مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الكثير الذي نستطيع فعله
هويدي 23-7-2002

علي الرغم من حسن النية الظاهر في اقتراح دعوة أطفال فلسطين لقضاء عطلة الصيف في بعض الدول العربية‏,‏ فإنني أجده من البساطة بحيث يبدو وكأنه محاولة للتخفيف من آلام إنسان مذبوح بإعطائه قطعة من الحلوي‏.‏ هو ليس كافيا ولا شافيا‏,‏ بل أحسبه لا يرقي إلي مستوي الحدث من أي باب‏,‏ ذلك أن هناك أبوابا أخري عديدة يمكن أن يطرقها من كان جادا في التعبير عن التضامن أو تقديم العون لدعم الصمود الفلسطيني الذي هو من ضرورات استمرار المقاومة‏,‏ وأرجو ألا أكون بحاجة لأن أشرح لماذا يجب أن تستمر المقاومة‏!‏

‏(1)‏
مما نشرته الصحف فإن ذلك الاقتراح قدم في شهر مايو الماضي إلي منظمة العمل العربية‏,‏ ولا أعرف إن كان قد أخذ به أم لا‏,‏ وقد تزامن نشره مع أخبار وتقارير أخري تناقلتها وسائل الإعلام حول محنة عشر جامعات فلسطينية‏(‏ تضم‏60‏ ألف طالب‏)‏ خربت أبنيتها ودمرت معاملها‏,‏ وحول عجز‏4200‏ طالب في جامعة القدس عن تسديد الرسوم‏,‏ ورفع الرسوم التي يدفعها الطلاب الوافدون سنويا إلي الجامعات اللبنانية‏,‏ بحيث أصبحت‏600‏ دولار بدلا من مائة‏,‏ الأمر الذي فهم أن المقصود به هم الطلاب الفلسطينيون بالدرجة الأولي‏(‏ عددهم‏2100‏ طالب وطالبة‏)‏ الذين سيحرمهم هذا الرفع المفاجئ عن مواصلة تعليمهم بالجامعات اللبنانية‏.‏ وحسبما ذكرت بعض الصحف فإن تلك الخطوة اتخذت ضمن إجراءات أخري أرادت بها الحكومة اللبنانية أن تحوط للحيلولة دون توطين الفلسطينيين هناك‏.‏
حدث ذلك بينما سجلت أخبار أخري أن‏75%‏ من الفلسطينيين أصبحوا يعيشون تحت حد الفقر‏,‏ بالضفة والقطاع‏,‏ وأن وكالة غوث اللاجئين تركت مهمتها الأصلية وأصبحت معنية بإنقاذ مليون و‏800‏ ألف فلسطيني‏,‏ وإعانتهم علي مواصلة الحياة‏,‏ بعدما توالت إجراءات الحصار والتجويع التي فرضتها السلطات الإسرائيلية‏,‏ وما أصاب المباني والمنشآت بالأرض المحتلة‏,‏ في مجالي الخدمات والمرافق بوجه أخص‏,‏ لم يكن أقل فداحة‏,‏ حيث دمرت‏80%‏ من الأبنية والشبكات التي تقدم تلك الخدمات‏.‏

وجدت أن رد الفعل في الأردن كان أكثر نضجا وفعالية بصورة نسبية‏.‏ فقد قررت النقابات المهنية هناك تقديم مساعدات مالية للطلاب الفلسطينيين في الجامعات الأردنية‏,‏ الذين انقطعت مواردهم بسبب الاجتياح الإسرائيلي‏.‏ كما طالب مجلس النقباء الحكومة الأردنية بإعفاء الطلبة الفلسطينيين من الرسوم في الجامعات الرسمية‏,‏ في الوقت نفسه تعهدت النقابات المهنية الكبري بتقديم مساعدات وفقا لتخصصاتها‏,‏ بحيث ترعي نقابة المهندسين دارسي الهندسة‏,‏ ونقابة المحامين دارسي القانون‏,‏ ونقابة طب الأسنان طلاب ذلك الفرع‏..‏ وهكذا‏.‏
علي صعيد آخر فقد تم الإعلان عن توأمه مدينتي الزرقاء الأردنية وجنين الفلسطينية في حفل خاص أقيم في بلدية الزرقاء‏(‏ يوم‏6/15),‏ وبمقتضي هذا الاتفاق فإن تعاونا وثيقا في مختلف المجالات يفترض أن يقوم بين البلدتين‏,‏ خصوصا أن جنين تعتبر مركزا تسويقيا وتجاريا مهما لأكثر من نصف مليون فلسطيني داخل الخط الأخضر‏,‏ وتمثل سلة الغذاء الفلسطيني‏.‏

‏(2)‏
أكثر ما أخشاه أن تكون همتنا في دعم الصمود الفلسطيني قد فترت‏,‏ بعد السكوت النسبي لفعل المقاومة وما بدا فوق السطح من توقف أو تراجع للانتفاضة‏,‏ ولا أتمني أن تقع مذبحة أخري لكي توقظ المشاعر وتجدد رياح الغضب‏,‏ وتستدعي إلي ساحة المواجهة الذين شغلوا بأمورهم وانصرفوا عن أداء واجب الوقت إزاء قضية المستقبل في العالم العربي‏,‏ وأضع أكثر من خط تحت الجملة الأخيرة مذكرا بأن ما جري في الأرض المحتلة من اجتياح وحشي لا يستهدف تركيع أو استئصال الفلسطينيين وحدهم‏,‏ وإنما هو في حقيقة الأمر ـ أكرر ـ حلقة في مسلسل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط‏,‏ الذي نحن جزء منه‏,‏ وهو ما يعني أنه لم يعد بوسع أحد أن ينام مطمئنا بمظنة أنه بعيد عن دائرة الخطر‏,‏ وأنه ناج من الطوفان‏,‏ وفي مأمن منه‏,‏ ذلك وهم كبير مسكوت عليه للأسف‏,‏ من قبل أولئك الذين يؤثرون دفن رءوسهم في الرمال‏,‏ بحيث لا تبلغ أبصارهم ومداركهم ما يبصره ويدركه أهل النظر‏,‏ وهم بذلك يخدعون أنفسهم ويخدعون الناس‏,‏ ويلهونهم عن مختلف المؤشرات والحقائق التي تلوح في الأفق متحدثة تارة عن إعادة إنتاج مشروع هتلر للسلام الذي طرحه الزعيم النازي عام‏1941‏ وتحدث فيه عن أوروبا الجديدة‏,‏ وهو عنوان يستدعي إلي الذاكرة مباشرة لافتة الشرق الأوسط الجديد د‏.‏ حسن نافعة‏,‏ الأهرام‏4/27),‏ أو تلك التي تدق الأجراس لافتة الانتباه إلي حزب الإمبراطورية الأمريكية الذي تقوي شوكته في واشنطن يوما بعد يوم‏,‏ ويهدف بين ما يهدف إلي وضع العالم العربي تحت الوصاية أو الانتداب الأمريكي‏(‏ د‏.‏ خالد عبدالله‏,‏ القدس العربي‏7/1),‏ فهذا العالم في نظر التيار الأمريكي الجديد بمثابة منطقة رخوة يسهل النفاذ إليها وتحقيق الانتصارات فيها دون مقاومة‏(‏ د‏.‏ محمد السيد سعيد‏,‏ الأهرام‏7/8).‏

الأمر جد إذن ولا هزل فيه‏,‏ وأولئك الذين يدفنون رءوسهم في الرمال لا يخدعون أنفسهم وغيرهم فحسب‏,‏ وإنما هم يرتكبون جرما أفدح‏,‏ لأنهم يغرون الذين يتطلعون إلي افتراس الأمة وإعادة رسم خرائطها بالتقدم نحو أهدافهم‏,‏ مطمئنين إلي أنهم فائزون لاريب بالغنيمة التي يريدون‏,‏ ذلك أنه في كل المعارك هناك مخططات الاجتياح‏,‏ وهناك حالة القابلية للاجتياح‏,‏ والأولي لا تحقق مرادها إلا إذا توافرت الثانية‏.‏
الذي ألح عليه هنا أن يستمر الاستنفار والدعم لتعزيز الصمود والمقاومة‏,‏ ولست بصدد الحديث عن مسئولية الحكومات والأنظمة‏,‏ وإنما يهمني في الوقت الراهن الدور الذي يقوم به المجتمع بأفراده ومؤسساته الأهلية‏,‏ ذلك أنه بوسع كل فرد أن يفعل الكثير‏,‏ كما أن المؤسسات الأهلية تستطيع أن تفعل ما هو أكثر‏,‏ لكن الثقافة السائدة لا تلقي بالا لمثل تلك الفعاليات للأسف‏,‏ تأثرا فيما يبدو بمرحلة تأميم كل شيء‏,‏ التي تراجع فيها دور المجتمع حتي غيب تماما‏.‏

‏(3)‏
في الذكري الرابعة والخمسين لاحتلال فلسطين‏(16‏ مايو الماضي‏)‏ نشر علي موقع إسرائيل من الداخل علي شبكة الإنترنت‏,‏ تقرير تحت عنوان‏:54‏ طريقة تدعم بها إسرائيل‏(‏ اختيار عده طرق الدعم مقصود بطبيعة الحال‏,‏ وله دلالته في المناسبة‏),‏ وكانت الملاحظة الأساسية علي التقرير أنه ركز بقوة علي المبادرات الشخصية‏,‏ أعني أنه وضع أمام كل فرد بدائل وخيارات عدة‏,‏ تحقق الدعم المنشود لإسرائيل‏,‏ بحيث لا يستطيع أي أحد أن يدعي أنه بلا حيلة أو عاجز عن الفعل‏.‏
كانت رسالة التقرير لكل إنسان متعاطف تقول ما يلي‏:‏ دعمك الشخصي مهم لنا للغاية‏,‏ وتستطيع أن تفعل الكثير لمصلحة إسرائيل‏,‏ ولا عذر لك‏,‏ فهذه قائمة بما يمكنك أن تعبر به عن دعمك‏,‏ فتقدم ولا تقعد ساكنا‏.‏

المهام المقترحة غطت مساحة واسعة من الأنشطة الاقتصادية والثقافية والإعلامية والروحية والسياسية‏,‏ واعتمدت علي فكرة تغيير السلوك ونمط الحياة‏,‏ والحرص علي التأثير علي الرأي العام‏,‏ وتكوين جماعات الضغط في كل مكان‏.‏
إنها تدعو إلي شراء البضائع الإسرائيلية وتقديمها علي غيرها‏,‏ حتي وإن غلا ثمنها‏,‏ وتقترح في هذا الصدد شراء أنواع محددة من العصائر والفواكه إسرائيلية المصدر والصنع‏,‏ وتذهب إلي القول بأن من يريد أن يدعم إسرائيل حقا عليه أن يشتري هذه المنتجات حتي وإن كرهها‏,‏ وإذا كان راغبا عنها فليشترها ثم يهديها إلي غيره‏,‏ وهو يشجع ما هو إسرائيلي فإنه يدعو إلي مقاطعة كل ما هو عربي‏,‏ حتي النفط العربي يجب أن يعرض عنه‏,‏ وإن اقتضي ذلك أن يستخدم المرء الدراجة بدلا من السيارة‏,‏ إذ هو بذلك يخدم إسرائيل من ناحيتين‏,‏ إذ هو يقلل من الاعتماد علي النفط العربي‏,‏ وهو أيضا يشارك في حماية البيئة‏!‏

في هذا السياق جرت دعوة اليهود في إسرائيل خاصة إلي ضرورة القضاء علي حوادث السيارات‏,‏ التي يصل عدد قتلاها سنويا إلي‏600‏ شخص‏,‏ والحجة التي قدمت في ذلك أن إسرائيل إذا كانت تفقد أرواح بعض أبنائها في الصراع مع الفلسطينيين‏,‏ فليس هناك ما يبرر مضاعفة الخسائر بحيث يفقدون أرواحا أخري بأيديهم‏.‏
وهي تحث علي شراء المنتجات الإسرائيلية من السوق‏,‏ طلبت من الجميع عدم تضييع فرصة الحوار مع البائع‏,‏ ونقل المعلومات اللازمة عن الصراع إليه‏,‏ وذكرتهم بأهمية شراء الزهور للدعم المعنوي لأسر الضحايا الإسرائيليين‏,‏ كما طلبت منهم الإنفاق بسخاء في الفنادق والمتاجر الإسرائيلية‏,‏ لتعويض النقص في الموارد الذي أصاب تلك المؤسسات بسبب تراجع السياحة في ظل تصعيد المواجهة مع الفلسطينيين‏,‏ واستطرادا من هذه النقطة شملت المقترحات الدعوة إلي إقامة حملات ترويج سياحية تعرف بتراث إسرائيل وحقها في البقاء علي أرضها‏.‏

وفي حثها علي القيام بالدور الإعلامي طالبت بأن يعطي كل فرد بعضا من وقته لمراقبة المواقع العربية علي شبكة الإنترنت‏,‏ والرد عليها والاشتباك معها‏,‏ وعدم السكوت علي ما تبثه تلك المواقع بحيث يرد كل إسرائيلي أو متعاطف بالمعارضة أو التأييد للأفكار المنشورة لتلتقط قلمك أو تضغط علي أزرار لوحة جهازك‏,‏ وتبدأ بالكتابة للصحف ووسائل الإعلام‏,‏ لا تبق صامتا‏,‏ ولا تنتظر أحدا غيرك يقوم بالمهمة‏..‏ افعلها أنت‏.‏
لقد طالب تقرير‏54‏ طريقة لدعم إسرائيل كل من تسلم رسالته بأن يعيش حالة المساندة طوال الوقت‏,‏ في بيته ومكتبه والمتجر الذي يتعامل معه‏,‏ وخلال جلوسه أمام شاشة جهازه الإلكتروني‏,‏ وانتهاء باللحظة التي يأوي فيها إلي فراشه‏,‏ حيث يرجي منه أن يفكر قبل النوم في ضحايا التفجيرات الإرهابية‏,‏ وما سيفعله من أجلهم غدا‏,‏ حينما يستيقظ ويغادر فراشه‏!‏

‏(4)‏
هذا نوع من التربية وتشجيع المبادرات الشخصية نحن أحوج إليه وأحق به‏,‏ أحوج إليه لأننا الضحايا التي تتعرض لما تعرف من صور القهر والإذلال اليومي‏,‏ اللاحقة لتضييع الحقوق واغتصاب الأرض‏,‏ وأحق به لأن إحقاق الحق وإزهاق الباطل ركن أصيل في ثقافتنا‏,‏ وواجب ديني بامتياز‏.‏ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الذي وصفه الإمام الغزالي في الأحياء بأنه القطب الأعظم للدين ـ هو تكليف يستنفر المؤمنين طوال الوقت‏,‏ يخرجهم من الانكفاء علي الذات والاستغراق في الشأن الخاص‏,‏ ويحث كل واحد منهم علي ضرورة أن يفعل شيئا لأجل الدفاع عما هو حق‏,‏ وإصلاح العوج والقصور من حوله‏,‏ كل حسب استطاعته‏,‏ من التغيير باليد إلي الأنكار بالقلب‏.‏ المهم ألا يلتزم الصمت وألا يغيب عن جبهة الإصلاح والتقويم‏.‏
حين نفكر في جهد المؤسسات الأهلية‏,‏ فإن المرء لا يملك إلا أن يشير بالتقدير إلي تجربة نجحت في دبي‏,‏ وجسدت هذا الموقف الذي ندعو إليه‏,‏ فقد تشكلت هناك لجنة العمل لدعم الانتفاضة‏,‏ وفهمت من الدكتور تيسير النابلسي المسئول عنها أن كلمة العمل أضيفت إلي التسمية عمدا‏,‏ حتي تنبه إلي أن الفعل هو محور رسالتها‏,‏ وليس أي شيء آخر‏.‏ وفي هذا الإطار فإن اللجنة التي ضمت ثلاثين عضوا أجرت مسحا للجمعيات الخيرية ولجان الزكاة في فلسطين‏,‏ ورشحت‏23‏ جمعية ولجنة منتشرة في التجمعات السكانية المختلفة‏,‏ لكي تكون واسطتها في إيصال الدعم الذي اختارت له مجالات ثلاثة هي‏:‏ الدعم الطارئ الذي يقدم في كل مناسبة أو منطقة يحدث فيها تماس مع العدو وأضرار نتجت عن ذلك التماس‏,‏ ودعم الأسر المتضررة من العدوان‏,‏ ودعم الجامعات الفلسطينية والطلاب العاجزين عن سداد رسوم دراستهم‏.‏

شكلت اللجنة بعد بدء الانتفاضة بشهرين‏,‏ واستطاعت حتي الآن تحويل نحو أربعة ملايين دولار إلي الداخل الفلسطيني‏,‏ لمصلحة الأغراض سابقة الذكر‏,‏ وهو مبلغ قد يكون قطرة في بحر‏,‏ لكنه خير من لا شيء علي الإطلاق‏,‏ ثم إن نموذج اللجنة لو أنه تكرر‏,‏ فإنه قد يخفف شيئا من الحزن الفلسطيني الكبير‏.‏

‏(5)‏
إلي جانب الدور الذي يمكن أن تقوم به المبادرات الشخصية تبدو فكرة المؤاخاة بحسبانها صيغة أخري لدعم الصمود جليلة الفائدة‏.‏ لقد أشرت قبل قليل إلي المؤاخاة التي تمت بين مدينتي الزرقاء الأردنية وجنين الفلسطينية‏,‏ وقرأت في مقالة كتبها الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين‏48‏ أنهم بدأوا في تطبيق هذه الفكرة في الداخل الفلسطيني‏,‏ حيث أعلنوا عن مشروع للمؤاخاة بين البيوت في فلسطين‏48,‏ ومثيلاتها في الضفة والقطاع‏,‏ علي أن يلتزم من يسهم في المشروع بأن يتولي رعاية بيت في الضفة والقطاع‏,‏ إلي جوار بيته‏,‏ بحيث يدفع رب الأسرة العربية في داخل إسرائيل مبلغا بحد أدني‏500‏ شيكل‏,‏ قابلة للزيادة‏,‏ إلي الأسرة التي يختار التآخي معها علي الجانب الآخر‏(‏ القدس العربي‏.4/26),‏ ولا أعرف ما الذي حققه المشروع حتي الآن‏,‏ لكني أرشح الفكرة لكي تطبق علي نطاق أوسع في العالم العربي‏.‏
ذلك أنه بعد التدمير الهائل الذي أحدثه الاجتياح الإسرائيلي‏,‏ فإن إعادة بناء الخدمات والمرافق ومختلف عناصر البنية التحتية اللازمة لإعادة الحياة في الضفة والقطاع‏,‏ هذه العملية تتطلب مبالغ هائلة‏,‏ وتستغرق وقتا طويلا‏,‏ ولست واثقا من أن الدول العربية أو ما يسمي بالدول المانحة تستطيع أن تلبي جميع احتياجات عملية إعادة البناء هذه‏,‏ وحتي إذا بذلت تلك الدول قصاري جهدها في هذا الصدد‏,‏ فليس من شك أن إسهام المجتمعات العربية ممكن أن يسرع بمهمة الإنجاز‏,‏ فضلا عن أن ذلك الإسهام قد يغطي مساحات لا تبلغها جهود الدول‏,‏ خصوصا أن عملية المؤاخاة تتسع لما لا حصر له من المجالات والأنشطة‏.‏

مررنا بنموذج المؤاخاة بين البلديات‏,‏ وهذا يمكن أن يتكرر‏,‏ بحيث يتم بين الجامعات والمستشفيات والمدارس والمصانع والمعامل وغرف التجارة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والأندية الرياضية‏..‏ إلخ‏,‏ وعن طريق تلك المؤاخاة يمكن لمختلف الأنشطة والمشاريع المنتشرة في أنحاء العالم العربي أن تقوم بإعانة ودعم الأنشطة الموازية في الضفة والقطاع‏,‏ ولك أن تتصور قدر الحيوية والنهوض الذي يمكن أن يتحقق في الداخل الفلسطيني لو أخذت الفكرة علي محمل الجد‏,‏ فحملت الجامعات العربية نظيراتها في فلسطين‏,‏ وكذلك فعلت المدارس والمصانع والمستشفيات وغير ذلك‏.‏
إن مجالات الفعل أوسع بكثير مما نتصور‏,‏ وهي لا تتطلب سوي أمرين‏,‏ أولهما يتمثل في حيوية المجتمع وحضوره‏,‏ والثاني نتيجة للأول‏,‏ وهو إرادة الفعل‏,‏ ولا أعرف بعد ذلك الإيضاح الأخير ما إذا كانت المسألة صارت أيسر أم أصعب‏!‏
أضافة تعليق