مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
العمليـات الاسـتشهادية
هويدي 16-4-2002

الآن ندرك أن العمليات الاستشهادية هي الشيء الوحيد الذي أوجع الحكومة الإسرائيلية وحلفاءها‏,‏ وأوصل إلي الجميع رسالة الغضب الفلسطيني باللغة التي يفهمونها‏.‏ وهو ما يفسر لنا إلحاحهم علي وصف أبطال تلك العمليات الجسورة بالانتحاريين حينا‏,‏ وبالإرهابيين في أحيان أخري كثيرة‏,‏ وذلك الإلحاح ليس له إلا معني واحد هو‏:‏ إنهم يريدون أن يجردوا العرب والمسلمين من السلاح الوحيد الذي تبقي لهم‏,‏ للدفاع عن شرف أمتهم وكرامتها‏,‏ لكي ينفتح الطريق لكسر إرادتهم وتركيعهم‏.‏

‏(1)‏
زارني قبل أيام أحد كبار محرر صحيفة ريبوبليكا الإيطالية‏,‏ حيث حدثني عن تعاطف الإيطاليين مع محنة ونضال الشعب الفلسطيني‏.‏ وقال‏:‏ إن هناك شيئا واحدا يحول دون اتساع نطاق ذلك التعاطف‏,‏ هو العمليات الانتحارية التي يقوم بها الفلسطينيون بين الحين والآخر‏,‏ وتؤدي إلي قتل أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء‏.‏ وأضاف أن الشعب الإيطالي يحيره إقدام الشباب الفلسطيني علي تلغيم أنفسهم وتفجيرها وسط الإسرائيليين‏,‏ وكثيرون عاجزون عن فهم حفاوة العالم العربي بمثل هذه العمليات‏,‏ واعتبار هؤلاء الفتيان والفتيات شهداء‏,‏ ثم قال بلهجة الصديق الناصح‏:‏ إذا كنتم غير راغبين لأسباب مفهومة في إطلاق وصف الإرهابيين عليهم‏,‏ فلماذا تعتبرونهم شهداء‏,‏ في حين أن مصطلح الانتحاريين قد يكون محايدا‏,‏ وهو ما يساعدكم علي كسب قطاعات أوسع في العالم الغربي‏.‏
مثل هذه التساؤلات والملاحظات حول العمليات الاستشهادية سمعتها من بعض الصحفيين اليابانيين‏,‏ الذين جاءوا إلي القاهرة وذهبوا إلي بيروت لمحاولة فهم الظاهرة‏,‏ ومقارنتها بما فعله الطيارون اليابانيون في أثناء الحرب العالمية الثانية‏,‏ الذين فجروا أنفسهم بطائراتهم في سفن الأسطول الأمريكي‏,‏ فيما عرف بعمليات كاميكاز‏.‏

وإذا كانت تلك تساؤلات أو ملاحظات بعض الصحفيين المتعاطفين أو المحايدين‏,‏ فلك أن تتصور سيل المآخذ والتحفظات التي يثيرها الصحفيون الأمريكيون وأقرانهم في بعض العواصم الأخري‏,‏ وكلها ترفض وتدين ذلك النوع من العمليات الفدائية‏,‏ التي وصفها الأمريكي توماس فريدمان بأنها من قبيل الغباء والحماقة‏!(‏ نيويورك تايمز ـ‏3/31).‏
من أسف أن بعض الكتاب العرب المتغربين وقعوا في المحظور‏,‏ وانساقوا وراء الحملة التي يشنها الصحفيون الغربيون الموالون لإسرائيل‏,‏ فوجهوا بدورهم سهام نقدهم للعمليات الاستشهادية‏,‏ وقرأنا لأحدهم أخيرا مقالا تحت عنوان يحيا الموت مذهبا رسميا وشعبيا وملزما بالسكوت والإذعان‏(‏ الحياة اللندنية‏4/10).‏

من مجمل ما سمعت وجدت أن الأمر تشوبه التباسات عديدة‏,‏ بعضها يتعلق بنظرة المسلمين إلي الحياة الإنسانية‏,‏ وزعم البعض أن الثقافة الإسلامية تستهين بتلك الحياة وتستسهل إهدارها‏.‏ هناك أيضا التباس في فهم فكرة الشهادة موقعها في الخطاب الثقافي الإسلامي‏,‏ والتباس ثالث يتعلق بالملابسات التي دفعت الفلسطينيين للجوء إلي مثل تلك العمليات‏.‏
لكي نستجلي هذه الأمور ونرفع الالتباس‏,‏ فإننا سنجد أنفسنا مدفوعين إلي القيام بسياحة لا مفر منها في بعض عوالم الفكر وآفاق التاريخ القريب‏.‏

‏(2)‏
في نفسي شيء تجاه الناقدين للعمليات الاستشهادية لا أستطيع أن أكتمه‏,‏ فضلا عن أني أحسب أن البوح به ضروري قبل الشروع في السياحة التي نحن بصددها‏,‏ لأن عملية الاستجلاء موجهة بالدرجة الأولي إلي الذين التبست عليهم الأمور ويريدون أن يفهموا الظاهرة علي نحو صحيح‏,‏ وهؤلاء قلة بين الخائضين في الموضوع‏.‏ أما الكثرة الكاثرة من عناصر النخبة الناقدين والمنددين بالعمليات الاستشهادية فهم ممن عميت قلوبهم وفسدت ضمائرهم‏,‏ وعرفوا الحق لكنهم أعرضوا عنه نفاقا واتباعا للهوي‏,‏ الذي لا يكن سوي البغض للعرب والمسلمين بعامة‏.‏
إذ لابد أن يمتلئ المرء سخطا وغضبا حين يجد أولئك المنددين بالعمليات الاستشهادية يتجاهلون حقيقة الاحتلال الذي هو أس الداء ومصدر البلاء‏,‏ فيسكتون عامدين عن السبب ولا يستحضرون سوي النتيجة‏,‏ ومن ثم يصبون لومهم علي الضحية دون الجلاد‏,‏ ثم يغضون الطرف عن كل الجرائم البشعة التي يرتكبها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين‏,‏ التي تمثل الإبادة والترويع عنوانا رئيسيا لها‏,‏ ولا ترق قلوبهم إلا حين يرون قطرات الدم الإسرائيلي‏,‏ بينما شلال الدم الفلسطيني لا يعني لديهم شيئا‏,‏ ويزعجهم أن يفجر شاب أو فتاة نفسه في متجر أو حافلة انتقاما من الذين سرقوا حلمه وأذلوه‏,‏ في حين لا تستوقفهم أسراب طائرات الأباتشي وإف‏16‏ وهي تهدم البيوت وتحصد أجيال الفلسطينيين‏.‏

يتضاعف السخط والغضب‏,‏ ويتجلي النفاق الدولي حين يجد أن الدنيا قامت ولم تقعد حين هدمت جماعة طالبان تمثالي بوذا في باميان‏,‏ وأصدرت منظمة اليونسكو بيانا أعلنت فيه أن تلك جريمة ضد الإنسانية‏,‏ ودعت المجتمع الدولي للتدخل لوقفها‏,‏ وتوالت عمليات الإدانة والتشهير بالخطوة الغبية التي اتخذتها الحكومة الأفغانية‏,‏ حتي تمت تعبئة العالم ضد نظام كابول‏,‏ لكن الجميع التزم الصمت وأصموا آذانهم وأغمضوا أعينهم حين أحرقت أجزاء من كنيسة المهد في بيت لحم ودمر العديد من المساجد‏,‏ وحين هدمت ومحيت أحياء ومنعت سيارات الإسعاف من حمل الجرحي الذين تركوا ينزفون حتي فاضت أرواحهم في كل مدينة اجتاحتها القوات الإسرائيلية‏,‏ وحين جاءت الجرافات الإسرائيلية وحملت جثث الفلسطينيين ثم ألقت بها في المجاري‏,‏ وحين قطعت المياه والتيار الكهربائي والغاز عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين‏..‏ إلخ‏.‏
كل هذه الجرائم وقعت علي مرأي ومسمع من الجميع‏,‏ ورأي العالم صورها حية علي شاشات التليفزيون‏,‏ لكن الجميع ـ خصوصا في واشنطن ـ مرروها واعتبروها دفاعا إسرائيليا مشروعا عن النفس‏,‏ وظلوا علي اتهامهم للفلسطينيين الإرهابيين بأنهم مسئولون عما جري‏!!‏ لقد ضنوا بكلمة إدانة واحدة علي جرائم جيش إسرائيل التي ترتكب علي مدار الساعة بحق الفلسطينيين‏,‏ بينما يملأون الدنيا صياحا واحتجاجا إذا ما قام فلسطيني واحد بعملية فدائية هنا وهناك‏.‏

لقد هرول بعض أعضاء الكونجرس إلي مصر‏,‏ وجاءت وفود من منظمات حقوق الإنسان‏,‏ وأصدرت الولايات المتحدة قانونا للحريات الدينية‏,‏ حين اعتدي أحد الحمقي علي كنيسة في صعيد مصر‏,‏ وتوقفت مباحثات إعادة العلاقات بين الخرطوم وواشنطن‏,‏ وسارع وفد من العسكريين الأمريكيين إلي زيارة السودان لتحري الموقف حين قتل‏17‏ مدنيا جنوبيا إثر غارة جوية علي ولاية الوحدة‏,‏ لكن المذابح التي راح ضحيتها مئات لا يكاد يحصي عددها من الفلسطينيين منذ بداية حملة الاجتياح الإسرائيلية‏,‏ وعمليات القصف والتدمير والإعدام‏,‏ ذلك كله لم يحرك شيئا لدي تلك الجهات التي ما برحت تعبر عن الغيرة والاحتجاج والاستنفار كلما حدث مساس ولو علي سبيل الخطأ بحقوق الإنسان في العالم العربي‏.‏ أما حين تعلق الأمر بإسرائيل‏,‏ فإن الموقف اختلف تماما‏,‏ وأصبحت كل جرائمها ضد الإنسانية مبررة ومفهومة ومغفورة‏!‏
ألا يضيف ذلك التجاهل أو الانسداد سببا إضافيا يبرر الرد بالعمليات الاستشهادية علي التواطؤ والنفاق الدوليين؟

‏(3)‏
إذا عدنا إلي سياحتنا المرجوة‏,‏ وتابعنا مواضع الالتباس التي تحدثنا عنها‏,‏ فلعلي أبدأ بتأكيد أن أحدا لا يستطيع أن يزايد علي الثقافة الإسلامية في احترام الحياة الإنسانية‏,‏ والإعلاء من شأن الإنسان الذي قلت مرارا إنه في الخطاب الإسلامي مخلوق الله المختار الذي نفخ فيه من روحه‏,‏ وسجدت له الملائكة‏,‏ وسخرت كل موجودات الأرض لخدمته وإسعاده في الدنيا والآخرة‏,‏ بعدما استخلف في الأرض لعمارة الكون وإشاعة الخير في الدنيا‏.‏
إن كل مكونات الكون كائنات من خلق الله‏,‏ وهي تسبح بحمده طبقا لنص القرآن‏,‏ ومن ثم فلها حق الكرامة والصيانة‏,‏ وفي القرآن أيضا أن الحيوانات والطيور أمم أمثالكم‏,‏ وفي الأحاديث أن قتل الحيوان بغير مبرر أو مصلحة إثم يعاقب عليه المرء يوم القيامة‏,‏ فما بالك بقتل الإنسان؟

إن الانتحار يجرح إيمان المرء لأنه تعبير عن الضلال واليأس من رحمة الله وقدرته‏,‏ في الوقت نفسه فإن من قتل نفسا ظلما وبغير حق فكأنما قتل الناس جميعا وفقا للتعبير القرآني‏,‏ كيف والأمر كذلك أن يقال بأن المسلمين يستهينون بالحياة ولا يترددون في إهدارها؟
ولكي تستمر الحياة‏,‏ فالنداء موجه إلي كل مؤمن أن‏:‏ إذا قامت الساعة وفي يد أحد منكم فسيلة‏(‏ نبتة صغيرة‏)‏ فليغرسها‏,‏ فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتي يغرسها فليغرسها‏,‏ وهو حديث نبوي يدعو بني الإنسان إلي أن يتشبثوا بإعمار الدنيا وإحيائها حتي آخر لحظة في عمر الأرض‏,‏ حتي وإن لاحت إرهاصات الفزع الأكبر‏!‏

‏(4)‏
ما تدافع عنه الثقافة الإسلامية ليست أي حياة‏,‏ وإنما هي الحياة التي يسود فيها الحق والعدل والحرية‏,‏ ويستشعر الناس فيها العزة والكرامة‏,‏ وذلك هو سبيل الله في المفهوم القرآني‏,‏ حيث كل دفاع عن تلك القيم هو دفاع عن حقوق الله وإعلاء لكلمته‏.‏ وكما أن علي المسلم أن يتشبث بإعمار الأرض حتي آخر لحظة‏,‏ فإنه مأمور بأن يدافع عن حقه في الحياة الكريمة حتي آخر رمق‏,‏ وهو ما فهمه الخليفة الثاني أبو بكر الصديق حين قال لقائد جيش المسلمين خالد بن الوليد وعبر عنه بقوله‏:‏ احرص علي الموت توهب لك الحياة ذلك أن الذين يضحون بأرواحهم وهم يدافعون عن حقوقهم‏,‏ لا يفعلون ذلك حبا في الموت‏,‏ وإنما يفدون بأرواحهم وأجسامهم حلمهم في أن تعيش أمتهم حياة كريمة‏,‏ وهي الحياة الحقيقية لبني الإنسان‏.‏
لأجل ذلك شرع الجهاد في صورته القتالية‏,‏ واعتبر كل من يموت دفاعا عن الحق والعدل والكرامة شهيدا ومجاهدا في سبيل الله‏,‏ وتعددت صور الترغيب في الشهادة‏,‏ باعتبارها أسمي درجات البذل والعطاء‏,‏ حيث وعد برضوان الله وجنته‏,‏ حتي قالت الأحاديث النبوية إن الشهيد وحده دون كل أهل الجنة‏,‏ هو الذي يتمني أن يرجع إلي الدنيا لكي يقتل فيها عشر مرات‏,‏ لما يري من الكرامة‏,‏ وقالت الأحاديث إنه يشفع في سبعين من أهله‏.‏

في لسان العرب أن الشهيد هو المحتضر‏,‏ الذي تحضر الملائكة له‏,‏ ويشهد عند انتقاله إلي ربه ما أعد له من نعيم‏,‏ وتشهد روحه عند ربه بما قدمه في سبيل الله‏,‏ وفي المعاجم الأخري أنه سمي شهيدا لقيامه بشهادة الحق في أمر الله‏,‏ ولأنه يكون في الآخرة شهيدا علي الناس بأعمالهم‏,‏ ولأنه يشهد الجنة‏.‏
في الموسوعة الفقهية أن المقتول في سبيل الله أطلق عليه وصف الشهيد الذي هو من أسماء الله‏,‏ تمجيدا له وتعظيما‏,‏ وأن الشهداء ثلاثة‏:‏ شهيد دنيا وآخرة‏,‏ وهو الذي يقاتل في سبيل الله‏,‏ وشهيد دنيا‏,‏ وهو من شاب عمله شيء من الأغراض الدنيوية‏,‏ من منافسة أو عصبية أو غير ذلك‏,‏ وشهيد آخرة‏,‏ وهو من قتل مظلوما دون أن يقاتل‏,‏ مثل الذين هدمت عليهم بيوتهم‏.‏
وعند فقهائنا المعاصرين‏,‏ في مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي‏,‏ فإن من يفجر نفسه في العدو يحتل مكانة سامقة بين الشهداء‏,‏ لأن المقاتل العادي حتي وإن حرص علي الشهادة‏,‏ ربما راوده الأمل في أن يعود إلي أهله سالما‏,‏ أما الذي يفجر نفسه فهو ذاهب إلي ربه منذ لحظة خروجه من بيته‏,‏ ومدرك أنه ذاهب بغير رجعة‏,‏ لذلك استحق أن يحتل مقاما أعلي وأكبر‏.‏

‏(5)‏
من الناحية التاريخية ينسي كثيرون أن النضال الفلسطيني منذ الثلاثينيات جرب كل صور المقاومة‏,‏ وأن العمليات الاستشهادية تمثل حلقة متأخرة في مسيرة النضال‏,‏ وقد لجأوا إليها باعتبارها ضرورة فرضتها ظروف مواجهة الاحتلال‏.‏
أذكر في هذا الصدد بأن انتفاضة عام‏87‏ لم تطلق فيها رصاصة من الجانب الفلسطيني‏,‏ وإنما عرفت بانتفاضة الحجارة‏,‏ التي رد عليها إسحاق رابين بتكسير عظام الشباب الفلسطينيين‏.‏ غير أن المقاومة الفلسطينية لجأت إلي استخدام السلاح في غزة عام‏91,‏ بعد أن نجحت الأجهزة الصهيونية في احتواء واستيعاب آثار تلك الانتفاضة‏,‏ واستهدفت عمليات إطلاق الرصاص آنذاك الجنود والمستوطنين في القطاع‏.‏

في الشهر الأخير من عام‏92,‏ أبعدت قوات الاحتلال‏415‏ من قيادات الحركة الإسلامية في فلسطين إلي مرج الزهور‏,‏ وإزاء ذلك قررت كتائب القسام أن تلجأ إلي الرد بأسلوب العمليات الاستشهادية‏,‏ ونظمت ما سمي بمسيرة الأكفان التي اتجهت صوب الحدود‏.‏
كانت السيارات المفخخة التي قادها فدائيون فلسطينيون هي الوسيلة التي اتبعت آنذاك‏,‏ فقاد الشهيد ساهر حمد الله التمام في‏93/4/16‏ سيارة مفخخة اتجهت صوب مستوطنة ميحولا علي بعد‏15‏ كم من نهر الأردن‏,‏ انفجرت بين حافلتين عسكريتين إسرائيليتين‏,‏ وفي‏10/4‏ من العام نفسه قاد الشهيد سليمان زيدان سيارة أخري صدم بها حافلة عسكرية قرب مستوطنة بيت ايل قرب رام الله‏.‏

في هذه المرحلة كانت الأهداف العسكرية الإسرائيلية هي التي وجه إليها الفدائيون ضرباتهم‏,‏ لكن الأمر اختلف حين عمدت السلطات الإسرائيلية إلي اغتيال بعض الرموز الفلسطينية‏,‏ وبعد وقوع مذبحة الحرم الإبراهيمي في‏94/2/25,‏ فردت المقاومة بعدة عمليات‏,‏ استخدم أحدها حزاما ناسفا لأول مرة‏(‏ في‏94/4/13),‏ وكان بطلها الشهيد عمار عمارنة‏,‏ الذ ي أوقع في الخضيرة خمسة قتلي بينهم جنود‏.‏
تواصلت العمليات الاستشهادية بين عامي‏94‏ و‏97,‏ أي منذ مذبحة الحرم الإبراهيمي وحتي حفر الإسرائيليين لنفق تحت المسجد الأقصي‏,‏ ثم هدأت وتيرتها في الفترة بين عامي‏98‏ و‏99‏ بسبب التعاون الأمني بين الأجهزة الفلسطينية والإسرائيلية‏,‏ ثم عادت بقوة إثر اندلاع انتفاضة الأقصي‏.‏

من هذا التتابع نلاحظ أن ظهور العمليات الاستشهادية واكب مشاهد الفشل في التوصل إلي حل سياسي عادل‏,‏ واستمرار التوسع في تكريس الاحتلال‏,‏ وتصاعد عمليات القمع والحصار والتجويع‏,‏ الأمر الذي فرض علي المقاومة الفلسطينية أن تلجأ إلي السلاح الوحيد الذي يمكن أن يمثل ردا موجعا علي مختلف الممارسات الإسرائيلية‏,‏ حتي بدا أن العمليات الاستشهادية هي الحل الذي لم يجدوا عنه بديلا‏.‏
نلاحظ أيضا أن هذه العمليات بدأتها المقاومة الإسلامية‏,‏ وتوجهت صوب الأهداف العسكرية الخالصة‏,‏ ولكن المدي البعيد الذي ذهب إليه القهر والترويع الإسرائيليان استدعي توسيع نطاق الرد الفلسطيني‏,‏ فوجهت المقاومة ضرباتها إلي العمق الإسرائيلي من ناحية‏,‏ كما أن العمليات الاستشهادية لم تعد مقصورة علي المقاومة الإسلامية وحدها‏,‏ من ناحية ثانية‏,‏ وإنما صارت سلاحا ناجعا لردع الإسرائيليين‏,‏ استخدمته الفصائل الوطنية الأخري‏,‏ مثل كتائب الأقصي التابعة لمنظمة فتح‏,‏ والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‏.‏
إن من نكد الدنيا لاريب أن يطالب الضحايا بأن يوضحوا للآخرين باستمرار‏,‏ لماذا وكيف يدافعون عن كرامتهم وشرف أمتهم‏.
أضافة تعليق