مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
تسويق غير بريء للخوف
هويدي 9-7-2002

هذه الفرقعات الأمريكية شبه اليومية‏,‏ الموحية بوجود نذر للخطر في كل مكان‏,‏ ليست كلها مصادفات‏,‏ ولكنني أزعم أنها ــ بما تستصحبه من تسويق وتعميم للخوف والقلق ــ ليست سوي حلقات في مسلسل مرتب طويل الأجل‏,‏ يراد له أن يستمر حتي شهر نوفمبر المقبل علي الأقل‏,‏ وله عدة أهداف‏,‏ في المقدمة منها التغطية علي خيبات وفضائح الإدارة الأمريكية الحالية‏,‏ وتهيئة الأجواء لفوز الحزب الجمهوري‏,‏ ومن ثم فتح الطريق لإعادة انتخاب الرئيس بوش لفترة رئاسية ثانية ــ أما كيف ولماذا‏,‏ فإليك الحكاية‏:‏

‏(1)‏
لا أذكر بالضبط من الذي قال‏:‏ إنه لاتوجد في الولايات المتحدة سياسة خارجية وأخري داخلية‏,‏ ولكن هناك فقط سياسة داخلية‏.‏ بمعني أن صاحب القرار السياسي لايخطو خطوة إلا وعيناه علي الداخل والصوت الانتخابي‏.‏ لكن مختلف الشواهد تدل علي صواب تلك المقولة‏,‏ بوجه أخص في ظل الإدارة الأمريكية الحالية‏,‏ التي يقف علي رأسها رئيس ضعيف لم تكن له علاقة بالسياسة الخارجية يوما ما‏,‏ ثم إن شرعية توليه للسلطة مجرحة‏.‏ حيث تولاها بحكم المحكمة‏,‏ وليس استنادا إلي تأييد شعبي يطمأن إليه‏.‏
ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما لاحقت الرئيس منذ توليه للسلطة سلسلة من الفضائح من ذوات العيار الثقيل‏,‏ بدأت بما أثير من شبهات حوله شخصيا وحول بعض مساعديه‏(‏ نائبه ديك تشيني‏)‏ بشركة انرون للطاقة‏,‏ التي ثبت أنها اشتركت في تمويل حملته الانتخابية‏,‏ وفي وضع خطة إدارته في مجال الطاقة‏,‏ كي تحقق من وراء ذلك ما تصبو إليه من أرباح‏.‏ وإذ بينت التحقيقات أن ثمة فسادا وتلاعبا في موازنة الشركة‏,‏ التي تعد من أضخم المؤسسات الأمريكية‏,‏ فإن الأمور تطورت في وقت لاحق إلي الحد الذي غدت معه قضيةانرون بمثابة الجزء الذي ظهر من جبل الفساد الهائل المستشري في الشركات الأمريكية الكبري‏.‏ وهي الحقيقة التي ظهرت بشكل جلي خلال الأشهر الأخيرة‏,‏ ووصفت بأنها سبتمبر الثانية‏,‏ إشارة إلي عمق وجسامة الضرر الذي ضربت به الاقتصاد الأمريكي‏,‏ علي نحو أقرب إلي الأضرار التي أصابت الولايات المتحدة من جراء هجوم الحادي عشر من سبتمبر في العام الماضي‏.‏

لقد ثبت أن شركة وورلدكوم العملاقة في عالم الاتصالات تلاعبت في ميزانياتها بصورة فاحشة‏(‏ الوصف للرئيس بوش‏)‏ فأعلنت في العام الماضي مثلا عن تدفقات مالية غير حقيقية بلغت‏2‏ مليار و‏400‏ مليون دولار‏,‏ في حين أنها كانت خاسرة‏662‏ مليون دولار وكشف النقاب لاحقا عن أن شركة زيروكس فعلت الشيء نفسه‏,‏ وكذلك عدة شركات عملاقة أخري‏,‏ وصفت في الإعلام الأمريكي بـ عصابة الخمس‏.‏ وثبت أن هذه الشركات وحدها ألحقت بحملة أسهمها خسائر تجاوزت‏460‏ بليون دولار‏.‏
هذه الصدمات أحدثت ذعرا في داخل الولايات المتحدة التي انهارت فيها أسعار الأسهم بسرعة علي نحو لم يحدث في تاريخها‏,‏ ولك أن تتصور تأثير تلك الصدمة علي المواطن الأمريكي‏,‏ الذي هو أبرز من يرفع شعار عض قلبي ولاتعض رغيفي‏!.(‏ للعلم‏:‏ شركة وورلد كوم وحدها استغنت عن‏17‏ ألف عامل‏)‏ وكان من الطبيعي أن تتردد أصداء الزلزال في البورصات والأسواق العالمية‏,‏ فقرأنا في‏7/4‏ عن أن بورصة لندن وحدها خسرت من جرائه‏56‏ مليار دولار‏,‏ ولم تنج البورصات الأوروبية الأخري من الإصابة بخسائر مماثلة‏.‏

مازالت كرة الثلج تكبر يوما بعد يوم‏,‏ وأكثر مايهمنا في السياق الذي نحن بصدده أن من شأن ذلك تآكل الرصيد الشعبي للرئيس بوش وإدارته‏,‏ وهو خطر يهدد مصير حزبه ومصيره شخصيا في الانتخابات المقبلة‏.‏

‏(2)‏
الفضيحة الثانية تمثلت في الفشل الأمني المروع الذي أدي إلي وقوع هجمات‏11‏ سبتمبر‏.‏ وهو الذي تسربت أخباره أخيرا بعد حصارها والتكتم عليها لعدة أشهر‏.‏ فقد كان مجرد نجاح ذلك الهجوم فضيحة كبري لأجهزة الأمن‏,‏ التي عجزت عن اكتشاف وجود عشرين شخصا أو أكثر في داخل الولايات المتحدة لمدة ستة أشهر أو سنة‏,‏ بعضهم كان مدرجا علي لوائح الاشتباه‏,‏ وهم الذين استطاعوا تنفيذ مخططهم وتوجيه واحدة من أسوأ الضربات في تاريخ الولايات المتحدة‏.‏
أما الذي لايقل سوءا وفداحة عن ذلك‏,‏ فهو ماتبين من أنه كانت هناك لدي أجهزة الأمن معلومات وتقارير حول تحركات مثيرة للشك من قبل بعض العناصر‏,‏ أحدها وصل إلي مكتب الرئيس شخصيا‏.‏

ولو أن هذه المعلومات والتحذيرات أخذت علي محمل الجد‏,‏ في حينه‏,‏ لأمكن تجنب الكارثة التي وقعت‏.‏ وقد تابع الجميع أصداء الفضيحة فيما نشر عن تحقيقات الكونجرس وتعليقات أعضائه حول الموضوع‏,‏ الأمر الذي بدا مؤذنا بتدمير سمعة الإدارة الأمريكية‏,‏ وإشهار عجز الرئيس وفريقه والأجهزة المعنية عن حماية أمن البلاد‏.‏
لقد قيل‏:‏ إن صفقة أبرمت لاحتواء الفضيحة‏,‏ ألقت إسرائيل فيها بثقلها ورجالها في الكونجرس‏,‏ حيث دعتهم إلي تخفيف الضغوط علي الرئيس بوش‏,‏ والكف عن فضح إدارته وتدمير سمعتها‏,‏ وبذلك أسدي شارون للرئيس الأمريكي خدمة ومعروفا لايمكن نسيانه‏,‏ وقبضت إسرائيل لقاء ذلك الثمن الذي كان واضحا في خطاب الرئيس بوش الأخير‏,‏ والذي أطلق فيه يد شارون لكي يفعل مايريد بالفلسطينيين والأرض المحتلة‏.‏ ورغم أن الصفقة المفترضة أدت إلي تسكين الرياح لبعض الوقت‏,‏ فإنها أدت إلي التستر علي الفضيحة وحجبها إلا‏,‏ وذلك لايضمن ولايمنع من تفجير القنبلة في أي وقت آخر‏.‏

ثمة مشكلات أخري داخلية تواجه الإدارة الأمريكية‏,‏ بعضها يتعلق بما وعد به الرئيس في حملته الانتخابية ــ ولم يف به ــ خاصا بالأوضاع الاجتماعية والتعليم‏,‏ والبعض الآخر يتعلق بإجراءات تقييد الحريات المدنية أو العامة التي لجأت إليها‏,‏ وبالمخصصات المالية الهائلة التي طلبت لأجهزة الأمن‏,‏ وصلاحياتها التي تم التوسع فيها‏.‏
لكنني لن أتحدث عن تأثير تلك المشكلات‏,‏ وإنما أشير إلي الفضيحتين الكبيرتين اللتين سبقت الإشارة إليهما‏,‏وأتساءل‏:‏ كيف تعاملت الإدارة الأمريكية معهما‏,‏ علما بأن الفضيحة الأولي شكلت ــ ومازالت ــ تهديدا للأمن الاقتصادي للمواطن الأمريكي‏,‏ بينما مثلت الثانية تهديدا مباشرا للأمن الوطني الأمريكي؟‏!.‏

إجابتي المباشرة أن الإدارة الأمريكية لجأت في ذلك ــ ضمن أمور أخري ــ إلي إثارة مخاوف الأمريكيين حول أمنهم الشخصي‏,‏ وحرصت علي أن تشيع بين الناس درجات مختلفة من الخوف‏,‏ لصرف انتباههم عن تلك الفضائح الجسيمة من ناحية‏,‏ ولإقناعهم بأنهم معرضون للخطر‏,‏ وأنهم بحاجة إلي سياسة القبضة الحديدية التي يلوح بها الرئيس بوش‏.‏ ومن ثم بحاجة إلي إدارته الجمهورية وسياستها الحازمة‏,‏ لحمايتهم من ذلك الخطر المفترض‏.‏

‏(3)‏
في العاشر من شهر يونيو الماضي كان وزير العدل الأمريكي جون اشكروفت في زيارة لموسكو‏,‏ وصبيحة ذلك اليوم دعا إلي مؤتمر صحفي استثنائي أعلن فيه أن وزارته اعتقلت إرهابيا خطيرا كان يتحري عن إمكان صنع وتفجير قنبلة قذرة في الولايات المتحدة‏.‏
وذكر أن تلك الخطوة بمثابة إنجاز مهم وخطوة واسعة في الحرب ضد الإرهاب‏,‏ لأنه أحبط مؤامرة إرهابية قيد النمو‏.‏ ولم تمض ساعات علي ذلك الإعلان حتي خفضت الحكومة الأمريكية من حجم كذبتها‏,‏ حيث أكد نائب وزير الدفاع وولفوفيتز أنه لم تكن هناك خطة فعلية‏,‏ لكننا أوقفنا الرجل في مراحل التخطيط الأولي ــ وفي وقت لاحق صرح مسئول بأجهزة الأمن بأنه ليس هناك دليل علي أن الشخص المعني كانت لديه الإمكانات لتنفيذ الخطة‏,‏ أو أنه فوض في ذلك‏!!‏ ثم إن التهويل من حجم الخسائر البشرية المترتبة علي تفجير تلك القنبلة القذرة‏,‏ كما صورها وزير العدل‏,‏ دحضه الخبراء الذين أكدوا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي انه ستنجم عنها خسائر بشرية قليلة نسبيا‏,‏ وان كان لها آثار ملوثة علي المدي البعيد‏.‏

رغم ذلك فإن الحكومة الأمريكية إمعانا في تضليل الرأي العام‏,‏ وإصرارا علي تخويفه‏,‏ سارعت بعد مضي عدة ساعات إلي اعتبار ذلك الشخص مقاتلا يشكل خطرا جديا ومستمرا علي الشعب الأمريكي والأمن القومي‏.‏ وبسبب ذلك الأمر الرئاسي تم نقله من سجنه في نيويورك إلي قاعدة عسكرية في ولاية أخري‏,‏ حيث وضع تحت إشراف وزارة الدفاع‏,‏ وهناك اختفي أثره‏,‏ ولم يسمح له بالاتصال حتي بمحام يدافع عنه‏.‏
هذا الإرهابي الخطير لم يكن سوي الأمريكي خوسيه باديلا‏,‏ الذي دخل في الإسلام وأطلق علي نفسه اسم عبدالله المهاجر‏,‏ وله تاريخ في عصابات الشوارع‏,‏ ولم يتجاوز تحصيله المرحلة الابتدائية‏,‏ ولم يثبت أن له علاقة بتنظيم القاعدة‏,‏ ولم تثبت بحقه أي شبهة علي أنه إرهابي‏,‏ وهو مادفع صحيفة الاندبندنت البريطانية إلي نشر تقرير آنذاك ذكرت فيه أنه لايوجد لدي الأمريكان دليل واحد يدين عبدالله المهاجر‏,‏ ويثبت تورطه في عمل إرهابي‏,‏ خصوصا أن قدراته الشخصية وتحصيله العلمي لايمكنانه بأي حال من صناعة قنبلة مشعة من ذلك القبيل بالغ التقدم والتعقيد‏.‏ أضافت الاندبندنت أن القضية كلها تبدو محاولة من إدارة بوش لتحويل الأنظار عن فشل المخابرات الأمريكية في اكتشاف الإرهاب ومنعه‏.‏

هذه الإشارات إلي براءة باديلا أو المهاجر مما نسب إليه‏,‏ نشرت مقتضبة وخجولة‏,‏ بينما شغل الناس لعدة أسابيع بحكاية القنبلة القذرة التي اتهم بصنعها‏.‏ وبعدما أفاضت الصحف ومحطات التليفزيون في الحديث عن مخاطر تلك القنبلة الخطيرة والترويع الذي يمكن أن تحدثه‏,‏ وعن خطط الإرهابيين التي لم تتوقف عن استهداف الولايات المتحدة‏.‏
لقد سلطت الأضواء قوية علي خطر موهوم‏,‏ ولم ينتبه أحد إلي أن الأمر لم يكن أكثر من فرقعة إعلامية أريد بها إذكاء مشاعر الخوف عندهم‏,‏ مع الهائهم عن حقائق الواقع وفضائحه‏.‏

ذلك غيض من فيض‏.‏ لأن أخبار الخطط والمؤامرات الإرهابية التي تسربت بين الحين والآخر داخل الولايات المتحدة وخارجها لاتعد ولاتحصي‏,‏ حتي أصبحنا لانكاد نفتح الصحيفة كل صباح إلا ونجد فيها نبأ عن عمل إرهابي هنا أو خلية إرهابية هنا أو مشروع إرهابي هناك‏.‏
تعد غم الأمر علينا‏,‏ ولم نعد نعرف ماهو حقيقي مما هو موهوم أو مكذوب‏.‏ ذلك أنني لا أستطيع القول بان كل مانقرؤه من أخبار ومشروعات إرهابية مختلق ومكذوب‏,‏ ولا استبعد أن يكون لبعضه ظل من الحقيقة‏.‏ إنما الذي تدل عليه شواهد كثيرة أن بعض مايسرب إلينا مختلق‏,‏ وان البعض الآخر مبالغ فيه‏.‏

وإذ لاينسي المرء أن وزارة الدفاع الأمريكية هي التي أنشأت قبل عدة اشهر ماسمي آنذاك بمكتب التأثير الاستراتيجي‏,‏ الذي كان الهدف منه تضليل الرأي العام بالأخبار والمعلومات المكذوبة‏,‏ لتحقيق مآرب معينة‏,‏ فان التراجع عن إنشاء المكتب بعدما انفضح أمره وتسربت أنباؤه إلي الصحف‏,‏ لايعني بالضرورة انه تم التراجع عن الفكرة الشريرة فيه‏.‏
من ناحية أخري فان مايثير الشك فيما يعمم علينا بين الحين والآخر من أنباء عن اكتشاف خلايا وعمليات إرهابية في مختلف أنحاء العالم‏,‏ أن واحدا مثلي يدهش كيف أن الذين قاموا بهجومات‏11‏ سبتمبر‏,‏ بالغة الدقة والاكتمال‏,‏ لاحقتهم الخيبة والفشل الذريع في كل ما اقدموا عليه من أعمال بعد ذلك‏,‏ هذا إذا ما صدقنا مايقولون عن أن ثمة صلة بين هؤلاء وهؤلاء‏.‏ وهي مفارقة تضعنا أمام أحد احتمالات ثلاثة‏,‏ أولها أن يكون المخرج قد اختلف في حالة‏11‏ سبتمبر عنه في الحوادث التالية أو أن الذين قاموا بهجمات‏11‏ سبتمبر غير الذين اقدموا علي المحاولات الأخري‏,‏ او أن تلك العمليات اللاحقة مختلقة‏,‏ وأريد بتسويقها تحقيق أهداف سياسية داخلية‏,‏ من ذلك القبيل الذي سبقت الإشارة إليه‏.‏ وبطبيعة الحال فان الذي يفعلها لأسباب داخلية لن يتردد في أن يستخدم أسلوب الافتعال لتحقيق أهداف أخري خارجية‏.‏

‏(4)‏
في شهر مارس من العام الحالي سربت الحكومة البريطانية خبرا عن اكتشاف مختبر بيولوجي في إحدي مغارات تنظيم القاعدة بشرق افغانستان‏.‏ وبعدما نفت واشنطن الخبر‏,‏ تبين أن الهدف من تسريبه كان تبرير وتغطية قرار الحكومة إرسال‏1400‏ جندي بريطاني إلي افغانستان‏.‏ وفي الشهر ذاته نشرت الصحف أن عرفات عقد تحالف سريا مع الإيرانيين في اجتماعات عقدت بموسكو‏,‏ ولكن نيويورك تايمز التي نشرت الخبر‏,‏ عادت وكذبته في وقت لاحق‏,‏ أخيرا سربت أخبار أخري عن تحالف بين حزب الله ومنظمة القاعدة‏,‏ في حين أن أي مبتديء في السياسة يعلم أن الخبر مكذوب‏,‏ لأن حزب الله لم يدخل في أي تحالفات أو عمليات خارج لبنان ابعد من أرضه المحتلة‏.‏ وقبل أيام قليلة‏(‏ في‏7/3)‏ بثت وكالة رويترز للأنباء خبرا من طوكيو خلاصته أن المسئولين اليابانيين أصبحت تساورهم الشكوك في صدقية التقارير الأمنية الأمريكية لكثرة المعلومات الزائفة فيها‏,‏ التي أوقعت اليابان في اكثر من مأزق حرج‏.‏
ذلك قليل من كثير فيما يخص استخدام الاخبار المكذوبة لتحقيق أهداف معينة في الساحة الدولية‏.‏ وهي خلفية تسمح لنا بمضاعفة الشك في الكثير مما يروج له من أخبار علي صعيد الداخل‏,‏ وتحضرني هنا قصة الجمرة الخبيثة التي روعت الأمريكيين حينا من الدهر‏,‏ والتحذيرات المستمرة من توقع عمليات إرهابية في المناسبات المختلفة التي كان آخرها احتفالات عيدالاستقلال الأمريكي يوم الخميس الماضي‏(7/4),‏ ثم حكايات العرب الذين يلقي القبض عليهم كل حين بتهمة تسهيل الإرهاب أوالضلوع فيه‏,‏ ومايروج له بين الحين والآخر من إجراءات لضمان عدم تهريب أسلحة الدمار الشامل للولايات المتحدة‏.‏

من أسف أن العدالة الأمريكية في أجواء اللوثة الراهنة أخضعت للسياسة‏,‏ بعدما مرر الكونجرس قوانين‏,‏ وأصدرت وزارة العدل سيلا من التعليمات التي كانت كلها اعتداء صارخا علي الحريات والحقوق المدنية‏,‏ خصوصا بالنسبة للعرب والمسلمين‏,‏ وما كان لذلك كله أن يمر إلا في ظل أجواء الخوف المصطنع الذي جرت إشاعته بين الناس‏,‏ إذ حينما نجحوا في إشعار المواطن الأمريكي أن أمنه مهدد‏,‏ وانه في خطر‏,‏ فانه أصبح مستعدا لقبول أي شيء‏,‏ بما في ذلك ضوابط العدالة وضمانات الحرية‏.‏
هي لعبة خطيرة حقا‏,‏ لكن خبرة التاريخ علمتنا انه يتعذر خداع الناس والكذب عليهم طول الوقت‏,‏ حتي اذا كانوا أمريكيين ممن يسهل الضحك عليهم‏,‏وغسل أدمغتهم بالأساليب الجهنمية المعهودة‏.‏ لكن يبدو أن ذلك الخداع والكذب يجب أن يستمرا حتي شهر نوفمبر المقبل علي الأقل‏,‏ حيث يفترض أن يجني الحزب الجمهوري حصاد مايتم زرعه اليوم‏,‏ من خوف وقلق
أضافة تعليق