الخبير دهشتي‏,‏ فأضاف أن ثمة صراعا داخل الحكومة‏,‏ وان الجنرال محمد فهيم نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع واهم شخصية طاجيكية في النظام ليس علي وفاق مع رئيس الدولة حامد كرزاي‏,‏ وان الثقة المتبادلة بين الرجلين ضعفت إلي حد كبير في الأشهر الأخيرة‏,‏ ودلل علي ذلك بملاحظتين دالتين‏,‏ الأولي قرار كرزاي الاستغناء عن حراسه الطاجيك من أبناء وادي بنشير واستبدالهم بحراس أمريكيين‏,‏ الأمر الذي اغضب الجنرال فهيم ـ هو أيضا من وادي بنشير ـ وأثار استياءه‏,‏ رغم انه استفاد أدبيا من تمسك كرزاي بالحماية الأمريكية علي ذلك النحو المكشوف‏.‏

الملاحظة الثانية أن صحيفة بايام مجاهد ـ معناها رسالة الجهاد ـ الناطقة باسم التحالف الشمالي نشرت في عدد‏9/23‏ افتتاحية هاجمت فيها الرئيس كرزاي بشدة حيث انتقدت احتماءه بالحراس الأمريكيين‏,‏ وقالت صراحة انه مالم يغير سياساته فانه سيعرض البلاد لمخاطر جمة تقودها الي مزيد من الظلام‏.‏ وكانت تلك هي المرة الأولي التي تعلن فيها دوائر التحالف الشمالي نقدا بهذه الحدة له‏.‏
مثل هذه المؤشرات التي ظهرت علي السطح في الأسابيع الأخيرة جاءت دالة علي أن ثمة انقساما داخل الحكومة‏,‏ قيل لي إن له اسبابا عدة‏,‏ في المقدمة منها سياسة وتوجيهات النظام الجديد والوجود الأمريكي في البلاد ـ ازاء ذلك فقد خشيت الأطراف التي تدير اللعبة ان يطيح الجنرال فهيم المهيمن علي القوات المسلحة بالرئيس الذي جاء به الأمريكيون وأصبحوا يقومون بدور الكفيل له في العلن‏.‏

‏(4)‏
كما ان صحف الصباح في بلادنا لاتكاد تخلو كل يوم تقريبا من اخبار الاقتتال في افغانستان‏,‏ فلا غرابة ان يكون ذلك الاقتتال محور الحديث اليومي في امسيات كابول‏,‏ التي تصب فيها مختلف التقارير والشائعات‏.‏
حين راجعت الملاحظات التي دونتها بهذا الصدد في نهاية الأسبوع الذي أمضيته هناك‏,‏ وجدت ان أفغانستان اصبحت اقرب ماتكون الي حقل الغام كبير‏,‏ عجزت الحكومة عن إبطال مفعولها‏.‏ بالتالي فان مالم ينفجر منها يصبح مرشحا للانفجار في أي وقت‏.‏ فثمة قتال لايزال يدور بين القوات الأمريكية الخاصة وبين فلول تنظيم القاعدة وطالبان‏,‏ التي يقال ان قياداتها وعناصرها مازالت محتمية بالجبال الشاهقة والقبائل المنتشرة علي الحدود بين أفغانستان وباكستان‏.‏ وثمة صراع لم يتوقف علي النفوذ والهيمنة في الشمال بين الطاجيك والأوزبك‏.‏ وصراع آخر مكتوم داخل صفوف الطاجيك الذين اثار استياءهم تفرد البنشيريين‏(‏ أبناء وادي بنشير‏)‏ بالسلطة‏,‏ وحجبهم بقية القبائل الطاجيكية‏,‏ وهناك صراع بين الموالين للجنرال محمد فهيم من جهة والموالين للرئيس حامد كرازاي من جهة ثانية‏.‏ وهناك ولايات اصبحت شبه مستقلة عن السلطة التي لم تستطع ان تبسط عليها نفوذها‏,‏ كما هو الحال في ولاية بلخ الأوزبكية وعاصمتها مزارشريف‏,‏ التي يحكمها الجنرال عبدالرشيد دوستم‏,‏ وولاية هيرات التي يحكمها اسماعيل خان‏.‏ وهناك تحرشات مستمرة بين حاكمي هيرات وقندهار بسبب التسابق علي بسط النفوذ ع
لي بعض المواقع الاستراتيجية بين الولايتين‏.‏ أما ولايات الجنوب والشرق البشتونية الأكثر تعاطفا مع حركة طالبان‏,‏ فان تمردها علي الحكومة المحسوبة علي الطاجيك مستمر‏,‏ والاشتباكات فيها لم تهدأ منذ سقط نظام طالبان في شهر نوفمبر من العام الماضي‏.‏
حين ينقل المرء هذه النزاعات علي خريطة أفغانستان‏,‏ فسيجد ان الهدوء النسبي لايكاد يتجاوز ولايات اقاصي الشمال والوسط‏,‏ التي تحتل مايوازي‏30%‏ من مساحة البلد تقريبا‏.‏ أما الاضطرابات فانها مستمرة في جزء من الشمال‏,‏ وفي الشرق والغرب والجنوب‏,‏ التي تمثل الـ‏70%‏ المتبقية‏.‏ من هذه الزاوية فبوسعنا ان نقول بأن الموقف الأمني كان افضل في ظل حكم طالبان‏,‏ حيث كانت قوات التحالف الشمالي تسيطر علي‏5‏ أو‏6%‏ من الرقعة الأفغانية‏,‏ بينما كان الهدوء سائدا في بقية انحاء البلاد‏.‏ حتي إذا قلت ان الوضع من الناحية الأمنية كان سيئا في عهد طالبان‏,‏ فلن تستطيع إلا ان تقر بأنه اصبح اسوأ الآن‏.‏

‏(5)‏
في لقاء مع البروفيسور برهان الدين رباني رئيس الجمهورية السابق اثرت موضوع السلام والاستقرار في أفغانستان‏,‏ وسألته عن حل الاشكال الذي يتفاقم بمضي الوقت‏,‏ فكان رأيه ان اعادة السلام الي البلاد تتطلب وقتا‏,‏ لان الجراح عميقة والعقد كثيرة لكنه اضاف ان الوضع الراهن لايساعد علي تحقيق السلام المنشود ولايختصر رحلته‏.‏ سألته لماذا؟ فقال‏:‏ ان البعض يظن بأن وجود القوات الدولية والأمريكية يشكل ضمانا لتحقيق الاستقرار وإعادة السلام‏,‏ وهذا غير كاف‏,‏ فضلا عن انه بمضي الوقت أصبح عنصرا مهددا للاستقرار والسلام‏,‏ أولا لأن الوجود بحد ذاته اصبح مصدرا لاستفزاز كثيرين في البلاد وجرح كبريائهم‏,‏ وثانيا لكثرة الأخطاء التي يرتكبها الأمريكيون في قصفهم العشوائي لتجمعات المدنيين وقراهم‏.‏ وهو ماأدي الي تأليب القبائل عليهم ونقمتهم علي تصرفاتهم‏(‏ مجلة نيوزويك في عددها الأخير الصادر في‏10/8‏ سجلت نفس الملاحظة‏,‏ وذكرت ان عناصر القوات الخاصة يتصرفون مثل رعاة البقر الأغبياء في أفغانستان‏).‏
قال رباني‏(‏ الوحيد الذي يلقب بالأستاذ في افغانستان‏)‏ ان السلام له شرطان‏,‏ الأول خروج القوات الأمريكية والدولية من البلاد‏,‏ بعد ان أدت مهمتها‏.‏ والثاني توفير الاطمئنان علي الأوضاع السياسية في البلاد‏,‏ من خلال وضع دستور‏,‏ واجراء انتخابات حرة لتشكيل مجلس نيابي وتشريعي‏,‏ يفتح الطريق لمشاركة الجميع في تحمل المسئولية‏.‏

لكن هذين الشرطين يصعب تحقيقهما في الوقت الراهن‏,‏ لأن الأمريكيين لايريدون الخروج‏,‏ ولايريدون اجراء انتخابات حرة‏,‏ خشية ان تسفر عن وضع يتعارض مع استمرارهم‏.‏ لذلك فانهم يفضلون ابقاء الوضع كما هو عليه الآن‏,‏ رغم مايشوبه من قلق وتوتر‏.‏
حين قرأت بعد العودة ان السيد حامد كرازاي مرشح لنيل جائزة نوبل للسلام في أفغانستان قلت‏:‏ إن عرض الفيلم الأمريكي لايزال مستمرا‏.‏
أضافة تعليق