أ.د. أحمد محمد الدغشي
إلى عقلاء المسيحية وسياسيهم... كفّوا سفهاءكم،إلى علماء الإسلام وحكمائه... الزموا منهاجكم.
حقيقتان متلازمتان:
دعونا في البدء نتفق على تقرير حقيقتين متلازمتين لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، وذلك على خلفية الإساءة المشينة الجديدة للنبي الأكرم محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم- من قِبل بعض سفهاء أقباط المهجر من المصريين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم، أولئك الذين أقدموا على إنتاج فيلم سينمائي جديد مسيء للرسول – عليه الصلاة والسلام-، وذلك بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، أمّا الحقيقة الأولى فهي الإدانة المطلقة والتجريم الصريح المدوّي لتلك الإساءة وما سبقها وما قد يلحقها، وسواء أكانت لنبي الإسلام محمّد، أم لنبي الله ورسوله المسيح عيسى بن مريم، أم لأي من أنبياء الله ورسله– عليهم جميعاً الصلاة والسلام-، وما يترتب على ذلك من إعلان فردي أو جماعي في التعبير عن الغضب والاحتجاج بكل الأساليب السلمية المشروعة، المكفولة ديناً ودستوراً وقانوناً بعيداً عن الاعتداء والتخريب الذي تجسّد أبرز مايكون من حيث الآثار المادية والبشرية حتى الآن في اقتحام السفارتين الأمريكيتين ببنغازي وصنعاء .
وأمّا الحقيقة الثانية فإدانة كل تجاوز لتلك الحدود في التعبير، سواء بدافع الغيرة، أم باستغلال ذلك من قبل قوى وأطراف خارجية أو داخلية لتوظيف الحادث لأجنداتها الخاصة، لاسيما في دول الربيع العربي، حيث من الواضح استغلال فلول الأنظمة البائدة وبعض حلفائها ذلك الحدث أيّما استغلال، ففي اليمن -على سبيل المثال- تبدو أبرز مظاهر ذلك الاستغلال في محاولة إعاقة قرارات رئيس الجمهورية الجريئة المتعاقبة، تلك التي أطاحت بكثير من الرؤوس العسكرية المتنفذة– بوجه خاص- وهي تلك التي لم يكن يخطر ببال أيّ منها حتى ماقبل الثورة الشبابية الشعبية السلمية مطلع العام 2011م إلا مزيداً من الهيمنة والتفرّد والبقاء، بكل ما تعنيه هذه المفردات من إطلاقية، وقد يفسِّر ذلك جانباً من محاولة الانتقام من صاحب تلك القرارات، حيث بدا من شبه الواضح أن ما وصف بالخلل الأمني في حماية السفارة الأمريكية بصنعاء قد لا يخرج عن توجيهات صدرت من قبل بعض من لم يُطح به بعد إلى الجهاز الأمني والعسكري في السفارة بعدم التصدّي للمتظاهرين المتجهين نحوها، وهو ما جعل عملية الاقتحام تتم في يسر وتعاون لافتين، ولو بالسلبية التي فوجئ بها المهاجمون، وعدم التصدي لهم شيئاً يذكر، وذلك وفقاً لشهادات إعلامية مسجّلة لبعض مقتحميها أنفسهم (راجع: تقرير قناة الجزيرة وتلك الشهادات في أخبار التاسعة (ليلاً)، 13/9/2012م)، مع ما يُعرف من تشديدات أمنية تبدو مبالغاً فيها في الأوضاع العادية. وقد شده كل من شاهد مظاهر التخريب والاعتداء على مرفقات السفارة، وتكسير السيارات في بعضها، وإضرام النار في بعضها الآخر، وسرقة ما يمكن سرقته مما تمكن بعض المقتحمين من الوصول إليه في أروقتها ومكاتبها، وبحسب تقرير وزارة الداخلية الصادر يوم الجمعة فإنه قد قتل أربعة مواطنين وجرح نحو خمسين، بينهم عشرة جنود، وسرقت سيارة، وهشمت ثماني عشرة، وأتلفت ست . وواضح أن ذلك استمر وقتاً طويلاً نسبياً، إذ ما كان له ليتم على ذلك النحو، لو أن هناك أدنى مواجهة فعلية جادة من أجهزة حماية السفارة منذ البداية. وقبل هذا وبعده – وهو المخجل تماماً- يتم ذلك كله في ظل شعار كبير مجلجل مرفوع على رؤوس المهاجمين هو (الدفاع عن كرامة الرسول الأعظم محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم- في وجه الإساءة الأمريكية الصهيونية)!!
ثم لاشك أن هناك رغبة لدى من وقف وراء عملية الاقتحام في جانب فتح جبهة جديدة ذات أبعاد داخلية وخارجية على الرئيس عبد ربّه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني، لإشغالهم بموجات جديدة من الاضطرابات، وتشتيت جهودهم في اتجاهات عدّة، وتقديم صورة اليمن بعد الإطاحة بكثير من رموز النظام السابق وفي مقدّمتهم علي عبد الله صالح، أمام العالم الخارجي في شكل الحكومة الفاشلة أو الضعيفة، لعل ذلك أن يذكّر بـ(محاسن) سلفهم (الصالح)!
هل غدا التطرّف سيّد الموقف؟
ويبقى التأكيد جديراً هنا بأن من المؤسف أن تتجه أصوات بعض الأفراد أو القيادات أو الجماعات السياسية – وبعضها إسلامي- أو بعض المكوّنات الشبابية للثورة الشعبية، إلى واحدة من الحقيقتين على نحو لايخلو من التطرّف، وسواء أكان ذلك في اليمن أم خارجه، أي إمّا الوقوف ضد الإساءة بلا حدود أو ضوابط، وإمّا تبرئة القائمين عليها على نحو غير مباشر، عبر التسابق في تسجيل مواقف الاعتذار للولايات المتحدة والسفير الأمريكي، والإدانة بلا حدود لتجاوز حدود التعبير المشروعة وكفى! ولست أرى كبير فرق بين الموقفين من زاوية التطرّف تلك، مع الإشارة إلى أن المرء قد يتفهم- ولايبرّر- دوافع الغيرة الجامحة للدفاع عن رجل عظيم أو رمز (مقدّس) بحجم الرسول محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم- حتى لو تداخل ذلك بأغراض غير بريئة! لكن يبقى أمر الحيرة لاينقضي من مواقف الطرف الأول، تلك التي اقتصرت على تدبيج مواقف الاعتذار لأمريكا وسفرائها، والإدانة للمتجاوزين حدود التعبير، على حين جاء تعبيرها عن الحقيقة الجوهرية وهي الإساءة عبر الفيلم سيء السمعة، خافتة خجولة، وكأن قضية الإساءة أمر هامشي، أو مسألة مبالغ فيها! ولمن يتساءل عن أسباب بروز ظاهرة جيل العنف؟ وكيف يُصنع التطرّف؟ ويُدعم مسلك لانحراف في مجتمعاتنا؟ تأمّلوا في هذا الموقف فقط!!!
وبقدر ما هو مقدّر – إلى حدّ كبير- قيام بعض القيادات الأمريكية والأوروبية والكنسية- يأتي في مقدّمتها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون- إلى البراءة من العلاقة بالفيلم، وإدانته، مع التنديد بالعنف الذي جاء كرد فعل على ذلك، فإن من المحزن وصف ذلك الموقف بأنّه أرقى بكثير بكثير من موقف الطرف الأول المسلم الخجول، ومحزن أكثر أن بعضهم ينتمي إلى مدارس إسلامية (محترمة)، بل بعضهم رموز كبيرة فيها!
حقيقة المقدّس الديني وحدوده وضوابطه:
ما إن تثار مشكلة فكرية تتصل بإساءة صادرة عن فرد أو فئة تنتسب إلى دين ما، كما حدث –مثلاً- في إساءة الصحيفة الدانمركية- سيّئة الذكر- قبل بضع سنوات، إلى شخص النبي العظيم محمد- صلى الله عليه وآله سلّم-، أو ما حدث مراراً من تدنيس متكّرر للمصحف الشريف، في السجون الأمريكية بـ(جوانتانامو)، أو سجن (أبو غريب) ببغداد، وغيره، من قِبل بعض الجنود الأمريكان، أو إساءة للعذراء وابنها السيد المسيح – عليهما السلام- كما فعلت القناة الإسرائيلية العاشرة قبل سنتين، أو من هذه الإساءة الجديدة -وواضح أنها لن تكون الأخيرة- للنبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم- في الولايات المتحدة، وما أعقبها من إساءة مماثلة في مجلة فرنسية حتى تتعالى الصيحات من أطراف عِدّة، لتنادي بضرورة أن تصدر المنظمة الدولية قراراً يقضي بتجريم كل من يقع في الإساءة إلى المقدسات والرموز الدينية. وهو ما يدفع إلى تساؤل: عن حقيقة المقدّس الديني وحدوده الموضوعية؟.
والحق ابتداء أن الوقوف ضدّ أية إساءة دينية حقيقية موقف مشروع من قبل أهل الأديان جميعاً، بل قد يغدو ضرورة لازمة لوقاية المقدَّسات الدينية من لوثة العلمانية الكلية المتطرّفة، أو تلك النزعات العابثة المستبيحة لكل مقدّس ديني، تماماً كما يعمل على ردع الغلاة من أتباع أيّ دين حين يتجاوزون حدود النقد العلمي؛ إلى تحقير رموز الأديان الأخرى .
وبالنسبة لأتباع الديانة الإسلامية فإنهم منهيون بصريح القرآن عن الإساءة إلى رموز معبودات غير المسلمين:
{ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم * كذلك زيّنا لكل أمة عملهم}[ الأنعام:810]. بيد أن ذلك لا يتعارض مع استعمال أسلوب الحوار العلمي والنقاش البرهاني الموضوعي في قضايا الخلاف، مع مراعاة الالتزام بآدابه:
{قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله، وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين * قل لاتُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون*قل يجمع بيننا ربنا،ثمّ يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم}[سبأ:25-26].
والجدل العلمي لغير الغلاة الظلمة منهم، مقرونا ذلك بالتذكير بقواسم الاشتراك لدى أبناء الملّة الإبراهيمية عامة:
{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم ، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون...}[العنكبوت:46].
إن وحدة المعرفة الكلية في الإيمان بالله والرسل واليوم الآخر لدى جميع أبناء الملة الإبراهيمية تؤيد ذلك المطلب. ومما ورد في القرآن الكريم على سبيل المثال:
{وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين* قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم * صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون * قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}[البقرة:135-139].
ودعا القرآن الكريم إلى إنشاء وحدة تشريعية كليّة بين أبناء الملة الإبراهيمية في مواجهة سفاهة المشركين الذين لايدينون بأي من أديان الملة الإبراهيمية:
{شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه * كبر على المشركين ماتدعوهم إليه * الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}[الشورى:13].
إن الإسلام يشترط لكمال إيمان المسلم فريضة الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله:
{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون * كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله * وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}[البقرة:285].
إذا تأكّد ما سبق فيبقى النقاش حول تحرير فكرة عدم المساس بالمقدّسات : هل تعني تجريم النقد بين أبناء الأديان لمعتقدات بعضهم؟
من المعلوم أنه لا يزال أمر النقد سائدا بين أبناء الأديان تجاه معتقدات بعضهم، دون أن يعني ذلك مساسا بالمقدّس ، أي سبّا أو تسفيها لرموز تلك المقدسات من الأنبياء والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام- .
بتعبير آخر إن النقد العلمي الذي يتناول أفكار المخالف مثبت في مصادر كل دين، وفي مقدّمة هذه الأديان القرآن الكريم، حيث جاء مصدّقا لكل ما في تراث السابقين بما في ذلك الكتب السماوية، مما لم تمسّه يد التحريف والتبديل، على حين أنه مهيمن على كل ما طالته يد التحريف والتحوير، مع إقراره – في الوقت ذاته- بسنة الاختلاف في الأديان :
{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا * ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم....}[المائدة:48].
ومن الآيات التي صرّحت بمخالفة بعض معتقدات اليهود وكشفت الافتراء المتلبس بالدين والمعتقد :
{وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا * بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}[ المائدة: 64].
وكذا النصارى :
{وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم * إن يقولون إلا كذبا}[الكهف:4-5] .
ونقد معتقدات اليهود والنصارى المحرّفة معا فقال : {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله، ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل * قاتلهم الله أنى يؤفكون * اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم * وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلها واحدا * لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}[التوبة: 30-31].
والأمر الجدير بالتوقّف عنده مليّا في هذا السياق أن القرآن إذ يندّد بالمعتقدات المحرّفة فإنه لا يسعى ليحل محلّها على نحو من الإقصاء والإلغاء بل إنه يقيم التواصل المعرفي، لما بدأت به التوراة والإنجيل، قبل أن تطالهما يد التحريف والتغيير، بدليل أنه يناشد القوم تحكيم كتبهم الأصلية في مواطن النزاع بينهم وبين المسلمين:
{ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون......قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}[المائدة: 66-68].
تأمّلوا:
ومما يؤكِّد ذلك على الصعيد العملي – بما لامزيد عليه- أنه لم يحدث – على الإطلاق- أن فرداً - ناهيك عن جماعة- من أتباع الديانة الإسلامية (حتى ممن يوصفون بالتطرّف والغلو)، في أي بقعة أو صُقع من الأرض، في القديم أو الحديث؛ قام- بدافع ردّ الفعل على إثر أيّ من الإساءات لكتابه أو لنبيه - إلى (الإنجيل) فأحرقه أو مزّقه أو لطّخه بالقاذورات، – مع التأكيد على قيام الاعتقاد بحدوث تحريف له وتبديل-، أو عمد إلى اسم نبي الله ورسوله عيسى – عليه الصلاة والسلام- فنال منه وأهانه، أو نحو ذلك من الحماقات، ولو حدث مثل ذلك فإنّه محل إدانة الأمة كلّها، ذلك أن كل مسلم يعدّ الإيمان بالإنجيل المنزل على نبي الله ورسوله عيسى –عليه الصلاة والسلام- وغيره من كتب الله المنزلة جزءاً لا يتجزأ من الإيمان بالكتب السماوية. ورغم ما يعتقده المسلمون من حدوث تحريف فيه فإن ذلك لايؤذن بإهانته، لما فيه من الحق كذلك، كما وأنّه لا يُذكر نبي الله: عيسى بن مريم، أو غيره من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام- لدى جميع المسلمين: إلا مقروناً بالتبجيل والدعاء الحسن، إذ يُردف الاسم الشريف لأيّ منهم عادة بـ( عليه الصلاة والسلام) ونحوها.
دور مؤسسات التربية:
ترى لو أن جوهر هذه المعاني السامية، المنصوص عليها في القرآن الكريم، غدت متضمّنة في مناهج التربية الدينية المقرّرة على الناشئة في كل دين، في كل بلد، كما أنها ما يتم توعية الجماهير به- والناشئة في مقدّمتهم- عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وفي مقدّمتها وسائل الإعلام والاتصال المعاصر؛ هل ترانا سنلفى جيلاً من المتنسِّكين الجامدين،أو المستهترين الجاحدين؟ بحيث يدور الخيار بين السعي لإلغاء الآخر، أو انمحاء الذات، في ثنائية مفتعلة، لا سند لها من دين قويم، أو كتاب محكم متين! ناهيك عن كونه- بالنسبة للمسلمين- مجافاة صريحة لتوجيه القرآن الكريم، والمنطق القولي والعم.
*مجلة البيان
إلى عقلاء المسيحية وسياسيهم... كفّوا سفهاءكم،إلى علماء الإسلام وحكمائه... الزموا منهاجكم.
حقيقتان متلازمتان:
دعونا في البدء نتفق على تقرير حقيقتين متلازمتين لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، وذلك على خلفية الإساءة المشينة الجديدة للنبي الأكرم محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم- من قِبل بعض سفهاء أقباط المهجر من المصريين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم، أولئك الذين أقدموا على إنتاج فيلم سينمائي جديد مسيء للرسول – عليه الصلاة والسلام-، وذلك بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، أمّا الحقيقة الأولى فهي الإدانة المطلقة والتجريم الصريح المدوّي لتلك الإساءة وما سبقها وما قد يلحقها، وسواء أكانت لنبي الإسلام محمّد، أم لنبي الله ورسوله المسيح عيسى بن مريم، أم لأي من أنبياء الله ورسله– عليهم جميعاً الصلاة والسلام-، وما يترتب على ذلك من إعلان فردي أو جماعي في التعبير عن الغضب والاحتجاج بكل الأساليب السلمية المشروعة، المكفولة ديناً ودستوراً وقانوناً بعيداً عن الاعتداء والتخريب الذي تجسّد أبرز مايكون من حيث الآثار المادية والبشرية حتى الآن في اقتحام السفارتين الأمريكيتين ببنغازي وصنعاء .
وأمّا الحقيقة الثانية فإدانة كل تجاوز لتلك الحدود في التعبير، سواء بدافع الغيرة، أم باستغلال ذلك من قبل قوى وأطراف خارجية أو داخلية لتوظيف الحادث لأجنداتها الخاصة، لاسيما في دول الربيع العربي، حيث من الواضح استغلال فلول الأنظمة البائدة وبعض حلفائها ذلك الحدث أيّما استغلال، ففي اليمن -على سبيل المثال- تبدو أبرز مظاهر ذلك الاستغلال في محاولة إعاقة قرارات رئيس الجمهورية الجريئة المتعاقبة، تلك التي أطاحت بكثير من الرؤوس العسكرية المتنفذة– بوجه خاص- وهي تلك التي لم يكن يخطر ببال أيّ منها حتى ماقبل الثورة الشبابية الشعبية السلمية مطلع العام 2011م إلا مزيداً من الهيمنة والتفرّد والبقاء، بكل ما تعنيه هذه المفردات من إطلاقية، وقد يفسِّر ذلك جانباً من محاولة الانتقام من صاحب تلك القرارات، حيث بدا من شبه الواضح أن ما وصف بالخلل الأمني في حماية السفارة الأمريكية بصنعاء قد لا يخرج عن توجيهات صدرت من قبل بعض من لم يُطح به بعد إلى الجهاز الأمني والعسكري في السفارة بعدم التصدّي للمتظاهرين المتجهين نحوها، وهو ما جعل عملية الاقتحام تتم في يسر وتعاون لافتين، ولو بالسلبية التي فوجئ بها المهاجمون، وعدم التصدي لهم شيئاً يذكر، وذلك وفقاً لشهادات إعلامية مسجّلة لبعض مقتحميها أنفسهم (راجع: تقرير قناة الجزيرة وتلك الشهادات في أخبار التاسعة (ليلاً)، 13/9/2012م)، مع ما يُعرف من تشديدات أمنية تبدو مبالغاً فيها في الأوضاع العادية. وقد شده كل من شاهد مظاهر التخريب والاعتداء على مرفقات السفارة، وتكسير السيارات في بعضها، وإضرام النار في بعضها الآخر، وسرقة ما يمكن سرقته مما تمكن بعض المقتحمين من الوصول إليه في أروقتها ومكاتبها، وبحسب تقرير وزارة الداخلية الصادر يوم الجمعة فإنه قد قتل أربعة مواطنين وجرح نحو خمسين، بينهم عشرة جنود، وسرقت سيارة، وهشمت ثماني عشرة، وأتلفت ست . وواضح أن ذلك استمر وقتاً طويلاً نسبياً، إذ ما كان له ليتم على ذلك النحو، لو أن هناك أدنى مواجهة فعلية جادة من أجهزة حماية السفارة منذ البداية. وقبل هذا وبعده – وهو المخجل تماماً- يتم ذلك كله في ظل شعار كبير مجلجل مرفوع على رؤوس المهاجمين هو (الدفاع عن كرامة الرسول الأعظم محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم- في وجه الإساءة الأمريكية الصهيونية)!!
ثم لاشك أن هناك رغبة لدى من وقف وراء عملية الاقتحام في جانب فتح جبهة جديدة ذات أبعاد داخلية وخارجية على الرئيس عبد ربّه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني، لإشغالهم بموجات جديدة من الاضطرابات، وتشتيت جهودهم في اتجاهات عدّة، وتقديم صورة اليمن بعد الإطاحة بكثير من رموز النظام السابق وفي مقدّمتهم علي عبد الله صالح، أمام العالم الخارجي في شكل الحكومة الفاشلة أو الضعيفة، لعل ذلك أن يذكّر بـ(محاسن) سلفهم (الصالح)!
هل غدا التطرّف سيّد الموقف؟
ويبقى التأكيد جديراً هنا بأن من المؤسف أن تتجه أصوات بعض الأفراد أو القيادات أو الجماعات السياسية – وبعضها إسلامي- أو بعض المكوّنات الشبابية للثورة الشعبية، إلى واحدة من الحقيقتين على نحو لايخلو من التطرّف، وسواء أكان ذلك في اليمن أم خارجه، أي إمّا الوقوف ضد الإساءة بلا حدود أو ضوابط، وإمّا تبرئة القائمين عليها على نحو غير مباشر، عبر التسابق في تسجيل مواقف الاعتذار للولايات المتحدة والسفير الأمريكي، والإدانة بلا حدود لتجاوز حدود التعبير المشروعة وكفى! ولست أرى كبير فرق بين الموقفين من زاوية التطرّف تلك، مع الإشارة إلى أن المرء قد يتفهم- ولايبرّر- دوافع الغيرة الجامحة للدفاع عن رجل عظيم أو رمز (مقدّس) بحجم الرسول محمّد – صلى الله عليه وآله وسلّم- حتى لو تداخل ذلك بأغراض غير بريئة! لكن يبقى أمر الحيرة لاينقضي من مواقف الطرف الأول، تلك التي اقتصرت على تدبيج مواقف الاعتذار لأمريكا وسفرائها، والإدانة للمتجاوزين حدود التعبير، على حين جاء تعبيرها عن الحقيقة الجوهرية وهي الإساءة عبر الفيلم سيء السمعة، خافتة خجولة، وكأن قضية الإساءة أمر هامشي، أو مسألة مبالغ فيها! ولمن يتساءل عن أسباب بروز ظاهرة جيل العنف؟ وكيف يُصنع التطرّف؟ ويُدعم مسلك لانحراف في مجتمعاتنا؟ تأمّلوا في هذا الموقف فقط!!!
وبقدر ما هو مقدّر – إلى حدّ كبير- قيام بعض القيادات الأمريكية والأوروبية والكنسية- يأتي في مقدّمتها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون- إلى البراءة من العلاقة بالفيلم، وإدانته، مع التنديد بالعنف الذي جاء كرد فعل على ذلك، فإن من المحزن وصف ذلك الموقف بأنّه أرقى بكثير بكثير من موقف الطرف الأول المسلم الخجول، ومحزن أكثر أن بعضهم ينتمي إلى مدارس إسلامية (محترمة)، بل بعضهم رموز كبيرة فيها!
حقيقة المقدّس الديني وحدوده وضوابطه:
ما إن تثار مشكلة فكرية تتصل بإساءة صادرة عن فرد أو فئة تنتسب إلى دين ما، كما حدث –مثلاً- في إساءة الصحيفة الدانمركية- سيّئة الذكر- قبل بضع سنوات، إلى شخص النبي العظيم محمد- صلى الله عليه وآله سلّم-، أو ما حدث مراراً من تدنيس متكّرر للمصحف الشريف، في السجون الأمريكية بـ(جوانتانامو)، أو سجن (أبو غريب) ببغداد، وغيره، من قِبل بعض الجنود الأمريكان، أو إساءة للعذراء وابنها السيد المسيح – عليهما السلام- كما فعلت القناة الإسرائيلية العاشرة قبل سنتين، أو من هذه الإساءة الجديدة -وواضح أنها لن تكون الأخيرة- للنبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم- في الولايات المتحدة، وما أعقبها من إساءة مماثلة في مجلة فرنسية حتى تتعالى الصيحات من أطراف عِدّة، لتنادي بضرورة أن تصدر المنظمة الدولية قراراً يقضي بتجريم كل من يقع في الإساءة إلى المقدسات والرموز الدينية. وهو ما يدفع إلى تساؤل: عن حقيقة المقدّس الديني وحدوده الموضوعية؟.
والحق ابتداء أن الوقوف ضدّ أية إساءة دينية حقيقية موقف مشروع من قبل أهل الأديان جميعاً، بل قد يغدو ضرورة لازمة لوقاية المقدَّسات الدينية من لوثة العلمانية الكلية المتطرّفة، أو تلك النزعات العابثة المستبيحة لكل مقدّس ديني، تماماً كما يعمل على ردع الغلاة من أتباع أيّ دين حين يتجاوزون حدود النقد العلمي؛ إلى تحقير رموز الأديان الأخرى .
وبالنسبة لأتباع الديانة الإسلامية فإنهم منهيون بصريح القرآن عن الإساءة إلى رموز معبودات غير المسلمين:
{ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم * كذلك زيّنا لكل أمة عملهم}[ الأنعام:810]. بيد أن ذلك لا يتعارض مع استعمال أسلوب الحوار العلمي والنقاش البرهاني الموضوعي في قضايا الخلاف، مع مراعاة الالتزام بآدابه:
{قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله، وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين * قل لاتُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون*قل يجمع بيننا ربنا،ثمّ يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم}[سبأ:25-26].
والجدل العلمي لغير الغلاة الظلمة منهم، مقرونا ذلك بالتذكير بقواسم الاشتراك لدى أبناء الملّة الإبراهيمية عامة:
{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم ، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون...}[العنكبوت:46].
إن وحدة المعرفة الكلية في الإيمان بالله والرسل واليوم الآخر لدى جميع أبناء الملة الإبراهيمية تؤيد ذلك المطلب. ومما ورد في القرآن الكريم على سبيل المثال:
{وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين* قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم * صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون * قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}[البقرة:135-139].
ودعا القرآن الكريم إلى إنشاء وحدة تشريعية كليّة بين أبناء الملة الإبراهيمية في مواجهة سفاهة المشركين الذين لايدينون بأي من أديان الملة الإبراهيمية:
{شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه * كبر على المشركين ماتدعوهم إليه * الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}[الشورى:13].
إن الإسلام يشترط لكمال إيمان المسلم فريضة الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله:
{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون * كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله * وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}[البقرة:285].
إذا تأكّد ما سبق فيبقى النقاش حول تحرير فكرة عدم المساس بالمقدّسات : هل تعني تجريم النقد بين أبناء الأديان لمعتقدات بعضهم؟
من المعلوم أنه لا يزال أمر النقد سائدا بين أبناء الأديان تجاه معتقدات بعضهم، دون أن يعني ذلك مساسا بالمقدّس ، أي سبّا أو تسفيها لرموز تلك المقدسات من الأنبياء والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام- .
بتعبير آخر إن النقد العلمي الذي يتناول أفكار المخالف مثبت في مصادر كل دين، وفي مقدّمة هذه الأديان القرآن الكريم، حيث جاء مصدّقا لكل ما في تراث السابقين بما في ذلك الكتب السماوية، مما لم تمسّه يد التحريف والتبديل، على حين أنه مهيمن على كل ما طالته يد التحريف والتحوير، مع إقراره – في الوقت ذاته- بسنة الاختلاف في الأديان :
{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا * ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم....}[المائدة:48].
ومن الآيات التي صرّحت بمخالفة بعض معتقدات اليهود وكشفت الافتراء المتلبس بالدين والمعتقد :
{وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا * بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}[ المائدة: 64].
وكذا النصارى :
{وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم * إن يقولون إلا كذبا}[الكهف:4-5] .
ونقد معتقدات اليهود والنصارى المحرّفة معا فقال : {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله، ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل * قاتلهم الله أنى يؤفكون * اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم * وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلها واحدا * لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}[التوبة: 30-31].
والأمر الجدير بالتوقّف عنده مليّا في هذا السياق أن القرآن إذ يندّد بالمعتقدات المحرّفة فإنه لا يسعى ليحل محلّها على نحو من الإقصاء والإلغاء بل إنه يقيم التواصل المعرفي، لما بدأت به التوراة والإنجيل، قبل أن تطالهما يد التحريف والتغيير، بدليل أنه يناشد القوم تحكيم كتبهم الأصلية في مواطن النزاع بينهم وبين المسلمين:
{ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون......قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}[المائدة: 66-68].
تأمّلوا:
ومما يؤكِّد ذلك على الصعيد العملي – بما لامزيد عليه- أنه لم يحدث – على الإطلاق- أن فرداً - ناهيك عن جماعة- من أتباع الديانة الإسلامية (حتى ممن يوصفون بالتطرّف والغلو)، في أي بقعة أو صُقع من الأرض، في القديم أو الحديث؛ قام- بدافع ردّ الفعل على إثر أيّ من الإساءات لكتابه أو لنبيه - إلى (الإنجيل) فأحرقه أو مزّقه أو لطّخه بالقاذورات، – مع التأكيد على قيام الاعتقاد بحدوث تحريف له وتبديل-، أو عمد إلى اسم نبي الله ورسوله عيسى – عليه الصلاة والسلام- فنال منه وأهانه، أو نحو ذلك من الحماقات، ولو حدث مثل ذلك فإنّه محل إدانة الأمة كلّها، ذلك أن كل مسلم يعدّ الإيمان بالإنجيل المنزل على نبي الله ورسوله عيسى –عليه الصلاة والسلام- وغيره من كتب الله المنزلة جزءاً لا يتجزأ من الإيمان بالكتب السماوية. ورغم ما يعتقده المسلمون من حدوث تحريف فيه فإن ذلك لايؤذن بإهانته، لما فيه من الحق كذلك، كما وأنّه لا يُذكر نبي الله: عيسى بن مريم، أو غيره من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام- لدى جميع المسلمين: إلا مقروناً بالتبجيل والدعاء الحسن، إذ يُردف الاسم الشريف لأيّ منهم عادة بـ( عليه الصلاة والسلام) ونحوها.
دور مؤسسات التربية:
ترى لو أن جوهر هذه المعاني السامية، المنصوص عليها في القرآن الكريم، غدت متضمّنة في مناهج التربية الدينية المقرّرة على الناشئة في كل دين، في كل بلد، كما أنها ما يتم توعية الجماهير به- والناشئة في مقدّمتهم- عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وفي مقدّمتها وسائل الإعلام والاتصال المعاصر؛ هل ترانا سنلفى جيلاً من المتنسِّكين الجامدين،أو المستهترين الجاحدين؟ بحيث يدور الخيار بين السعي لإلغاء الآخر، أو انمحاء الذات، في ثنائية مفتعلة، لا سند لها من دين قويم، أو كتاب محكم متين! ناهيك عن كونه- بالنسبة للمسلمين- مجافاة صريحة لتوجيه القرآن الكريم، والمنطق القولي والعم.
*مجلة البيان