مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عن استراتيجية التعذيب والتذويب
هويدي 17-9-2002

عدت من رحلة عمل الي أفغانستان محملا بحصيلة من المعلومات والانطباعات‏,‏ لكني حين أمضيت يوما كاملا في مطالعة الصحف التي صدرت في أثناء الغياب‏,‏ وجدت في العناوين والتقارير الفلسطينية ما يدعو الي القلق ويستوجب الاستنفار‏,‏ علي الأقل من خلال دق أجراس التحذير والانتباه‏,‏ من ثم أدركت أن أي كلام خارج الموضوع الفلسطيني‏,‏ هو بمثابة تمرير لما يجري وإخلال بمبدأ الأولويات‏,‏ وهو ترف لانملكه‏,‏ فضلا عن أنه يعد تخليا طوعيا عن واجب الوقت‏,‏ لذلك نحيت كل ما حصلته في أفغانستان جانبا‏,‏ وقررت أن أصطف إلي جانب الواقفين علي باب ذلك الثغر النازف والدامي‏.‏

‏(1)‏
شاءت المقادير أن تبدأ الرحلة وتنتهي بالوجع الفلسطيني‏,‏ فقد لقيت في مطار القاهرة شابا فلسطينيا يعمل مهندسا بدولة الإمارات‏,‏ كان قادما لتوه من غزة بعدما أمضي شهرا هناك‏,‏ عقد خلاله قرانه علي إحدي قريباته‏,‏ ولأن شركة الطيران الأفغانية‏(‏ إيريانا‏)‏ فتحت خطا جديدا بين دبي وكابول‏,‏ فقد ركبنا معا طائرة واحدة‏,‏ وظل لأكثر من ثلاث ساعات يحدثني عما عايشه وشاهده في غزة‏,‏ من وطأة الاحتلال إلي معاناة الناس وعذاباتهم اليومية‏,‏ التي طالت أدق التفاصيل في حياتهم‏,‏ وهو ما ذكرني بما قرأته ذات يوم في كتاب مريد البرغوثي رأيت رام الله‏,‏ الذي قال فيه إن أحدا لا يستطيع أن يتصور حقا ما يحدث علي الأرض في فلسطين‏,‏ إلا حين يراه بعينيه‏,‏ لأن أي وصف مهما بلغت دقته وبلاغته يعجز عن أن يوفي الصورة حقها‏,‏ خصوصا فيما يتعلق بالتمدد الوحشي للاستعمار الإسرائيلي والانقلاب الهائل الذي تشهده الخريطة الفلسطينية‏,‏ ويتم بصورة يومية من خلال إعادة رسم الطرق وإحكام المعازل‏,‏ وتحويل فلسطين إلي أكبر سجن في التاريخ‏,‏ في داخله يتم خنق الفلسطينيين من خلال كتم أنفاسهم وتعريضهم للقتل البطيء‏.‏
وخزني الشاب الفلسطيني بسكين حاد‏,‏ حين قال لي إن الفلسطينيين يشعرون الآن بأن كثيرين قد تخلوا عنهم‏,‏ حتي أصبحوا يقفون وحدهم‏,‏ ولا يرون إلا أفقا مسدودا ومظلما‏,‏ وأكثر ما يحزنهم أن عذاباتهم تحولت إلي خبر عادي في حياة الآخرين‏,‏ لا يحرك غيرة أو شعورا بالخطر‏,‏ وإذا استثار غضب البعض وحميتهم‏,‏ فإن ذلك الغضب سرعان ما يهدأ‏,‏ وينصرف الناس عنه إلي شواغلهم الخاصة‏,‏ وأحيانا إلي العبث واللهو‏,‏ الذي تعبر عنه الفضائيات العربية بصورة مستفزة وصارخة‏.‏
أضاف محدثي أن الشيء الوحيد المضيء في الأفق الفلسطيني الآن‏,‏ هو العمليات الاستشهادية‏,‏ التي أصبحت بعض الأصوات العربية تستنكرها وتتحدث عنها باستياء يثير دهشة الشارع الفلسطيني‏,‏ الذي عجز عن أن يفهم لماذا يغار البعض علي الدم الإسرائيلي بأكثر من غيرتهم علي شلال الدم الذي يتدفق يوميا علي الخارطة الفلسطينية كلها‏,‏ بوتيرة متفاوتة منذ خمسين عاما‏,‏ ولماذا لا يدرك هؤلاء أن الشبان والفتيات الذين يضحون بحياتهم هم جزء من الجسم الفلسطيني الذي يتعرض للذبح يوميا‏,‏ وكل ما يفعلونه أنهم يمسكون بخناق القاتل ويحاولون منعه من الإجهاز علي بقية الجسم؟

قال المهندس العائد من غزة‏,‏ إنه يوم عقد قرانه اجتمعت الأسرتان في مجلس خيمت عليه الكآبة وأجواء الحزن‏,‏ وتبادل الجميع كلمات مبتورة‏,‏ كانت الابتسامات خلالها تنتزع وترسم علي الوجوه لافتعال فرحة سقطت من قاموس الحياة الفلسطينية‏,‏ ثم انصرف الجميع مع حلول الظلام‏,‏ وكأنهم عائدون من سرادق للعزاء‏,‏ وشاءت المقادير أن تقع عملية استشهادية في ضحي اليوم التالي‏,‏ فإذا بالدم يسري في العروق والفرحة تعم الجميع‏,‏ حتي إن شباب الحي والعريس معهم خرجوا إلي الشوارع‏,‏ وظلوا يرقصون الدبكة حتي الظهر‏,‏ لقد ردت إليهم العملية الروح‏,‏ وأحيت في نفوسهم الأمل في إمكانية نقل الوجع إلي العدو والخلاص منه‏,‏ ولو بعد ألف عام‏.‏
في يوم العودة من كابول‏,‏ تلقيت اتصالا هاتفيا من غزة‏,‏ من مدير أحد مراكز المعلومات هناك‏,‏ الذي نقل إلي الصورة نفسها‏,‏ وأعرب عن استغرابه لحالة اللامبالاة واللهو التي أصبحت تسود معظم أنحاء العالم العربي‏,‏ ثم قال إن اجتياح غزة وإعادة احتلالها بالكامل صار وشيكا‏,‏ وهو واقع لاريب‏,‏ خصوصا إذا تم شن الحرب الأمريكية ضد العراق‏,‏ وسألني محدثي بنبرة لا تخلو من استياء ودهشة‏:‏ ألا يدرك العرب أن فلسطين تصلب ويضحي بها‏,‏ علي مذبح الاستقلال والأمن والكرامة العربية‏,‏ وأن طوفانا سيغرق الجميع إذا لقيت القضية المصير الذي يراد لها الآن؟

‏(2)‏
حين يضع المرء عناوين الأخبار والتقارير التي خرجت من فلسطين خلال الأيام العشرة الأخيرة‏,‏ لابد أن تصدمه النتيجة‏,‏ إذ تقع عيناه علي صورة مكثفة للمشهد‏,‏ لا يكاد يلحظها قاريء الصحيفة الصباحية‏,‏ الذي يري العنوان الفلسطيني ضمن عناوين أخري كثيرة‏,‏ ثم يطوي الصحيفة أو يلقي بها جانبا‏,‏ ويعود إلي انشغاله بأموره الأخري‏.‏
هذه الصدمة تلقيتها حين اجتمعت أمامي الصحف التي صدرت خلال الرحلة‏,‏ وكانت سببا في انقطاعي عن أحداث العالم الخارجي‏,‏ والعالم العربي ضمنا‏,‏ ذلك أن الذاهب إلي أفغانستان ينتقل إلي كوكب آخر في حقيقة الأمر‏,‏ كما ينقطع عن أحداث العالم الخارجي‏,‏ والوافد اذا كان محظوظا أو من أهل الوجاهة‏,‏ فقد يتاح له أن يتابع ما يجري في العالم اذا أعطي في الفندق غرفة مزودة بتليفزيون‏0‏ واذا لم ينقطع التيار الكهربائي بطبيعة الحال‏!)‏ ـ ولكنني لم أكن من هؤلاء‏,‏ حيث حمدت الله وقنعت بغرفة مزودة بالمياه‏,‏ وتزورها المياه الساخنة زيارة عابرة كل ثلاثة أيام‏,‏ وبسبب من ذلك فقد كنت من ضحايا ذلك الانقطاع عما يجري في الكرة الأرضية طيلة فترة الزيارة‏,‏ إذ بالكاد كنا نعرف مايجري في كابول‏,‏ في حين يجري التعتيم في الأغلب عما يحدث خارجها‏,‏ خصوصا فيما يتعلق بعمليات القوات الأمريكية والاشتباكات المستمرة معها في الجنوب والشرق‏.‏
حين وضعت العناوين الفلسطينية جنبا إلي جنب‏,‏ وجدت أنها ترسم صورة خلاصتها أن الشعب الفلسطيني يتعرض للإبادة والتعذيب‏,‏ كما أن القضية برمتها تتعرض للتذويب‏,‏ وأدركت أن ما تنشره الصحف كل صباح هو في حقيقة الأمر عرض لإحدي حلقات ذلك المسلسل‏,‏ فما من يوم إلا وهناك قتلي وقصف وتدمير للبيوت واعتقالات واستيلاء علي الأراضي الفلسطينية‏,‏ وتوسيع للمستعمرات‏,‏ وتكثيف من الحواجز‏,‏ واقتحام لمناطق جديدة‏,‏ هي ليست قصة مكررة‏,‏ لان التكرار يفترض أن تتحدث عن الشيء نفسه محكوما بإطاره المكاني والزمني‏,‏ أما حين تتكرر الوقائع ذاتها علي مسرح مختلف كل يوم‏,‏ وفي إطار مكاني وزماني مغاير‏,‏ فإننا نصبح بصدد شيء مختلف‏,‏ اسمه جريمة مستمرة‏,‏ وربما كان الأدق أن يوصف بأنه مسلسل طويل يفضي إلي نتيجة عدمية يدمر فيها كل شيء‏,‏ بحيث لا يبقي علي مسرح الحدث سوي أطلال المباني وأشلاء البشر‏.‏

لا يحتمل المكان أن استعرض العناوين التي أعنيها‏,‏ لكني أحسب أن البعض منها يفي بالغرض‏,‏ من هذا البعض مثلا‏:‏ احتلال قرية بيت آبا للمرة الرابعة ـ فلسطين سجن كبير وشعبها ينتظر الفورة‏(‏ المقصود فترة السماح التي تعطي لنزلاء السجون لكي يخرجوا من الزنازين لرؤية الشمس والمشي لبعض الوقت في فناء السجن‏)‏ ـ استشهاد فلسطينيين بقذائف دبابة إسرائيلية قرب نابلس ـ‏10‏ أشخاص ضحية هدم منزل دمره الإسرائيليون ـ الأطفال الأسري يعانون من التعذيب والإذلال في سجون الاحتلال ـ كارثة صحية‏:‏ الأطفال الفلسطينيون يعانون الأنيميا وآثار الغازات السامة ـ حواجز إسرائيلية تحاصر مدينة نابلس من الخارج وأخري تقسمها من الداخل ـ حظر التجوال يربك حياة الفلسطينيين و‏2‏ مليون ينامون ولا يعرفون علي أي إجراء عسكري جديد يصبحون ـ جمعية إسرائيلية لحقوق الإنسان تتحدث عن استخدام الجيش الإسرائيلي قذائف محظورة ـ رخص حياة الفلسطينيين ظاهرة واضحة وحوادث قتل الأطفال والأبرياء زادت بصورة كبيرة‏(‏ هاآرتس‏)‏ ـ رئيس الأركان الإسرائيلي‏:‏ الضربات الأمريكية الوقائية تبرر الاغتيالات بحق الفلسطينيين ـ شارون‏:‏ اتفاقات أوسلو وترتيبات كامب ديفيد وطابا لم تعد قائمة ـ‏15‏ دبابة إسرائيلية اقتحمت دير البلح ـ ليس في الثلاجة إلا الزعتر والأطفال يتضورون جوعا ـ نقل جريحين إلي قلب جنين وقتلهما بدم بارد أمام الأهالي ـ إسرائيل استخدمت في غزة قذائف محظورة تطلق آلاف القطع المسمارية لإيقاع أكبر عدد من الإصابات والقتلي‏..‏ وهكذا‏.‏

‏(3)‏
ليست هذه حربا‏,‏ لأن للحرب قوانين وأعرافا وأخلاقا‏,‏ وليس لشيء من ذلك وجود في المشهد‏..‏ ولكننا بصدد حالة من الافتراس الهمجي الذي لايدع وسيلة للإجهاز علي الآخر إلا واستخدمها‏,‏ وكلما استعصت الضحية وقاومت‏,‏ اهتاج القاتل وازداد شراسة وخسة‏,‏ وما التجويع المتعمد‏,‏ ومنع الأدوية والأمصال‏,‏ وإذلال الجميع‏,‏ والمرضي في المقدمة منهم‏,‏ عند الحواجز المنتشرة في كل مكان إلا من تجليات تلك الخسة‏.‏
وقعت علي تقرير تحدث عن الكارثة الصحية في فلسطين‏,‏ ونقل عن الدكتور عبدالجبار الطيبي مدير الرعاية الأولية بوزارة الصحة الفلسطينية قوله‏:‏ إن ما نسبته‏45%‏ من الأطفال دون سن الخامسة يعانون الأنيميا‏,‏ وأن‏55%‏ من السيدات الحوامل يعانين المرض نفسه‏,‏ وأضاف أن ذلك يحدث في الوقت الذي ازدادت فيه حالات نقص الوزن والطول عند الأطفال بنسبة تجاوزت‏13%.‏

ذكر التقرير أن مصدرا طبيا في مستشفي دار الشفاء بمدينة غزة‏,‏ قال إن المستشفي استقبل حالة ولادة غاية في الغرابة‏,‏ حيث وضعت سيدة فلسطينية طفلا غير محدد الجنس‏,‏ وجسده بدون أطراف‏,‏ ويعاني تشوهات خلقية في الوجه‏,‏ وقد ولد الجنين في حالة سيئة جدا‏,‏ ولم يتجاوز وزنه كيلوجراما واحدا‏,‏ بينما طوله لم يتجاوز‏27‏ سنتيمترا‏.‏
قال المصدر الطبي إنه برغم أن هذه حالة استثنائية‏,‏ فإن حالات تشوه المواليد أصبحت ظاهرة في المجتمع الفلسطيني‏,‏ في ظل الانتفاضة‏,‏ وهو ما حدث في السابق حين وقعت انتفاضة عام‏1987,‏ وذلك التشوه ناجم عن النقص الحاد في التغذية‏,‏ أو نتيجة لاستنشاق الأمهات الغازات السامة والمواد الإشعاعية التي تطلقها قوات الاحتلال بين الحين والآخر‏,‏ عن طريق الطائرات التي لا تكف عن التحليق في سماء المدن والقري الفلسطينية‏.‏
تلك مجرد لقطة واحدة من فصل الخسة في سجل الافتراس الإسرائيلي للشعب الفلسطيني‏,‏ واللقطات الأخري المماثلة تفوق الحصر‏,‏ وكلها تدور حول محور واحد مركب من التعذيب والإذلال وسحق الإرادة‏.‏

‏(4)‏
في الظلمة الحالكة تلمع أشياء من ذلك القبيل الذي يرد الروح الي القلوب المتعبة والنفوس التي أصبحت عصية علي الانكسار‏,‏ نعم العمليات الاستشهادية تتربع علي القمة‏,‏ حيث تكفكف الدمع وتمسح الحزن وتحيي الأمل‏,‏ لكن هناك ممارسات أخري بسيطة تصب في ذات الوعاء‏,‏ نابلس المحاصرة‏,‏ التي يسكنها‏200‏ ألف نسمة يصر الإسرائيليون علي حصارهم وسجنهم‏,‏ ومن ثم خنقهم وإذلالهم شهدت محاولات من ذلك القبيل‏,‏ فبعد إغلاق المدارس أو تدميرها‏,‏ أقام بعض الناشطين مدرسة شعبية في إحدي ساحات المدينة القديمة‏,‏ أطلقوا عليها مدرسة شهداء نابلس‏,‏ في تقرير نشرته صحيفة القدس اللندنية حول المشروع‏,‏ ذكرت ما يلي‏:‏ الأطفال يحضرون مبكرا إلي الساحة ويبدأون بتجهيز المدرسة التي هي عبارة عن صناديق خضار فارغة يضعون فوقها ألواحا خشبية ويرتبونها بشكل متواز ويقسمونها الي أجزاء حسب صفوفهم‏,‏ ويقفون بانتظام لحين وصول الأستاذ‏,‏ الذي سرعان ما يبدأ بتوزيع الأطفال علي مقاعدهم الخشبية كل حسب عمره‏,‏ كي تبدأ الجولة الصباحية من التدريس بحيث تليها جولة أخري في المساء‏.‏
التاسعة صباحا هو موعد الحصة الأولي‏,‏ التي يبدؤها الأطفال بالنشيد وقراءة الفاتحة‏,‏ ومن ثم يبدأ التدريس علي مراحل متعددة بعد أن يقوم بعض المتطوعين من لجان البلدة بتوزيع الأقلام والدفاتر علي الأطفال‏,‏ وتقوم إحدي المؤسسات بتقديم ألواح صغيرة وطباشير يستخدمها الأطفال في الكتابة‏.‏

الحضور مكتمل باستثناء مقعد واحد ترك فارغا‏..‏ إنه مقعد الطفل الشهيد عبدالله سمير الشعبي‏(8‏ سنوات‏),‏ الذي سقط في مجزرة نابلس مع باقي أفراد عائلته‏,‏ وفاء له ترك زملاؤه مقعده فارغا ووضعوا عليه إكليلا من الزهور‏.‏
يحضر الأطفال قبل موعدهم بكثير‏,‏ تقول أم أحمد التي أحضرت أطفالها إلي المدرسة‏:‏ لقد فرحوا كثيرا عندما أخبرناهم بأنهم ذاهبون للمدرسة‏,‏ لقد مر أكثر من أسبوع علي بداية العام الدراسي والأطفال لم يذهبوا إلي مدارسهم الحقيقية‏,‏ هم يدركون جيدا أن السبب وراء ذلك إسرائيل‏..‏ واذا سألت أصغرهم سيجيبك أن هناك احتلالا يحرمه من التوجه لمدرسته وتلقي العلم‏.‏
من نماذج الإضاءات أيضا‏,‏ تلك الفكرة التي تبنتها مؤسسة كرامة في نابلس‏,‏ بدعم من مؤسسة انقاذ الطفل الفلسطينية‏,‏ واختارت أن تسهم في مساعدة الأطفال الفلسطينيين علي تجاوز آثار السجن الإسرائيلي‏,‏ إذ جندت مجموعة من المتطوعين للترفيه عن الأطفال الذين أصبحوا أسري للبيوت وضحايا للترويع المستمر‏,‏ في كل المواقع التي تم بها البرنامج‏(‏ البلدة القديمة ـ كروم عاشور ـ رأس العين ـ الجبل الشمالي ـ المساكن الشعبية ـ مخيمات عسكر القديم والجديد ـ عسكر البلد ـ قرية بيت أيبا‏)‏ عقدت‏18‏ ورشة للأطفال‏,‏ أشرف عليها‏25‏ متطوعا من الناشطين العرب والأجانب‏,‏ ولإنجاح البرنامج الترفيهي قدم الأهالي بيوتهم لتكون ساحة آمنة لتنظيم تلك الورش‏,‏ وشكل الآباء ساترا لحمايتهم‏,‏ وقدموا كل ما استطاعوا تقديمه لإنجاح المحاولة وجذب المزيد من الأطفال المقهورين إليها‏,‏ وكان ولايزال شعار البرنامج هو‏:‏ نصر أن نحيا‏.‏

‏(5)‏
إذ يستمر التعذيب والتجويع علي ذلك النحو‏,‏ فإن عملية تذويب القضية وإزالة معالم الوطن مستمرة علي قدم وساق‏,‏ وقد جاء الإعلان الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بانتهاء اتفاقيات وتفاهمات أوسلو وكامب ديفيد وطابا‏,‏ بمثابة إشهار لتلك العملية‏,‏ إذ بمقتضي ذلك الإلغاء فإن القضية الفلسطينية لم تعد مرتبطة بشيء‏,‏ وإنما أصبحت معلقة في الفراغ بانتظار حدوث شيء ما في المنطقة‏,‏ الأمر الذي لا يستغرب معه أن يشبه رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون المرحلة بـ حرب الاستقلال في سنة‏1948.‏
إن الشعار المرفوع الآن يدعو إلي حل القضية الفلسطينية وإيجاد الدولة بشرط واحد هو‏:‏ تغيير السلطة وخلق سلطة جديدة لا تتعامل بالإرهاب وغير فاسدة‏,‏ وديمقراطية‏,‏ وهو ما أدركت منه الفصائل الفلسطينية المختلفة أن المطلب الحقيقي هو عزل حركة التحرر الوطني الفلسطيني عن أي شكل من أشكال الكيان الفلسطيني المطلوب‏,‏ الأمر الذي يعني من الناحية العملية انهيار كل الآمال التي عقدت علي النضال الفلسطيني طيلة السنوات الخمسين الأخيرة‏,‏ وهو ما يعني أيضا تذويب السلطة وتذويب حركة التحرر الفلسطيني‏,‏ وإزالة الوطن الفلسطيني من خارطة المنطقة‏,‏ إلي جانب استمرار القتل البطيء للفلسطينيين‏,‏ كل ذلك علي مرأي ومسمع من الجميع‏.‏
أضافة تعليق