هويدي 17-9-2002
عدت من رحلة عمل الي أفغانستان محملا بحصيلة من المعلومات والانطباعات, لكني حين أمضيت يوما كاملا في مطالعة الصحف التي صدرت في أثناء الغياب, وجدت في العناوين والتقارير الفلسطينية ما يدعو الي القلق ويستوجب الاستنفار, علي الأقل من خلال دق أجراس التحذير والانتباه, من ثم أدركت أن أي كلام خارج الموضوع الفلسطيني, هو بمثابة تمرير لما يجري وإخلال بمبدأ الأولويات, وهو ترف لانملكه, فضلا عن أنه يعد تخليا طوعيا عن واجب الوقت, لذلك نحيت كل ما حصلته في أفغانستان جانبا, وقررت أن أصطف إلي جانب الواقفين علي باب ذلك الثغر النازف والدامي.
(1)
شاءت المقادير أن تبدأ الرحلة وتنتهي بالوجع الفلسطيني, فقد لقيت في مطار القاهرة شابا فلسطينيا يعمل مهندسا بدولة الإمارات, كان قادما لتوه من غزة بعدما أمضي شهرا هناك, عقد خلاله قرانه علي إحدي قريباته, ولأن شركة الطيران الأفغانية( إيريانا) فتحت خطا جديدا بين دبي وكابول, فقد ركبنا معا طائرة واحدة, وظل لأكثر من ثلاث ساعات يحدثني عما عايشه وشاهده في غزة, من وطأة الاحتلال إلي معاناة الناس وعذاباتهم اليومية, التي طالت أدق التفاصيل في حياتهم, وهو ما ذكرني بما قرأته ذات يوم في كتاب مريد البرغوثي رأيت رام الله, الذي قال فيه إن أحدا لا يستطيع أن يتصور حقا ما يحدث علي الأرض في فلسطين, إلا حين يراه بعينيه, لأن أي وصف مهما بلغت دقته وبلاغته يعجز عن أن يوفي الصورة حقها, خصوصا فيما يتعلق بالتمدد الوحشي للاستعمار الإسرائيلي والانقلاب الهائل الذي تشهده الخريطة الفلسطينية, ويتم بصورة يومية من خلال إعادة رسم الطرق وإحكام المعازل, وتحويل فلسطين إلي أكبر سجن في التاريخ, في داخله يتم خنق الفلسطينيين من خلال كتم أنفاسهم وتعريضهم للقتل البطيء.
وخزني الشاب الفلسطيني بسكين حاد, حين قال لي إن الفلسطينيين يشعرون الآن بأن كثيرين قد تخلوا عنهم, حتي أصبحوا يقفون وحدهم, ولا يرون إلا أفقا مسدودا ومظلما, وأكثر ما يحزنهم أن عذاباتهم تحولت إلي خبر عادي في حياة الآخرين, لا يحرك غيرة أو شعورا بالخطر, وإذا استثار غضب البعض وحميتهم, فإن ذلك الغضب سرعان ما يهدأ, وينصرف الناس عنه إلي شواغلهم الخاصة, وأحيانا إلي العبث واللهو, الذي تعبر عنه الفضائيات العربية بصورة مستفزة وصارخة.
أضاف محدثي أن الشيء الوحيد المضيء في الأفق الفلسطيني الآن, هو العمليات الاستشهادية, التي أصبحت بعض الأصوات العربية تستنكرها وتتحدث عنها باستياء يثير دهشة الشارع الفلسطيني, الذي عجز عن أن يفهم لماذا يغار البعض علي الدم الإسرائيلي بأكثر من غيرتهم علي شلال الدم الذي يتدفق يوميا علي الخارطة الفلسطينية كلها, بوتيرة متفاوتة منذ خمسين عاما, ولماذا لا يدرك هؤلاء أن الشبان والفتيات الذين يضحون بحياتهم هم جزء من الجسم الفلسطيني الذي يتعرض للذبح يوميا, وكل ما يفعلونه أنهم يمسكون بخناق القاتل ويحاولون منعه من الإجهاز علي بقية الجسم؟
قال المهندس العائد من غزة, إنه يوم عقد قرانه اجتمعت الأسرتان في مجلس خيمت عليه الكآبة وأجواء الحزن, وتبادل الجميع كلمات مبتورة, كانت الابتسامات خلالها تنتزع وترسم علي الوجوه لافتعال فرحة سقطت من قاموس الحياة الفلسطينية, ثم انصرف الجميع مع حلول الظلام, وكأنهم عائدون من سرادق للعزاء, وشاءت المقادير أن تقع عملية استشهادية في ضحي اليوم التالي, فإذا بالدم يسري في العروق والفرحة تعم الجميع, حتي إن شباب الحي والعريس معهم خرجوا إلي الشوارع, وظلوا يرقصون الدبكة حتي الظهر, لقد ردت إليهم العملية الروح, وأحيت في نفوسهم الأمل في إمكانية نقل الوجع إلي العدو والخلاص منه, ولو بعد ألف عام.
في يوم العودة من كابول, تلقيت اتصالا هاتفيا من غزة, من مدير أحد مراكز المعلومات هناك, الذي نقل إلي الصورة نفسها, وأعرب عن استغرابه لحالة اللامبالاة واللهو التي أصبحت تسود معظم أنحاء العالم العربي, ثم قال إن اجتياح غزة وإعادة احتلالها بالكامل صار وشيكا, وهو واقع لاريب, خصوصا إذا تم شن الحرب الأمريكية ضد العراق, وسألني محدثي بنبرة لا تخلو من استياء ودهشة: ألا يدرك العرب أن فلسطين تصلب ويضحي بها, علي مذبح الاستقلال والأمن والكرامة العربية, وأن طوفانا سيغرق الجميع إذا لقيت القضية المصير الذي يراد لها الآن؟
(2)
حين يضع المرء عناوين الأخبار والتقارير التي خرجت من فلسطين خلال الأيام العشرة الأخيرة, لابد أن تصدمه النتيجة, إذ تقع عيناه علي صورة مكثفة للمشهد, لا يكاد يلحظها قاريء الصحيفة الصباحية, الذي يري العنوان الفلسطيني ضمن عناوين أخري كثيرة, ثم يطوي الصحيفة أو يلقي بها جانبا, ويعود إلي انشغاله بأموره الأخري.
هذه الصدمة تلقيتها حين اجتمعت أمامي الصحف التي صدرت خلال الرحلة, وكانت سببا في انقطاعي عن أحداث العالم الخارجي, والعالم العربي ضمنا, ذلك أن الذاهب إلي أفغانستان ينتقل إلي كوكب آخر في حقيقة الأمر, كما ينقطع عن أحداث العالم الخارجي, والوافد اذا كان محظوظا أو من أهل الوجاهة, فقد يتاح له أن يتابع ما يجري في العالم اذا أعطي في الفندق غرفة مزودة بتليفزيون0 واذا لم ينقطع التيار الكهربائي بطبيعة الحال!) ـ ولكنني لم أكن من هؤلاء, حيث حمدت الله وقنعت بغرفة مزودة بالمياه, وتزورها المياه الساخنة زيارة عابرة كل ثلاثة أيام, وبسبب من ذلك فقد كنت من ضحايا ذلك الانقطاع عما يجري في الكرة الأرضية طيلة فترة الزيارة, إذ بالكاد كنا نعرف مايجري في كابول, في حين يجري التعتيم في الأغلب عما يحدث خارجها, خصوصا فيما يتعلق بعمليات القوات الأمريكية والاشتباكات المستمرة معها في الجنوب والشرق.
حين وضعت العناوين الفلسطينية جنبا إلي جنب, وجدت أنها ترسم صورة خلاصتها أن الشعب الفلسطيني يتعرض للإبادة والتعذيب, كما أن القضية برمتها تتعرض للتذويب, وأدركت أن ما تنشره الصحف كل صباح هو في حقيقة الأمر عرض لإحدي حلقات ذلك المسلسل, فما من يوم إلا وهناك قتلي وقصف وتدمير للبيوت واعتقالات واستيلاء علي الأراضي الفلسطينية, وتوسيع للمستعمرات, وتكثيف من الحواجز, واقتحام لمناطق جديدة, هي ليست قصة مكررة, لان التكرار يفترض أن تتحدث عن الشيء نفسه محكوما بإطاره المكاني والزمني, أما حين تتكرر الوقائع ذاتها علي مسرح مختلف كل يوم, وفي إطار مكاني وزماني مغاير, فإننا نصبح بصدد شيء مختلف, اسمه جريمة مستمرة, وربما كان الأدق أن يوصف بأنه مسلسل طويل يفضي إلي نتيجة عدمية يدمر فيها كل شيء, بحيث لا يبقي علي مسرح الحدث سوي أطلال المباني وأشلاء البشر.
لا يحتمل المكان أن استعرض العناوين التي أعنيها, لكني أحسب أن البعض منها يفي بالغرض, من هذا البعض مثلا: احتلال قرية بيت آبا للمرة الرابعة ـ فلسطين سجن كبير وشعبها ينتظر الفورة( المقصود فترة السماح التي تعطي لنزلاء السجون لكي يخرجوا من الزنازين لرؤية الشمس والمشي لبعض الوقت في فناء السجن) ـ استشهاد فلسطينيين بقذائف دبابة إسرائيلية قرب نابلس ـ10 أشخاص ضحية هدم منزل دمره الإسرائيليون ـ الأطفال الأسري يعانون من التعذيب والإذلال في سجون الاحتلال ـ كارثة صحية: الأطفال الفلسطينيون يعانون الأنيميا وآثار الغازات السامة ـ حواجز إسرائيلية تحاصر مدينة نابلس من الخارج وأخري تقسمها من الداخل ـ حظر التجوال يربك حياة الفلسطينيين و2 مليون ينامون ولا يعرفون علي أي إجراء عسكري جديد يصبحون ـ جمعية إسرائيلية لحقوق الإنسان تتحدث عن استخدام الجيش الإسرائيلي قذائف محظورة ـ رخص حياة الفلسطينيين ظاهرة واضحة وحوادث قتل الأطفال والأبرياء زادت بصورة كبيرة( هاآرتس) ـ رئيس الأركان الإسرائيلي: الضربات الأمريكية الوقائية تبرر الاغتيالات بحق الفلسطينيين ـ شارون: اتفاقات أوسلو وترتيبات كامب ديفيد وطابا لم تعد قائمة ـ15 دبابة إسرائيلية اقتحمت دير البلح ـ ليس في الثلاجة إلا الزعتر والأطفال يتضورون جوعا ـ نقل جريحين إلي قلب جنين وقتلهما بدم بارد أمام الأهالي ـ إسرائيل استخدمت في غزة قذائف محظورة تطلق آلاف القطع المسمارية لإيقاع أكبر عدد من الإصابات والقتلي.. وهكذا.
(3)
ليست هذه حربا, لأن للحرب قوانين وأعرافا وأخلاقا, وليس لشيء من ذلك وجود في المشهد.. ولكننا بصدد حالة من الافتراس الهمجي الذي لايدع وسيلة للإجهاز علي الآخر إلا واستخدمها, وكلما استعصت الضحية وقاومت, اهتاج القاتل وازداد شراسة وخسة, وما التجويع المتعمد, ومنع الأدوية والأمصال, وإذلال الجميع, والمرضي في المقدمة منهم, عند الحواجز المنتشرة في كل مكان إلا من تجليات تلك الخسة.
وقعت علي تقرير تحدث عن الكارثة الصحية في فلسطين, ونقل عن الدكتور عبدالجبار الطيبي مدير الرعاية الأولية بوزارة الصحة الفلسطينية قوله: إن ما نسبته45% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون الأنيميا, وأن55% من السيدات الحوامل يعانين المرض نفسه, وأضاف أن ذلك يحدث في الوقت الذي ازدادت فيه حالات نقص الوزن والطول عند الأطفال بنسبة تجاوزت13%.
ذكر التقرير أن مصدرا طبيا في مستشفي دار الشفاء بمدينة غزة, قال إن المستشفي استقبل حالة ولادة غاية في الغرابة, حيث وضعت سيدة فلسطينية طفلا غير محدد الجنس, وجسده بدون أطراف, ويعاني تشوهات خلقية في الوجه, وقد ولد الجنين في حالة سيئة جدا, ولم يتجاوز وزنه كيلوجراما واحدا, بينما طوله لم يتجاوز27 سنتيمترا.
قال المصدر الطبي إنه برغم أن هذه حالة استثنائية, فإن حالات تشوه المواليد أصبحت ظاهرة في المجتمع الفلسطيني, في ظل الانتفاضة, وهو ما حدث في السابق حين وقعت انتفاضة عام1987, وذلك التشوه ناجم عن النقص الحاد في التغذية, أو نتيجة لاستنشاق الأمهات الغازات السامة والمواد الإشعاعية التي تطلقها قوات الاحتلال بين الحين والآخر, عن طريق الطائرات التي لا تكف عن التحليق في سماء المدن والقري الفلسطينية.
تلك مجرد لقطة واحدة من فصل الخسة في سجل الافتراس الإسرائيلي للشعب الفلسطيني, واللقطات الأخري المماثلة تفوق الحصر, وكلها تدور حول محور واحد مركب من التعذيب والإذلال وسحق الإرادة.
(4)
في الظلمة الحالكة تلمع أشياء من ذلك القبيل الذي يرد الروح الي القلوب المتعبة والنفوس التي أصبحت عصية علي الانكسار, نعم العمليات الاستشهادية تتربع علي القمة, حيث تكفكف الدمع وتمسح الحزن وتحيي الأمل, لكن هناك ممارسات أخري بسيطة تصب في ذات الوعاء, نابلس المحاصرة, التي يسكنها200 ألف نسمة يصر الإسرائيليون علي حصارهم وسجنهم, ومن ثم خنقهم وإذلالهم شهدت محاولات من ذلك القبيل, فبعد إغلاق المدارس أو تدميرها, أقام بعض الناشطين مدرسة شعبية في إحدي ساحات المدينة القديمة, أطلقوا عليها مدرسة شهداء نابلس, في تقرير نشرته صحيفة القدس اللندنية حول المشروع, ذكرت ما يلي: الأطفال يحضرون مبكرا إلي الساحة ويبدأون بتجهيز المدرسة التي هي عبارة عن صناديق خضار فارغة يضعون فوقها ألواحا خشبية ويرتبونها بشكل متواز ويقسمونها الي أجزاء حسب صفوفهم, ويقفون بانتظام لحين وصول الأستاذ, الذي سرعان ما يبدأ بتوزيع الأطفال علي مقاعدهم الخشبية كل حسب عمره, كي تبدأ الجولة الصباحية من التدريس بحيث تليها جولة أخري في المساء.
التاسعة صباحا هو موعد الحصة الأولي, التي يبدؤها الأطفال بالنشيد وقراءة الفاتحة, ومن ثم يبدأ التدريس علي مراحل متعددة بعد أن يقوم بعض المتطوعين من لجان البلدة بتوزيع الأقلام والدفاتر علي الأطفال, وتقوم إحدي المؤسسات بتقديم ألواح صغيرة وطباشير يستخدمها الأطفال في الكتابة.
الحضور مكتمل باستثناء مقعد واحد ترك فارغا.. إنه مقعد الطفل الشهيد عبدالله سمير الشعبي(8 سنوات), الذي سقط في مجزرة نابلس مع باقي أفراد عائلته, وفاء له ترك زملاؤه مقعده فارغا ووضعوا عليه إكليلا من الزهور.
يحضر الأطفال قبل موعدهم بكثير, تقول أم أحمد التي أحضرت أطفالها إلي المدرسة: لقد فرحوا كثيرا عندما أخبرناهم بأنهم ذاهبون للمدرسة, لقد مر أكثر من أسبوع علي بداية العام الدراسي والأطفال لم يذهبوا إلي مدارسهم الحقيقية, هم يدركون جيدا أن السبب وراء ذلك إسرائيل.. واذا سألت أصغرهم سيجيبك أن هناك احتلالا يحرمه من التوجه لمدرسته وتلقي العلم.
من نماذج الإضاءات أيضا, تلك الفكرة التي تبنتها مؤسسة كرامة في نابلس, بدعم من مؤسسة انقاذ الطفل الفلسطينية, واختارت أن تسهم في مساعدة الأطفال الفلسطينيين علي تجاوز آثار السجن الإسرائيلي, إذ جندت مجموعة من المتطوعين للترفيه عن الأطفال الذين أصبحوا أسري للبيوت وضحايا للترويع المستمر, في كل المواقع التي تم بها البرنامج( البلدة القديمة ـ كروم عاشور ـ رأس العين ـ الجبل الشمالي ـ المساكن الشعبية ـ مخيمات عسكر القديم والجديد ـ عسكر البلد ـ قرية بيت أيبا) عقدت18 ورشة للأطفال, أشرف عليها25 متطوعا من الناشطين العرب والأجانب, ولإنجاح البرنامج الترفيهي قدم الأهالي بيوتهم لتكون ساحة آمنة لتنظيم تلك الورش, وشكل الآباء ساترا لحمايتهم, وقدموا كل ما استطاعوا تقديمه لإنجاح المحاولة وجذب المزيد من الأطفال المقهورين إليها, وكان ولايزال شعار البرنامج هو: نصر أن نحيا.
(5)
إذ يستمر التعذيب والتجويع علي ذلك النحو, فإن عملية تذويب القضية وإزالة معالم الوطن مستمرة علي قدم وساق, وقد جاء الإعلان الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بانتهاء اتفاقيات وتفاهمات أوسلو وكامب ديفيد وطابا, بمثابة إشهار لتلك العملية, إذ بمقتضي ذلك الإلغاء فإن القضية الفلسطينية لم تعد مرتبطة بشيء, وإنما أصبحت معلقة في الفراغ بانتظار حدوث شيء ما في المنطقة, الأمر الذي لا يستغرب معه أن يشبه رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون المرحلة بـ حرب الاستقلال في سنة1948.
إن الشعار المرفوع الآن يدعو إلي حل القضية الفلسطينية وإيجاد الدولة بشرط واحد هو: تغيير السلطة وخلق سلطة جديدة لا تتعامل بالإرهاب وغير فاسدة, وديمقراطية, وهو ما أدركت منه الفصائل الفلسطينية المختلفة أن المطلب الحقيقي هو عزل حركة التحرر الوطني الفلسطيني عن أي شكل من أشكال الكيان الفلسطيني المطلوب, الأمر الذي يعني من الناحية العملية انهيار كل الآمال التي عقدت علي النضال الفلسطيني طيلة السنوات الخمسين الأخيرة, وهو ما يعني أيضا تذويب السلطة وتذويب حركة التحرر الفلسطيني, وإزالة الوطن الفلسطيني من خارطة المنطقة, إلي جانب استمرار القتل البطيء للفلسطينيين, كل ذلك علي مرأي ومسمع من الجميع.
عدت من رحلة عمل الي أفغانستان محملا بحصيلة من المعلومات والانطباعات, لكني حين أمضيت يوما كاملا في مطالعة الصحف التي صدرت في أثناء الغياب, وجدت في العناوين والتقارير الفلسطينية ما يدعو الي القلق ويستوجب الاستنفار, علي الأقل من خلال دق أجراس التحذير والانتباه, من ثم أدركت أن أي كلام خارج الموضوع الفلسطيني, هو بمثابة تمرير لما يجري وإخلال بمبدأ الأولويات, وهو ترف لانملكه, فضلا عن أنه يعد تخليا طوعيا عن واجب الوقت, لذلك نحيت كل ما حصلته في أفغانستان جانبا, وقررت أن أصطف إلي جانب الواقفين علي باب ذلك الثغر النازف والدامي.
(1)
شاءت المقادير أن تبدأ الرحلة وتنتهي بالوجع الفلسطيني, فقد لقيت في مطار القاهرة شابا فلسطينيا يعمل مهندسا بدولة الإمارات, كان قادما لتوه من غزة بعدما أمضي شهرا هناك, عقد خلاله قرانه علي إحدي قريباته, ولأن شركة الطيران الأفغانية( إيريانا) فتحت خطا جديدا بين دبي وكابول, فقد ركبنا معا طائرة واحدة, وظل لأكثر من ثلاث ساعات يحدثني عما عايشه وشاهده في غزة, من وطأة الاحتلال إلي معاناة الناس وعذاباتهم اليومية, التي طالت أدق التفاصيل في حياتهم, وهو ما ذكرني بما قرأته ذات يوم في كتاب مريد البرغوثي رأيت رام الله, الذي قال فيه إن أحدا لا يستطيع أن يتصور حقا ما يحدث علي الأرض في فلسطين, إلا حين يراه بعينيه, لأن أي وصف مهما بلغت دقته وبلاغته يعجز عن أن يوفي الصورة حقها, خصوصا فيما يتعلق بالتمدد الوحشي للاستعمار الإسرائيلي والانقلاب الهائل الذي تشهده الخريطة الفلسطينية, ويتم بصورة يومية من خلال إعادة رسم الطرق وإحكام المعازل, وتحويل فلسطين إلي أكبر سجن في التاريخ, في داخله يتم خنق الفلسطينيين من خلال كتم أنفاسهم وتعريضهم للقتل البطيء.
وخزني الشاب الفلسطيني بسكين حاد, حين قال لي إن الفلسطينيين يشعرون الآن بأن كثيرين قد تخلوا عنهم, حتي أصبحوا يقفون وحدهم, ولا يرون إلا أفقا مسدودا ومظلما, وأكثر ما يحزنهم أن عذاباتهم تحولت إلي خبر عادي في حياة الآخرين, لا يحرك غيرة أو شعورا بالخطر, وإذا استثار غضب البعض وحميتهم, فإن ذلك الغضب سرعان ما يهدأ, وينصرف الناس عنه إلي شواغلهم الخاصة, وأحيانا إلي العبث واللهو, الذي تعبر عنه الفضائيات العربية بصورة مستفزة وصارخة.
أضاف محدثي أن الشيء الوحيد المضيء في الأفق الفلسطيني الآن, هو العمليات الاستشهادية, التي أصبحت بعض الأصوات العربية تستنكرها وتتحدث عنها باستياء يثير دهشة الشارع الفلسطيني, الذي عجز عن أن يفهم لماذا يغار البعض علي الدم الإسرائيلي بأكثر من غيرتهم علي شلال الدم الذي يتدفق يوميا علي الخارطة الفلسطينية كلها, بوتيرة متفاوتة منذ خمسين عاما, ولماذا لا يدرك هؤلاء أن الشبان والفتيات الذين يضحون بحياتهم هم جزء من الجسم الفلسطيني الذي يتعرض للذبح يوميا, وكل ما يفعلونه أنهم يمسكون بخناق القاتل ويحاولون منعه من الإجهاز علي بقية الجسم؟
قال المهندس العائد من غزة, إنه يوم عقد قرانه اجتمعت الأسرتان في مجلس خيمت عليه الكآبة وأجواء الحزن, وتبادل الجميع كلمات مبتورة, كانت الابتسامات خلالها تنتزع وترسم علي الوجوه لافتعال فرحة سقطت من قاموس الحياة الفلسطينية, ثم انصرف الجميع مع حلول الظلام, وكأنهم عائدون من سرادق للعزاء, وشاءت المقادير أن تقع عملية استشهادية في ضحي اليوم التالي, فإذا بالدم يسري في العروق والفرحة تعم الجميع, حتي إن شباب الحي والعريس معهم خرجوا إلي الشوارع, وظلوا يرقصون الدبكة حتي الظهر, لقد ردت إليهم العملية الروح, وأحيت في نفوسهم الأمل في إمكانية نقل الوجع إلي العدو والخلاص منه, ولو بعد ألف عام.
في يوم العودة من كابول, تلقيت اتصالا هاتفيا من غزة, من مدير أحد مراكز المعلومات هناك, الذي نقل إلي الصورة نفسها, وأعرب عن استغرابه لحالة اللامبالاة واللهو التي أصبحت تسود معظم أنحاء العالم العربي, ثم قال إن اجتياح غزة وإعادة احتلالها بالكامل صار وشيكا, وهو واقع لاريب, خصوصا إذا تم شن الحرب الأمريكية ضد العراق, وسألني محدثي بنبرة لا تخلو من استياء ودهشة: ألا يدرك العرب أن فلسطين تصلب ويضحي بها, علي مذبح الاستقلال والأمن والكرامة العربية, وأن طوفانا سيغرق الجميع إذا لقيت القضية المصير الذي يراد لها الآن؟
(2)
حين يضع المرء عناوين الأخبار والتقارير التي خرجت من فلسطين خلال الأيام العشرة الأخيرة, لابد أن تصدمه النتيجة, إذ تقع عيناه علي صورة مكثفة للمشهد, لا يكاد يلحظها قاريء الصحيفة الصباحية, الذي يري العنوان الفلسطيني ضمن عناوين أخري كثيرة, ثم يطوي الصحيفة أو يلقي بها جانبا, ويعود إلي انشغاله بأموره الأخري.
هذه الصدمة تلقيتها حين اجتمعت أمامي الصحف التي صدرت خلال الرحلة, وكانت سببا في انقطاعي عن أحداث العالم الخارجي, والعالم العربي ضمنا, ذلك أن الذاهب إلي أفغانستان ينتقل إلي كوكب آخر في حقيقة الأمر, كما ينقطع عن أحداث العالم الخارجي, والوافد اذا كان محظوظا أو من أهل الوجاهة, فقد يتاح له أن يتابع ما يجري في العالم اذا أعطي في الفندق غرفة مزودة بتليفزيون0 واذا لم ينقطع التيار الكهربائي بطبيعة الحال!) ـ ولكنني لم أكن من هؤلاء, حيث حمدت الله وقنعت بغرفة مزودة بالمياه, وتزورها المياه الساخنة زيارة عابرة كل ثلاثة أيام, وبسبب من ذلك فقد كنت من ضحايا ذلك الانقطاع عما يجري في الكرة الأرضية طيلة فترة الزيارة, إذ بالكاد كنا نعرف مايجري في كابول, في حين يجري التعتيم في الأغلب عما يحدث خارجها, خصوصا فيما يتعلق بعمليات القوات الأمريكية والاشتباكات المستمرة معها في الجنوب والشرق.
حين وضعت العناوين الفلسطينية جنبا إلي جنب, وجدت أنها ترسم صورة خلاصتها أن الشعب الفلسطيني يتعرض للإبادة والتعذيب, كما أن القضية برمتها تتعرض للتذويب, وأدركت أن ما تنشره الصحف كل صباح هو في حقيقة الأمر عرض لإحدي حلقات ذلك المسلسل, فما من يوم إلا وهناك قتلي وقصف وتدمير للبيوت واعتقالات واستيلاء علي الأراضي الفلسطينية, وتوسيع للمستعمرات, وتكثيف من الحواجز, واقتحام لمناطق جديدة, هي ليست قصة مكررة, لان التكرار يفترض أن تتحدث عن الشيء نفسه محكوما بإطاره المكاني والزمني, أما حين تتكرر الوقائع ذاتها علي مسرح مختلف كل يوم, وفي إطار مكاني وزماني مغاير, فإننا نصبح بصدد شيء مختلف, اسمه جريمة مستمرة, وربما كان الأدق أن يوصف بأنه مسلسل طويل يفضي إلي نتيجة عدمية يدمر فيها كل شيء, بحيث لا يبقي علي مسرح الحدث سوي أطلال المباني وأشلاء البشر.
لا يحتمل المكان أن استعرض العناوين التي أعنيها, لكني أحسب أن البعض منها يفي بالغرض, من هذا البعض مثلا: احتلال قرية بيت آبا للمرة الرابعة ـ فلسطين سجن كبير وشعبها ينتظر الفورة( المقصود فترة السماح التي تعطي لنزلاء السجون لكي يخرجوا من الزنازين لرؤية الشمس والمشي لبعض الوقت في فناء السجن) ـ استشهاد فلسطينيين بقذائف دبابة إسرائيلية قرب نابلس ـ10 أشخاص ضحية هدم منزل دمره الإسرائيليون ـ الأطفال الأسري يعانون من التعذيب والإذلال في سجون الاحتلال ـ كارثة صحية: الأطفال الفلسطينيون يعانون الأنيميا وآثار الغازات السامة ـ حواجز إسرائيلية تحاصر مدينة نابلس من الخارج وأخري تقسمها من الداخل ـ حظر التجوال يربك حياة الفلسطينيين و2 مليون ينامون ولا يعرفون علي أي إجراء عسكري جديد يصبحون ـ جمعية إسرائيلية لحقوق الإنسان تتحدث عن استخدام الجيش الإسرائيلي قذائف محظورة ـ رخص حياة الفلسطينيين ظاهرة واضحة وحوادث قتل الأطفال والأبرياء زادت بصورة كبيرة( هاآرتس) ـ رئيس الأركان الإسرائيلي: الضربات الأمريكية الوقائية تبرر الاغتيالات بحق الفلسطينيين ـ شارون: اتفاقات أوسلو وترتيبات كامب ديفيد وطابا لم تعد قائمة ـ15 دبابة إسرائيلية اقتحمت دير البلح ـ ليس في الثلاجة إلا الزعتر والأطفال يتضورون جوعا ـ نقل جريحين إلي قلب جنين وقتلهما بدم بارد أمام الأهالي ـ إسرائيل استخدمت في غزة قذائف محظورة تطلق آلاف القطع المسمارية لإيقاع أكبر عدد من الإصابات والقتلي.. وهكذا.
(3)
ليست هذه حربا, لأن للحرب قوانين وأعرافا وأخلاقا, وليس لشيء من ذلك وجود في المشهد.. ولكننا بصدد حالة من الافتراس الهمجي الذي لايدع وسيلة للإجهاز علي الآخر إلا واستخدمها, وكلما استعصت الضحية وقاومت, اهتاج القاتل وازداد شراسة وخسة, وما التجويع المتعمد, ومنع الأدوية والأمصال, وإذلال الجميع, والمرضي في المقدمة منهم, عند الحواجز المنتشرة في كل مكان إلا من تجليات تلك الخسة.
وقعت علي تقرير تحدث عن الكارثة الصحية في فلسطين, ونقل عن الدكتور عبدالجبار الطيبي مدير الرعاية الأولية بوزارة الصحة الفلسطينية قوله: إن ما نسبته45% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون الأنيميا, وأن55% من السيدات الحوامل يعانين المرض نفسه, وأضاف أن ذلك يحدث في الوقت الذي ازدادت فيه حالات نقص الوزن والطول عند الأطفال بنسبة تجاوزت13%.
ذكر التقرير أن مصدرا طبيا في مستشفي دار الشفاء بمدينة غزة, قال إن المستشفي استقبل حالة ولادة غاية في الغرابة, حيث وضعت سيدة فلسطينية طفلا غير محدد الجنس, وجسده بدون أطراف, ويعاني تشوهات خلقية في الوجه, وقد ولد الجنين في حالة سيئة جدا, ولم يتجاوز وزنه كيلوجراما واحدا, بينما طوله لم يتجاوز27 سنتيمترا.
قال المصدر الطبي إنه برغم أن هذه حالة استثنائية, فإن حالات تشوه المواليد أصبحت ظاهرة في المجتمع الفلسطيني, في ظل الانتفاضة, وهو ما حدث في السابق حين وقعت انتفاضة عام1987, وذلك التشوه ناجم عن النقص الحاد في التغذية, أو نتيجة لاستنشاق الأمهات الغازات السامة والمواد الإشعاعية التي تطلقها قوات الاحتلال بين الحين والآخر, عن طريق الطائرات التي لا تكف عن التحليق في سماء المدن والقري الفلسطينية.
تلك مجرد لقطة واحدة من فصل الخسة في سجل الافتراس الإسرائيلي للشعب الفلسطيني, واللقطات الأخري المماثلة تفوق الحصر, وكلها تدور حول محور واحد مركب من التعذيب والإذلال وسحق الإرادة.
(4)
في الظلمة الحالكة تلمع أشياء من ذلك القبيل الذي يرد الروح الي القلوب المتعبة والنفوس التي أصبحت عصية علي الانكسار, نعم العمليات الاستشهادية تتربع علي القمة, حيث تكفكف الدمع وتمسح الحزن وتحيي الأمل, لكن هناك ممارسات أخري بسيطة تصب في ذات الوعاء, نابلس المحاصرة, التي يسكنها200 ألف نسمة يصر الإسرائيليون علي حصارهم وسجنهم, ومن ثم خنقهم وإذلالهم شهدت محاولات من ذلك القبيل, فبعد إغلاق المدارس أو تدميرها, أقام بعض الناشطين مدرسة شعبية في إحدي ساحات المدينة القديمة, أطلقوا عليها مدرسة شهداء نابلس, في تقرير نشرته صحيفة القدس اللندنية حول المشروع, ذكرت ما يلي: الأطفال يحضرون مبكرا إلي الساحة ويبدأون بتجهيز المدرسة التي هي عبارة عن صناديق خضار فارغة يضعون فوقها ألواحا خشبية ويرتبونها بشكل متواز ويقسمونها الي أجزاء حسب صفوفهم, ويقفون بانتظام لحين وصول الأستاذ, الذي سرعان ما يبدأ بتوزيع الأطفال علي مقاعدهم الخشبية كل حسب عمره, كي تبدأ الجولة الصباحية من التدريس بحيث تليها جولة أخري في المساء.
التاسعة صباحا هو موعد الحصة الأولي, التي يبدؤها الأطفال بالنشيد وقراءة الفاتحة, ومن ثم يبدأ التدريس علي مراحل متعددة بعد أن يقوم بعض المتطوعين من لجان البلدة بتوزيع الأقلام والدفاتر علي الأطفال, وتقوم إحدي المؤسسات بتقديم ألواح صغيرة وطباشير يستخدمها الأطفال في الكتابة.
الحضور مكتمل باستثناء مقعد واحد ترك فارغا.. إنه مقعد الطفل الشهيد عبدالله سمير الشعبي(8 سنوات), الذي سقط في مجزرة نابلس مع باقي أفراد عائلته, وفاء له ترك زملاؤه مقعده فارغا ووضعوا عليه إكليلا من الزهور.
يحضر الأطفال قبل موعدهم بكثير, تقول أم أحمد التي أحضرت أطفالها إلي المدرسة: لقد فرحوا كثيرا عندما أخبرناهم بأنهم ذاهبون للمدرسة, لقد مر أكثر من أسبوع علي بداية العام الدراسي والأطفال لم يذهبوا إلي مدارسهم الحقيقية, هم يدركون جيدا أن السبب وراء ذلك إسرائيل.. واذا سألت أصغرهم سيجيبك أن هناك احتلالا يحرمه من التوجه لمدرسته وتلقي العلم.
من نماذج الإضاءات أيضا, تلك الفكرة التي تبنتها مؤسسة كرامة في نابلس, بدعم من مؤسسة انقاذ الطفل الفلسطينية, واختارت أن تسهم في مساعدة الأطفال الفلسطينيين علي تجاوز آثار السجن الإسرائيلي, إذ جندت مجموعة من المتطوعين للترفيه عن الأطفال الذين أصبحوا أسري للبيوت وضحايا للترويع المستمر, في كل المواقع التي تم بها البرنامج( البلدة القديمة ـ كروم عاشور ـ رأس العين ـ الجبل الشمالي ـ المساكن الشعبية ـ مخيمات عسكر القديم والجديد ـ عسكر البلد ـ قرية بيت أيبا) عقدت18 ورشة للأطفال, أشرف عليها25 متطوعا من الناشطين العرب والأجانب, ولإنجاح البرنامج الترفيهي قدم الأهالي بيوتهم لتكون ساحة آمنة لتنظيم تلك الورش, وشكل الآباء ساترا لحمايتهم, وقدموا كل ما استطاعوا تقديمه لإنجاح المحاولة وجذب المزيد من الأطفال المقهورين إليها, وكان ولايزال شعار البرنامج هو: نصر أن نحيا.
(5)
إذ يستمر التعذيب والتجويع علي ذلك النحو, فإن عملية تذويب القضية وإزالة معالم الوطن مستمرة علي قدم وساق, وقد جاء الإعلان الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بانتهاء اتفاقيات وتفاهمات أوسلو وكامب ديفيد وطابا, بمثابة إشهار لتلك العملية, إذ بمقتضي ذلك الإلغاء فإن القضية الفلسطينية لم تعد مرتبطة بشيء, وإنما أصبحت معلقة في الفراغ بانتظار حدوث شيء ما في المنطقة, الأمر الذي لا يستغرب معه أن يشبه رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون المرحلة بـ حرب الاستقلال في سنة1948.
إن الشعار المرفوع الآن يدعو إلي حل القضية الفلسطينية وإيجاد الدولة بشرط واحد هو: تغيير السلطة وخلق سلطة جديدة لا تتعامل بالإرهاب وغير فاسدة, وديمقراطية, وهو ما أدركت منه الفصائل الفلسطينية المختلفة أن المطلب الحقيقي هو عزل حركة التحرر الوطني الفلسطيني عن أي شكل من أشكال الكيان الفلسطيني المطلوب, الأمر الذي يعني من الناحية العملية انهيار كل الآمال التي عقدت علي النضال الفلسطيني طيلة السنوات الخمسين الأخيرة, وهو ما يعني أيضا تذويب السلطة وتذويب حركة التحرر الفلسطيني, وإزالة الوطن الفلسطيني من خارطة المنطقة, إلي جانب استمرار القتل البطيء للفلسطينيين, كل ذلك علي مرأي ومسمع من الجميع.