مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
لنحذر من محاولات التخـدير
هويدي 19-3-2002

لا ينبغي أن نخدع أنفسنا ونتعلق بسراب متغيرات لا وجود لها‏,‏ فما تشهده منطقتنا العربية الآن هو بالدقة ترتيب لتخدير الشعوب والأنظمة‏,‏ يمهد للجراحة المنتظرة ضد العراق‏,‏ وقد أفهم أن تنشط واشنطن لإنجاز محاولة التخدير‏,‏ من خلال ما تصدره من إشارات أو من توفدهم من مبعوثين‏,‏ لكن الذي لم أفهمه وأستغربه بشدة‏,‏ أن ينضم بعضنا إلي فريق التخدير‏,‏ لكي تحقق المحاولة مرادها‏,‏ ومن ثم لكي تتكلل الجراحة بالنجاح الذي تنشده‏.‏

‏(1)‏
يراد لنا أن نبتلع الطعم ونصدق‏,‏ أن ثمة تطورا إيجابيا في الموقف الأمريكي‏,‏ وأن الاتصالات والضغوط العربية نجحت في حث واشنطن علي أن تخرج عن صمتها‏,‏ وتتجاوز موقف المتفرج علي شلال الدم الفلسطيني‏,‏ الذي أغرق الضفة والقطاع‏,‏ والذين يسوقون تلك الفكرة يستندون إلي مجموعة من الشواهد هي‏:‏
‏*‏ إن الرئيس بوش أعلن عن اهتمامه باستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ وعبر عن ذلك بقراره إعادة الجنرال أنتوني زيني إلي المنطقة‏,‏ لمواصلة جهود الوساطة بين الطرفين‏.‏

‏*‏ أن عودة زيني تزامنت مع جولة أخري في المنطقة‏,‏ قام بها نائب الرئيس ريتشارد تشيني‏,‏ استهدفت إطلاع زعماء دولها علي خطط واشنطن المقبلة‏.‏
‏*‏ إن واشنطن تحدثت عن تحميل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي‏,‏ مسئولية العنف المتزايد‏,‏ وكانت من قبل تنتقد السلطة الفلسطينية وحدها‏,‏ كما أن الرئيس الأمريكي انتقد حكومة شارون‏,‏ حين أشار إلي أن الإجراءات التي تتخذها إزاء الفلسطينيين غير مشجعة‏,‏ وهو ما ترتب عليه انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض مناطق السلطة الفلسطينية‏,‏ التي كانت قد أعادت احتلالها‏.‏

‏*‏ إن واشنطن أسهمت بدور فعال في قرار مجلس الأمن‏,‏ الذي صدر في‏3/13‏ وأشار لأول مرة الي الدولة الفلسطينية‏,‏ الأمر الذي أعطي مرجعية لإقامة الدولة ضمن وثائق الأمم المتحدة‏.‏
في قراءة هذه المؤشرات‏,‏ يتعين علينا أن نفرق بين ما إذا كانت تصب في الفروع أو الأصول‏,‏ وما إذا كانت من قبيل مراجعة التكتيك أو الاستراتيجية‏,‏ ذلك أننا إذا دققنا فيها جيدا فسنجد أنها في حقيقة الأمر حزمة تلويحات وتحركات وكلمات‏,‏ هي أقرب إلي الغواية والتسكين منها إلي العلاج‏,‏ وإذا جاز لي أن استخدم وصفا أطلقته من قبل علي مثل هذه المحاولات‏,‏ فقد أكرر القول إننا بصدد عناوين ومفردات جديدة في خطاب ترطيب الجوانح‏,‏ الذي يمنحك شعورا زائفا بالراحة والأمل‏,‏ ويشجعك علي النعاس لبعض الوقت ـ حبذا كل الوقت‏!‏ ـ حتي تغفل عن حقيقة ما يجري من حولك‏.‏

‏(2)‏
سيفيدنا بلا ريب أن نتوقف لحظة أمام توقيت هذه الإشارات وسياقها‏,‏ قبل أن نتطرق إلي تقويمها‏,‏ في هذا الصدد لابد أن يلفت انتباهنا أن الإدارة الأمريكية ظلت طيلة الأسابيع الأخيرة تصم آذانها عن النداءات الصادرة عن القيادة الفلسطينية وبعض العواصم العربية‏,‏ مطالبة إياها بتحمل مسئوليتها كراعية رئيسية لعملية السلام‏,‏ ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما عمدت تلك الإدارة إلي تشجيع وتسويغ الاجتياح والافتراس الإسرائيليين للأراضي والجماهير الفلسطينية‏,‏ واعتبرت أن عمليات الاغتيال والمذابح اليومية والقصف والتدمير اليومية للبيوت والمقار الفلسطينية‏,‏ هي من قبيل الدفاع عن النفس‏,‏ وكان ذلك مما دفع الحكومة الإسرائيلية إلي التوسع في عمليات البطش والقتل‏,‏ اطمئنانا إلي الشرعية التي أضفتها واشنطن علي ممارساتها‏,‏ وابتداعها فكرة حق القاتل في الدفاع عن نفسه في مواجهة رفض الضحية الاستسلام لمصير القتل‏.‏
خلال تلك الأسابيع‏,‏ وكما قيل بحق‏,‏ أخذ شارون فرصته كاملة ليتمكن من تحقيق الانتصار علي الفلسطينيين‏,‏ ويدفعهم إلي الزحف علي بطونهم ووجوههم والتمسح بقدميه‏,‏ قابلين بما يقسمه لهم من ذل‏,‏ ومهانة‏,‏ واندثار من التاريخ‏,‏ والجغرافيا‏.‏

لكن شارون‏,‏ وجيش الاحتلال‏,‏ وكل الترسانة العسكرية‏(‏ الإسرائيلية‏)‏ الأمريكية‏,‏ لم تتمكن من إلحاق الهزيمة بالشعب الفلسطيني‏,‏ بل وتلقت تلك الآلة المتوحشة ضربات أذهلتها‏,‏ من عمليات اقتحام مباغتة للحواجز‏,‏ إلي نسف دبابة الميركافا ـ فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية ـ إلي العمليات الاستشهادية‏,‏ التي قام بها شباب وفتيات‏,‏ ألحقوا أفدح الخسائر بالعدو‏,‏ وأسقطوا رهانات أمنه‏,‏ ونسفوا وعود شارون‏,‏ وهدموا هيبة الجيش الذي اعتاد الانتصارات السهلة‏,‏ بل وكانت إحدي المفاجآت أن يتمكن الفلسطينيون من صناعة أسلحة تهدد أمن المستعمرات الصهيونية‏.‏
بعد كل الوقت الذي منحته الإدارة الأمريكية لشارون‏,‏ وحكومته الائتلافية‏,‏ ولجنرالات جيش‏(‏ الدفاع‏),‏ والعجز‏,‏ والإحباط الذي سببه الفلسطينيون لحكومة شارون‏,‏ وعدم وجود إمكانية إلحاق الهزيمة بروح التحدي الفلسطينية‏,‏ كان لابد أن تتدخل الإدارة الأمريكية لإنقاذ الموقف‏.‏
لقد أدركت واشنطن‏,‏ وكل الأطراف الغربية ذات العلاقة‏,‏ أن شارون هزم في معركة كسر الإرادة الفلسطينية‏,‏ وأن سياسة العصا الغليظة فشلت في تحقيق مرادها‏,‏ وأن التصعيد الإسرائيلي يقابل بتصعيد وعناد فلسطينيين‏,‏ الأمر الذي يحمل إسرائيل بخسائر أكبر بكثير مما يتحمله الفلسطينيون‏,‏ بالمعيار النسبي‏,‏ لذلك فلعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الهدف من إيفاد الجنرال زيني إلي المنطقة‏,‏ هو بالدرجة الأولي إنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيلي من الوحل الذي غرق فيه‏,‏ هو ومؤسسته العسكرية‏,‏ ومحاولة احتواء الهزيمة الإسرائيلية وتفاقمها‏.‏

‏(3)‏
خذ أيضا موضوع الدولة الفلسطينية‏,‏ الذي ورد في قرار مجلس الأمن الأخير‏(‏ الصادر في‏3/13),‏ وهو ما هلل له كثيرون وطنطنوا‏.‏
مثل هذه الطنطنة خير دليل علي نجاح عملية التخدير‏,‏ التي أصابت البعض منا بمجرد التلويح بمصطلح الدولة الفلسطينية‏,‏ لا أريد أن أعطي القرار صفرا في التقويم‏,‏ لكني أزعم أن إعطاءه الدرجة النهائية‏,‏ أو حتي أي علامة مرتفعة يوقعنا في مصيدة التخدير‏,‏ بل في محظور التدليس علي الناس والترويج للأوهام الكاذبة‏.‏

بالنسبة لي‏,‏ لا أستطيع أن أقاوم الشك في صيغة القرار ومقاصده‏,‏ حتي قبل أن أقرأ سطرا واحدا فيه‏,‏ لمجرد أن تكون الولايات المتحدة هي التي قدمته‏,‏ في حين أنها وقفت في مجلس الأمن بالمرصاد لقمع ومصادرة أي قرار ينصف الفلسطينيين من أي باب‏,‏ إذ من حق أي واحد لم يفقد ذاكرته بعد‏,‏ أن يتوجس شرا ويتساءل‏:‏ ما الذي يدعو الإدارة الأمريكية إلي الحديث عن الدولة الفلسطينية الآن ضمن قرار لمجلس الأمن‏,‏ وما الذي يدفع واحدا مثل شمعون بيريز وزير خارجية إسرائيل ـ وهو من هو ـ إلي الترحيب بالقرار؟ إزاء تساؤلات من هذا القبيل فإن المرء لا يتردد في أن يقول ـ وهو مغمض العينين ـ إن القرار في نهاية المطاف‏,‏ وفي أحسن فروضه‏,‏ فيه من المصلحة الإسرائيلية أكثر مما فيه من المصلحة الفلسطينية‏.‏
حين قرأت القرار وجدته أسوأ بكثير مما ذهبت‏,‏ وأدركت أنه أعطي الفلسطينيين كلاما في الهواء‏,‏ وأعطي الإسرائيليين كل ما يريدون علي الأرض في الوقت الراهن ـ كيف؟

من حيث الشكل يلاحظ قاريء النص‏,‏ أن كلمة الدولة الفلسطينية ألقيت بسرعة في سطر واحد‏,‏ ثم تم العبور فوقها الي أمور أخري‏,‏ تصب كلها في الصالح الإسرائيلي‏,‏ حتي يبدو وكأن المصطلح ألقي للتمويه‏,‏ وكان بمثابة قشرة الموز التي ينزلق العابر فوقها إلي ما هو أبعد وأسوأ‏.‏
لقد ورد مصطلح الدولة الفلسطينية في عبارة واحدة تقول‏:‏ إذ يؤكد‏(‏ مجلس الأمن‏)‏ رؤية تتوخي منطقة تعيش فيها دولتان‏,‏ إسرائيل وفلسطين جنبا إلي جنب‏,‏ ضمن حدود آمنة ومعترف بها‏,‏ هذا كل ما في الأمر‏,‏ دون أي تحديد للأرض التي ستقوم عليها دولة‏,‏ لا لآلية إقامتها‏,‏ ولا لأي تكليف للأمين العام بمتابعة القرار وإطلاع المجلس علي خطوات تنفيذه في أي أجل مضروب‏,‏ بل إن المرء يشك في جدية القرار لأنه لم ينص حتي علي انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة‏,‏ حيث لا يعقل أن يتم القفز إلي فكرة الدولة علي أرض محتلة‏,‏ ولم يطالب مجلس الأمن المحتلين بالجلاء عنها‏.‏

صحيح أن العرب بوسعهم إذا أرادوا أن يتغاضوا عن التمويه‏,‏ ويعملوا علي تحويل الهزل في النص إلي جد‏,‏ فيطالبون بسد الثغرات التي تخللت القرار‏,‏ والمطالبة بتحديد الآلية والآجال والانسحاب‏,‏ لكن ذلك شيء آخر‏,‏ وأغلب الظن أن الولايات المتحدة ستحول دونه‏,‏ باستخدام سلاح الفيتو‏,‏ ببساطة لأنها لو أرادت أن يؤخذ النص علي محمل الجد لفعلت‏,‏ لكنها لم ترد لدوافع الأصل فيها عدم البراءة‏.‏
في الشكل أيضا نلاحظ في استهلال القرار‏,‏ أنه أشار إلي جميع القرارات السابقة ذات الصلة‏,‏ خاصة القرارين‏242(1967),‏ و‏338(1973),‏ لكنه تجاهل وأسقط تماما قرار التقسيم الصادر في سنة‏1947,‏ تحت رقم‏(181)‏ ـ لماذا ـ ؟‏,‏ لأن القرار ينص علي إقامة دولة إسرائيل علي‏56%‏ من أرض فلسطين‏,‏ بينما هي الآن مقامة علي‏78%‏ من الأرض‏,‏ بزيادة‏22%‏ عما أعطاه لها قرار التقسيم‏(‏ الأمر الذي يعني أن التفاوض الآن يدور حول‏22%‏ فقط من الأرض‏,‏ بينما للفلسطينيين طبقا للقرار‏44%‏ من الأرض‏),‏ وهذا هو السر في استثناء قرار التقسيم من المرجعية‏,‏ رغم أن السياق يشير إلي جميع القرارات السابقة‏.‏

‏(4)‏
الشق الأهم في القرار ـ والمراد الحقيقي له ـ يدعو بقدر غير خاف من الصراحة‏,‏ إلي وقف الانتفاضة الفلسطينية‏,‏ المؤرق الأكبر لإسرائيل‏,‏ وللولايات المتحدة بالتالي‏,‏ ذلك أن الفقرة التالية لقشرة الموز تقول إنه إذ يساور مجلس الأمن بالغ القلق إزاء استمرار أحداث العنف المأساوية التي وقعت منذ سبتمبر‏/‏أيلول‏2000,‏ بخاصة الهجمات الأخيرة وتزايد عدد الإصابات‏,‏ وإذ يشدد علي ضرورة أن يكفل جميع الأطراف المعنية سلامة المدنيين‏,‏ وإذ يشدد أيضا علي ضرورة احترام قواعد القانون الإنساني المعترف بها عالميا‏..‏ وإذ يرحب بمساهمة الأمير عبدالله ولي عهد المملكة العربية السعودية‏,‏ يطالب‏:‏
‏*‏ بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف‏,‏ بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب والاستفزاز والتحريض والتدمير‏.‏

‏*‏ يدعو الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وقادتهما‏,‏ إلي التعاون في تنفيذ خطة عمل تينيت وتوصيات تقرير ميتشيل‏,‏ بهدف استئناف المفاوضات للتوصل إلي تسوية سياسية‏.‏
‏*‏ يعرب عن تأييده جهود الأمين العام والجهات الأخري الرامية إلي مساعدة الطرفين علي وقف العنف واستئناف عملية السلام‏.‏

جوهر القرار إذن يكمن في ذلك التعبير عنبالغ القلق إزاء استمرار أحداث العنف التي وقعت منذ سبتمبر‏2000,‏ الذي هو تاريخ انطلاق الانتفاضة‏,‏ والمدنيون الذين تخشي الولايات المتحدة علي مصيرهم وتعني براحتهم وسلامتهم‏,‏ ليسوا هم الفلسطينيين بطبيعة الحال‏,‏ الذين لا نعرف أن الإدارة الأمريكية شغلت بهم يوما ما‏,‏ لكنهم الإسرائيليون‏.‏ وأعمال العنف والإرهاب والاستفزاز في الخطاب الأمريكي الذي نحفظ مفرداته‏,‏ هي كل صور المقاومة الوطنية والإسلامية في فلسطين ولبنان‏,‏ أما المذابح وعمليات القتل التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية وتأمر بها‏,‏ وأما الغارات التي يقوم بها المستعمرون ضد الفلسطينيين العزل‏,‏ فهي في الخطاب الأمريكي الرسمي دفاع عن النفس‏,‏ مبرر ومشروع‏!‏
وقف الانتفاضة ـ أكرر ـ هو الهدف الجوهري للقرار الذي صفق له كثيرون في العالم العربي‏,‏ أما الإشارة المائعة إلي الدولة الفلسطينية‏,‏ فهي بالضبط القرص المخدر الذي ابتلعناه‏,‏ حتي يغيبنا عن القصد الخبيث الكامن في ثنايا العبارات ظاهرة البراءة‏.‏
لا يقف الأمر عند هذا الحد‏,‏ وإنما هناك ضغوط غربية تمارس بقوة الآن‏,‏ تطالب القمة العربية المرتقبة في بيروت بتبني قرار مجلس الأمن بشقيه‏,‏ المائع الذي يلوح بحكاية الدولة الفلسطينية‏,‏ والقاطع والحازم الداعي إلي وقف الانتفاضة‏,‏ وستكون مفارقة ما بعدها مفارقة‏,‏ أن تمرر القمة العربية القرار‏,‏ بعد أن تنطلي عليها حكاية الدولة الفلسطينية‏,‏ بحيث تقف في النهاية إلي جانب المطالبة بوقف الانتفاضة‏,‏ بدلا من تأكيد دعمها وتعزيز موارد الصندوق الذي خصصته في قمة سابقة لمساندة مناضليها‏.‏

‏(5)‏
إذا مضينا إلي أبعد في محاولة إزالة الأستار والأغشية‏,‏ التي تغلف الحقيقة‏,‏ فسندرك أن الموضوع الفلسطيني برمته لا يحتل أولوية في استراتيجية البيت الأبيض الآن أو أولوياته‏,‏ وسنجد أن واشنطن أرادت بمساعيها الراهنة أن تصيب عدة عصافير بحجر واحد‏,‏ فهي تريد انقاذ شارون من ورطته عبر وقف الانتفاضة‏,‏ وإيهام الفلسطينيين والإسرائيليين بعودة عجلة مسيرة السلام إلي الدوران مرة أخري‏,‏ وهي تعمل في الوقت ذاته‏,‏ علي ترطيب جوانح العرب وإرضائهم بكلمات مجانية تدغدغ مشاعرهم‏,‏ ولا تكلف الأمريكيين فضلا عن الإسرائيليين شيئا‏,‏ ومرادها في هذا وذاك أن تهديء المنطقة وتقلل من الشغب فيها‏,‏ لكي تنصرف إلي ضرب العراق مطمئنة إلي أن العالم العربي لن يتململ علي نحو يزعجها‏,‏ ولن يفيق بسرعة من تأثير القرص المخدر المتعلق بالدولة الفلسطينية‏.‏
في حديث تليفزيوني جري بثه مساء السبت‏3/9,‏ قال تشيني نائب الرئيس الأمريكي‏,‏ إن زيارته للمنطقة مكرسة لبحث مسائل عدة‏,‏ ومن الضروري ألا يفهم أن المسألة الفلسطينية ستحتل موقعا مركزيا في تلك المباحثات‏,‏ وهو كلام واضح وصريح في التعبير عن هامشية الملف الفلسطيني في مقاصد زيارته‏(‏ وفي استراتيجية البيت الأبيض بوجه عام إن شئت الدقة‏),‏ ولسنا بحاجة بعد ذلك لأن يقال لنا إن ترتيب ضرب العراق هو هدف الزيارة ومحورها‏,‏ وإن كل ما نشهده من إشارات وإيماءات مقصود به تهيئة الظروف المواتية لبلوغ ذلك الهدف‏.‏

هل هذا الذي يخططون له ويريدون‏,‏ قدر مكتوب لا فكاك منه؟
إجابتي علي السؤال بالنفي‏,‏ وإن ذلك كله يمكن أن يتغير‏,‏ وينقلب رأسا علي عقب‏,‏ إذا ما ارتفعت أصواتنا في أرجاء العالم العربي بالرفض والاستنكار والدعوة إلي مساندة الانتفاضة‏,‏ حتي تحقق مرادها في دحر الاحتلال وانسحاب قواته الغازية‏,‏ إنهم يدفعون استحقاقات بلوغ الحلم من دمائهم في فلسطين‏,‏ فهل نحن مستعدون لدفع استحقاق مساندة نضالهم بما هو أهون بكثير مما يقدمون؟ وبماذا نفسر تقاعس البعض منا وحبس أصوات البعض الآخر؟
أضافة تعليق