هويدي 7-5-2002
هذه مصادفة دالة وكاشفة, ففي أسبوع واحد تقرر تجميد الخطة الإعلامية العربية التي وضعت لكشف حقيقة الممارسات الإسرائيلية امام الرأي العام العالمي, بسبب العجز عن توفير مبلغ عشرين مليون دولار اقترحت لتمويلها, في حين اعتمدت إحدي لجان الكونجرس مبلغ245 مليون دولار لتمويل خطة إعلامية أخري لغسل أدمغة العرب من خلال مشروع جديد للبث التليفزيوني, والإذاعي باللغة العربية, لاتحتاج المفارقة إلي تعليق, ولكنها تستدعي الانتباه إلي آفاق المواجهة التي غبنا عنها, فحضر غيرنا, وتسيدوا الموقف بغير عناء.
(1)
خبر التجميد نعاه إلينا الأهرام في4/23, مشيرا إلي أن الخطة المذكورة تم الاتفاق عليها في اجتماع طاريء لوزراء الإعلام العرب, عقد مع بدء الانتفاضة الفلسطينية, التي تفجرت عقب اقتحام شارون للمسجد الاقصي في28 سبتمبر عام.2000 ولكن لانه لا توجد بنود تلتزم الدول الأعضاء بسداد حصصها في الخطة, فان عملية التنفيذ لم تتقدم خطوة واحدة إلي الأمام, الأمر الذي أدي إلي توقفها وإلي استقالة الدكتوره حنان عشراوي التي كان الأمين العام للجامعة العربية قد اختارها مفوضة لتحمل مسئولية تنفيذ الخطة, ومما أثار الانتباه في الخبر الذي نشره الأهرام بهذا الخصوص, أنه اشار إلي ان الدول العربية( التي اتفق وزراء إعلامها علي وضع الخطة) آثرت ان تعمل كل منها منفردة من خلال سفاراتها, وقنواتها الخاصة, الأمر الذي ترتب عليه إجهاض الخطة الجماعية فور وضعها.
الخبر الأمريكي نشر بعد ثلاثة أيام فقط, في4/27, وجاء فيه ان لجنة العلاقات الدولية بالكونجرس أعدت مشروع قانون أطلق عليه برنامج دبلوماسية الرأي العام وأعتمدت له ذلك المبلغ, لكي يمول عملية البث المقترحة التي ستتواصل لمدة24 ساعة يوميا,. وتغطي منطقة الشرق الأوسط كلها, متبنية خطابا يستهدف تقديم وجهات النظر الأمريكية إلي المستعمين في المنطقة, علي نحو يحسن صورة الولايات المتحدة, ويمتص مشاعر الغضب والكراهية التي تكنها شعوب المنطقة للسياسة الأمريكية.
ليس سرا ان هذه الخطوة اتخذت بعدما أكتشف الأمريكيون من خلال استطلاعات وقياسات الرأي العام التي أعقبت هجوم11 سبتمبر أن الجماهير العربية والإسلامية لها رأيها السلبي في السياسة الأمريكية, فلم تفكر الإدارة الأمريكية في مراجعة سياساتها, أو لم تمكن من ذلك لكنها عمدت فقط إلي محاولة علاج النتائج دون الأسباب.
(2)
أن شئت فقل إنها حرب باردة جديدة تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل لتجميل الصورة وتسويغ المقاصد والتستر علي الجرائم الوحشية التي ترتكب علي الأرض, الولايات المتحدة تخوض معركتها في الشرق الأوسط مخاطبة العقل العربي, اما إسرائيل فتخوض معركتها في الولايات المتحدة وأوروبا, مستهدفة محاصرة العقل العربي.
في منتصف شهر فبراير الماضي ذكرت صحيفة نيويورك تايمز ان وزارة الدفاع الأمريكية انشأت مكتبا جديدا لـ التأثير الاستراتيجي قامت فكرته الأساسية علي تقديم معلومات إلي أجهزة الإعلام والرأي العام, تتضمن مواد إخبارية زائفة للتأثير علي الرأي العام, فيما وصف بأنه حملة سوداء للتضليل المتعمد, الذي استهدف تسويغ السياسية الأمريكية, خصوصا حملتها العسكرية ضد أفغانستان, وهي الخطوة التي أدي انكشافها إلي اثارة ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والثقافية, انتهت بصدور تصريح رسمي علي لسان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي, أعلن انه تقرر إغلاق ذلك المكتب. ورغم ان ذلك تم في العلن, إلا أن الذين يفكرون أصلا في تخصيص مكتب للتضليل الإعلامي في العلن, ربما لايتورعون عن ممارسة ذلك التضليل دون إعلان.
ليست مصادفة أن تلجأ وزارة الدفاع الأمريكية إلي انشاء مكتب للتأثير الاستراتيجي وان تقرر الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية عام1941 م انشاء مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي كان التضليل احد أهدافه, ومن يطالع كتاب الحرب الباردة الثقافية لمؤلفه الأمريكي فرانسيس سوندر( الذي ترجمه إلي العربية الاستاذ طلعت الشايب وأصدره المجلس الأعلي للثقافة) يكتشف أن ذلك المكتب كان النواة التي بدأت بها المخابرات المركزية, ويدهش للكيفية التي مورست بها تلك الحرب في مجالات الإعلام والفنون والآداب, واستخدمت لاجلها أسماء كبيرة وإصدارات محترمة, ومؤسسات قامت بأدوار مهمة في حياتنا العقلية والثقافية.
لم تكتف الولايات المتحدة بمخاطبة الحكومات والأنظمة, لكنها عنيت في وقت مبكر بمخاطبة المجتعات والرأي العام, في السابق كانت العملية تتم من خلال واجهات لاتثير الشك, وبأسلوب لايخلو من الاحتيال والمداراة, ربما لانها كانت تواجه في الملعب ذاته ندا قويا مثل الاتحاد السوفيتي, مما اقتضي ممارسة درجة من الاحتياط والحذر.
لكننا نلاحظ الآن ان العملية تتم بقدر أكبر من الجرأة والوجه المكشوف.
فالسفارات الأمريكية هي التي توزع علي الشخصيات العامة ـ في مكاتبهم وبيوتهم ـ المطبوعات والأشرطة التي تسوغ سياسة الحكومة الأمريكية, وفوجئنا بالسفيرة الأمريكية في الرباط تطلب من وزير التربية الوطنية في حكومة المغرب أن يرتب لها لقاءات مباشرة مع طلاب البكالوريا بمختلف المدارس, لكي تشرح لهم سياسة بلادها, بعدما بينت الاستطلاعات أن درجة كراهية أمريكا عالية بين الشباب المغربي, كما فوجئنا بالسفير الأمريكي في البحرين وهو يطلب من أعضاء نوادي الروتاري هناك أن يقفوا دقيقة حدادا علي الضحايا اليهود في إسرائيل, كما وقف المشاركون العرب حدادا علي الضحايا الفلسطينيين! ليس ذلك فحسب, وإنما فوجئنا بالإدارة الأمريكية في شهر مارس الماضي, وهي تطلب من أجهزة الاعلام العربي أن تكف عن مهاجمة إسرائيل, بزعم أن ذلك يؤجج مشاعر العداء للسامية( بطبيعة الحال لم تكلف الادارة الأمريكية خاطرها وتوجه الطلب ذاته للقيادات الإعلامية الأمريكية لكي تكف عن التشهير بالعرب والإسلام والمسلمين).
الجرأة ذهبت إلي ماهو أبعد, فهم لم يكتفوا بمحاولة اختراق عقولنا ومدارك مجتمعاتنا فحسب, وإنما أرادوا تطويع ألسنتنا أيضا, بحيث يفرض علينا أن نتكلم لغتهم, ونكره مايكرهون, فهم يصرون علي ان نصف أبطال العمليات الاستشادية بالارهابيين أو الانتحاريين علي أحسن الفروض, أما كلمة شهيد فانها أصبحت تثير حنقهم وأعصابهم, وقد وصل الأمر إلي حد تصدي رئيس الولايات المتحدة بنفسه للمسألة, ومطالبته الدول العربية في تصريح علني بألا تمنح أولئك الشبان والفتيات البواسل شرف الشهادة وتعميمه فتوي علي الكافة تقرر انهم انتحاريون وليسوا شهداء!
لم يغفر للدكتور غازي القصيبي الشاعر والسفير السعودي في لندن انه نظم قصيدة باسم الشهداء( نشرت في منتصف أبريل الماضي) وأثني فيها علي الشابة الفلسطينية آيات الأخرس(18 سنة) من مخيم الدهيشة التي نفذت عملية استشهادية في سوق القدس الغربية, لم يقبل منه هذا التصرف, فاستدعي إلي وزارة الخارجية البريطانية للاستيضاح منه عما عناه في قصيدته, وقال ناطق رسمي باسم الخارجية أننا نتعامل مع العمليات الانتحارية علي إنها شكل من أشكال الإرهاب, ونريد توضيح موقفنا للسفير.
لا غرابة في ذلك, فحين يصرون علي حذف أبواب الجهاد من مقومات الثقافة الإسلامية, ويدعون إلي عدم ترديد الآيات القرانية التي تفضح ممارسات بني إسرائيل, ويطالبون بإسقاط اسم صلاح الدين ودوره في تحرير القدس من كتب التاريخ, حين يفعلون ذلك ولايردون أو يردعون فينبغي ألا نفاجأبهم وهم يدققون فيما نتفوه به او نكتب, ويطالبوننا باستخدام مفردات ومصطلحات بذاتها, مما يروجون له في خطابهم السياسي.
(3)
المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة تخوض الآن معركة شرسة ضد بعض الصحف الأمريكية بهذا الخصوص, وتستخدم العديد من الوسائل وتمارس كل ماتملك من ضغوط لإجبار تلك الصحف علي استخدام لغة معادية للفلسطينيين, تصف الفدائيين مثلا بأنهم إرهابيون وتعتبر الضفة الغربية أرضا متنازعا عليها وليست أرضا محتلة, وتصنف الاجتياح الإسرائيلي, للضفة بحسبانه دفاعا عن أمن إسرائيل وملاحقة للإرهابيين.. وهكذا!
ورغم أن الاعلام الأمريكي في مجمله تحت الهيمنة الصهيونية القوية, إلا أن الفظائع التي جرت في الضفة الغربية مؤخرا لم يكن ممكنا التستر او المداراة عليها بالكامل, وإزاء انفضاح الأمر عبر الفضائيات وعلي شبكات الإنترنت, فان بعض الصحف الأمريكية أدركت ان سكوتها علي مايجري أو التستر عليه يفقدها مصداقيتها, ناهيك عن ان حجم الجرائم أصبح اكبر مما يمكن إخفاؤه, إزاء ذلك فقد وجدت تلك الصحف نفسها مضطرة إلي تسجيل بعض جوانب الحقيقة, ورغم ان ذلك البعض كان شديد التواضع وعند الحد الأدني من الحياد, إلا أنه أثار ثأئرة المنظمات الصهيونية والموالية لإسرائيل, التي شنت علي الصحف حملة ترهيب شعواء, واتهمتها بممالأة الإرهاب والتحيز لصالح الفلسطينيين.
في هذا الصدد بثت وكالة الأنباء الفرنسية في4/25 تقريرا قالت فيه أن مجموعة من النشطاء السياسيين اليهود في مدينة بوسطن بولاية ماساشوستش قاموا بحملة شعبية واسعة, للتأثير علي الصحف والصحفيين لمنعهم من اتخاذ مواقف حيادية من الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني تحت عنوان مكافحة التحيز لصالح الفلسطينيين!
وأعلنت هذه المجموعة يوم الاربعاء أول مايو يوما أمريكيا فيدراليا لمحاربة هؤلاء الصحفيين, ويتم فيه التركيز علي مقاطعة صحيفة نيويورك تايمز بالذات لكونها تشهد تحولا خطيرا لصالح الفلسطينيين وينوون دفع المشتركين في الصحيفة إلي الاتصال بإدارتها في هذا اليوم والاعلان عن قطع الاشتراك فيها إلي الأبد أو لمدة شهر واحد علي الاقل, ويقولون إنهم يطمحون للوصول إلي100 ألف اتصال كهذا, حتي ترتدع الصحيفة وتدرك خطورة أفعالها.
ذكر تقرير الوكالة الفرنسية أن نشاط هؤلاء اليهود يأتي ضمن حملة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للترويج للموقف الإسرائيلي الرسمي, وهو ليس بعيدا عن التنسيق مع ممثلين رسميين لحكومة إرييل شارون وحزبه, وفي إطاره يرصدون وسائل الاعلام الأمريكية كلها, ويسجلون كل جملة تقال ضد إسرائيل وممارستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته, ويقومون بجمعها في موقع خاص في الإنترنت ويرسلونها إلي ملايين المواقع تحت عنوان: أقوال تخدم الإرهاب ويدعون قراءهم إلي عمل شيء سلمي ضد أصحاب تلك الأقوال ووسائل الإعلام التي تنشرها ويطلبون ولو رسالة احتجاج واحدة بل ينشرون نصا موحدا لهذا الاحتجاج بحيث لايشعر القاريء أنه يحتاج إلي بذل أي جهد لكي يعبر عن احتجاجه: ماعليك إلا أن تضغط هنا, حتي تصل رسالتك إلي عنوانها!
(4)
لم أكن أعرف ان اليهود الأمريكيين أنشأوا في أمريكا مؤسسة باسم التصحيح الإعلامي وهي واحدة من مؤسسات أخري كثيرة تقوم بمهمة مراجعة محتويات الصحف وكل وسائل البث, ورصد ما فيها من معلومات أو اشارات تتجاوز ما تعتبره خطوطا حمراء في تغطية الاخبار والتقارير المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي, وبطبيعة الحال فان اي تعبير لايتبني الموقف الإسرائيلي أو ان يشك في حياده يعد تجاوزا لتلك الخطوط, ويستتبع بالتالي إدراج الكاتب أو الصحيفة في قوائم سوداء تمهيدا لابتزاز وتهديد أي منهما في4/30 نشرت الشرق الأوسط أنه في لوس انجليس أوقف ألف شخص اشتراكاتهم في صحيفة لوس انجليس تايمز لمدة يوم احتجاجا علي ما اعتبروه تغطية غير دقيقة منحازة للجانب الفلسطيني وفي نيويورك ناشد الكثير من أعضاء الجالية اليهودية القراء بمقاطعة صحيفة نيويورك تايمز أما في مينا بوليس, فقد اشترت منظمة تدعي سكان مينيسوتا المناهضون للإرهاب صفحة كاملة في صحيفة ستار تريبيون اتهمت عبرها الصحيفة برفض إطلاق تسمية إرهابي علي الفدائيين الفلسطينيين.
وقال مايكل جيتلار, محقق الشكاوي في صحيفة واشنطن بوست أنه ظل يتسلم خلال الأيام الأخيرة مايزيد علي مائة مكالمة ورسالة بريد إليكتروني في اليوم يتهم معظمها الصحيفة بإجراء تغطية منحازة إلي الفلسطينيين, ومناوئة لإسرائيل, أما نيد ووريك, محرر الشئون الخارجية بصحيفة فيلادلفيا انكوبارار فقد ذكر أن الصحيفة تعرضت خلال الفترة الأخيرة لـ سيل من الانتقادات من الجالية اليهودية المحلية,. وقال انه ظل يتسلم مابين100 و120 رسالة بريد إليكتروني يوميا في فيمايبدو أنه حملة دقيقة الترتيب ومتواصلة.
أما ضغوط اللوبي الصهيوني علي واشنطن بوست فان الصحيفة أوفدت مندوبا خاصا إلي إسرائيل, جلين فرانكليل, ونشرت علي صفحتها الأولي تقريرين اخباريين عن آثار الهجمات الفدائية علي الإسرائيليين, لكي توازن بهما مانشرته الصحيفة, ذاتها عن الجرائم الإسرائيلية في جنين وبقية مدن الضفة الغربية, ومع ذلك فان ذلك لم يغفر لها ما اقترفته حين تحدثت عن حقيقة مايجري في جنين, وظلت تتلقي يوميا مئات الرسائل الإلكترونية الناقدة لها, التي ذهب بعضها إلي حد اتهام محرريها بالعداء للسامية.
من مفارقات المشهد وتداعياته أن بعض السفراء العرب في واشنطن أعدوا بيانا شرحوا فيه رؤيتهم للقضية العربية, واتفقوا علي نشره كاعلان مدفوع الأجر في احدي الصحف الأمريكية الكبري, غير أن الصحيفة عجزت عن نشره, وأعادته في اليوم التالي إلي ممثل السفراء العرب, قائلة أن اللوبي الصهيوني علم بالأمر, وهدد ـ في حالة النشر ـ بسحب إعلانات من الصحيفة تفوق حصيلتها عشرات المرات قيمة صفحة إعلان السفراء العرب, قرأت الخبر في صحيفة القدس العربي التي أشارت إلي الواقعة دون تبيان اسم الصحيفة أو مضمون الإعلان.
(5)
أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمدن وبلدان الضفة الغربية, قامت شركة ميكروسوفت العالمية لإعداد برامج الكمبيوتر بحملة إعلانية في مختلف المدن الإسرائيلية, وتل أبيب في مقدمتها, حيث علقت لافتات كبيرة كتبت عليها بالبنط العريض, عبارة تقول: شكرا لقوات الأمن الإسرائيلية! ـ أثار الإعلان الناشطين العرب في مناطق48 وبعض الناشطين في حركة السلام الإسرائيلية, الذين دعوا إلي إزالة اللافتات المؤيدة للقتل بدم بارد, وقالوا في بيان أصدروه إن اللافتات بمثابة دعاية رخيصة وإعلان تأييد حرب الاحتلال التي يقودها شارون.
لم يكن لتصرف شركة ميكروسوفت المعادي للفلسطينيين أي صدي في العالم العربي والإسلامي التي تروج فيه منتجاتها, وهذا الصمت ظل العالم العربي ملتزما به حين اتهم رئيس وزراء الهند فاجبابي العالم الاسلامي مؤخرا بالازدواجية, وحين تحدث وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر عن الاسلام باستياء وضجر وشكك في قدرته علي التطور, وحين لم تر مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في الإسلام إلا أنه مصدر للإرهاب وفاشية جديدة.. وحين وحين.. إلخ.
انهم يحاسبون شاعرا عربيا علي كلمة قالها في امتداح فتاة فجرت نفسها فيمن أذل الفلسطينيين, واغتصب أرضهم, ويلاحقون كل صاحب قلم في الولايات المتحدة اذا عن له مرة أن يكون منصفا, لكننا نغض الطرف عن الكثير الكثير مما ينال من عقيدتنا ويزدري بها, فضلا عن أولئك الذين لايملون من تحقير العرب والمسلمين وإثارة البغضاء والكراهية من حولهم.
لست ألوم الذين يثابرون ويستنفرون للدفاع عن مصالحهم أو حتي باطلهم, فهم يقومون بما عليهم تجاه أنفسهم, لكن من يستحق اللوم حقا هو من يفرط في حقه ويتقاعس عن الدفاع عنه, ويضن علي أمته باسهام متواضع يدفع عنها بعضا من الشرور التي تستهدفها, إذ بأي معيار ينبغي ألا يستوي الذين يعملون بالذين لايعملون, ولا المثابرون والقاعدون.
هذه مصادفة دالة وكاشفة, ففي أسبوع واحد تقرر تجميد الخطة الإعلامية العربية التي وضعت لكشف حقيقة الممارسات الإسرائيلية امام الرأي العام العالمي, بسبب العجز عن توفير مبلغ عشرين مليون دولار اقترحت لتمويلها, في حين اعتمدت إحدي لجان الكونجرس مبلغ245 مليون دولار لتمويل خطة إعلامية أخري لغسل أدمغة العرب من خلال مشروع جديد للبث التليفزيوني, والإذاعي باللغة العربية, لاتحتاج المفارقة إلي تعليق, ولكنها تستدعي الانتباه إلي آفاق المواجهة التي غبنا عنها, فحضر غيرنا, وتسيدوا الموقف بغير عناء.
(1)
خبر التجميد نعاه إلينا الأهرام في4/23, مشيرا إلي أن الخطة المذكورة تم الاتفاق عليها في اجتماع طاريء لوزراء الإعلام العرب, عقد مع بدء الانتفاضة الفلسطينية, التي تفجرت عقب اقتحام شارون للمسجد الاقصي في28 سبتمبر عام.2000 ولكن لانه لا توجد بنود تلتزم الدول الأعضاء بسداد حصصها في الخطة, فان عملية التنفيذ لم تتقدم خطوة واحدة إلي الأمام, الأمر الذي أدي إلي توقفها وإلي استقالة الدكتوره حنان عشراوي التي كان الأمين العام للجامعة العربية قد اختارها مفوضة لتحمل مسئولية تنفيذ الخطة, ومما أثار الانتباه في الخبر الذي نشره الأهرام بهذا الخصوص, أنه اشار إلي ان الدول العربية( التي اتفق وزراء إعلامها علي وضع الخطة) آثرت ان تعمل كل منها منفردة من خلال سفاراتها, وقنواتها الخاصة, الأمر الذي ترتب عليه إجهاض الخطة الجماعية فور وضعها.
الخبر الأمريكي نشر بعد ثلاثة أيام فقط, في4/27, وجاء فيه ان لجنة العلاقات الدولية بالكونجرس أعدت مشروع قانون أطلق عليه برنامج دبلوماسية الرأي العام وأعتمدت له ذلك المبلغ, لكي يمول عملية البث المقترحة التي ستتواصل لمدة24 ساعة يوميا,. وتغطي منطقة الشرق الأوسط كلها, متبنية خطابا يستهدف تقديم وجهات النظر الأمريكية إلي المستعمين في المنطقة, علي نحو يحسن صورة الولايات المتحدة, ويمتص مشاعر الغضب والكراهية التي تكنها شعوب المنطقة للسياسة الأمريكية.
ليس سرا ان هذه الخطوة اتخذت بعدما أكتشف الأمريكيون من خلال استطلاعات وقياسات الرأي العام التي أعقبت هجوم11 سبتمبر أن الجماهير العربية والإسلامية لها رأيها السلبي في السياسة الأمريكية, فلم تفكر الإدارة الأمريكية في مراجعة سياساتها, أو لم تمكن من ذلك لكنها عمدت فقط إلي محاولة علاج النتائج دون الأسباب.
(2)
أن شئت فقل إنها حرب باردة جديدة تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل لتجميل الصورة وتسويغ المقاصد والتستر علي الجرائم الوحشية التي ترتكب علي الأرض, الولايات المتحدة تخوض معركتها في الشرق الأوسط مخاطبة العقل العربي, اما إسرائيل فتخوض معركتها في الولايات المتحدة وأوروبا, مستهدفة محاصرة العقل العربي.
في منتصف شهر فبراير الماضي ذكرت صحيفة نيويورك تايمز ان وزارة الدفاع الأمريكية انشأت مكتبا جديدا لـ التأثير الاستراتيجي قامت فكرته الأساسية علي تقديم معلومات إلي أجهزة الإعلام والرأي العام, تتضمن مواد إخبارية زائفة للتأثير علي الرأي العام, فيما وصف بأنه حملة سوداء للتضليل المتعمد, الذي استهدف تسويغ السياسية الأمريكية, خصوصا حملتها العسكرية ضد أفغانستان, وهي الخطوة التي أدي انكشافها إلي اثارة ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والثقافية, انتهت بصدور تصريح رسمي علي لسان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي, أعلن انه تقرر إغلاق ذلك المكتب. ورغم ان ذلك تم في العلن, إلا أن الذين يفكرون أصلا في تخصيص مكتب للتضليل الإعلامي في العلن, ربما لايتورعون عن ممارسة ذلك التضليل دون إعلان.
ليست مصادفة أن تلجأ وزارة الدفاع الأمريكية إلي انشاء مكتب للتأثير الاستراتيجي وان تقرر الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية عام1941 م انشاء مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي كان التضليل احد أهدافه, ومن يطالع كتاب الحرب الباردة الثقافية لمؤلفه الأمريكي فرانسيس سوندر( الذي ترجمه إلي العربية الاستاذ طلعت الشايب وأصدره المجلس الأعلي للثقافة) يكتشف أن ذلك المكتب كان النواة التي بدأت بها المخابرات المركزية, ويدهش للكيفية التي مورست بها تلك الحرب في مجالات الإعلام والفنون والآداب, واستخدمت لاجلها أسماء كبيرة وإصدارات محترمة, ومؤسسات قامت بأدوار مهمة في حياتنا العقلية والثقافية.
لم تكتف الولايات المتحدة بمخاطبة الحكومات والأنظمة, لكنها عنيت في وقت مبكر بمخاطبة المجتعات والرأي العام, في السابق كانت العملية تتم من خلال واجهات لاتثير الشك, وبأسلوب لايخلو من الاحتيال والمداراة, ربما لانها كانت تواجه في الملعب ذاته ندا قويا مثل الاتحاد السوفيتي, مما اقتضي ممارسة درجة من الاحتياط والحذر.
لكننا نلاحظ الآن ان العملية تتم بقدر أكبر من الجرأة والوجه المكشوف.
فالسفارات الأمريكية هي التي توزع علي الشخصيات العامة ـ في مكاتبهم وبيوتهم ـ المطبوعات والأشرطة التي تسوغ سياسة الحكومة الأمريكية, وفوجئنا بالسفيرة الأمريكية في الرباط تطلب من وزير التربية الوطنية في حكومة المغرب أن يرتب لها لقاءات مباشرة مع طلاب البكالوريا بمختلف المدارس, لكي تشرح لهم سياسة بلادها, بعدما بينت الاستطلاعات أن درجة كراهية أمريكا عالية بين الشباب المغربي, كما فوجئنا بالسفير الأمريكي في البحرين وهو يطلب من أعضاء نوادي الروتاري هناك أن يقفوا دقيقة حدادا علي الضحايا اليهود في إسرائيل, كما وقف المشاركون العرب حدادا علي الضحايا الفلسطينيين! ليس ذلك فحسب, وإنما فوجئنا بالإدارة الأمريكية في شهر مارس الماضي, وهي تطلب من أجهزة الاعلام العربي أن تكف عن مهاجمة إسرائيل, بزعم أن ذلك يؤجج مشاعر العداء للسامية( بطبيعة الحال لم تكلف الادارة الأمريكية خاطرها وتوجه الطلب ذاته للقيادات الإعلامية الأمريكية لكي تكف عن التشهير بالعرب والإسلام والمسلمين).
الجرأة ذهبت إلي ماهو أبعد, فهم لم يكتفوا بمحاولة اختراق عقولنا ومدارك مجتمعاتنا فحسب, وإنما أرادوا تطويع ألسنتنا أيضا, بحيث يفرض علينا أن نتكلم لغتهم, ونكره مايكرهون, فهم يصرون علي ان نصف أبطال العمليات الاستشادية بالارهابيين أو الانتحاريين علي أحسن الفروض, أما كلمة شهيد فانها أصبحت تثير حنقهم وأعصابهم, وقد وصل الأمر إلي حد تصدي رئيس الولايات المتحدة بنفسه للمسألة, ومطالبته الدول العربية في تصريح علني بألا تمنح أولئك الشبان والفتيات البواسل شرف الشهادة وتعميمه فتوي علي الكافة تقرر انهم انتحاريون وليسوا شهداء!
لم يغفر للدكتور غازي القصيبي الشاعر والسفير السعودي في لندن انه نظم قصيدة باسم الشهداء( نشرت في منتصف أبريل الماضي) وأثني فيها علي الشابة الفلسطينية آيات الأخرس(18 سنة) من مخيم الدهيشة التي نفذت عملية استشهادية في سوق القدس الغربية, لم يقبل منه هذا التصرف, فاستدعي إلي وزارة الخارجية البريطانية للاستيضاح منه عما عناه في قصيدته, وقال ناطق رسمي باسم الخارجية أننا نتعامل مع العمليات الانتحارية علي إنها شكل من أشكال الإرهاب, ونريد توضيح موقفنا للسفير.
لا غرابة في ذلك, فحين يصرون علي حذف أبواب الجهاد من مقومات الثقافة الإسلامية, ويدعون إلي عدم ترديد الآيات القرانية التي تفضح ممارسات بني إسرائيل, ويطالبون بإسقاط اسم صلاح الدين ودوره في تحرير القدس من كتب التاريخ, حين يفعلون ذلك ولايردون أو يردعون فينبغي ألا نفاجأبهم وهم يدققون فيما نتفوه به او نكتب, ويطالبوننا باستخدام مفردات ومصطلحات بذاتها, مما يروجون له في خطابهم السياسي.
(3)
المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة تخوض الآن معركة شرسة ضد بعض الصحف الأمريكية بهذا الخصوص, وتستخدم العديد من الوسائل وتمارس كل ماتملك من ضغوط لإجبار تلك الصحف علي استخدام لغة معادية للفلسطينيين, تصف الفدائيين مثلا بأنهم إرهابيون وتعتبر الضفة الغربية أرضا متنازعا عليها وليست أرضا محتلة, وتصنف الاجتياح الإسرائيلي, للضفة بحسبانه دفاعا عن أمن إسرائيل وملاحقة للإرهابيين.. وهكذا!
ورغم أن الاعلام الأمريكي في مجمله تحت الهيمنة الصهيونية القوية, إلا أن الفظائع التي جرت في الضفة الغربية مؤخرا لم يكن ممكنا التستر او المداراة عليها بالكامل, وإزاء انفضاح الأمر عبر الفضائيات وعلي شبكات الإنترنت, فان بعض الصحف الأمريكية أدركت ان سكوتها علي مايجري أو التستر عليه يفقدها مصداقيتها, ناهيك عن ان حجم الجرائم أصبح اكبر مما يمكن إخفاؤه, إزاء ذلك فقد وجدت تلك الصحف نفسها مضطرة إلي تسجيل بعض جوانب الحقيقة, ورغم ان ذلك البعض كان شديد التواضع وعند الحد الأدني من الحياد, إلا أنه أثار ثأئرة المنظمات الصهيونية والموالية لإسرائيل, التي شنت علي الصحف حملة ترهيب شعواء, واتهمتها بممالأة الإرهاب والتحيز لصالح الفلسطينيين.
في هذا الصدد بثت وكالة الأنباء الفرنسية في4/25 تقريرا قالت فيه أن مجموعة من النشطاء السياسيين اليهود في مدينة بوسطن بولاية ماساشوستش قاموا بحملة شعبية واسعة, للتأثير علي الصحف والصحفيين لمنعهم من اتخاذ مواقف حيادية من الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني تحت عنوان مكافحة التحيز لصالح الفلسطينيين!
وأعلنت هذه المجموعة يوم الاربعاء أول مايو يوما أمريكيا فيدراليا لمحاربة هؤلاء الصحفيين, ويتم فيه التركيز علي مقاطعة صحيفة نيويورك تايمز بالذات لكونها تشهد تحولا خطيرا لصالح الفلسطينيين وينوون دفع المشتركين في الصحيفة إلي الاتصال بإدارتها في هذا اليوم والاعلان عن قطع الاشتراك فيها إلي الأبد أو لمدة شهر واحد علي الاقل, ويقولون إنهم يطمحون للوصول إلي100 ألف اتصال كهذا, حتي ترتدع الصحيفة وتدرك خطورة أفعالها.
ذكر تقرير الوكالة الفرنسية أن نشاط هؤلاء اليهود يأتي ضمن حملة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للترويج للموقف الإسرائيلي الرسمي, وهو ليس بعيدا عن التنسيق مع ممثلين رسميين لحكومة إرييل شارون وحزبه, وفي إطاره يرصدون وسائل الاعلام الأمريكية كلها, ويسجلون كل جملة تقال ضد إسرائيل وممارستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته, ويقومون بجمعها في موقع خاص في الإنترنت ويرسلونها إلي ملايين المواقع تحت عنوان: أقوال تخدم الإرهاب ويدعون قراءهم إلي عمل شيء سلمي ضد أصحاب تلك الأقوال ووسائل الإعلام التي تنشرها ويطلبون ولو رسالة احتجاج واحدة بل ينشرون نصا موحدا لهذا الاحتجاج بحيث لايشعر القاريء أنه يحتاج إلي بذل أي جهد لكي يعبر عن احتجاجه: ماعليك إلا أن تضغط هنا, حتي تصل رسالتك إلي عنوانها!
(4)
لم أكن أعرف ان اليهود الأمريكيين أنشأوا في أمريكا مؤسسة باسم التصحيح الإعلامي وهي واحدة من مؤسسات أخري كثيرة تقوم بمهمة مراجعة محتويات الصحف وكل وسائل البث, ورصد ما فيها من معلومات أو اشارات تتجاوز ما تعتبره خطوطا حمراء في تغطية الاخبار والتقارير المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي, وبطبيعة الحال فان اي تعبير لايتبني الموقف الإسرائيلي أو ان يشك في حياده يعد تجاوزا لتلك الخطوط, ويستتبع بالتالي إدراج الكاتب أو الصحيفة في قوائم سوداء تمهيدا لابتزاز وتهديد أي منهما في4/30 نشرت الشرق الأوسط أنه في لوس انجليس أوقف ألف شخص اشتراكاتهم في صحيفة لوس انجليس تايمز لمدة يوم احتجاجا علي ما اعتبروه تغطية غير دقيقة منحازة للجانب الفلسطيني وفي نيويورك ناشد الكثير من أعضاء الجالية اليهودية القراء بمقاطعة صحيفة نيويورك تايمز أما في مينا بوليس, فقد اشترت منظمة تدعي سكان مينيسوتا المناهضون للإرهاب صفحة كاملة في صحيفة ستار تريبيون اتهمت عبرها الصحيفة برفض إطلاق تسمية إرهابي علي الفدائيين الفلسطينيين.
وقال مايكل جيتلار, محقق الشكاوي في صحيفة واشنطن بوست أنه ظل يتسلم خلال الأيام الأخيرة مايزيد علي مائة مكالمة ورسالة بريد إليكتروني في اليوم يتهم معظمها الصحيفة بإجراء تغطية منحازة إلي الفلسطينيين, ومناوئة لإسرائيل, أما نيد ووريك, محرر الشئون الخارجية بصحيفة فيلادلفيا انكوبارار فقد ذكر أن الصحيفة تعرضت خلال الفترة الأخيرة لـ سيل من الانتقادات من الجالية اليهودية المحلية,. وقال انه ظل يتسلم مابين100 و120 رسالة بريد إليكتروني يوميا في فيمايبدو أنه حملة دقيقة الترتيب ومتواصلة.
أما ضغوط اللوبي الصهيوني علي واشنطن بوست فان الصحيفة أوفدت مندوبا خاصا إلي إسرائيل, جلين فرانكليل, ونشرت علي صفحتها الأولي تقريرين اخباريين عن آثار الهجمات الفدائية علي الإسرائيليين, لكي توازن بهما مانشرته الصحيفة, ذاتها عن الجرائم الإسرائيلية في جنين وبقية مدن الضفة الغربية, ومع ذلك فان ذلك لم يغفر لها ما اقترفته حين تحدثت عن حقيقة مايجري في جنين, وظلت تتلقي يوميا مئات الرسائل الإلكترونية الناقدة لها, التي ذهب بعضها إلي حد اتهام محرريها بالعداء للسامية.
من مفارقات المشهد وتداعياته أن بعض السفراء العرب في واشنطن أعدوا بيانا شرحوا فيه رؤيتهم للقضية العربية, واتفقوا علي نشره كاعلان مدفوع الأجر في احدي الصحف الأمريكية الكبري, غير أن الصحيفة عجزت عن نشره, وأعادته في اليوم التالي إلي ممثل السفراء العرب, قائلة أن اللوبي الصهيوني علم بالأمر, وهدد ـ في حالة النشر ـ بسحب إعلانات من الصحيفة تفوق حصيلتها عشرات المرات قيمة صفحة إعلان السفراء العرب, قرأت الخبر في صحيفة القدس العربي التي أشارت إلي الواقعة دون تبيان اسم الصحيفة أو مضمون الإعلان.
(5)
أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمدن وبلدان الضفة الغربية, قامت شركة ميكروسوفت العالمية لإعداد برامج الكمبيوتر بحملة إعلانية في مختلف المدن الإسرائيلية, وتل أبيب في مقدمتها, حيث علقت لافتات كبيرة كتبت عليها بالبنط العريض, عبارة تقول: شكرا لقوات الأمن الإسرائيلية! ـ أثار الإعلان الناشطين العرب في مناطق48 وبعض الناشطين في حركة السلام الإسرائيلية, الذين دعوا إلي إزالة اللافتات المؤيدة للقتل بدم بارد, وقالوا في بيان أصدروه إن اللافتات بمثابة دعاية رخيصة وإعلان تأييد حرب الاحتلال التي يقودها شارون.
لم يكن لتصرف شركة ميكروسوفت المعادي للفلسطينيين أي صدي في العالم العربي والإسلامي التي تروج فيه منتجاتها, وهذا الصمت ظل العالم العربي ملتزما به حين اتهم رئيس وزراء الهند فاجبابي العالم الاسلامي مؤخرا بالازدواجية, وحين تحدث وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر عن الاسلام باستياء وضجر وشكك في قدرته علي التطور, وحين لم تر مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في الإسلام إلا أنه مصدر للإرهاب وفاشية جديدة.. وحين وحين.. إلخ.
انهم يحاسبون شاعرا عربيا علي كلمة قالها في امتداح فتاة فجرت نفسها فيمن أذل الفلسطينيين, واغتصب أرضهم, ويلاحقون كل صاحب قلم في الولايات المتحدة اذا عن له مرة أن يكون منصفا, لكننا نغض الطرف عن الكثير الكثير مما ينال من عقيدتنا ويزدري بها, فضلا عن أولئك الذين لايملون من تحقير العرب والمسلمين وإثارة البغضاء والكراهية من حولهم.
لست ألوم الذين يثابرون ويستنفرون للدفاع عن مصالحهم أو حتي باطلهم, فهم يقومون بما عليهم تجاه أنفسهم, لكن من يستحق اللوم حقا هو من يفرط في حقه ويتقاعس عن الدفاع عنه, ويضن علي أمته باسهام متواضع يدفع عنها بعضا من الشرور التي تستهدفها, إذ بأي معيار ينبغي ألا يستوي الذين يعملون بالذين لايعملون, ولا المثابرون والقاعدون.