مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عن دعـوة تأديب الكــون وتهذيبـــه‏!‏
هويدي 5-2-2002

بعدما أعلن حربه علي محور الشر فإنه تعهد بإصلاح الكون‏,‏ وأشهرها من ثم حملة للتأديب والتهذيب والإصلاح في طول الكرة الأرضية وعرضها‏,‏ حتي رأينا الرئيس بوش في خطابه الأخير مرتديا مسوح رهبان البروتستانت‏,‏ ومتحدثا بلغة قياصرة روما القديمة‏,‏ الأمر الذي يثير العديد من الأسئلة القلقة حول جدية تلك العروض ومآلاتها‏.‏

‏(1)‏
أتحدث عن خطاب حال الاتحاد السنوي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي‏1/29,‏ وبدا فيه متحدثا عن حال العالم‏,‏ إن شئت فقل إن ذلك كان الشق الأكثر إثارة فيه‏,‏ من حيث إنه كان مستقويا بأكثر مما ينبغي‏,‏ ومشهرا هراوته بأطول ما ينبغي‏.‏
في خطابه قال‏:‏ إن للولايات المتحدة في الوقت الراهن هدفين أساسيين هما‏:‏ تصفية معسكرات الإرهاب وتقديم الإرهابيين للعدالة‏,‏ ثم منع الأنظمة الراعية للإرهاب من تهديد الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها‏.‏ أشار في هذا السياق إلي محور الشر المتمثل في إيران والعراق وكوريا الشمالية‏,‏ وإلي منظمات مثل‏:‏ حركة حماس والجهاد في فلسطين وحزب الله في لبنان وجيش محمد في باكستان‏.‏ وقال‏:‏ إن ثمة معسكرات للإرهابيين في‏12‏ بلدا‏,‏ كما أن هناك عشرات الآلاف من الإرهابيين منتشرين في أنحاء العالم‏.‏

في تحذير غير خاف قال‏:‏ إن بعض الدول تفتقر إلي الشجاعة في مواجهة الإرهاب‏,‏ لكن يجب ألا يكون هناك أي شك في أن هذه الدول إذا لم تتصرف فإن أمريكا ستتصرف‏!‏
تحدث الرئيس الأمريكي باعتباره ضامنا وكفيلا لإسرائيل‏,‏ وبحسبانها داخلة ضمن الأصدقاء والحلفاء‏,‏ ومن ثم فإنه ـ كما رأيت ـ أدرج أهم منظمات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ضمن الجماعات الإرهابية‏,‏ ووجه إنذارا لا مجال للبس فيه إلي كل من تسول له نفسه‏(!)‏ تأييد المقاومة الفلسطينية أو تقديم أي دعم لها‏.‏ إذ أنها بذلك تصبح طرفا راعيا للإرهاب ومحتضنا له‏,‏ الأمر الذي يدرجها تلقائيا وبالضرورة ضمن المستهدفين‏,‏ الذين سيحل عليهم العقاب المنتظر‏,‏ في إطار حملة القضاء علي الإرهاب‏,‏ التي ذكر أنها تكلف مليار دولار شهريا‏,‏ بمعدل ثلاثين مليون دولار كل يوم‏.‏

‏(2)‏
ذلك عن التأديب في خطاب الرئيس الأمريكي‏,‏ أما الجهد الذي وعد به علي صعيد التهذيب والإصلاح‏,‏ وتعديل ما هو معوج في الكون‏,‏ فإنه يشمل مجالات عدة‏,‏ ذكر في مقدمتها‏:‏ الحد من سلطة الدولة‏,‏ واحترام المرأة‏,‏ والدفاع عن الملكية الخاصة‏,‏ وعن حرية التعبير‏,‏ والمساواة أمام العدالة والتسامح الديني‏.(‏ لاحظ انه لم يذكر حق تقرير المصير ولا الدفاع عن الاستقلال خشية الهاجس الفلسطيني‏)‏
وهو يدلل علي الدور الامريكي في الانجاز‏,‏ استشهد بما حدث لعناصر القاعدة وجماعة طالبان الذين احتلوا أفغانستان حينا من الدهر‏,‏ ثم أصبحوا الآن يحتلون زنازين في خليج جوانتانامو‏.‏ ثم قال‏:‏ حين اجتمعنا في آخر مرة بهذه القاعة‏(‏ الكونجرس‏)‏ كانت أمهات وبنات أفغانستان أسيرات في منازلهن‏,‏ ممنوعات من العمل أو الذهاب إلي المدرسة‏,‏ واليوم تحررت النساء‏,‏ وبتن جزءا من حكومة أفغانستان الجديدة‏.‏ وأعلن ترحيبه بالدكتورة سيما ثمر وزيرة شئون المرأة ونائبة رئيس الوزراء‏,‏ التي دعيت خصيصا من كابول لتصبح عضوا في الوفد المرافق لرئيس الوزراء الأفغاني حميد كرازي‏,‏ في إعلان مسرحي لإثبات صدق الإنجازات التي حققتها الحملة‏.‏

‏(3)‏
لأول وهلة يلاحظ المرء علي الخطاب أمرين هما‏:‏ التبسيط الشديد‏,‏ والاستقواء المفرط‏.‏ فالرئيس الأمريكي شخص الموقف بحسبانه صراعا بين الخير والشر‏,‏ والخير هو ما تمثله الولايات المتحدة بطبيعة الحال‏,‏ والشر هو الآخر بوجه عام والإرهاب بوجه خاص‏.‏ وهذا التشخيص ليس جديدا‏,‏ ولكنه عبر عنه منذ اليوم الأول لوقوع الهجوم علي نيويورك وواشنطن‏,‏ إذ ما برح يتحدث عن أن بلادنا شهدت الشر وأن مسئوليتنا أمام التاريخ هي الرد علي الهجوم والتخلص من الشر‏,‏ وفي أكثر من مرة تحدث عن الفاعلين باعتبارهم صانعي الشر‏.(‏ في المزامير‏:‏ إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا‏).‏
هذا التبسيط والاختزال لا يتجاهل فقط كل التأثيرات السياسية والثقافية التي أسهمت في صنع المشهد‏,‏ ولكنه أيضا يعكس رؤية الأصولية الدينية البروتستانتية في الولايات المتحدة‏,‏ والتي يتنامي دورها ونفوذها بشكل لافت للنظر في إدارة الرئيس بوش‏.‏ وهذه الأصوليات لا تري فيما جري سوي أنه صراع بين الخير والشر‏,‏ وتعبر دائما عن رؤي قمعية وعنصرية لاستئصال الشر‏,‏ والإسلام والمسلمون عند هؤلاء في مقدمة الشرور التي يتعين التصدي لها والخلاص منها‏.‏

وفي تصريحات القس بيلي جراهام وزميله القس جيري فولويل وثالثهم القس بات روبرتسون إشارات دائمة إلي هذا المعني‏.‏ وللعلم فإن القس الأول ـ جراهام ـ هو الذي أقام صلاة الجنازة علي أرواح ضحايا الهجوم علي مركز التجارة العالمي‏,‏ وفي موعظته التي ألقاها في المناسبة إلحاح علي ضرورة الإجهاز علي الشر‏,‏ وتخليص العالم منه‏,‏ وبات روبرتسون هو القائل بأن العالم الإسلامي مرتع لعمل الشيطان‏.‏
هذا اليمين الديني بتطرفه وعنصريته وكراهيته للإسلام والمسلمين‏,‏ عقد تحالفا مشهودا مع اليمين السياسي‏,‏ المتمثل فيما سمي المحافظين الجدد‏,‏ يظهر أثره الآن بقوة في تركيبة الإدارة الأمريكية وفي لغة الخطاب السياسي الأمريكي‏.‏ وهذا التحالف الخطر يمثل أحد أهم نقاط التحول في السياسة الأمريكية‏,‏ وهو خطر لأنه يتبني شعارات الهيمنة الأمريكية المطلقة علي العالم‏,‏ وضرورة تأديب الدول المارقة التي تتمرد علي تلك الهيمنة‏,‏ كما يتبني شعار صراع الحضارات‏,‏ ويذهب في الانحياز لمصلحة إسرائيل إلي أبعد مدي‏.‏
ممثلو ذلك التحالف يحتلون أهم مواقع التأثير في الإدارة الأمريكية الآن‏,‏ فضلا عن أبرز المواقع في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام‏,‏ كما أن لهم حضورهم المؤثر في الكونجرس‏,‏ وهم الذين يقفون وراء سياسة العصا الطويلة والقبضة الحديدية‏,‏ وكانوا أول من وجه رسالة إلي الرئيس الأمريكي في‏20‏ سبتمبر الماضي‏,‏ بعد تسعة أيام فقط من الهجوم علي مركز التجارة العالمي‏,‏ تضمنت ترتيبا للأولويات التي يعتقدون أنه لابد من اعتمادها للانتصار في الحرب المفترضة ضد الإرهاب‏.‏ أما عناوين تلك الرسالة‏,‏ وفق الترتيب المقترح للمراحل المتتابعة‏,‏ فهي‏:‏ القضاء علي أسامة بن لادن ـ إسقاط النظام العراقي ـ تصفية حزب الله ـ تحجيم السلطة الفلسطينية‏,‏ مع تأكيد الصداقة الثابتة بين إسرائيل والولايات المتحدة‏,‏ مع الدعوة إلي زيادة مخصصات وزارة الدفاع في الموازنة العامة‏.(‏ لاحظ أن أغلب هذه النقاط وردت في خطاب حالة الاتحاد‏)‏

‏(4)‏
هذه الخلفية تكمن وراء لغة الاستقواء المفرط التي تحدث بها الرئيس الأمريكي‏,‏ فأطال عصاه وأشهر سيفه في وجه الجميع منذرا بأن واشنطن سوف تتصرف وتأخذ علي عاتقها ضرب الإرهاب وتصفية وجوده‏,‏ إذ ترددت الدول التي أدرجتها الإدارة الأمريكية علي قوائمها السوداء‏,‏ إذ لم يعد كافيا أن تكون الدولة ضد الإرهاب‏,‏ وإنما عليها أن تمتثل لكل ما تريده منها واشنطن لاستئصاله‏,‏ من تغيير مناهج التعليم إلي تصفية منظمات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي‏.‏
تقول العرب في أمثالها‏:‏ من طالت عصاه قلت هيبته‏.‏ وهذا ما حدث للرئيس بوش بعد إلقاء خطاب تأديب العصاة والمارقين‏,‏ وتهذيب وإصلاح الكون‏,‏ ذلك أنه بعدما ألقي خطابه تعرض لحملة نقد من أطراف متعددة‏,‏ فقالت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت‏:‏ إن إدارة الجمهوريين فقدت صوابها‏,‏ وقال جاك سترو وزير خارجية بريطانيا‏:‏ إن الخطاب متجه في الأغلب للاستهلاك الداخلي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس‏,‏ وقال هوبير فيدرين وزير خارجية فرنسا انه من نوع الخطابة الامريكية‏,‏ ولايمكن ان تقرر دولة واحدة مشاكل العالم وحلولها‏.‏ ولم يحمله المسئولون في الاتحاد الأوروبي والصين علي محمل الجد‏.‏

ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما تعددت الكتابات في الصحف الأوروبية التي انتقدت الموقف الأمريكي من زاويتين بوجه أخص‏,‏ الأولي أن واشنطن أقنعت حلفاءها الأوروبيين بصعوبة الدخول معها فيما سمي ائتلاف الحرب ضد الإرهاب‏,‏ وبعدما تحقق لها ما أرادت‏,‏ فإنها أدارت ظهرها للجميع وتصرفت بحرية واسعة في أفغانستان‏,‏ دون أدني مشاركة من جانب حلفائها‏,‏ أو من الأمم المتحدة‏,‏ ولم تلجأ إلي أي منها إلا في ظل الضرورة القصوي‏.‏
النقطة الثانية أنه لم يكن هناك نقاش يذكر في واشنطن حول دقة تسمية الحملة ضد الإرهاب العالمي حربا‏,‏ وذلك في تناقض صارخ مع الموقف الأوروبي‏,‏ حيث تبدي الحكومات حساسية بالغة إزاء النتائج المترتبة علي ذلك‏,‏ خصوصا تلك التي تتعلق بمعاملة السجناء أو مواثيق جنيف التي تحمي الضحايا المدنيين للنزاع المسلح‏,‏ وبات واضحا أن الحكومة الأمريكية فضلت أن تبقي خياراتها مفتوحة فيما يتعلق بأسراها من طالبان والقاعدة‏,‏ متجاهلة احتمال أن تكون قواتها الخاصة شاهدا علي ما قد يعتبر من الناحية الفنية‏,‏ وحسب مواثيق جنيف‏,‏ جرائم حرب‏.‏

‏(5)‏
أغلب الظن أن الذين لم يأخذوا كلام الرئيس الأمريكي علي محمل الجد يدركون أن الإنجازات التي تحدث عنها‏,‏ ليست علي النحو الذي صوره‏,‏ وأن الحملة التي شنتها واشنطن باسم محاربة الإرهاب مشكوك في نتائجها‏,‏ وأنها قد تمثل ورطة للولايات المتحدة بأكثر منها محاولة لاستئصال الشر‏,‏ كما يصورها الرئيس وإدارته‏.‏
دعك الآن من أن الهجوم الذي حدث في‏11‏ سبتمبر أفقد الولايات المتحدة قدرا من هيبتها‏,‏ ذلك أن العملاق إذا تلقي صفعة قوية من صبي صغير‏,‏ فإن أحدا لا يستطيع أن ينسي له ذلك‏,‏ وحتي وإن دهسه العملاق في وقت لاحق ومزقه إربا‏.‏ لكننا إذا نحينا ذلك جانبا وحاولنا أن نتبع الإنجاز الأمريكي في أفغانستان‏,‏ فلابد أن نسجل أن الأمريكيين لم يذهبوا إلي هناك لكي يلحقوا البنات بالمدارس‏,‏ أو يطلقوا سراح النساء من محبسهن في البيوت‏,‏ أولكي يسمحوا للناس بحلق لحاهم والاستماع إلي الموسيقي والغناء‏,‏ بل أضيف أن ذلك كله لم يؤرق الأمريكيين يوما ما‏,‏ وهم الذين كانوا مستريحين إلي الدور الذي قام به نظام طالبان‏,‏ إلي أن حدثت تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام عام‏1998,‏ فمنذ ذلك الحين انقلبت السياسة الأمريكية بمعدل‏180‏ درجة‏,‏ وأصبح الطالبانيون إرهابيين ومتطرفين ومخربين وغير ذلك‏.‏

لقد كان الهدف الأول للأمريكيين في حملتهم هو إلقاء القبض علي أسامة بن لادن والملا عمر‏,‏ وذلك ما لم يتحقق إلي الآن‏,‏ ثم أرادوا الانتقام من الأفغان وإسقاط نظام طالبان‏,‏ وهذا ما حدث بتكلفة عالية أدت إلي قتل‏20‏ ألف أفغاني بسبب القصف حسب بعض التقديرات‏,‏ فضلا عن فضيحة معاملة الأسري ممن قتلوا في قلعة جانجي أو نقلوا إلي جوانتانامو‏,‏ وأرادوا إعادة الملك ظاهر شاه‏,‏ وهو ما ترفضه بشدة مختلف القوي الأفغانية‏.‏ ثم إنهم عملوا علي إقامة نظام جديد‏,‏ صنعوه علي أيديهم في مؤتمر بون‏,‏ وهو ما تحقق لهم‏,‏ لكن هذا النظام ولد ضعيفا وهشا للغاية‏,‏ خصوصا أنه أغمط البشتون حقوقهم‏,‏ وهم الكتلة السكانية الأكبر في البلاد‏(45%)‏ وسلم السلطة الحقيقية إلي الطاجيك‏,‏ بل إلي جماعة بنشير وحدهم من دون الطاجيك التي ينتمي إليها أهم ثلاثة وزراء يحتلون وزارات‏:‏ الدفاع‏,‏ والداخلية‏,‏ والخارجية‏.‏
ليس هذا فحسب‏,‏ فقد قرأنا قبل أيام عن اشتباك مسلح في أثناء السباق علي وضع اليد علي خوست بين قوات وزير الدفاع الطاجيكي الجنرال محمد فهيم‏,‏ وبين قوات نائبه الأوزبكي الجنرال عبدالرشيد دوستم‏,‏ كما قرأنا هذا الأسبوع أخبارا عن القتال العنيف بين حاكم ولاية باكتيا المعين من قبل الرئيس السابق برهان الدين رباني‏,‏ وحاكم آخر عينه رئيس الوزراء الحالي حميد كرازاي‏,‏ ثم عن التوتر الحاصل بين مزار شريف وقندهار‏.‏ فضلا عن عدم الاستقرار الذي يسود مناطق البشتون في الجنوب والشرق‏,‏ وهي كلها مؤشرات تدل علي أن الاستقرار لم يتحقق بعد‏,‏ وأن الحكومة التي تشكلت في بون لن تستطيع أن تستمر في مهمتها إلا في ظل استمرار وجود القوات الأمريكية وطائرات بي‏52,‏ ولست أظن أن ذلك مما يستريح له الأمريكيون أو يتمنونه‏.‏

علي صعيد آخر‏,‏ فإن التهديدات الأمريكية أدت إلي حدوث تقارب لم يخطر علي البال بين إيران والعراق‏,‏ وهما الدولتان اللتان وضعهما الأمريكيون في خندق واحد‏,‏ وقد تعددت صور ذلك التقارب حتي إن إيران دعت إلي عقد مؤتمر يبدأ غدا في طهران‏,‏ لمناقشة مستقبل العراق واحتمالات غزوه بواسطة الأمريكيين‏.‏ وليس من شك في أن تقارب الدولتين أو تحالفهما ـ نتيجة للضغوط والسياسات الأمريكية ـ يقلب موازين ومعادلات كثيرة في المنطقة‏,‏ وهو ما لا يسعد واشنطن ومخططي سياستها الخارجية‏.‏
لقد مورست ضغوط أمريكية قوية علي الرئيس الباكستاني برويز مشرف طالت الجماعات الإسلامية ومناهج التعليم‏,‏ وحين استجاب لها فإنه كسب الرضا الأمريكي الذي عبر عنه الرئيس بوش في خطابه‏,‏ لكنه خسر قطاعات عريضة من شعبه‏,‏ حتي أصبحت باكستان تغلي ومرشحة للانفجار في أي وقت‏,‏ ولا أعرف بأي معيار يمكن أن يعد ذلك إنجازا يستحق الفخار به‏.‏

إن الحرب التي يقودها الرئيس بوش علي جبهات عريضة‏,‏ عسكرية وثقافية وأمنية‏,‏ تظل أوسع بكثير من حدود القوة الأمريكية‏,‏ التي لم تنجز الكثير علي الأرض في أفغانستان وحدها‏,‏ فما بالك بها وقد امتدت إلي أركان الكرة الأرضية الأربعة‏.‏ لكن يبدو أن غرور القوة يفقد صاحبه صواب النظر‏,‏ وهو ذاته الغرور الذي حذر منه قبل أكثر من ثلاثين عاما مؤلف كتاب القياصرة القادمون الفرنسي أموري رينكور‏,‏ وقد تنبأ فيه بمخاطر ذلك النزوع القيصري في الولايات المتحدة‏,‏ الذي يفني روح الحضارة الغربية‏,‏ حين ينقلب فيه السحر علي الساحر‏!‏
أضافة تعليق