مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
اللوثـــة الغربيــــة وما وراءهــا‏!‏
هويدي 30-10-2001

ما الذي يدفع فتاة في طوكيو لأن تتسلل الي مسجد لتأخذ منه مصحفا‏,‏ ثم تذهب لكي تمزقه أمام متجر لبيع السيارات المستعملة‏,‏ يملكه باكستاني مسلم؟ ـ وما الذي يدفع الشرطة في البارجواي بأمريكا اللاتينية‏,‏ لكي تلقي القبض علي مواطن لبناني اسمه صلاح ياسين‏,‏ لمجرد أن اسمه فيه شيء من اسم زعيم حركة حماس في فلسطين الشيخ أحمد ياسين‏,‏ ويكون ذلك التشابه الغبي مبررا لاتهام الرجل بأنه إرهابي ومسوغا لاعتقاله‏,‏ والتحقيق معه بواسطة مختلف الأجهزة الأمنية‏,‏ من المخابرات المركزية إلي الموساد الإسرائيلي؟‏,‏ وما الذي يضطر صاحب محل في بروكلين لأن يضع لافتة يعلن فيها أنه هندي‏,‏ نافيا أمام الملأ انتماءه الي جنس العرب المذموم‏,‏ حتي يتجنب أن تحل عليه اللعنة‏,‏ ويتعرض للإيذاء والعدوان؟
الأمر يتطلب تفكيرا عميقا‏,‏ يتجنب ذلك الكسل العقلي الذي يتبناه البعض ممن يختزلون ما يجري في عنوان‏:‏ الحرب الصليبية‏,‏ أو يسعون الي تسطيح الأمر وإدراجه ضمن أسطورة صدام الحضارات

‏(1)‏
ثمة لوثة خبيثة اجتاحت الولايات المتحدة وأوروبا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ استهدفت الفتك بكل ما هو عربي أو إسلامي‏,‏ علي نحو يدهش المرء ويصدمه‏,‏ إذ ما كان يتصور أي واحد من الذين يعيشون خارج تلك المجتمعات المتحضرة أن يتصرف بعض أفرادها في لحظات الغضب والانفعال‏,‏ علي ذلك النحو غير المتحضر‏,‏ الذي سحب المسئولية عما جري في واشنطن ونيويورك علي كل من ينتمي الي جنس العرب وثقافتهم ودينهم‏.‏
نعم حاول الساسة في بعض البلدان كبح جماح الانفعال‏,‏ وألحوا في بيانات وتصريحات عدة‏,‏ علي أن المعركة الراهنة‏..‏ ليست ضد العرب أو المسلمين‏,‏ ولكنها ضد الإرهاب بتجلياته المتعددة‏.‏

وهو موقف طيب يستحق التقدير والشكر‏,‏ إلا أن الرأي العام في تلك البلدان لا تشكله تصريحات السياسيين‏,‏ وإنما لايزال للإعلام يده الطولي في ذلك التشكيل‏,‏ وهو الذي لم يكف يوما ما عن تشويه صورة العرب والمسلمين‏,‏ وتصويرهم بحسبانهم أشرارا‏,‏ يجسدون مختلف النقائص والرذائل في الأخلاق والسلوك‏,‏ وإذا كان ذلك هو الموقف التقليدي لخطاب وسائل الإعلام الغربية ـ والأمريكية بوجه أخص ـ فإن الجريمة تضاعفت عدة مرات بعد فاجعة الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ التي وفرت فرصة مثلي للتحريض وإذكاء مشاعر البغض والانتقام‏.‏
ورغم أن ما تفعله وسائل الإعلام حقق مراده في التعبئة المضادة والتحريض‏,‏ إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل عمقا آخر للمسألة‏,‏ يتمثل في أن الخلفية الثقافية للعقل الغربي مشحونة ببذور ذلك البغض‏,‏ التي نضحت علي مختلف الأدبيات والموسوعات والمناهج الدراسية‏,‏ منذ حملة الكراهية التي شنتها المراجع الكاثوليكية منذ تسعة قرون‏,‏ إبان الحروب الصليبية وفي أعقابها‏,‏ ولولا أننا لا نريد أن ننكأ جراحا قديمة لأوردنا نماذج من نصوص البيانات التي أصدرتها تلك المراجع وقتذاك‏,‏ وكيف تأثر بها الخطاب الثقافي في أوروبا بوجه أخص‏,‏ الذي تم استنساخه بالولايات المتحدة في وقت لاحق‏.‏

‏(2)‏
إذا استثنينا أقلاما شريفة معدودة‏,‏ وعددا آخر من الأكاديميين المحترمين في أوروبا والولايات المتحدة‏,‏ فإننا لا نتردد في القول بأن الإعلام الغربي بوجه عام‏,‏ يشن منذ الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ حربا غير نظيفة وغير شريفة ضد العرب والمسلمين والإسلام‏,‏ لا هوادة فيها ولا رحمة‏,‏ وخطورة تلك الحرب لا تكمن فقط فيما تشيعه من مشاعر الكراهية والبغض‏,‏ وما تسببه للمسلمين من مهانة وإيذاء‏,‏ ولكنها أيضا تمثل عنصرا ضاغطا مؤثرا علي مختلف مؤسسات المجتمع‏,‏ وعلي القرار السياسي‏,‏ فضلا عن السلوك الأمني‏.‏
لقد أشرت في الأسبوع الماضي‏,‏ الي أن فاجعة الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ خرجت من عباءتها القاتمة حروب ثلاث‏,‏ واحدة أمريكية موجهة ضد شعب أفغانستان‏,‏ والثانية إسرائيلية يراد لها أن تضرب دولا وأوطانا عربية بذريعة أنها ضالعة بدورها في الإرهاب‏,‏ والثالثة إعلامية تستهدف ضرب واستئصال الوجود العربي والإسلامي في بلاد الغرب‏,‏ وقد وجدنا لتلك الحملة صداها في بعض الدول الآسيوية التي تتأثر بالخطاب الإعلامي الغربي‏,‏ وفعلة الفتاة اليابانية التي أشرت إليها قبل قليل‏,‏ والتي نشرتها صحيفة يابان تايمز من نماذج ذلك التأثر‏,‏ كما أن قرار الحكومة الصينية بمنع رعايا العديد من الدول العربية والآسيوية من ركوب طائراتها نموذج آخر‏,‏ وهولا يختلف إلا في الدرجة عن اقتراح المسئول الإيطالي الكبير في رابطة الشمال‏,‏ والنائب في البرلمان الأوروبي فرانشيسكو سبيروني‏,‏ الذي طالب بمنع دخول المسلمين إيطاليا‏!‏

في الوقت ذاته‏,‏ تحفل الصحف اليومية بالتقارير التي ترصد صور معاناة العرب والمسلمين من جراء تلك الحرب غير الشريفة‏,‏ في مختلف الدول الأوروبية‏,‏ والولايات الأمريكية‏,‏ وما ذكرته في مستهل المقال مجرد قطرة في محيط كبير‏,‏ وبعض الوقائع التي نشرت لا يكاد يصدقها عقل‏,‏ مثل قصة اللبناني الذي اعتقل في البارجواي لأن في اسمه كلمة ياسين‏,‏ والعرب الذين طردوا من مساكنهم في ولاية تكساس لأن سحناتهم أصبحت تثير الرعب‏,‏ وما ذكرته الوكالة الفرنسية للأنباء من أن بعض الناس أصبحوا يختبئون بالقرب من مداخل محلات الحلاقة‏,‏ لكي يتعرفوا علي الأصوليين الذين سارعوا الي حلق ذقونهم‏,‏ وقصة الصحفي اللبناني المعروف الياس خوري‏,‏ الذي كان قد دعي لندوة في جنوب فرنسا‏,‏ وفوجيء ذات صباح بشرطة مكافحة الإرهاب وقد اقتحمت غرفته‏,‏ بعدما ثارت الشبهات من حوله‏,‏ حين أجري اتصالا‏(‏ مع ابنه‏)‏ بالعربية ـ لغة الإرهابيين ـ وبعث إلي بيروت بفاكس بذات اللغة المشبوهة‏(!),‏ وتضاعفت تلك الشبهات بحقه حين وقعت عينا عاملة كانت تراقبه‏,‏ علي منشور في غرفته حمل عنوان التضحية‏,‏ الذي لم يكن سوي إعلان عن مسرحية إيطالية معروضة بالمدينة التي نزل فيها‏,‏ أضف الي ذلك‏,‏ قصة العرب الثلاثة الذين أنزلوا من حافلة أمريكية للركاب لأن بقية المسافرين شكوا من أنهم لن يشعروا بالأمان في وجودهم‏,‏ ثم ذلك القرار الأمريكي الغريب‏,‏ الذي صدر بمنع العرب من ركوب الطائرات اذا ما اجتمعوا‏,‏ وينبغي توزيعهم علي رحلات مختلفة‏,‏ لأن في وجودهم مجتمعين علي طائرة واحدة خطرا محتملا‏..‏ وذلك المصري المسكين الذي مر بسيارته ـ مجرد مرور ـ في شارع يجاور أحد المفاعلات النووية بألمانيا‏,‏ فاستدعي للتحقيق معه حول سر اختياره ذلك الشارع‏,‏ وقد ذهبت اللوثة الأمنية في ألمانيا إلي أبعد‏,‏ حيث صدر حكم لصالح وزارة الداخلية يلزم الجامعات بتزويدها بجميع ملفات الطلبة العرب والمسلمين الذين درسوا فيها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية‏!‏
في‏10/16‏ نشرت صحيفة القدس اللندنية‏,‏ رسالة سجل فيها أحد العرب الذين يعيشون في نيويورك جانبا من يومياته في الفترة التي أعقبت يوم‏11‏ سبتمبر‏,‏ التي جاءت حافلة بمشاهد الازدراء والإذلال‏,‏ من بين ما ذكره صاحب الرسالة ـ اسمه حاتم الجمسي ـ انه يعمل في متجر كبير‏(‏ سوبر ماركت‏)‏ في بروكلين يملكه عرب‏,‏ وذات يوم‏(10/18)‏ دلفت إلي المحل زبونة من أصول إفريقية طلبت مساعدته‏,‏ فقدم لها ماتريد بلطف وأدب حسب تعبيره‏,‏ وعندئذ تأملت وجهه وسألته‏:‏ هل أنت أسباني‏,‏ فأجاب بالنفي‏,‏ وحينئذ قالت‏:‏ أتمني ألا تكون عربيا‏,‏ وحين اعترف بأنه كذلك بالفعل‏,‏ تغيرت ملامح وجهها‏,‏ وقالت‏:‏ أتمني لو أرسل كل العرب الي بلادهم‏,‏ لأنهم يعملون هنا‏,‏ ويدخرون الأموال ثم يرسلونها إلي بن لادن‏.‏

‏(3)‏
اللوثة الخبيثة كان لها صداها الذي تجاوز سلوك الأفراد الي سلوك المؤسسات‏,‏ لن أتحدث عن عمليات المراقبة والتنصت والتفتيش‏,‏ بل واللجوء إلي بعض الحيل في الولايات المتحدة للسماح بتعذيب المحتجزين واستنطاقهم للحصول علي معلومات‏,‏ فمثل هذه التجاوزات والاعتداءات علي حريات الناس ـ والمسلمين منهم بوجه أخص ـ قد يكون لها حديث آخر‏,‏ لكن إجراءات القمع طالت المؤسسات الإسلامية الخيرية والإغاثية‏,‏ خصوصا تلك التي أشير إليها في سياق حملات التشهير التي قامت بها الصحف المحلية‏,‏ فأغلب هذه المؤسسات هوجمت في وسائل الإعلام باعتبارها واجهات لأنشطة إرهابية‏,‏ ومشاركة في تمويل تلك الأنشطة‏,‏ وما جري لمنظمة الإغاثة الإنسانية الدولية في كندا‏,‏ التي تعمل في خدمة فقراء العالم الثالث منذ عشرين عاما‏,‏ نموذج لتلك المؤسسات‏,‏ إذ منذ ألقي القبض علي المندوب الإقليمي للمنظمة في باكستان في عام‏95,‏ وأفرج عنه لعدم ثبوت أدلة ضده‏,‏ حملت الصحف الكندية ذات الميول الصهيونية عليها حملة شعواء‏,‏ ركزت فيها علي علاقة المنظمة بالإرهاب‏,‏ ورغم أن كل التقارير القانونية والمحاسبية أثبتت سلامة موقفها‏,‏ كما ذكر زميلنا مصطفي سامي مندوب الأهرام بكندا‏,‏ فإن ذلك لم يشفع لها‏,‏ حيث صودرت أموالها وجمد نشاطها‏,‏ بعدما أدرجت فجأة ضمن الجمعيات الراعية للإرهاب التي أعلنتها الولايات المتحدة‏,‏ واعتبرت المنظمة واجهة لجرائم شبكة القاعدة الإرهابية‏!‏

في هذه الأجواء المحمومة‏,‏ تضاعفت الكتابات التي تجرح الإسلام وتعاليمه‏,‏ معتبرة ان بن لادن وجماعته هم التعبير الذي يجسد تلك التعاليم‏,‏ وهذه الكتابات بلا حصر‏,‏ ويحضرني منها الآن ما نشرته صحيفة التايمز اللندنية يوم الأحد‏10/14‏ للكاتبة هيلاني فيليبس‏,‏ التي انتقدت بشدة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير‏,‏ واعتبرت أنه فقد صدقيته‏,‏ لأنه قال إن العنف لا علاقة له بالإسلام ولا بالفلسطينيين‏,‏ وأضافت أنه إذا كان الغرب لم يعلن الحرب علي الإسلام‏,‏ فالذي حدث أن الإسلام‏(‏ الذي هو في هذه الحالة أسامة بن لادن‏),‏ هو الذي أعلن الحرب علي الغرب‏,‏ وأشارت الي المستشرق المتعصب والحاقد علي الإسلام برنارد لويس‏,‏ باعتباره عالم الإسلاميات العظيم‏,‏ لمجرد أنه ذكر أن المسلمين يقسمون العالم إلي مؤمنين وكفار‏,‏ وأن واجب المسلمين أن يحولوا أولئك الكفار‏(‏ الغربيين‏)‏ إلي الإسلام‏,‏ وخلصت من ذلك إلي أن الإرهاب الإسلامي ضد الغرب وضد إسرائيل لن يتوقف‏,‏ ولا حل لذلك إلا بمحاربة كل ما يمثله الإسلام‏,‏ لأن كسب تلك الحرب‏,‏ في نظرها‏,‏ هو الضمان الوحيد لحماية القيم الغربية‏.‏
لا أعرف إن كانت مصادفة أم لا‏,‏ أن الرجل الذي منح جائزة نوبل في الآداب لهذا العام‏(‏ أ‏.‏س‏.‏ نيبول‏..‏ انجليزي من أصل هندوسي‏),‏ هو من أكثر الكتاب في الغرب كراهية وحقدا علي الإسلام‏,‏ وحتي إذا كانت تلك مجرد مصادفة‏,‏ فالقدر المتيقن أن التوقيت الذي أعلنت فيه‏(10/11)‏ بالغ السوء‏,‏ للرجل كتابات عدة‏,‏ لكن أكثر ما عرف به جولاته في العالم الإسلامي‏,‏ ومؤلفاته عن عالم المسلمين الذي لم ير فيه إلا كل ما يدعو إلي السخرية والإزدراء‏,‏ حتي قال عنه الناقد المعروف الدكتور ادوارد سعيد‏:‏ إن ما كتبه عن المسلمين‏,‏ لا يستطيع أي كاتب آخر أن يتحدث بمثله في المسيحية أو اليهودية‏,‏ فهو يعتبر أن الإسلام من أسوأ ما ابتلي به العالم الثالث من مشكلات‏.‏

‏(4)‏
هل هذه حرب صليبية؟
أدري أن الكلمة وردت علي لسان الرئيس بوش‏,‏ وأن البعض التقطها وثبتها فوق كل ما يجري‏,‏ ومنهم من أصر علي أنها ليست زلة لسان ولكنها عنوان الحقيقة‏,‏ ولا أنكر أن بعض الأطراف الأمريكية ـ الواقفة في أقصي اليمين من الخريطة السياسية ـ ما برحت تستخدم في خطاب التعبئة للحرب مصطلحات بروتستانتية‏,‏ من قبيل الإلحاح المستمر علي أنها حرب ضد الشر وصانعيه‏,‏ ومن هؤلاء من لا يكن أي مودة للإسلام أو المسلمين‏,‏ مثل القس جيري نولوين‏.‏
مع ذلك‏,‏ فأنا أزعم أن القرار السياسي الذي اتخذ في صدد الحرب ليس خارجا من العباءة الصليبية‏,‏ وليس له علاقة بمفاهيم ومقاصد تلك الحرب‏,‏ التي أعطي إشارة البدء فيها البابا إيربان الثاني في مجمع كليرمون في عام‏1095‏ م‏,‏ وهي التي استهدفت الزحف علي الشرق لتخليص الأرض المقدسة من أيدي المسلمين والقضاء علي الوجود الإسلامي في مناطق شرق المتوسط‏,‏ وكان البابا قد استشعر أن المد الإسلامي الذي قاده الأتراك آنذاك‏,‏ قد أصبح يهدد أقطار الكاثوليكية ومعاقلها‏,‏ فدعا إلي شن الحملة باسم الرب‏,‏ لاستئصال شأفة ذلك الجنس الشرير من أرضنا‏.‏
وثمة فرق لابد أن يكون ملحوظا بين حرب دعت إليها الكنيسة في القرن الحادي عشر الميلادي‏,‏ لاجتثاث الإسلام الذي يهدد مصالحها‏,‏ وأخري يقررها السياسيون لدوافع وأهداف أخري مختلفة تماما‏,‏ وإذا كانت البابوية قد اعتبرت الإسلام خطرا آنذاك‏,‏ فإن الساسة في هذا الزمان يتعاملون مع الإسلام بصورة أكثر ذكاء‏,‏ حيث لم يعنوا به كدين‏,‏ وإنما وضعوا مصالحهم في المقام الأول‏,‏ فإذا تحققت تلك المصالح في وجود الإسلام وبرعاية منه‏,‏ فهم به يرحبون‏,‏ وإذا ما وجدوا في بعض أتباعه من يشكل تهديدا لتلك المصالح‏,‏ فإنهم لا يستأصلون الإسلام ولكنهم يبحثون عمن يعتبرونهم إسلاميين معتدلين يؤمنون لهم تلك المصالح‏,‏ وما حدث في أفغانستان نموذج لذلك‏.‏

‏(5)‏
هل هو صدام بين الحضارات؟
ثمة تهليل في العالم الغربي للفكرة‏,‏ التي أطلقها في عام‏93‏ عالم السياسة الأمريكي صمويل هنتنجتون واعتبر أن صدامات العالم الجديد لن تكون إيديولوجية ولا اقتصادية‏,‏ وإنما ستكون الثقافة هي مصدرها الأول‏,‏ وبعد أن عدد سبع حضارات أو ثقافات أساسية في العالم‏,‏ فإنه اعتبر أن الصدام الحقيقي سيكون بين الإسلام‏(‏ بمفهومه الثقافي والحضاري وبين الغرب بعامة‏)‏ ـ ويلفت النظر أنه صنف الأرثوذكس الشرقيين ضمن المعسكر الإسلامي المرشح للصراع مع الغرب‏.‏
الفكرة لا تخلو من تبسيط شديد‏,‏ لدرجة أن الدكتور ادوارد سعيد انتقدها أخيرا في مقالة بعنوان صدام الجهالات‏(‏ الحياة اللندنية‏10/21),‏ ذلك أنها تعتبر الغرب كتلة واحدة‏,‏ وتضع العالم الإسلامي في كتلة أخري مقابلة‏,‏ وكأن الحضارات كيانات منغلقة عن بعضها البعض‏,‏ وخالية في داخلها وفيما بينها من التيارات والتيارات المعاكسة‏,‏ التي تشكل تاريخ الإنسانية‏,‏ بما أفرزته من عمليات التقاطع حينا‏,‏ والتلاقح في أحيان أخري كثيرة‏,‏ وهذا الافتراض التبسيطي يغفل ويلغي تماما شرائح قوية بين النخبة في العالم الإسلامي تعتبر الحضارة الغربية مشروعها ونموذجها الذي تتعلق به وتحتذيه‏,‏ وفي ذات الوقت فإنه يلغي ويسقط من الاعتبار ما بين‏20‏ و‏30‏ مليون مسلم يعيشون في الغرب‏.‏

أما ما يبعث علي الدهشة والاستغراب حقا‏,‏ فهو أن تستدعي الفكرة في الظروف الراهنة‏,‏ بحيث ينظر إلي أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة‏,‏ علي أنهم يمثلون الحضارة الإسلامية‏,‏ بينما يختزل الحضارة الغربية في التحالف العسكري‏,‏ الذي تقوده الولايات المتحدة‏.‏
قرأت تعليقا حول هذه النقطة نشرته صحيفة معاريف‏(9/22)‏ كتبه مئير شتجليتش‏,‏ قال فيه‏,‏ إن اعتبار بن لادن ممثلا للثقافة الإسلامية يقبل اذا اعتبرنا منظمتي بادر ماينهوف والجيش الأحمر الإرهابيتين ممثلتين للثقافة الغربية في السبعينيات‏.‏

إذا لم تكن حربا صليبية‏,‏ أو صداما بين الحضارات‏,‏ فماذا تكون إذن؟ نجيب في الأسبوع المقبل بإذن الله‏.‏
أضافة تعليق