مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الثبــــــات واجـب الـوقـت
هويدي 26-2-2002

هذا أوان الثبات وليس التراجع والتفريط‏,‏ إذ ليس صحيحا أن المواجهة حسمت وان الطرف العربي هزم‏,‏ ولم يعد أمامه سوي الانبطاح والاستجداء‏.‏ وإذا كان العرب في مأزق‏,‏ فالآخرون ليسوا افضل حالا‏,‏ حيث لهم مآزقهم أيضا‏,‏ التي يرجح أن تدفعهم إلي المزيد من الاستقواء والافتراس‏,‏ الأمر الذي ينبغي أن يواجه من جانبنا بالثبات الذي أدعو إليه‏,‏ حيث من صبر ظفر‏,‏ ثم لا تنس أن خياراتنا ضاقت‏,‏ وغدا الموت هو الخيار الآخر الذي يراد لنا أن ننتهي إليه‏.‏

‏(1)‏
يصدم المرء وينتابه شعور بالغثيان حين يقرأ ذات صباح أن مسئولا فلسطينيا وعد الإسرائيليين بالعثور علي شخصية دينية بارزة تفتي بحرمة استمرار الانتفاضة‏.‏ علي الأقل فهذا ما نسبته صحيفة هاآرتس‏(‏ عدد‏2/12)‏ إلي السيد سري نسيبه مسئول ملف القدس في السلطة الفلسطينية‏,‏ الذي كان قد أثار لغطا شديدا في وقت سابق حين دعا إلي تخلي اللاجئين بملايينهم الخمسة عن حقهم في العودة إلي ديارهم التي طردوا منها‏.‏
لا أعرف ما اذا كان السيد نسيبه‏-‏ الذي لم نسمع انه نفي ما نسب إليه‏-‏ سيوفق في مسعاه أم لا‏,‏ ثم من يكون ذلك المفتي البارز الذي يتطلع إليه‏.‏ لكن الذي اعرفه أن كلامه يعد حلقة في سلسلة التراجعات البائسة في عناصر الملف الفلسطيني‏,‏ وهي التي شملت إدانة المقاومة ووصفها بالإرهاب‏,‏ وتحريم العمليات الاستشهادية بزعم أن ضحاياها من المدنيين‏,‏ وملاحقة عناصر المقاومة ومعاقبتهم بالاعتقال والسجن‏,‏ والتعاون الأمني مع الإسرائيليين في ذلك‏.‏ هذا بالإضافة إلي التنازل عن حق العودة وعن القدس وعن إزالة المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة بالمخالفة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة‏.‏

لا أعرف ماذا بقي في ملف القضية لم يتراجع فيه المسئولون الفلسطنيون‏,‏ لكن قارئ المقال الذي كتبه الرئيس عرفات ونشرته له أخيرا صحيفة نيويورك تايمز بلاحظ أن قيادة السلطة الفلسطينية المحاصرة في رام الله تعيش مأزقا يضغط بشدة علي خطاها وقراراتها‏,‏ الأمر الذي يهدد ثوابت القضية بالتآكل حينأ بعد حين‏.‏
لا يخلو الأمر من مفارقة‏.‏ لأننا اذا انظرنا إلي المشهد الفلسطيني من زواية الشارع‏,‏ فسنجده يموج بحيوية نادرة‏,‏ وإصرار وبسالة مدهشين‏.‏ حيث اثبت ذلك الشعب البطل انه عصي علي التركيع‏,‏ برغم كل ما تعرض له خلال نصف القرن الأخير بوجه أخص‏,‏ إذ حتي هذه اللحظة لم تفلح في كسر إرادته الغارات الوحشية ولا عمليات الاغتيال ولا التهديم والتجريف والتجويع فضلا عن التشريد والسجن والإذلال اليومي‏.‏ بل إن هذه الإجراءات الإجرامية زادته إصرارا وصلابة‏,‏ وفجرت في أجياله‏-‏ رجالا ونساء‏-‏ طاقات المقاومة الجبارة‏,‏ التي استهانت بالموت وتسابقت علي الشهادة‏,‏ تعلقا بحلم يوم تشرق فيه الشمس علي فلسطين وقد كفكفت دموعها‏,‏ واستعادت كرامتها وكبرياءها وبسمة غابت عن وجهها منذ لاح في الأفق طائر الشر الأسود‏,‏ وغرس مخالبه في أحشاء مدينة السلام‏.‏
رسالة هذه البطولة الفذة‏,‏ والاستعداد المذهل للتضحية‏,‏ بما يعبر عنه من معين للفداء لا ينضب‏,‏ لم تصل إلي البعض للأسف الشديد‏.‏ فسمعنا أصواتا هنا وهناك مابرحت تروج لمفردات اليأس والقنوط‏,‏ وترفع رايات التسليم والإذعان‏.‏ فقد وقع بعض المسئولين العرب في المحظور‏,‏ حين مدواأبصارهم صوب السلطة دون الشارع‏,‏ فوقفوا في الزاوية الغلط‏,‏ ومن ثم أطلقوا الأحكام الغلط‏.‏ لذلك وجدناهم يتحدثون تارة عن تعب الفلسطينيين‏,‏ وتارة أخري عن ضرورة المسارعة بالعودة إلي طاولة المفاوضات‏.‏ وأخيرا

‏(2)‏
سمعنا من تحدث عن أهمية الاستغاثة بالبيت الأبيض‏,‏ والتماس عطفه ورضاه عساه أن يمن علي العرب بشئ يتعلقون به‏,‏ وحبل من الكلام يسوقونه لاستنقاذهم من هوة اليأس‏.‏ ولو أن هؤلاء غيروا الاتجاه‏,‏ وأطلوا علي المشهد الفلسطيني من زاوية الشارع ووقعت أعينهم علي حقيقة ما يجري فيه‏,‏ لكان لهم كلام آخر‏,‏ ومسلك مغاير تماما
التصعيد الإسرائيلي مهجوس بالأزمة‏,‏ وليس تعبيرا عن القوة‏,‏ فرئيس الوزراء ارييل شارون يدافع الآن عن مستقبله السياسي بأكثر من دفاعه عن دولة اسرائيل‏.‏ ذلك أن المائة يوم التي وعد في خطابه الانتخابي بأنه سينهي الانتفاضة خلالها‏.‏ تحولت إلي موضوع للسخرية والتندر بعد مضي عام علي توليه السلطة‏.‏وبدلا من إحلال السلام في اسرائيل‏,‏ فان التساؤلات أصبحت مثارة‏-‏ لأول مرة‏-‏ حول مستقبل اسرائيل ذاتها‏,‏ وما اذا الكيان كله سيستمر أم لا‏.‏

المأزق الإسرائيلي الذي صنعته البطولة الفلسطينبة يهدد بإطاحة شارون‏,‏ لكي يلحق بسابقيه الذين أطاحت بهم الانتفاضة‏:‏ باراك ونتنياهو وهذه صورة لذلك المأزق‏,‏ عبر عنها تقرير من الناصرة‏,‏ نشرته الحياة اللندنية في‏2/19.‏
بعد أن خصصت صحيفة معاريف ملحقها الأسبوعي الأخير لتستمع إلي أجوبة سياسيين وأكاديميين علي السؤال هل من مستقبل لهذه الدولة ؟ عنونت كبري الصحف الإسرائيلية يديعوت احرونوت صفحاتها الإخبارية بــ أيام سوداء‏-‏ ما العمل؟‏,‏ وخصصت صفحات من ملحقاتها لمقالات لسياسيين ورجال فكر حملت السؤال‏:‏ كيف نخرج من هذا الوحل ؟‏.‏ وعكست الأجوبة حال الارتباك التي تلف الإسرائيليين‏,‏ فأنصار اليمين دعوا إلي مزيد من القمع والبطش‏,‏ في مقابل دعوة أنصار اليسار إلي انسحاب جيش الاحتلال‏,‏ لكنهم جميعا يتفقون علي أن رئيس الحكومة ارييل شارون لايملك مشروعا او خطة تأتي بالامن والسلام اللذين وعد الناخب الاسرائيلي بهما‏.‏

ورأي المعلق السياسي في يديعوت احرونوت شمعون شيفر أن العد التنازلي لحكم شارون بدأ‏,‏ واستبعد ان يفاجيء بمشروع سياسي جديد يستميل من خلاله الوسط الاسرائيلي في مواجهة بنيامين نتانياهو‏,‏ الذي نجح في استمالة اليمين المتطرف بإطلاقه الوعود بأنه قادر علي تحقيق الهدوء عبر تقويض السلطة الفلسطينية ونفي رئيسها‏.‏
ويكتب الشخصية الصحفية النافذة ناحوم رنياع في الصفحة الاولي من يديعوت احرونوت قائلا‏:‏ إننا نعيش وضعا حرجا وكما يحدث دائما في اوقات الشدائد يرتفع منسوب الهستيريا ويندب المذيعون والمذيعات‏:‏ أين الامن الذي وعدتم به‏,‏ ويهدد صحفيون بمغادرة اسرائيل في حال إذا لم يطرح حل‏.‏ ثم يتطرق الي الحلول المطروحة‏,‏ تلك المتطرفة التي يتبناها اليمين وتدعو الي احتلال كامل للمناطق الفلسطينية وترحيل أهلها منها‏,‏ وتلك التي يتبناها اليسار وتدعو إلي الانسحاب الي حدد‏1967‏ لكن هذا اليسار لايحظي بشعبية في اوساط الاسرائيليين ثم الحل الثالث الذي يدعواصحابه الي الانسحاب الاحادي الجانب من دون الحاجة الي التوصل الي اتقاف مع الفلسطينيين لكن شارون لايريد هذا الحل ايضا

يتابع الكاتب قائلا‏:‏ يؤمن شارون بأن لديه حلا رابعا‏:‏ عسكريا‏,‏ وفي حال ضغطه اكثر واغتال اكثر وشدد الطوق وفجر فسيرفع الفلسطينيون الراية البيضاء وقبل شهرين تفاخر بأن النصر‏(‏ علي الارهاب‏)‏ وشيك وانه حقا في متناول اليد‏.‏ وقد أخطأ‏,‏ فبعد‏17‏ شهرا من الانتفاضة‏,‏ عليه أن يعترف بأن الفلسطينيين لم ينكسروا‏.‏ اليأس قواهم والضائقة الاقتصادية والانسانية دفعت بهم الي اعمال جنونية‏.‏ يعبر عن الازمة ايضا موقف ضباط وجنود الاحتياط الاسرائيليين الذين اعلنوا رفضهم للخدمة في الضفة الغربية في رسالة نشرت نصها يديعون أحرونوت في‏1/30,‏ وسببت إحراجا كبيرا للحكومة‏,‏ وهزة في أوساط قيادة الجيش‏,‏ كما تعبر عنها رسالة وجهها في‏2/29‏ مايزيد علي الف شخص من جنرالات وكبار ضباط الجيش المتقاعدين‏,‏ وطالبوا فيها بالانسحاب من الضفة والقطاع من جانب واحد‏,‏ والاعتراف بالدولة الفلسطينية ذلك إضافة الي ما أعلنه بنك اسرائيل المركزي في ذات اليوم‏(2/19)‏ عن أن اسرائيل خسرت من جراء الانتفاضة ما يعادل‏2,8‏ مليار دولار وان عجز الميزانية تضخم بسبب زيادة النفقات العسكرية التي اقتضتها نفقات قمع الانتفاضة‏.‏
من ناحية اخري نشرت الاهرام في‏2/21‏ ان الاحصاءات الرسمية أثبتت ان معدل البطالة في اسرائيل وصل الي اكثر من‏10%‏ لأول مرة في تاريخ اسرائيل وكان ذلك ايضا من تداعيات الانتفاضة

‏(3)‏
كما أن شارون في ازمة فالرئيس بوش ايضا في ازمة‏,‏ حتي ازعم ان خطاب الاستقواء الذي اطلقه في‏1/29‏ وهو يتحدث عن حال الامة بولغ فيه كثيرا لتغطية الأزمة والقفز فوقها‏.‏ نعم حقق الأمريكيون انتصارا في افغانستان كما يبدو علي السطح‏,‏ لكن ذلك الانتصار مجرح ومنقوص في حقيقة الأمر‏,‏ لسببين أولهما لأن الأستقرار لم يتحقق كما يدعون والانباء اليومية التي تخرج من هناك عن صراعات وقلاقل واشتباكات بين الافغان انفسهم‏,‏ وبين بعضهم والقوات الدولية‏,‏ تشهد بذلك‏.‏ وثانيهما لان قيادة منظمة القاعدة وحركة طلبان ممثلة في اسامة بن لادن والملا محمد عمر وكبار اعوانه‏,‏ مازالت مطلقة السراح‏,‏ وقد فشلت جهود القبض علي عناصرها كما لم يثبت انه تم القضاء عليها مع ذلك فلأزمة الرئيس بوش اسباب اخري تتمثل فيما يلي‏:‏
‏*‏ أن ثمة فضيحة تلاحقه الآن هو ونائبه ديك تشيني محورها يدور حول علاقته مع شركة انرون للطاقة النووية الني اشهرت افلاسها في ظروف مشبوهة واقدم نائب رئيسها علي الانتحار قبل اسبوعين وقد اتهمت الشركة بالاحتيال والتزوير‏,‏ وبأنها عقدت صفقات تمويهية لمغالطة المستثمرين‏,‏ كما نشرت ارقاما كاذبة عن ارباح لها لم تتحقق واشارت التحقيقات الاولية الي ان مسئولي انرون هم الذين اعدوا خطة الرئيس بوش لمعالجة مشكلة الطاقة كما قدموا اليه‏623‏ الف دولار لمشروعاته السياسية ومائة الف دولار بصفة شخصية خلال حملته الانتخابية‏.‏ كما ان الشركة قامت بتمويل عملية اعادة حساب الاصوات في ولاية فلوريدا‏(‏ التي اسفرت عن إعلان فوز بوش علي منافسه آل جور‏)‏ ومنحت الرئيس مائة الف دولار اخري في بداية عهدته الرئاسية وقد اقر البيت الابيض تحت الضغط بان ستة لقاءات تمت خلال عام‏2001‏ بين بوش ومساعديه وبين مسئولي الشركة لمناقشة موضوع ازمة الطاقة وان اجتماعين مماثلين عقدا بعد المصادقة علي قانون الطاقة كان آخرهما يوم‏10‏ اكتوبر الماضي اي قبل ستة ايام من انكشاف امر الشركة وإشهار فضيحتها المالية‏.‏ ليس ذلك بالامر الهين‏,‏ لان من شأن الفضيحة اذا ثبتت الشكوك حول سلامة الموقف القانوني للرئيس بوش وفريقه‏,‏ أن تهدد مستقبله السياسي وهو الآن يحاول بكل قوة ان يسابق الفضيحة ويغطي عليها‏,‏ واذا وضعنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة مقبلة علي انتخابات برلمانية مهمة في شهر نوفمبر القادم‏,‏ وهي الانتخابات التي تتزامن مع منتصف ولايته الرئاسية‏,‏ الامر الذي يفتح ملف ولايته الثانية‏,‏ فسندرك حجم المأزق الذي يواجه الرئيس بوش‏.‏ وقد نجد في ذلك تفسيرا لمحاولته تحقيق إنجار كبير يقلب الموازين لصالحه‏,‏ مما يقوي احتمالات ضرب العراق‏,‏ التي ترشح لتجسيد ذلك الانجاز‏,‏ خصوصا أن هذه الخطوة من القضايا التي اصبحت تجمع عليها مختلف القوي السياسية في الولايات المتحدة‏.‏

‏*‏ يزيد من حرج موقف الرئيس بوش‏,‏ وهو مقبل علي منتصف ولايته الثانية وانتخابات نوفمبر‏,‏ أن الوضع الاقتصادي الداخلي لم يتحسن‏,‏ ولكن التردي مستمر‏.‏ ثم إن حلفاءه في حملته الانتخابية يطالبونه بالوفاء بوعوده التي لم ينفذ منها شيئا سواء فيما يتعلق بالبيئة او بالأمور الصحية والأخلاقية‏.‏ وفي مقدمة أولئك الحلفاء المنظمات الأصولية البروتستانتية وقوي المحافظين الجدد‏.‏ وهم أيضا في مقدمة الصقور الضاغطين عليه لمهاجمة العراق والانصياع لإسرائيل‏,‏ وتوسيع نطاق الاشتباك مع العرب والمسلمين‏.‏
‏*‏ ثمة حرج آخر يعاني منه الرئيس بوش في سياسته الخارجية‏,‏ خصوصا بعد خطاب الاستقواء الذي تحدث فيه عن محور الشر‏.‏ ذلك أن الخطاب قوبل بدرجات متفاوتة من النقد والاستهجان‏,‏ حتي من حلفاء الولايات المتحدة ذاتها‏,‏ الذين رفضوا استفراد واشنطن بتقرير مصير العالم‏,‏ وتقسيم البشر إلي أبرار وأشرار‏.‏ وما الأزمة الراهنة بين واشنطن وباريس إلانموذج ذلك الاشتباك مع الحلفاء الذين أفضت إليه سياسة بوش الخارجية فقد وصف وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين خطاب الرئيس الأمريكي بالسذاجة والتبسيط‏.‏ وهو مالم يعجب واشنطن التي ردت علي لسان بوش ووزير خارجيته باول‏,‏ متهمة فيدرين بالمزاجية والهلوسة‏.‏ وعلق علي ذلك وزير الخارجية الفرنسية قائلا إن تلك دبلوماسية علي طريقة أهل تكساس‏,‏ غمزا في الرئيس بوش‏,‏ الذي كان حاكما للولاية‏,‏ بما يوحي بأنه يتصرف علي طريقة الكاوبوي أو القبضايات‏.‏
هذا الانتقاد لبوش في الخارج‏,‏ كان له صداه في الداخل‏,‏ حيث دأبت كتابات عدة علي تجريح سياسته واتهامه بالاستعلاء فوق حلفائه‏,‏ فضلا عن إهدار قيمة ودور الأمم المتحدة والقانون الدولي‏.‏

‏(4)‏
حين يطالع المرء هذه الصورة بوجهيها الإسرائيلي والأمريكي‏,‏ فأحسبه لن يخطئ في الحساب أو الظن‏,‏ اذا استنتج أننا مقبلون علي طور من التصعيد الإسرائيلي والتسخين الأمريكي‏,‏ وان الساحة العربية مرشحة لان تكون مسرح التصعيد والتسخين لشارون وبوش‏,‏ الذي يريد كل منهما أن يحقق إنجازا ينقذ به مستقبله السياسي‏.‏
إذا صح ذلك التحليل فانه يدعونا إلي طرح السؤال‏:‏ هل هذا هو وقت الثبات والصمود‏,‏ أم وقت التراجع والمساومات؟
استبقت في مستهل المقال حيث قلت إن الثبات هو واجب الوقت‏.‏ وأضيف أن هذا ليس أيضا أوان طرح البدائل والحلول‏,‏ لسبب جوهري هو أن أية حلول وسط لن تلبي الحاجة الملحة إلي الانجاز والانتصار الكبير الذي يتطلع إليه كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي‏,‏ لتبييض صفحته وإنقاذ مستقبله السياسي‏.‏

بكلام اخر فان كلا منهما وهو مأزوم لن يرضي منا بـأقل من الاستسلام الكامل والانبطاح أرضا‏,‏ والانتصار الذي يرجوه كل منهما يراد له أن يكون بالوقوف فوق الجثتين الفلسطينية والعراقية‏,‏ علي الأقل‏.‏ وهذا ما قصدته حين أشرت قبل قليل إلي أن خياراتنا باتت محصورة في أمرين‏:‏
الثبات أو الموت‏.‏
من أسف ان العالم العربي أصبح يمثل الحلقة الأضعف في المشهد‏.‏ وهوما انعكس علي الشارع العربي الذي لم يسمع له صوت أو رأي فيما يجري‏,‏ برغم كل الصفقات والطحنات والركلات التي يتلقاها جسم الأمة يوما بعد يوم‏.‏
وحتي لايستهين أحد بما يمكن أن يحدثه صوت الشارع العربي اذا ارتفع بالاحتجاج والرفض‏,‏ فإنني اذكر بما حدث في كوريا الجنوبية حتي زارها الرئيس بوش في الأسبوع الماضي‏,‏ وووجه هناك بمظاهرت عنيفة اتهمته بالإرهاب والبلطجة‏,‏ من جراء تصنيفه لكوريا الشمالية ضمن دول محور الشر‏(‏ إلي جانب العراق وإيران‏).‏ وإزاء حملة الاحتجاج التي لاحقته حيثما ذهب‏,‏ فان بوش اضطر يوم الأربعاء الماضي‏(2/21)‏ إلي الإعلان أمام حشد الجماهير أن الولايات المتحدة لن تهاجم كوريا الشمالية‏.‏ الأمرالذي عد انتصارا كبيرا لحملة الاحتجاج المدني‏,‏ التي ارتفع فيها صوت الشارع عاليا ومدويا‏.‏
أضافة تعليق