عبد العزيز كحيل
ما فتئت النُخب العلمانية العربية تنظّر للديمقراطية وتبشّر بها وتتوعّد ’’أعداءها’’ حتى رفعتها إلى درجة الدين بل زادت على ذلك فقرّرت أن الديمقراطية هي الأصل والقاعدة ولا مكان للدين – وتقصد الإسلام تحديدًا – إلا إذا أذعن لمنطقها وقوانينها، وكم ازدرت المتديّنين الذين يُعرضون – في رأيها – عن بركات الديمقراطية ويتشبّثون بشريعة غابرة وأحكام لا تصلح لأنظمة الحكم المعاصرة ولا تُقيم وزنًا لحقوق الإنسان...هذا هو خطاب العلمانيّين في البلاد العربية، ومعلوم أنّهم هم الذين حكموا دُوَلهم بعد الاستقلال في معظم البلاد فما رأت منهم حرية ولا عدلا ولا احترامًا لحقوق الإنسان ولا نهضة ولا ازدهارًا اقتصاديًا، وعند مواجهتهم بهذه الحقيقة كانوا يجادلون بالباطل ويتذرّعون بحجج شتّى لتبرئة ذمّمتهم وتحميل مسؤولية التردّي للأنظمة العسكرية بل للإسلاميّين أنفسهم لأنهم ’’ محافظون ورجعيون’’ يرفضون التقدم والحداثة.
وجاءت أحداث الثورات العربية لتُخرج النقاش من التجريد إلى الواقع، فقد سقطت أنظمة استبدادية في عدد من البلاد العربية واحتكم الناس هناك إلى صناديق الاقتراع – وفق القواعد التي يرتضيها العلمانيون ويقدسونها- لإيجاد البديل بناء على آليات الديمقراطية، وأفرزت الانتخابات فوزا كاسحًا للإسلاميين كما كان متوقّعًا، واستبشر الرأي العام بذلك ، وتكرّر المشهد في تونس ومصر والمغرب وليبيا، وتأكّد المراقبون أن هذه ظاهرة طبيعية يُنتظر اكتساحها لباقي البلاد كلّما عبّرت الشعوب عن رأيها بحرية في أجواء النزاهة والشفافية، وهنا أسفرت النخب العلمانية عن وجهها الحقيقي وسقطت ورقة التوت التي كانت تُخفي سوءتها وذهب شعاراتها أدراج الرياح، وتبيّن من مواقفها وسلوكها أنّها لم تعُد تعادي الإخوان المسلمين أو عامة الإسلاميين كما تصرّح، بل جاهرت بمعاداة الديمقراطية ذاتها ليس لأنها فاسدة ولكن لأنها عكست صورة النخبة العلمانية القبيحة، أي أنّ هؤلاء قاموا بتكسير المرآة العاكسة – التي لا ذنب لها في الحقيقة – بدل العكوف على إزالة ما بهم من قبح وتجميل صورتهم بصدق لا من خلال الزيف والتزييف كما دأبوا منذ عقود.
فخصوم الإخوان وخصوم الإسلام يتذرعون بالخوف على الديمقراطية من أن تتحول البلاد إلى دولة دينية، ولكن لو تحولت الديمقراطية إلى دكتاتورية لهم أو تخدمهم فسيقول بعضهم هذا تحرر وديمقراطية، ذلك أنّهم يقصدون بالديمقراطية دكتاتورية الأقلية، وهذا مسلسل سيء الإخراج والتمثيل بدأ منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي في الجزائر، فعُقب انتفاضة الشارع العارمة سنة 1988شغلت الأقلية العلمانية الساحة – وهي المتنفّذة في دواليب السياسة والإدارة والإعلام – ورفعت شعار الديمقراطية في وجه الشارع المسلم الذي طالب بتحكيم الشريعة، واحتكم الشعب إلى صناديق الاقتراع مرّة بعد مرّة في ظرف سنتين ، فكان فوز الإسلاميين ساحقًا في المجالس المحلية ثم البرلمان، فهاجت النخبة التغريبية ووصفت الشعب بأرذل الألقاب واتهمتُه بالغباء وعدم بلوغ الرشد وطالبت بدكتاتورية الأقلية تحت مسمّى ’’ المجتمع المفيد’’ أي الأقلية التي تعرف في مقابل الجماهير الجهولة، واستطاعت استمالة قيادة الجيش لأطروحاتها –وكان لدى هذه استعداد مبدئي – وانقلبت على الديمقراطية بدعوى...الحفاظ على الديمقراطية وحماية الدولة من التفكّك، فأدخلتها دوّامة من الدماء والخراب والفساد قُتل فيها نحو 200000 جزائري، ليُقبر بعدها المسار الديمقراطي وتعود الأقلية إلى التسلّط السافر على حياة المجتمع لمنع الإسلاميّين نهائيّا من التأثيرفيه.
وإذا كان من الصعب تكرار النموذج الجزائري بسبب التطوّرات الدولية فإنّ العلمانيّين لا يعدمون وسائل أخرى أقلّ ’’ سفورا’’ لكنّها فاعلة، وهذا ما يحدث في مصر وتونس بالضبط، ويتلخّص في الانقلاب على الديمقراطية التي يزعمون أنهم أهلها ودعاتها، ومحاصرة التيار الإسلامي وإرباكه بكلّ الوسائل غير الشريفة والإستقواء بالخارج من أجل إبعاده عن السلطة ولو أكّدت صناديق الاقتراع ألف مرّة انحياز أغلبية الشعب له وثقته فيه، لا لشيء إلا رفض المرجعية الإسلامية والاستهانة بالاختيار الشعبي الحرّ وتقنين استبداد الأقلية التي تعرف ما ينفع الشعب أكثر منه هو لأنه ما يزال قاصرا عن إبصار محاسن العلمانية المتزّينة بأسماء شتّى كالليبرالية والتقدمية والجمهورية والتنويروالحداثة، وهي وإن اختلفت فصائلها في أكثر من محور وصعيد إلاّ أنها متفقة على القاسم المشترك بينها وهو رفض الاختيار الحرّ والحريات وحقوق الإنسان خارج دائرتها، ويزداد رفضها وتطاولها إذا كان الصوت الفائز هو الإسلام، وهي الآن في مصر وتونس تنادت بإفشال الحكومات المنتخبة بأيّ ثمن، فلا تتورّع عن استعداء الجماهير عليها بغير وجه حقّ، ولا عن استدعاء العدوّ الخارجي لمؤازرتها بمختلف الوسائل ، وإنما تسجّل نقاطًا لصالح مخطّطها التخريبي لأنها في الدولتين مازالت تمسك بتلابيب الإعلام وتتبجّح بالمال الفاسد ودعم أوساط النظامين البائدين، بهذا لا تترك الحكومات الجديدة تعمل ولا حتى تلتقط أنفاسها، فتعرقلها بالشائعات والاضطرابات المتنوّعة وحملات التشويه والتشهير، و التشكيك في كلّ مبادرة ولو شهد لها العلم كلّه بالصواب، كأنّ فيهم نزل قول الله تعالى – على لسان الكفّار: ’’ لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون’’،
فليس عند النخبة العلمانية المتطرّفة منطق ولا إنصاف بل هو العداء لجميع الإسلاميين لأنهم في نظرها كلّهم متطرّفون مستبدّون لا يشفع لهم تاريخ نظيف ولا تضحيات في سبيل الحرية والكرامة ولا سيرة حسنة يشهد بها القاصي والداني.
في هذه الأجواء من العداء السافر والدسائس والمكر الكُبّار يتحرّك الإسلاميون متوكّلين على الله واثقين في أمّتهم، وهم يعلمون أنّ الحلّ يتمثّل – من الناحية النظرية على الأقلّ – في التعجيل بتطهير بُؤر الفساد الموروثة عن أنظمة الاستبداد وعلى رأسها الإعلام والقضاء، فقد تغوّلت بقايا الدكتاتورية المنهارة في ظلّ حلم الإسلاميين وتسامحهم وانشغالهم بأولويات الاستقرار والتنمية وخدمة الشعب في حياته اليومية، ولن يستطيع الحُكم المنبثق عن الانتخابات الحرة أداء مهامه إلاّ بعد التطهير الكامل لهذه الجيوب التي أصبحت مراكز قوى حقيقية تحتقر الشعب وتعرقل توجّهاته.
لا أُنكر أن هناك جهات علمانية يُمكن وصفُها بالمعتدلة، لا تُعادي الإسلام بل تجهل دقائق فكره وأحكامه ، تتفاعل مع الجماهير وتؤازر الثورات الشعبية بصدق، لكنّها خفيفة الوزن بالمقارنة بالعلمانية العدوانية الحثيثة النشاط، وهو ما نراه حتى في سورية، فبعض الأطراف العلمانية المحسوبة على المعارضة تخذل الثوّار وتشكك في الثورة لا لشيء سوى بروز الصوت الإسلامي في ساحة القتال وتصدّره المعارضة السياسية، في هذه الحالة يفضّلون بقاء النظام المستبد، ويبحثون عن فرص للتفاهم معه ولو رفضته الأغلبية الساحقة من الشعب، هذه ديمقراطية العلمانيّين العرب: التغني بها إعلاميا والتجني عليها كلما كانت في غير صالحهم، إنه الكيل بمكيالين والفجوة السحيقة بين التنظير والتطبيق، في حين نرى التزام الإسلاميين بقواعدها، حتى من أولئك الذين يتحفّظون عليها بنسَب مختلفة، لأنهم أصحاب أخلاق، لا يتعاطون المخادعة ولا ينقضون العهود.
فما العمل إذن؟ إنّ بقاء الحال على ما هو عليه يُنذر بتطوّرات وخيمة ترتمي فيها أغلب المجتمعات العربية بسبب الفجوة بين شعوب تريد المرجعية الإسلامية وأحزاب وتنظيمات تتبنّى قضاياها وتقبل بآليات الديمقراطية التي أصبحت مطلبا عالميا، وبين نخبة لادينية ترفع شعار الديمقراطية وتمارس باسمها الإقصاء والعدوان ، معها الغلبة المالية والإعلامية وينحاز لها الجهاز القضائي الموروث عن الحكم الاستبدادي والذي لا يحكم بما أنزل الله ولا بما يقتضيه الحياد والعدل، وهؤلاء العلمانيون يفسرون حلم الإسلاميين بالضعف ورباطةَ جأشهم بالخوَر، ولا بدّ من وضع آليات صارمة تحمي اختيار الشعوب وتعيد الأقلية إلى حجمها الطبيعي، ونحن نعلم أنّ كلّ شيء أمام الأنظمة الجديدة أولوية، لكنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح كما هو مقرّر، فينبغي التعجيل بتقليم أظافر النخبة التغريبية وكسر مخالبها التي تطال بها الدين والأخلاق والعباد وحتى قواعد الديمقراطية التي تتخذها – نظريا – بديلا عن الإسلام، وإنه لمن قبيل الغفلة الثقة بهم وبفهمهم للديمقراطية، فهي لا تعدو عندهم حرية ازدراء الدين والتحلّل من الآداب العامة وحماية ’’الفنّ’’ أي أجواء الفجور والتحلّل من الأخلاق، أمّا النزول عند رغبة الأغلبية وحكمها فقد أثبتوا ألف مرّة كفرانهم به، هذه حقائق ينبغي تبليغها لعامة الناس مدعّمة بالأدلّة القاطعة لتشكيل حاضنة شعبية قوية وواعية تحمي اختيارات الشعوب المسلمة الدستورية والسياسية والاجتماعية من التعطيل على يد علمانيين تأكّد الجميع هنا وهناك أنهم ضدّ التفاهم والتوافق بل ضدّ رغبة الأكثرية التي يعلمون أنها لن تنحاز لهم أبدًا فاختاروا أن يقفزوا عليها ويتجاوزوها ولو أهلكوا البلاد واعتدوا على الديمقراطية، دينهم المزعوم .
ما فتئت النُخب العلمانية العربية تنظّر للديمقراطية وتبشّر بها وتتوعّد ’’أعداءها’’ حتى رفعتها إلى درجة الدين بل زادت على ذلك فقرّرت أن الديمقراطية هي الأصل والقاعدة ولا مكان للدين – وتقصد الإسلام تحديدًا – إلا إذا أذعن لمنطقها وقوانينها، وكم ازدرت المتديّنين الذين يُعرضون – في رأيها – عن بركات الديمقراطية ويتشبّثون بشريعة غابرة وأحكام لا تصلح لأنظمة الحكم المعاصرة ولا تُقيم وزنًا لحقوق الإنسان...هذا هو خطاب العلمانيّين في البلاد العربية، ومعلوم أنّهم هم الذين حكموا دُوَلهم بعد الاستقلال في معظم البلاد فما رأت منهم حرية ولا عدلا ولا احترامًا لحقوق الإنسان ولا نهضة ولا ازدهارًا اقتصاديًا، وعند مواجهتهم بهذه الحقيقة كانوا يجادلون بالباطل ويتذرّعون بحجج شتّى لتبرئة ذمّمتهم وتحميل مسؤولية التردّي للأنظمة العسكرية بل للإسلاميّين أنفسهم لأنهم ’’ محافظون ورجعيون’’ يرفضون التقدم والحداثة.
وجاءت أحداث الثورات العربية لتُخرج النقاش من التجريد إلى الواقع، فقد سقطت أنظمة استبدادية في عدد من البلاد العربية واحتكم الناس هناك إلى صناديق الاقتراع – وفق القواعد التي يرتضيها العلمانيون ويقدسونها- لإيجاد البديل بناء على آليات الديمقراطية، وأفرزت الانتخابات فوزا كاسحًا للإسلاميين كما كان متوقّعًا، واستبشر الرأي العام بذلك ، وتكرّر المشهد في تونس ومصر والمغرب وليبيا، وتأكّد المراقبون أن هذه ظاهرة طبيعية يُنتظر اكتساحها لباقي البلاد كلّما عبّرت الشعوب عن رأيها بحرية في أجواء النزاهة والشفافية، وهنا أسفرت النخب العلمانية عن وجهها الحقيقي وسقطت ورقة التوت التي كانت تُخفي سوءتها وذهب شعاراتها أدراج الرياح، وتبيّن من مواقفها وسلوكها أنّها لم تعُد تعادي الإخوان المسلمين أو عامة الإسلاميين كما تصرّح، بل جاهرت بمعاداة الديمقراطية ذاتها ليس لأنها فاسدة ولكن لأنها عكست صورة النخبة العلمانية القبيحة، أي أنّ هؤلاء قاموا بتكسير المرآة العاكسة – التي لا ذنب لها في الحقيقة – بدل العكوف على إزالة ما بهم من قبح وتجميل صورتهم بصدق لا من خلال الزيف والتزييف كما دأبوا منذ عقود.
فخصوم الإخوان وخصوم الإسلام يتذرعون بالخوف على الديمقراطية من أن تتحول البلاد إلى دولة دينية، ولكن لو تحولت الديمقراطية إلى دكتاتورية لهم أو تخدمهم فسيقول بعضهم هذا تحرر وديمقراطية، ذلك أنّهم يقصدون بالديمقراطية دكتاتورية الأقلية، وهذا مسلسل سيء الإخراج والتمثيل بدأ منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي في الجزائر، فعُقب انتفاضة الشارع العارمة سنة 1988شغلت الأقلية العلمانية الساحة – وهي المتنفّذة في دواليب السياسة والإدارة والإعلام – ورفعت شعار الديمقراطية في وجه الشارع المسلم الذي طالب بتحكيم الشريعة، واحتكم الشعب إلى صناديق الاقتراع مرّة بعد مرّة في ظرف سنتين ، فكان فوز الإسلاميين ساحقًا في المجالس المحلية ثم البرلمان، فهاجت النخبة التغريبية ووصفت الشعب بأرذل الألقاب واتهمتُه بالغباء وعدم بلوغ الرشد وطالبت بدكتاتورية الأقلية تحت مسمّى ’’ المجتمع المفيد’’ أي الأقلية التي تعرف في مقابل الجماهير الجهولة، واستطاعت استمالة قيادة الجيش لأطروحاتها –وكان لدى هذه استعداد مبدئي – وانقلبت على الديمقراطية بدعوى...الحفاظ على الديمقراطية وحماية الدولة من التفكّك، فأدخلتها دوّامة من الدماء والخراب والفساد قُتل فيها نحو 200000 جزائري، ليُقبر بعدها المسار الديمقراطي وتعود الأقلية إلى التسلّط السافر على حياة المجتمع لمنع الإسلاميّين نهائيّا من التأثيرفيه.
وإذا كان من الصعب تكرار النموذج الجزائري بسبب التطوّرات الدولية فإنّ العلمانيّين لا يعدمون وسائل أخرى أقلّ ’’ سفورا’’ لكنّها فاعلة، وهذا ما يحدث في مصر وتونس بالضبط، ويتلخّص في الانقلاب على الديمقراطية التي يزعمون أنهم أهلها ودعاتها، ومحاصرة التيار الإسلامي وإرباكه بكلّ الوسائل غير الشريفة والإستقواء بالخارج من أجل إبعاده عن السلطة ولو أكّدت صناديق الاقتراع ألف مرّة انحياز أغلبية الشعب له وثقته فيه، لا لشيء إلا رفض المرجعية الإسلامية والاستهانة بالاختيار الشعبي الحرّ وتقنين استبداد الأقلية التي تعرف ما ينفع الشعب أكثر منه هو لأنه ما يزال قاصرا عن إبصار محاسن العلمانية المتزّينة بأسماء شتّى كالليبرالية والتقدمية والجمهورية والتنويروالحداثة، وهي وإن اختلفت فصائلها في أكثر من محور وصعيد إلاّ أنها متفقة على القاسم المشترك بينها وهو رفض الاختيار الحرّ والحريات وحقوق الإنسان خارج دائرتها، ويزداد رفضها وتطاولها إذا كان الصوت الفائز هو الإسلام، وهي الآن في مصر وتونس تنادت بإفشال الحكومات المنتخبة بأيّ ثمن، فلا تتورّع عن استعداء الجماهير عليها بغير وجه حقّ، ولا عن استدعاء العدوّ الخارجي لمؤازرتها بمختلف الوسائل ، وإنما تسجّل نقاطًا لصالح مخطّطها التخريبي لأنها في الدولتين مازالت تمسك بتلابيب الإعلام وتتبجّح بالمال الفاسد ودعم أوساط النظامين البائدين، بهذا لا تترك الحكومات الجديدة تعمل ولا حتى تلتقط أنفاسها، فتعرقلها بالشائعات والاضطرابات المتنوّعة وحملات التشويه والتشهير، و التشكيك في كلّ مبادرة ولو شهد لها العلم كلّه بالصواب، كأنّ فيهم نزل قول الله تعالى – على لسان الكفّار: ’’ لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون’’،
فليس عند النخبة العلمانية المتطرّفة منطق ولا إنصاف بل هو العداء لجميع الإسلاميين لأنهم في نظرها كلّهم متطرّفون مستبدّون لا يشفع لهم تاريخ نظيف ولا تضحيات في سبيل الحرية والكرامة ولا سيرة حسنة يشهد بها القاصي والداني.
في هذه الأجواء من العداء السافر والدسائس والمكر الكُبّار يتحرّك الإسلاميون متوكّلين على الله واثقين في أمّتهم، وهم يعلمون أنّ الحلّ يتمثّل – من الناحية النظرية على الأقلّ – في التعجيل بتطهير بُؤر الفساد الموروثة عن أنظمة الاستبداد وعلى رأسها الإعلام والقضاء، فقد تغوّلت بقايا الدكتاتورية المنهارة في ظلّ حلم الإسلاميين وتسامحهم وانشغالهم بأولويات الاستقرار والتنمية وخدمة الشعب في حياته اليومية، ولن يستطيع الحُكم المنبثق عن الانتخابات الحرة أداء مهامه إلاّ بعد التطهير الكامل لهذه الجيوب التي أصبحت مراكز قوى حقيقية تحتقر الشعب وتعرقل توجّهاته.
لا أُنكر أن هناك جهات علمانية يُمكن وصفُها بالمعتدلة، لا تُعادي الإسلام بل تجهل دقائق فكره وأحكامه ، تتفاعل مع الجماهير وتؤازر الثورات الشعبية بصدق، لكنّها خفيفة الوزن بالمقارنة بالعلمانية العدوانية الحثيثة النشاط، وهو ما نراه حتى في سورية، فبعض الأطراف العلمانية المحسوبة على المعارضة تخذل الثوّار وتشكك في الثورة لا لشيء سوى بروز الصوت الإسلامي في ساحة القتال وتصدّره المعارضة السياسية، في هذه الحالة يفضّلون بقاء النظام المستبد، ويبحثون عن فرص للتفاهم معه ولو رفضته الأغلبية الساحقة من الشعب، هذه ديمقراطية العلمانيّين العرب: التغني بها إعلاميا والتجني عليها كلما كانت في غير صالحهم، إنه الكيل بمكيالين والفجوة السحيقة بين التنظير والتطبيق، في حين نرى التزام الإسلاميين بقواعدها، حتى من أولئك الذين يتحفّظون عليها بنسَب مختلفة، لأنهم أصحاب أخلاق، لا يتعاطون المخادعة ولا ينقضون العهود.
فما العمل إذن؟ إنّ بقاء الحال على ما هو عليه يُنذر بتطوّرات وخيمة ترتمي فيها أغلب المجتمعات العربية بسبب الفجوة بين شعوب تريد المرجعية الإسلامية وأحزاب وتنظيمات تتبنّى قضاياها وتقبل بآليات الديمقراطية التي أصبحت مطلبا عالميا، وبين نخبة لادينية ترفع شعار الديمقراطية وتمارس باسمها الإقصاء والعدوان ، معها الغلبة المالية والإعلامية وينحاز لها الجهاز القضائي الموروث عن الحكم الاستبدادي والذي لا يحكم بما أنزل الله ولا بما يقتضيه الحياد والعدل، وهؤلاء العلمانيون يفسرون حلم الإسلاميين بالضعف ورباطةَ جأشهم بالخوَر، ولا بدّ من وضع آليات صارمة تحمي اختيار الشعوب وتعيد الأقلية إلى حجمها الطبيعي، ونحن نعلم أنّ كلّ شيء أمام الأنظمة الجديدة أولوية، لكنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح كما هو مقرّر، فينبغي التعجيل بتقليم أظافر النخبة التغريبية وكسر مخالبها التي تطال بها الدين والأخلاق والعباد وحتى قواعد الديمقراطية التي تتخذها – نظريا – بديلا عن الإسلام، وإنه لمن قبيل الغفلة الثقة بهم وبفهمهم للديمقراطية، فهي لا تعدو عندهم حرية ازدراء الدين والتحلّل من الآداب العامة وحماية ’’الفنّ’’ أي أجواء الفجور والتحلّل من الأخلاق، أمّا النزول عند رغبة الأغلبية وحكمها فقد أثبتوا ألف مرّة كفرانهم به، هذه حقائق ينبغي تبليغها لعامة الناس مدعّمة بالأدلّة القاطعة لتشكيل حاضنة شعبية قوية وواعية تحمي اختيارات الشعوب المسلمة الدستورية والسياسية والاجتماعية من التعطيل على يد علمانيين تأكّد الجميع هنا وهناك أنهم ضدّ التفاهم والتوافق بل ضدّ رغبة الأكثرية التي يعلمون أنها لن تنحاز لهم أبدًا فاختاروا أن يقفزوا عليها ويتجاوزوها ولو أهلكوا البلاد واعتدوا على الديمقراطية، دينهم المزعوم .