هويدي 29-1-2001
هذه بعض حكايات شتائنا العاصف, التي تحتاج إلي قراءة متأنية ويقظة شديدة. ذلك أنها وإن تعددت العواصم التي خرجت منها, تقرب إلينا إلي حد كبير صورة عالم ما بعد11 سبتمبر من بعض أوجهه, في حاضره الذي يعاد تشكيله عبر جراحات عاجلة ودقيقة, وفي مستقبله الذي تخضع العقول والمدارس والسياسات فيه لإعادة ترتيب وصياغة.
(1)
في منتصف الشهر الحالي, وصل إلي كابول فريق من النشطاء في مجال حقوق الحيوان, للعناية بأربعين حيوانا اعتبرت من ضحايا الحروب والفوضي التي سادت البلاد, وفي مقدمة تلك الحيوانات أسد أعور اسمه مرجان يبلغ من العمر50 عاما, قضي منها47 عاما في حديقة كابول,( بعد كتابة المقال مات الأسد ونشر ذلك في صحف أمس الاثنين), ونقلت وكالة رويترز عن جون وولش مدير المشروعات الدولية في الجمعية العالمية لحماية الحيوانات ـ الذي كان ضمن الوفد الذي وصل إلي العاصمة الأفغانية ـ أن الناس في جميع أنحاء العالم يريدوننا أن نساعد هذه الحيوانات. من ثم فإن الأولوية الأساسية بالنسبة للوفد هي ضمان سلامتها وأمنها وصحتها قدر المستطاع في الـظروف الراهنة, عبر تقديم الغذاء والأدوية والتطعيم لها. أضاف الرجل أن الوفد إلي جانب عمله في حديقة الحيوان, سيبدأ في معالجة مشكلة القطط والكلاب الضالة في الشوارع.
بالتزامن مع وصول الوفد الدولي إلي أفغانستان, كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بنقل وفود أخري من عناصر تنظيم القاعدة من أفغانستان إلي قاعدة جوانتانامو العسكرية في كوبا, وهي العملية التي يفترض أن تتواصل لعدة أسابيع أخري, بحيث تستوعب الجزيرة ألفين من الشبان المسلمين الذين قدموا إلي أفغانستان من مختلف أنحاء العالم, وانخرطوا في التنظيم أو انضموا إلي قوات حركة طالبان.
كانت الصحف العالمية قد نشرت صورة الأسد الأعور مرجان, الذي حظي بالاهتمام الدولي, كما نشرت في وقت لاحق صور الأسري المسلمين بعد وصول الدفعة الأولي منهم إلي جوانتانامو, لكن شتان بين هذه وتلك. فقد كان الأسد واقفا علي أرجله الأربع, وينظر إلي المصور في سكينة وهدوء, أما صورة الأسري المسلمين فقد نشرتها صحيفة ذي ميل أون صنداي البريطانية يوم الأحد2002/1/20 علي صدر صفحتها الأولي, مع عناوين كبيرة تقول: انهم لايسمعون شيئا, ولايرون شيئا, ولا يشعرون بشيء. أيديهم وأرجلهم ترسف في القيود, إنهم يركعون مذعنين. أبهذه الطريقة يدافع بوش وبلير عن حضارتنا؟
(2)
في التقرير الذي نشرته جريدة الحياة اللندنية يوم1/21, جاء ما يلي:
تحدثت الصحف البريطانية عن سوء حال الأسري الذين ينقلون إلي القاعدة الكوبية, وقالت أن الصور التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية تظهر أن الأسري لا يعون ما يجري لهم, وأنهم فقدوا إحساسهم بالمكان والزمان, وهم في حالة ذهول وارتباك.
لقد أجبر المعتقلون علي ارتداء عوازل سود تحجب الرؤية عن العيون, ووضع سدادات في الأذن تمنع عنهم السمع, وأقنعة جراحية تعطل حاسة الشم لديهم, وقفازات ثقيلة بحيث لايستطيعون لمس شيء أو تحسسه, كما قيدت أرجلهم بعارضات حديد كانت تستخدم أيام تجارة العبيد.
وذكرت هيلين هامبير, مديرة مؤسسة الرعاية الطبية لضحايا التعذيب أن سجناء جوانتانامو سيعانون من الاختلال وفقدان الرشد وربما أيضا سيصابون بانهيار مشيرة إلي أنهم سيكونون عرضة للهلوسات المرعبة, ويشعرون بفقدان التوازن, ويمكن أن يعتقدوا بكل سهولة أنهم أصيبوا بلوثة جنون, ورجحت إصابتهم بنوبات ذعر مفاجئة, وانقلاب مزاجهم باستمرار, وتعرضهم لكوابيس مفزعة, كما حدث مع معتقلين تعرضوا في الماضي لعمليات تعذيب مماثلة. ونبهت إلي أن الحرمان من الإحساس يمكن ان يؤدي إلي انهيار الأعصاب لأن الأمر يعني هجوما علي شخصية الفرد وتحديا لمفهومه عن شخصيته.
وحاولت وزارة الدفاع الأمريكية تبرير استمرار وضع كمامات لاصقة علي فم الأسري بعد انتهاء رحلتهم الشاقة التي استغرقت أكثر من25 ساعة متواصلة بالقول أن بعض الأسري قد يكون يعاني من السل ويمكن أن يعدي الحراس إذا بصق عليهم, إلا أن جمعيات حقوق الإنسان رفضت هذا التبرير, وأشارت إلي أن السل ينتشر في الأماكن الضيقة والمزدحمة لا في الهواء الطلق.
(3)
بعد مضي أكثر من شهر علي إعلان حركة حماس في12/16 تجميدها العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل, قامت مجموعة من القوات الخاصة الإسرائيلية فجر يوم1/22 باقتحام شقة في مدينة نابلس المشمولة بالحكم الذاتي يسكنها أربعة من الشباب الفلسطينيين التابعين للحركة, فاجأت ثلاثة منهم وهم نيام ـ الرابع كان يستحم ـ فقامت بقتلهم بدم بارد, ومثلت بجثثهم, حتي أن الأطباء فشلوا في التعرف عليهم, بعدما تمزقت جثثهم وتحولت إلي أشلاء, وقال شهود عيان إنه عثر علي جثث الأربعة مبعثرة في أنحاء الشقة, التي اتشحت جدرانها بسواد المتفجرات وتخضبت حشايا الأسرة بالدماء.
بعد أيام معدودة في1/15 كشف النقاب عن جريمة قتل مرعبة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة. إذ قامت دبابة بمطارة ثلاثة صبية حتي أسقطتهم أرضا, ثم دهست أجسادهم, بحيث لم يعد ممكنا التعرف علي وجوههم.
طبقا لما نشرته الشرق الأوسط فإن الجريمة وقعت في12/30 بمنطقة بيت لاهيا, شمال قطاع غزة, وأن الذي فضح الجريمة نائبة إسرائيلية عضو في الكنيست, هي تمار جوجانسكي عضو كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة, إذ ذكرت أن القوات الإسرائيلية اجتاحت المنطقة يومئذ في إطار اعتداءاتها علي الشعب الفلسطيني, وكان الصبية الثلاثة قد خرجوا من صفوف مظاهرة احتجاج علي الاحتلال الجديد لبلدتهم, واقتربوا من قوات الاحتلال, فهاجمتهم الدبابة لكنهم هربوا منها علي الفور, غير أنها لم تتوقف ومضت تطاردهم لمئات الأمتار, وحين وصلت إليهم أوقعت صبيا منهم علي الأرض فداسته, وواصلت مطاردتها حتي أوقعت الصبيين الباقيين, وداستهما مثل زميلهما تحت جنازيرها.
(4)
نشرت صحيفة صباح السبت1/26 أن الرئيس جورج بوش اتهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, المحاصر في رام الله بـتعزيز الإرهاب! وأعرب عن خيبة أمله فيه, وتحدث وزير خارجيته كولن باول عن أن الإدارة الأمريكية تبحث عدة خيارات للضغط علي عرفات من أجل العمل بشكل جاد علي اقتلاع الإرهاب.
مع استمرار التدمير والقتل اليومي الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي المحتلة, قررت السلطات الأمريكية إغلاق وتجميد أرصدة أكبر ثلاث منظمات إغاثية إسلامية في الولايات المتحدة هي: جمعية الأرض المقدسة, والجمعية العالمية للإغاثة, والجمعية الخيرية العالمية, والأولي كانت تكفل ثلاثة آلاف يتيم فلسطيني, وترعي بمرتبات شهرية4500 عائلة داخل فلسطين وخارجها, في الوقت ذاته أعادت اعتقال الناشط الفلسطيني الدكتور مازن النجار أستاذ الهندسة والباحث والمفكر, بعد أقل من سنة من إطلاقه عقب قضائه ثلاث سنوات في الاعتقال الإداري تحت بند الأدلة السرية التي لايسمح للمتهم أو محاميه بالاطلاع عليها, بعدما برئ الدكتور مازن, أعيد إلي السجن في حبس انفرادي, وهو الذي لم يرتكب خطأ قانونيا طيلة عشرين عاما قضاها في أمريكا باستثناء انه في أثناء دراسته الجامعية في الثمانينيات تخلف لفترة بسيطة عن تجديد إقامته.
في هذه الأجواء عقدت ثلاثة مؤتمرات للحوار بين الأديان, الأول في لندن دعت إليه الكنيسة الانجليكانية في1/17, وحضره ممثلون عن الأديان الثلاثة, وقد ناقش موضوع التسامح مع الآخر, والثاني في مدينة اسيزي الإيطالية في1/24, وقد دعا إليه بابا الكنيسة الكاثوليكية, وحضره ممثلو12 ديانة عالمية, سماوية وغير سماوية, وكانت قضية السلام محور اجتماعهم وصلاتهم, والثالث في الإسكندرية في1/21, وحضره ممثلو الديانات السماوية الثلاث, وهو الوحيد الذي أصدر إعلانا دعا إلي إنهاء العنف وسفك الدماء في الأراضي المقدسة.
صحيفة يديعوت أحرونوت نشرت في1/22 تعليقا علي بيان المؤتمر رحب بالبيان واعتبره إنجازا وقال إن أهم ما فيه انه اعتبر القتل باسم الله تدنيسا للقدسية وتلويثا للدين(!)
(5)
احتفت الصحف الغربية بشكل ظاهر بالقرارات التي أعلنها الرئيس الباكستاني برويز مشرف في1/13, التي أعلن فيها حل بعض المنظمات الإسلامية واعتقال نفر من قادتها وأعضائها(1900 شخص), وتقييد حركة المدارس الدينية وحرية خطباء المساجد في التعبير, واعتبار المقاومة المسلحة في كشمير إرهابا, وبعدما كانت تصفه الصحف الأمريكية بأنه حاكم عسكري مستبد وصل إلي السلطة عن طريق الانقلاب وإلغاء الديمقراطية, غيرت الصحف الأمريكية لهجتها, وأصبح محل حفاوة من المسئولين في البيت الأبيص. وظهر علي غلاف مجلة نيوزويك في عدد1/29 الأخير, ووصفته علي الغلاف بأنه الرجل صاحب الإصلاحات الجريئة, وفي الداخل بأنه الابن المكافح, وقالت صراحة إنه في السابق رفض بازدراء كديكتاتور عسكري, لكنه سرعان ما صار صديقا حميما للغرب, ثم تحدثت عنه قائلة إن حكمه الفردي المطلق مصحوب بالعديد من السجايا الديمقراطية.
كشفت نيوزويك عن أن أباه كان دبلوماسيا في أنقرة, وأن وجود العائلة في تركيا غرس لديه ميلا وإعجابا بتجربة كمال اتاتورك مؤسس المجتمع العلماني الذي يوجهه الجيش هناك, لذلك يعتبره قدوة جديرة بالاحتذاء جنبا إلي جنب مع محمد علي جناح مؤسس باكستان, الذي كانت غاية طموحه أن يقيم في البلاد دولة عصرية علمانية, علي حد تعبير المجلة.
أضافت المجلة أن الرئيس مشرف: لايريد إبعاد باكستان عن انجرافها طويل الأمد المتسم بالاضطراب باتجاه الحكم الديني فحسب, بل يقول إنه يأمل في أن يجعل بلاده القدوة التي تقتدي بها دول إسلامية أخري, تعاني من التيارات الأصولية.
(6)
نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في1/24 تصريحات للقائد الأعلي للحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان الجنرال تومي فرانكس قال فيها إن الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة جمهوريات آسيا الوسطي السوفيتية سابقا علي مكافحة المجموعات الأصولية المتطرفة في أراضيها, إذا ما طلبت سلطات هذه الدول ذلك, وكان الجنرال فرانكس يتحدث في العاصمة الأوزبكية طشقند, مشيرا أن تعاونا قائما الآن بين الولايات المتحدة وتلك الدول في نطاق تبادل المعلومات الحساسة, لكنه يمكن أن يتوسع في الأشهر المقبلة, إذا ما طلبت الدول المعنية ذلك.
قبل يومين من تصريحات القائد الأمريكي نشرت الأهرام تقريرا بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط من أنقرة تحت العنوان التالي: واشنطن وأنقرة تتفقان علي استراتيجية لترويج النموذج التركي العلماني في آسيا الوسطي. نسب التقرير إلي مصادر صحفية تركية أن الولايات المتحدة أقدمت علي تعديل سياستها في آسيا الوسطي بصورة جذرية, لتفادي تكرار أخطائها السابقة فيما يتعلق بتأييدها منذ بداية الثمانينيات للتيارات الدينية في المنطقة, كشفت صحيفة جمهوريت التركية أمس عن أهم دلائل هذا التغيير, الذي تمثل في مرافقة رئيس الشئون الدينية التركي محمد نوري يلماظ, ولأول مرة لرئيس وزرائه بولنت أجاويد خلال زيارته الرسمية لواشنطن في الأسبوع الماضي, حيث أعطت واشنطن الضوء الأخضر للقيام بجهود مكثفة تبدأ بأفغانستان وتمتد لباقي دول آسيا الوسطي لنقل النموذج التركي العلماني إلي هذه الدول.
ليس سرا أن الإسلام التركي المعلمن يحظي بإعجاب شديد في أوروبا والولايات المتحدة, وفي عملية المراجعة وإعادة التشكيل الراهنة يبدو النموذج مغريا للتسويق في بقية الدول الإسلامية, وأحدث تعبير عن ذلك الإعجاب تبدي في المقال الافتتاحي لمجلة نيوزويك في عددها الأخير1/29, وفيه تحدث كاتبه, فريد زكريا, عن زيارة أخيرة قام بها إلي تركيا, وقرأ في إحدي مجلاتها انتقادا لحقيقة أن معدل الاستهلاك السنوي للنبيذ بالنسبة للمواطن التركي لايتجاوز لترا واحدا, الأمر الذي يجعل من تركيا بلدا متخلفا كثيرا عن الدول الأوروبية الأخري!
أثار الكاتب السؤال التالي: كيف أمكن التوفيق بين الإسلام الذي يدين به95% من الأتراك, وبين النبيذ؟ في الرد أرجع ذلك إلي عبقرية العقلية التركية, التي نجحت في تحطيم الصورة التقليدية للإسلام, وقطعت شوطا بعيدا في اللحاق بـ الحضارة, وتحقق لها ذلك حين استطاعت أن تفصل بين الدين والسياسة ـ والكلام له بطبيعة الحال.
في الأسبوع الثاني من شهر يناير الحالي زار القاهرة خمسة من البرلمانيين المسلمين البريطانيين, ضمن جولة رتبت لهم للتعرف علي المجتمعات والشخصيات الإسلامية بالمنطقة, وقد أقامت لهم السفارة البريطانية حفل عشاء دعت إليه عددا من المثقفين المصريين, وبعد العشاء وقف أحدهم مرحبا بالضيوف ومعبرا عن الأمل في أن تتحقق النهضة المرجوة من العالم الإسلامي علي أيدي المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية المتقدمة. كانت كؤوس النبيذ موزعة أمام بعض المدعوين, الذين تبادلوا الأنخاب تعبيرا عن أواصر المودة وأملا في أن يتحقق الحلم المنشود!
لأن الحملةمستمرة فالحكايات لم تنته بعد!
هذه بعض حكايات شتائنا العاصف, التي تحتاج إلي قراءة متأنية ويقظة شديدة. ذلك أنها وإن تعددت العواصم التي خرجت منها, تقرب إلينا إلي حد كبير صورة عالم ما بعد11 سبتمبر من بعض أوجهه, في حاضره الذي يعاد تشكيله عبر جراحات عاجلة ودقيقة, وفي مستقبله الذي تخضع العقول والمدارس والسياسات فيه لإعادة ترتيب وصياغة.
(1)
في منتصف الشهر الحالي, وصل إلي كابول فريق من النشطاء في مجال حقوق الحيوان, للعناية بأربعين حيوانا اعتبرت من ضحايا الحروب والفوضي التي سادت البلاد, وفي مقدمة تلك الحيوانات أسد أعور اسمه مرجان يبلغ من العمر50 عاما, قضي منها47 عاما في حديقة كابول,( بعد كتابة المقال مات الأسد ونشر ذلك في صحف أمس الاثنين), ونقلت وكالة رويترز عن جون وولش مدير المشروعات الدولية في الجمعية العالمية لحماية الحيوانات ـ الذي كان ضمن الوفد الذي وصل إلي العاصمة الأفغانية ـ أن الناس في جميع أنحاء العالم يريدوننا أن نساعد هذه الحيوانات. من ثم فإن الأولوية الأساسية بالنسبة للوفد هي ضمان سلامتها وأمنها وصحتها قدر المستطاع في الـظروف الراهنة, عبر تقديم الغذاء والأدوية والتطعيم لها. أضاف الرجل أن الوفد إلي جانب عمله في حديقة الحيوان, سيبدأ في معالجة مشكلة القطط والكلاب الضالة في الشوارع.
بالتزامن مع وصول الوفد الدولي إلي أفغانستان, كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بنقل وفود أخري من عناصر تنظيم القاعدة من أفغانستان إلي قاعدة جوانتانامو العسكرية في كوبا, وهي العملية التي يفترض أن تتواصل لعدة أسابيع أخري, بحيث تستوعب الجزيرة ألفين من الشبان المسلمين الذين قدموا إلي أفغانستان من مختلف أنحاء العالم, وانخرطوا في التنظيم أو انضموا إلي قوات حركة طالبان.
كانت الصحف العالمية قد نشرت صورة الأسد الأعور مرجان, الذي حظي بالاهتمام الدولي, كما نشرت في وقت لاحق صور الأسري المسلمين بعد وصول الدفعة الأولي منهم إلي جوانتانامو, لكن شتان بين هذه وتلك. فقد كان الأسد واقفا علي أرجله الأربع, وينظر إلي المصور في سكينة وهدوء, أما صورة الأسري المسلمين فقد نشرتها صحيفة ذي ميل أون صنداي البريطانية يوم الأحد2002/1/20 علي صدر صفحتها الأولي, مع عناوين كبيرة تقول: انهم لايسمعون شيئا, ولايرون شيئا, ولا يشعرون بشيء. أيديهم وأرجلهم ترسف في القيود, إنهم يركعون مذعنين. أبهذه الطريقة يدافع بوش وبلير عن حضارتنا؟
(2)
في التقرير الذي نشرته جريدة الحياة اللندنية يوم1/21, جاء ما يلي:
تحدثت الصحف البريطانية عن سوء حال الأسري الذين ينقلون إلي القاعدة الكوبية, وقالت أن الصور التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية تظهر أن الأسري لا يعون ما يجري لهم, وأنهم فقدوا إحساسهم بالمكان والزمان, وهم في حالة ذهول وارتباك.
لقد أجبر المعتقلون علي ارتداء عوازل سود تحجب الرؤية عن العيون, ووضع سدادات في الأذن تمنع عنهم السمع, وأقنعة جراحية تعطل حاسة الشم لديهم, وقفازات ثقيلة بحيث لايستطيعون لمس شيء أو تحسسه, كما قيدت أرجلهم بعارضات حديد كانت تستخدم أيام تجارة العبيد.
وذكرت هيلين هامبير, مديرة مؤسسة الرعاية الطبية لضحايا التعذيب أن سجناء جوانتانامو سيعانون من الاختلال وفقدان الرشد وربما أيضا سيصابون بانهيار مشيرة إلي أنهم سيكونون عرضة للهلوسات المرعبة, ويشعرون بفقدان التوازن, ويمكن أن يعتقدوا بكل سهولة أنهم أصيبوا بلوثة جنون, ورجحت إصابتهم بنوبات ذعر مفاجئة, وانقلاب مزاجهم باستمرار, وتعرضهم لكوابيس مفزعة, كما حدث مع معتقلين تعرضوا في الماضي لعمليات تعذيب مماثلة. ونبهت إلي أن الحرمان من الإحساس يمكن ان يؤدي إلي انهيار الأعصاب لأن الأمر يعني هجوما علي شخصية الفرد وتحديا لمفهومه عن شخصيته.
وحاولت وزارة الدفاع الأمريكية تبرير استمرار وضع كمامات لاصقة علي فم الأسري بعد انتهاء رحلتهم الشاقة التي استغرقت أكثر من25 ساعة متواصلة بالقول أن بعض الأسري قد يكون يعاني من السل ويمكن أن يعدي الحراس إذا بصق عليهم, إلا أن جمعيات حقوق الإنسان رفضت هذا التبرير, وأشارت إلي أن السل ينتشر في الأماكن الضيقة والمزدحمة لا في الهواء الطلق.
(3)
بعد مضي أكثر من شهر علي إعلان حركة حماس في12/16 تجميدها العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل, قامت مجموعة من القوات الخاصة الإسرائيلية فجر يوم1/22 باقتحام شقة في مدينة نابلس المشمولة بالحكم الذاتي يسكنها أربعة من الشباب الفلسطينيين التابعين للحركة, فاجأت ثلاثة منهم وهم نيام ـ الرابع كان يستحم ـ فقامت بقتلهم بدم بارد, ومثلت بجثثهم, حتي أن الأطباء فشلوا في التعرف عليهم, بعدما تمزقت جثثهم وتحولت إلي أشلاء, وقال شهود عيان إنه عثر علي جثث الأربعة مبعثرة في أنحاء الشقة, التي اتشحت جدرانها بسواد المتفجرات وتخضبت حشايا الأسرة بالدماء.
بعد أيام معدودة في1/15 كشف النقاب عن جريمة قتل مرعبة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة. إذ قامت دبابة بمطارة ثلاثة صبية حتي أسقطتهم أرضا, ثم دهست أجسادهم, بحيث لم يعد ممكنا التعرف علي وجوههم.
طبقا لما نشرته الشرق الأوسط فإن الجريمة وقعت في12/30 بمنطقة بيت لاهيا, شمال قطاع غزة, وأن الذي فضح الجريمة نائبة إسرائيلية عضو في الكنيست, هي تمار جوجانسكي عضو كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة, إذ ذكرت أن القوات الإسرائيلية اجتاحت المنطقة يومئذ في إطار اعتداءاتها علي الشعب الفلسطيني, وكان الصبية الثلاثة قد خرجوا من صفوف مظاهرة احتجاج علي الاحتلال الجديد لبلدتهم, واقتربوا من قوات الاحتلال, فهاجمتهم الدبابة لكنهم هربوا منها علي الفور, غير أنها لم تتوقف ومضت تطاردهم لمئات الأمتار, وحين وصلت إليهم أوقعت صبيا منهم علي الأرض فداسته, وواصلت مطاردتها حتي أوقعت الصبيين الباقيين, وداستهما مثل زميلهما تحت جنازيرها.
(4)
نشرت صحيفة صباح السبت1/26 أن الرئيس جورج بوش اتهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, المحاصر في رام الله بـتعزيز الإرهاب! وأعرب عن خيبة أمله فيه, وتحدث وزير خارجيته كولن باول عن أن الإدارة الأمريكية تبحث عدة خيارات للضغط علي عرفات من أجل العمل بشكل جاد علي اقتلاع الإرهاب.
مع استمرار التدمير والقتل اليومي الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي المحتلة, قررت السلطات الأمريكية إغلاق وتجميد أرصدة أكبر ثلاث منظمات إغاثية إسلامية في الولايات المتحدة هي: جمعية الأرض المقدسة, والجمعية العالمية للإغاثة, والجمعية الخيرية العالمية, والأولي كانت تكفل ثلاثة آلاف يتيم فلسطيني, وترعي بمرتبات شهرية4500 عائلة داخل فلسطين وخارجها, في الوقت ذاته أعادت اعتقال الناشط الفلسطيني الدكتور مازن النجار أستاذ الهندسة والباحث والمفكر, بعد أقل من سنة من إطلاقه عقب قضائه ثلاث سنوات في الاعتقال الإداري تحت بند الأدلة السرية التي لايسمح للمتهم أو محاميه بالاطلاع عليها, بعدما برئ الدكتور مازن, أعيد إلي السجن في حبس انفرادي, وهو الذي لم يرتكب خطأ قانونيا طيلة عشرين عاما قضاها في أمريكا باستثناء انه في أثناء دراسته الجامعية في الثمانينيات تخلف لفترة بسيطة عن تجديد إقامته.
في هذه الأجواء عقدت ثلاثة مؤتمرات للحوار بين الأديان, الأول في لندن دعت إليه الكنيسة الانجليكانية في1/17, وحضره ممثلون عن الأديان الثلاثة, وقد ناقش موضوع التسامح مع الآخر, والثاني في مدينة اسيزي الإيطالية في1/24, وقد دعا إليه بابا الكنيسة الكاثوليكية, وحضره ممثلو12 ديانة عالمية, سماوية وغير سماوية, وكانت قضية السلام محور اجتماعهم وصلاتهم, والثالث في الإسكندرية في1/21, وحضره ممثلو الديانات السماوية الثلاث, وهو الوحيد الذي أصدر إعلانا دعا إلي إنهاء العنف وسفك الدماء في الأراضي المقدسة.
صحيفة يديعوت أحرونوت نشرت في1/22 تعليقا علي بيان المؤتمر رحب بالبيان واعتبره إنجازا وقال إن أهم ما فيه انه اعتبر القتل باسم الله تدنيسا للقدسية وتلويثا للدين(!)
(5)
احتفت الصحف الغربية بشكل ظاهر بالقرارات التي أعلنها الرئيس الباكستاني برويز مشرف في1/13, التي أعلن فيها حل بعض المنظمات الإسلامية واعتقال نفر من قادتها وأعضائها(1900 شخص), وتقييد حركة المدارس الدينية وحرية خطباء المساجد في التعبير, واعتبار المقاومة المسلحة في كشمير إرهابا, وبعدما كانت تصفه الصحف الأمريكية بأنه حاكم عسكري مستبد وصل إلي السلطة عن طريق الانقلاب وإلغاء الديمقراطية, غيرت الصحف الأمريكية لهجتها, وأصبح محل حفاوة من المسئولين في البيت الأبيص. وظهر علي غلاف مجلة نيوزويك في عدد1/29 الأخير, ووصفته علي الغلاف بأنه الرجل صاحب الإصلاحات الجريئة, وفي الداخل بأنه الابن المكافح, وقالت صراحة إنه في السابق رفض بازدراء كديكتاتور عسكري, لكنه سرعان ما صار صديقا حميما للغرب, ثم تحدثت عنه قائلة إن حكمه الفردي المطلق مصحوب بالعديد من السجايا الديمقراطية.
كشفت نيوزويك عن أن أباه كان دبلوماسيا في أنقرة, وأن وجود العائلة في تركيا غرس لديه ميلا وإعجابا بتجربة كمال اتاتورك مؤسس المجتمع العلماني الذي يوجهه الجيش هناك, لذلك يعتبره قدوة جديرة بالاحتذاء جنبا إلي جنب مع محمد علي جناح مؤسس باكستان, الذي كانت غاية طموحه أن يقيم في البلاد دولة عصرية علمانية, علي حد تعبير المجلة.
أضافت المجلة أن الرئيس مشرف: لايريد إبعاد باكستان عن انجرافها طويل الأمد المتسم بالاضطراب باتجاه الحكم الديني فحسب, بل يقول إنه يأمل في أن يجعل بلاده القدوة التي تقتدي بها دول إسلامية أخري, تعاني من التيارات الأصولية.
(6)
نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في1/24 تصريحات للقائد الأعلي للحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان الجنرال تومي فرانكس قال فيها إن الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة جمهوريات آسيا الوسطي السوفيتية سابقا علي مكافحة المجموعات الأصولية المتطرفة في أراضيها, إذا ما طلبت سلطات هذه الدول ذلك, وكان الجنرال فرانكس يتحدث في العاصمة الأوزبكية طشقند, مشيرا أن تعاونا قائما الآن بين الولايات المتحدة وتلك الدول في نطاق تبادل المعلومات الحساسة, لكنه يمكن أن يتوسع في الأشهر المقبلة, إذا ما طلبت الدول المعنية ذلك.
قبل يومين من تصريحات القائد الأمريكي نشرت الأهرام تقريرا بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط من أنقرة تحت العنوان التالي: واشنطن وأنقرة تتفقان علي استراتيجية لترويج النموذج التركي العلماني في آسيا الوسطي. نسب التقرير إلي مصادر صحفية تركية أن الولايات المتحدة أقدمت علي تعديل سياستها في آسيا الوسطي بصورة جذرية, لتفادي تكرار أخطائها السابقة فيما يتعلق بتأييدها منذ بداية الثمانينيات للتيارات الدينية في المنطقة, كشفت صحيفة جمهوريت التركية أمس عن أهم دلائل هذا التغيير, الذي تمثل في مرافقة رئيس الشئون الدينية التركي محمد نوري يلماظ, ولأول مرة لرئيس وزرائه بولنت أجاويد خلال زيارته الرسمية لواشنطن في الأسبوع الماضي, حيث أعطت واشنطن الضوء الأخضر للقيام بجهود مكثفة تبدأ بأفغانستان وتمتد لباقي دول آسيا الوسطي لنقل النموذج التركي العلماني إلي هذه الدول.
ليس سرا أن الإسلام التركي المعلمن يحظي بإعجاب شديد في أوروبا والولايات المتحدة, وفي عملية المراجعة وإعادة التشكيل الراهنة يبدو النموذج مغريا للتسويق في بقية الدول الإسلامية, وأحدث تعبير عن ذلك الإعجاب تبدي في المقال الافتتاحي لمجلة نيوزويك في عددها الأخير1/29, وفيه تحدث كاتبه, فريد زكريا, عن زيارة أخيرة قام بها إلي تركيا, وقرأ في إحدي مجلاتها انتقادا لحقيقة أن معدل الاستهلاك السنوي للنبيذ بالنسبة للمواطن التركي لايتجاوز لترا واحدا, الأمر الذي يجعل من تركيا بلدا متخلفا كثيرا عن الدول الأوروبية الأخري!
أثار الكاتب السؤال التالي: كيف أمكن التوفيق بين الإسلام الذي يدين به95% من الأتراك, وبين النبيذ؟ في الرد أرجع ذلك إلي عبقرية العقلية التركية, التي نجحت في تحطيم الصورة التقليدية للإسلام, وقطعت شوطا بعيدا في اللحاق بـ الحضارة, وتحقق لها ذلك حين استطاعت أن تفصل بين الدين والسياسة ـ والكلام له بطبيعة الحال.
في الأسبوع الثاني من شهر يناير الحالي زار القاهرة خمسة من البرلمانيين المسلمين البريطانيين, ضمن جولة رتبت لهم للتعرف علي المجتمعات والشخصيات الإسلامية بالمنطقة, وقد أقامت لهم السفارة البريطانية حفل عشاء دعت إليه عددا من المثقفين المصريين, وبعد العشاء وقف أحدهم مرحبا بالضيوف ومعبرا عن الأمل في أن تتحقق النهضة المرجوة من العالم الإسلامي علي أيدي المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية المتقدمة. كانت كؤوس النبيذ موزعة أمام بعض المدعوين, الذين تبادلوا الأنخاب تعبيرا عن أواصر المودة وأملا في أن يتحقق الحلم المنشود!
لأن الحملةمستمرة فالحكايات لم تنته بعد!