هويدي 18-9-2001
مازلت غير قادر علي تصديق الذي رأته عيناي في نيويورك وواشنطون, علي شاشات التليفزيون يوم الثلاثاء الماضي, مع ذلك فلم تكن تلك هي المفاجأة الوحيدة, لأن ما توالي بعد ذلك من مشاهد ظل مسكونا بدرجات متفاوتة من العبثية, الأمر الذي جعل من الدهشة قاسما مشتركا أعظم بين الزلزال وتوابعه وأصدائه, حتي إشعار آخر علي الأقل.
(1)
الذي جري ما كان له أن يخطر علي قلب بشر, ولا يمكن أن يوصف بأقل من أنه حرب خاطفة, خسرت فيها الولايات المتحدة الجولة الأولي, التي فقدت فيها الهيبة والمكانة وتهشم وجه الدولة العظمي, ولو أن مخرجا سينمائيا كان قد استبق وصور هجوما من ذلك القبيل علي الولايات المتحدة, لاعتبر مغرقا في الخيال, ولاتهم بأنه غير مدرك لحقيقة وقدرات الدولة الكبري, بآلة الدولة الجبارة التي تملكها, وبالأسلحة المهولة التي تحت يدها, وبالمؤسسات التي ترصد دبيب النمل في العالم, ولا تفوتها شاردة, ولا واردة في الاتصالات الجارية بين الجهات الأربع, ثم بالأجهزة الأمنية التي تنفق سنويا ثلاثين بليون دولار, ويعمل بها عشرات الألوف من الخبراء والعملاء الذين يحفظون في جيوبهم أسرار الكون, ويمسكون بمفاتيح عالم الدسائس والمؤامرات وبحر الظلمات.
الدهشة ليست مقصورة علينا وحدنا, لكنها ترددت بقوة علي ألسنة كثيرين في داخل الولايات المتحدة ذاتها, من الرئيس الأسبق جورج بوش( الأب), الذي كان مديرا للمخابرات المركزية يوما ما, الي أعضاء الكونجرس ومسئولي لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ, حيث انعقد اجماع علي أن ما حدث يمثل فشلا ذريعا لكل الأجهزة المعنية, ليس له سابقة أو مثيل, ومنهم من قال إن ما جري أخطر من تدمير اليابانيين للأسطول الأمريكي في بيرل هاربر عام48( الذي ردت عليه واشنطون بقصف هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية), وذهبوا في ذلك الي أن تدمير الأسطول حدث خارج الولايات المتحدة, ولم يهدد كيانها ولم يروع شعبها, بينما الهجوم الأخير فعل كل ذلك.
عبرت الكاتبة الأمريكية مورين داود عن رأيها في المشهد قائلة: إن ما يثير القشعريرة حقا, هو ذلك العجز الذي بدا في الجهات التي يفترض فيها التخطيط والتحسب لاحتمال وقوع ما وقع, خصوصا أن ذلك العجز ظهر بعد سنوات من تكرار التحذيرات من احتمال حصول ما حصل( خدمة نيويورك تايمز في9/14).
ليس ذلك فحسب, وإنما بدا الارتباك واضحا في القيادة الأمريكية, الرئيس بوش اختفي بعض الوقت في قاعدة عسكرية, ولاحقا ذهب الي نيويورك ثم نقل نائبه تشيني الي منتجع كامب ديفيد, حتي لا يوجد الاثنان في مكان واحد, ووزير الخارجية أعلن أن بن لادن علي رأس المتهمين في العملية, لكن المدعي العام صرح بعد ذلك بأن التحقيقات لم تتوصل الي أسماء بذاتها في هذا الموضوع, وبعد ثلاثة أيام, أعلن الرئيس الأمريكي أن بن لادن هو المسئول, وفيما أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة اتفقت مع حلفائها علي توجيه ضربة عسكرية, اختلفت الأصداء لدي الحلفاء, فالاتحاد الأوروبي, دعا الي التريث في العمل العسكري, وباكستان طلبت أن يتم التدخل في إطار الأمم المتحدة, وليس من جانب الولايات المتحدة وحدها, أما رئيس وزراء بلجيكا فقد أثار نقطة أخطر, حيث طالب بتحديد هوية الجناة أولا!
(2)
هذه المسألة الأخيرة تعكس وجها آخر من وجوه العبثية في المشهد, لأن الرئيس الأمريكي أعلن حالة التأهب القصوي, واستنفرت لأجل ذلك36 قاعدة عسكرية أمريكية في أنحاء العالم, وتم استدعاء50 ألفا من جنود الاحتياط الأمريكي, واعتمد الكونجرس40 مليار دولار لتغطية تكلفة الحرب وتعويض ضحاياها, دون أن يعرف علي وجه الدقة العدو الحقيقي الذي ستوجه إليه المدافع والصواريخ والجيوش الجرارة في نهاية المطاف, وهو ما عبر عنه كولن باول وزير الخارجية ـ وهو القائد العسكري السابق ـ بقوله: إن الرد سيكون عسكريا, وآمل أن نتمكن من العثور علي أهدافنا!
لا غرابة والأمر كذلك أن يدعو رئيس وزراء بلجيكا الي تحديد الجناة أولا, لأن كل ما هو متوافر حتي الآن, هو شكوك وقرائن وربما أدلة أيضا, لكن ذلك كله لا يرقي الي مستوي الإدانة القاطعة, ومن ثم لا يمكن من الناحية السياسية ـ ناهيك عن القانونية ـ أن يشكل سندا لشن حرب بالحجم الذي تلوح به الولايات المتحدة.
الذين استطلعت رأيهم من خبراء وأساتذة القانون الدولي, مصابون بالدهشة والذهول من هذا الموقف, وقد وصفه الدكتور كمال أبوالمجد ـ وهو أحد قضاة الأمم المتحدة ـ بأنه تعبير عن الاستعلاء المتحكم الناشيء عن الإسراف في الشعور بالقوة, الأمر الذي يؤدي الي إهدار أبسط قواعد العدالة والمنطق في آن واحد.
القدر المتيقن أن ثمة استهجانا واسع النطاق للهجوم الإرهابي, ولكن الطريقة التي تم بها ذلك الهجوم تثير شكوكا قوية حول هوية الفاعلين, خصوصا أن الأداء في العملية يتجاوز بكثير سقف المحاولات التي قام بها بن لادن وجماعته, وهم المستهدفون الآن من الحرب المنتظرة, ذلك أن العملية تطلبت تنظيما خارقا كما ذكر بحق هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق, كما تطلبت مستوي رفيعا من الكفاءة الفنية في قيادة الطائرات, ناهيك عما توافر لها من خيال وابتكار واسعين, وهذه العناصر لم تتوافر من قبل في أي عملية ـ لم تجتمع إن شئت الدقة ـ في أي عملية قام بها منسوبون الي الشرق الأوسط خلال الأربعين سنة الأخيرة علي الأقل.
بسب ذلك, فلم يكن مستغربا أن يشير واحد من أبرز المتخصصين الفرنسيين في الإرهاب الدولي ـ فرانسوا داجوزان ـ الي احتمال أن تكون الميليشيات اليمينية الأمريكية ـ التي قام أحد عناصرها بتفجير المبني الفيدرالي في أوكلاهوما عام1995 مما أدي الي مصرع168 شخصا ـ وراء ذلك الهجوم الإرهابي,( صحيفة ليبراسيون9/13).. وقد عادت صحيفة لوموند في وقت لاحق الي إثارة تلك النقطة, حين ذكرت في عدد9/15 أنه من الضروري في التحقيقات, عدم استبعاد احتمال أن يكون هناك عمل منظم من داخل الولايات المتحدة ذاتها, وذكرت في هذا السياق بما جري في أوكلاهوما, مشيرة الي أن الفاعل فيها( تيموثي ماكفاي) كان ينتمي الي فئة أطلقت علي نفسها جماعة الكراهية, التي ضمت عددا من عناصر الجيش الأمريكي ذاته.
يضاف الي هذا وذاك, أن قائمة العرب المشتبه فيهم, التي وزعتها وزارة العدل الأمريكية كان19 شخصا لم يعرف ما اذا كانوا خاطفين للطائرات أم ركابا عاديين عليها.. هذه القائمة تضمنت أسماء ثلاثة أشخاص سعوديين, تبين أن أحدهم توفي منذ سنة, والثاني يعمل بالخطوط الجوية السعودية وقد أنهي تدريبه بالولايات المتحدة ثم عاد الي بلده, والثالث يعيش في جدة!
من ناحية أخري, فقد قرأت تقريرا في لوس أنجيلوس عن الخاطفين وزعته صحيفة يو.إس.إيه توداي ونشرته صحيفة الشرق الأوسط في9/15, ذكرت فيه كاتبته ـ لورا باركر ـ أن اثنين من خاطفي الطائرات قضيا ساعات طويلة في الليلة السابقة علي الهجوم الإرهابي, بأحد مطاعم المدينة في حالة من السعادة والنشوة, طبقا لرواية نادلة المطعم, حيث كانا يحتسيان الفودكا وشراب الروم, وقد استغربت كيف يمكن لاثنين من الإسلاميين المتطرفين أن يقضيا شطرا من الليل عشية مهمتهما الجهادية والاستشهادية وهما يعاقران الفودكا ومشروبا كحوليا آخر من العيار الثقيل مثل الروم؟!
(3)
الحدث كان جسيما بما فيه الكفاية, فالهجوم الذي تم علي رموز السيادة والقوة في الولايات المتحدة, ثم مقتل ألوف البشر الأبرياء وترويع ملايين غيرهم, لايمكن التهوين من شأنه, ويشكل صدمة هائلة لا ريب, حتي عند أمثالنا من المنكوبين بالعدوان الإسرائيلي والمملوئين غضبا لأن ذلك العدوان يتم بأسلحة أمريكية وبتأييد وتبرير أمريكيين, غير أن الخطاب السياسي الأمريكي لم يكتف بما توافر للحدث من جسامة وفداحة, فذهب الي تصويره بحسبانه هجوما علي الحرية والحضارة والحق والعدل, كما ذكر وزير الخارجية كولن باول, وأغلب الظن أنه تبني ذلك الخطاب لاستنفار العالم الغربي بأسره, الذي قد يصبح في هذه الحالة هدفا لمثل ذلك الهجوم الإرهابي, ورغم أن دول الغرب الأخري ـ في كندا واستراليا وأوروبا ـ قد استنفرت بالفعل, ولم تتردد في إعلان وقوفها وتضامنها مع الولايات المتحدة, إلا أن واشنطون آثرت أن تضع المواجهة تحت تلك العناوين الكبيرة, التي تمثل عودة غير مبررة الي مفردات زمن الحرب الباردة.
فكما كانت الشيوعية قابعة وراء دول الستار الحديدي, وتمثل تهديدا لدول العالم الحر فإنه يراد للمواجهة الراهنة أن تضع الإرهاب وقوي الظلام ـ والكلام لوزير الخارجية الأمريكي ـ في مواجهة الحرية والحضارة.... الخ, في الغرب.
دعك الآن من المسعي الإسرائيلي الخبيث واللحوح لإذكاء تلك الفكرة, ومحاولتها اثبات الحضور ضمن معسكر الحرية والحضارة وإيهام الجميع بأنها بدورها مستهدفة من جانب قوي الظلام لأن ما نريد أن نلفت الانتباه إليه شيء اخر, هو أن هذا الخطاب يعود بالولايات المتحدة سنوات الي الوراء, إذ يغريها بالسعي لقسمة العالم مرة أخري, مع تكريس موقعها في زعامة العالم الحر, وتلك أجواء تستصحب تناميا للقوي اليمينية داخل الولايات المتحدة, وتهديدا للحريات العامة والمدنية, الأمر الذي سيكون العرب والمسلمون في مقدمة ضحاياه, باعتبارهم منسوبين الي قوي الظلام المفترضة, وذلك ينذر بموجة جديدة من الإرهاب والعنصرية, قد لا تختلف كثيرا عما تعرض له اليابانيون في الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية.
(4)
يلفت النظر في المشهد أيضا, أننا كثيرا ما أخذنا علي الأمريكيين والغربيين بعامة, أنهم عادة ما يعممون الاتهام علي العرب والمسلمين كافة, اذا ارتكب واحد منسوب إليهم جرما في أي مكان بالعالم, وهذا صحيح, لأنه ما إن وقع التفجير في نيويورك وواشنطن حتي كانت له أصداؤه السريعة في مختلف الأقطار الغربية, فضلا عن الولايات المتحدة بطبيعة الحال, فأغلقت مدرسة للمسلمين في كندا, وألقيت قنبلة حارقة علي مسجد باستراليا, واعتدي بالضرب علي محجبات في لندن, وحطم مطعم يملكه أحد المسلمين في برلين, واخلت الشرطة مسجدا في لشبونة, واضطر بعض المسلمين الأتراك الي حلق لحاهم في هولندا!
ورغم أن جهود المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة نجحت بصورة نسبية في دفع الإدارة الأمريكية الي اتخاذ موقف متوازن, والدعوة الي منع المساس بالمسلمين أو مساجدهم, فضلا عن أن عمدة نيويورك وفر لهم حماية أمنهم, إلا أن ذلك لم يكن كافيا في وقف العدوان علي المسلمين الأمريكيين وعلي العرب بعامة.
المفارقة التي حدثت تتمثل في أن العرب والمسلمين, وهم يدينون ويستنكرون تعميم الاتهام عليهم, فإنهم تصرفوا في الواقع كما لو كانوا جميعا متهمين, ويتعين عليهم أن يغسلوا أيديهم ويعلنوا براءتهم من التهمة, وهو ما تبدي في التسابق الذي حدث علي استنكار ما جري من جانب كل ذي شأن, وفي الإلحاح عبر وسائل الإعلام المختلفة, علي أن الإسلام دين السلام, وأنه يرفض العنف وينهي ـ حتي في الحرب ـ عن المساس بالمدنيين الأبرياء...الخ.
تنافس الجميع في الاعتذار عن شيء لم يفعلوه ولم يكونوا طرفا فيه, بل لم يثبتت بشكل قاطع من الذي فعله, وحتي اذا ثبت مسئولية بعض المسلمين عما جري, فليس مفهوما لماذا لا يحاسب كل بجرمه, ولماذا تطالب كل فئة مسلمة بإعلان البراءة والتنصل من الفعل.
ليس ذلك فحسب, وإنما تصرف بعضنا كما لو أنه تعين علينا أن نحبس أنفاسنا وننفض أيدينا من كل شيء, انتظارا لرد الفعل الأمريكي, الذي لا نعرف مداه, ولسنا متأكدين من كل أهدافه, حتي إن مركز العودة الفلسطيني في لندن وزع تعميما أعلن فيه عن إلغاء ندوة كان قد أعلن عن عقدها في17 من شهر سبتمبر الحالي بمناسبة ذكري مذبحة صبرا وشاتيلا, بمقر كلية الدراسات الشرقية والإفريقية, كما أعلن المركز عن إلغاء مسيرة كان يفترض القيام بها في لندن في الثلاثين من شهر سبتمبر الحالي, احتفالا بمرور عام علي الانتفاضة, وهو ما فعلته جهات أخري مماثلة.
والأمر كذلك, فهل لنا أن نقول إننا بصدد طور جديد في العلاقات الدولية تفرض فيه الولايات المتحدة أجندتها علي الجميع, بحيث لا ننشغل إلا بهمومها, ولا نفرح ولا نحزن إلا لأفراحها وأتراحها؟!
(5)
نشر موقع إسلام أون لاين في9/13 رسائل متعددة لمسلمين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية, طالبوا فيها بتشكيل لجنة دولية للإشراف علي التحقيق فيما جري, ليس فقط باعتبار أن ضحايا التفجيرات بينهم عدد غير قليل من العرب والمسلمين الأمريكيين, أو الذين ينتمون الي جنسيات أخري, ولكن أيضا لأن المباحث الفيدرالية الأمريكية لها سوابق مشهودة في التأثير علي سير التحقيقات وتلفيق التهم, وتلبيسها لأطراف دون أخري, اقترحت فكرة لجنة التحقيق الدولية فتاة من الينوي اسمها إيمان محمد, أما الذين شككوا في دور المباحث الفيدرالية, فكان بينهم عاصف بيات ولارا جميل, وآخرون.
حين طالعت هذه الرسائل خطرت لي علي الفور قصة عالم الذرة الأمريكي, ذي الأصول الصينية, وان هو لي, الذي اتهم قبل سنتين بتسريب معلومات حول الأبحاث الذرية الأمريكية والتجسس لحساب وطنه الأصلي, وألقت المباحث الفيدرالية القبض عليه, بعد أن وجهت إليه59 تهمة, منها39 تهمة عقوبتها السجن مدي الحياة, فضح الرجل وقدمه الإعلام الأمريكي بحسبانه جاسوسا خطيرا عمل علي تهديد الأمن القومي, وما برح التليفزيون يبث صورته في كل مناسبة وهو مكبل بالسلاسل.
أمضي العالم الكبير تسعة أشهر في السجن, دمرت فيها حياته وأسرته, ولكن فريق المحامين الذي تولي الدفاع عنه نجح في اثبات تلفيق التهم له, وخداع المباحث الفيدرالية للقاضي الذي أمر بسجنه, وبين أن أنباء كانت قد تسربت عن إمكانية حدوث اختراق من قبل الصين للجدار الأمني في مختبر لوس الموس, أهم معقل للأبحاث النووية بالولايات المتحدة, وكان صاحبنا هذا الذي يعمل به صيدا ثمينا ومناسبا تماما لتلبيسه التهمة, ومن ثم وقف الحديث عن التسريب, ففعلوها دون تردد.
حين انكشف الأمر, ووضحت الحقيقة أمام القاضي جيمس باركر, فإنه أصدر أمره ببراءته وإطلاق سراحه فورا, ووجه لوما شديدا للمباحث الفيدرالية قائلا الي رجالها اخجلوا وأهانوا هذه الأمة وكل مواطن فيها.
قبل أيام كان مدير مكتب مجلة نيوزويك بالقاهرة يناقشني في ردود الفعل الأمريكي علي التفجيرات والهجوم, أبديت اعتراضا علي اللجوء الي القيام بعمل عسكري ضد بن لادن دون اثبات ضلوعه فيما جري, قال لي: إن الولايات المتحدة قد تكون لديها أدلة علي تورطه, وحين ذكرته بما جري للعالم الصيني وان هو لي, فإن الرجل ضحك ضحكة قصيرة وسكت!
مازلت غير قادر علي تصديق الذي رأته عيناي في نيويورك وواشنطون, علي شاشات التليفزيون يوم الثلاثاء الماضي, مع ذلك فلم تكن تلك هي المفاجأة الوحيدة, لأن ما توالي بعد ذلك من مشاهد ظل مسكونا بدرجات متفاوتة من العبثية, الأمر الذي جعل من الدهشة قاسما مشتركا أعظم بين الزلزال وتوابعه وأصدائه, حتي إشعار آخر علي الأقل.
(1)
الذي جري ما كان له أن يخطر علي قلب بشر, ولا يمكن أن يوصف بأقل من أنه حرب خاطفة, خسرت فيها الولايات المتحدة الجولة الأولي, التي فقدت فيها الهيبة والمكانة وتهشم وجه الدولة العظمي, ولو أن مخرجا سينمائيا كان قد استبق وصور هجوما من ذلك القبيل علي الولايات المتحدة, لاعتبر مغرقا في الخيال, ولاتهم بأنه غير مدرك لحقيقة وقدرات الدولة الكبري, بآلة الدولة الجبارة التي تملكها, وبالأسلحة المهولة التي تحت يدها, وبالمؤسسات التي ترصد دبيب النمل في العالم, ولا تفوتها شاردة, ولا واردة في الاتصالات الجارية بين الجهات الأربع, ثم بالأجهزة الأمنية التي تنفق سنويا ثلاثين بليون دولار, ويعمل بها عشرات الألوف من الخبراء والعملاء الذين يحفظون في جيوبهم أسرار الكون, ويمسكون بمفاتيح عالم الدسائس والمؤامرات وبحر الظلمات.
الدهشة ليست مقصورة علينا وحدنا, لكنها ترددت بقوة علي ألسنة كثيرين في داخل الولايات المتحدة ذاتها, من الرئيس الأسبق جورج بوش( الأب), الذي كان مديرا للمخابرات المركزية يوما ما, الي أعضاء الكونجرس ومسئولي لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ, حيث انعقد اجماع علي أن ما حدث يمثل فشلا ذريعا لكل الأجهزة المعنية, ليس له سابقة أو مثيل, ومنهم من قال إن ما جري أخطر من تدمير اليابانيين للأسطول الأمريكي في بيرل هاربر عام48( الذي ردت عليه واشنطون بقصف هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية), وذهبوا في ذلك الي أن تدمير الأسطول حدث خارج الولايات المتحدة, ولم يهدد كيانها ولم يروع شعبها, بينما الهجوم الأخير فعل كل ذلك.
عبرت الكاتبة الأمريكية مورين داود عن رأيها في المشهد قائلة: إن ما يثير القشعريرة حقا, هو ذلك العجز الذي بدا في الجهات التي يفترض فيها التخطيط والتحسب لاحتمال وقوع ما وقع, خصوصا أن ذلك العجز ظهر بعد سنوات من تكرار التحذيرات من احتمال حصول ما حصل( خدمة نيويورك تايمز في9/14).
ليس ذلك فحسب, وإنما بدا الارتباك واضحا في القيادة الأمريكية, الرئيس بوش اختفي بعض الوقت في قاعدة عسكرية, ولاحقا ذهب الي نيويورك ثم نقل نائبه تشيني الي منتجع كامب ديفيد, حتي لا يوجد الاثنان في مكان واحد, ووزير الخارجية أعلن أن بن لادن علي رأس المتهمين في العملية, لكن المدعي العام صرح بعد ذلك بأن التحقيقات لم تتوصل الي أسماء بذاتها في هذا الموضوع, وبعد ثلاثة أيام, أعلن الرئيس الأمريكي أن بن لادن هو المسئول, وفيما أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة اتفقت مع حلفائها علي توجيه ضربة عسكرية, اختلفت الأصداء لدي الحلفاء, فالاتحاد الأوروبي, دعا الي التريث في العمل العسكري, وباكستان طلبت أن يتم التدخل في إطار الأمم المتحدة, وليس من جانب الولايات المتحدة وحدها, أما رئيس وزراء بلجيكا فقد أثار نقطة أخطر, حيث طالب بتحديد هوية الجناة أولا!
(2)
هذه المسألة الأخيرة تعكس وجها آخر من وجوه العبثية في المشهد, لأن الرئيس الأمريكي أعلن حالة التأهب القصوي, واستنفرت لأجل ذلك36 قاعدة عسكرية أمريكية في أنحاء العالم, وتم استدعاء50 ألفا من جنود الاحتياط الأمريكي, واعتمد الكونجرس40 مليار دولار لتغطية تكلفة الحرب وتعويض ضحاياها, دون أن يعرف علي وجه الدقة العدو الحقيقي الذي ستوجه إليه المدافع والصواريخ والجيوش الجرارة في نهاية المطاف, وهو ما عبر عنه كولن باول وزير الخارجية ـ وهو القائد العسكري السابق ـ بقوله: إن الرد سيكون عسكريا, وآمل أن نتمكن من العثور علي أهدافنا!
لا غرابة والأمر كذلك أن يدعو رئيس وزراء بلجيكا الي تحديد الجناة أولا, لأن كل ما هو متوافر حتي الآن, هو شكوك وقرائن وربما أدلة أيضا, لكن ذلك كله لا يرقي الي مستوي الإدانة القاطعة, ومن ثم لا يمكن من الناحية السياسية ـ ناهيك عن القانونية ـ أن يشكل سندا لشن حرب بالحجم الذي تلوح به الولايات المتحدة.
الذين استطلعت رأيهم من خبراء وأساتذة القانون الدولي, مصابون بالدهشة والذهول من هذا الموقف, وقد وصفه الدكتور كمال أبوالمجد ـ وهو أحد قضاة الأمم المتحدة ـ بأنه تعبير عن الاستعلاء المتحكم الناشيء عن الإسراف في الشعور بالقوة, الأمر الذي يؤدي الي إهدار أبسط قواعد العدالة والمنطق في آن واحد.
القدر المتيقن أن ثمة استهجانا واسع النطاق للهجوم الإرهابي, ولكن الطريقة التي تم بها ذلك الهجوم تثير شكوكا قوية حول هوية الفاعلين, خصوصا أن الأداء في العملية يتجاوز بكثير سقف المحاولات التي قام بها بن لادن وجماعته, وهم المستهدفون الآن من الحرب المنتظرة, ذلك أن العملية تطلبت تنظيما خارقا كما ذكر بحق هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق, كما تطلبت مستوي رفيعا من الكفاءة الفنية في قيادة الطائرات, ناهيك عما توافر لها من خيال وابتكار واسعين, وهذه العناصر لم تتوافر من قبل في أي عملية ـ لم تجتمع إن شئت الدقة ـ في أي عملية قام بها منسوبون الي الشرق الأوسط خلال الأربعين سنة الأخيرة علي الأقل.
بسب ذلك, فلم يكن مستغربا أن يشير واحد من أبرز المتخصصين الفرنسيين في الإرهاب الدولي ـ فرانسوا داجوزان ـ الي احتمال أن تكون الميليشيات اليمينية الأمريكية ـ التي قام أحد عناصرها بتفجير المبني الفيدرالي في أوكلاهوما عام1995 مما أدي الي مصرع168 شخصا ـ وراء ذلك الهجوم الإرهابي,( صحيفة ليبراسيون9/13).. وقد عادت صحيفة لوموند في وقت لاحق الي إثارة تلك النقطة, حين ذكرت في عدد9/15 أنه من الضروري في التحقيقات, عدم استبعاد احتمال أن يكون هناك عمل منظم من داخل الولايات المتحدة ذاتها, وذكرت في هذا السياق بما جري في أوكلاهوما, مشيرة الي أن الفاعل فيها( تيموثي ماكفاي) كان ينتمي الي فئة أطلقت علي نفسها جماعة الكراهية, التي ضمت عددا من عناصر الجيش الأمريكي ذاته.
يضاف الي هذا وذاك, أن قائمة العرب المشتبه فيهم, التي وزعتها وزارة العدل الأمريكية كان19 شخصا لم يعرف ما اذا كانوا خاطفين للطائرات أم ركابا عاديين عليها.. هذه القائمة تضمنت أسماء ثلاثة أشخاص سعوديين, تبين أن أحدهم توفي منذ سنة, والثاني يعمل بالخطوط الجوية السعودية وقد أنهي تدريبه بالولايات المتحدة ثم عاد الي بلده, والثالث يعيش في جدة!
من ناحية أخري, فقد قرأت تقريرا في لوس أنجيلوس عن الخاطفين وزعته صحيفة يو.إس.إيه توداي ونشرته صحيفة الشرق الأوسط في9/15, ذكرت فيه كاتبته ـ لورا باركر ـ أن اثنين من خاطفي الطائرات قضيا ساعات طويلة في الليلة السابقة علي الهجوم الإرهابي, بأحد مطاعم المدينة في حالة من السعادة والنشوة, طبقا لرواية نادلة المطعم, حيث كانا يحتسيان الفودكا وشراب الروم, وقد استغربت كيف يمكن لاثنين من الإسلاميين المتطرفين أن يقضيا شطرا من الليل عشية مهمتهما الجهادية والاستشهادية وهما يعاقران الفودكا ومشروبا كحوليا آخر من العيار الثقيل مثل الروم؟!
(3)
الحدث كان جسيما بما فيه الكفاية, فالهجوم الذي تم علي رموز السيادة والقوة في الولايات المتحدة, ثم مقتل ألوف البشر الأبرياء وترويع ملايين غيرهم, لايمكن التهوين من شأنه, ويشكل صدمة هائلة لا ريب, حتي عند أمثالنا من المنكوبين بالعدوان الإسرائيلي والمملوئين غضبا لأن ذلك العدوان يتم بأسلحة أمريكية وبتأييد وتبرير أمريكيين, غير أن الخطاب السياسي الأمريكي لم يكتف بما توافر للحدث من جسامة وفداحة, فذهب الي تصويره بحسبانه هجوما علي الحرية والحضارة والحق والعدل, كما ذكر وزير الخارجية كولن باول, وأغلب الظن أنه تبني ذلك الخطاب لاستنفار العالم الغربي بأسره, الذي قد يصبح في هذه الحالة هدفا لمثل ذلك الهجوم الإرهابي, ورغم أن دول الغرب الأخري ـ في كندا واستراليا وأوروبا ـ قد استنفرت بالفعل, ولم تتردد في إعلان وقوفها وتضامنها مع الولايات المتحدة, إلا أن واشنطون آثرت أن تضع المواجهة تحت تلك العناوين الكبيرة, التي تمثل عودة غير مبررة الي مفردات زمن الحرب الباردة.
فكما كانت الشيوعية قابعة وراء دول الستار الحديدي, وتمثل تهديدا لدول العالم الحر فإنه يراد للمواجهة الراهنة أن تضع الإرهاب وقوي الظلام ـ والكلام لوزير الخارجية الأمريكي ـ في مواجهة الحرية والحضارة.... الخ, في الغرب.
دعك الآن من المسعي الإسرائيلي الخبيث واللحوح لإذكاء تلك الفكرة, ومحاولتها اثبات الحضور ضمن معسكر الحرية والحضارة وإيهام الجميع بأنها بدورها مستهدفة من جانب قوي الظلام لأن ما نريد أن نلفت الانتباه إليه شيء اخر, هو أن هذا الخطاب يعود بالولايات المتحدة سنوات الي الوراء, إذ يغريها بالسعي لقسمة العالم مرة أخري, مع تكريس موقعها في زعامة العالم الحر, وتلك أجواء تستصحب تناميا للقوي اليمينية داخل الولايات المتحدة, وتهديدا للحريات العامة والمدنية, الأمر الذي سيكون العرب والمسلمون في مقدمة ضحاياه, باعتبارهم منسوبين الي قوي الظلام المفترضة, وذلك ينذر بموجة جديدة من الإرهاب والعنصرية, قد لا تختلف كثيرا عما تعرض له اليابانيون في الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية.
(4)
يلفت النظر في المشهد أيضا, أننا كثيرا ما أخذنا علي الأمريكيين والغربيين بعامة, أنهم عادة ما يعممون الاتهام علي العرب والمسلمين كافة, اذا ارتكب واحد منسوب إليهم جرما في أي مكان بالعالم, وهذا صحيح, لأنه ما إن وقع التفجير في نيويورك وواشنطن حتي كانت له أصداؤه السريعة في مختلف الأقطار الغربية, فضلا عن الولايات المتحدة بطبيعة الحال, فأغلقت مدرسة للمسلمين في كندا, وألقيت قنبلة حارقة علي مسجد باستراليا, واعتدي بالضرب علي محجبات في لندن, وحطم مطعم يملكه أحد المسلمين في برلين, واخلت الشرطة مسجدا في لشبونة, واضطر بعض المسلمين الأتراك الي حلق لحاهم في هولندا!
ورغم أن جهود المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة نجحت بصورة نسبية في دفع الإدارة الأمريكية الي اتخاذ موقف متوازن, والدعوة الي منع المساس بالمسلمين أو مساجدهم, فضلا عن أن عمدة نيويورك وفر لهم حماية أمنهم, إلا أن ذلك لم يكن كافيا في وقف العدوان علي المسلمين الأمريكيين وعلي العرب بعامة.
المفارقة التي حدثت تتمثل في أن العرب والمسلمين, وهم يدينون ويستنكرون تعميم الاتهام عليهم, فإنهم تصرفوا في الواقع كما لو كانوا جميعا متهمين, ويتعين عليهم أن يغسلوا أيديهم ويعلنوا براءتهم من التهمة, وهو ما تبدي في التسابق الذي حدث علي استنكار ما جري من جانب كل ذي شأن, وفي الإلحاح عبر وسائل الإعلام المختلفة, علي أن الإسلام دين السلام, وأنه يرفض العنف وينهي ـ حتي في الحرب ـ عن المساس بالمدنيين الأبرياء...الخ.
تنافس الجميع في الاعتذار عن شيء لم يفعلوه ولم يكونوا طرفا فيه, بل لم يثبتت بشكل قاطع من الذي فعله, وحتي اذا ثبت مسئولية بعض المسلمين عما جري, فليس مفهوما لماذا لا يحاسب كل بجرمه, ولماذا تطالب كل فئة مسلمة بإعلان البراءة والتنصل من الفعل.
ليس ذلك فحسب, وإنما تصرف بعضنا كما لو أنه تعين علينا أن نحبس أنفاسنا وننفض أيدينا من كل شيء, انتظارا لرد الفعل الأمريكي, الذي لا نعرف مداه, ولسنا متأكدين من كل أهدافه, حتي إن مركز العودة الفلسطيني في لندن وزع تعميما أعلن فيه عن إلغاء ندوة كان قد أعلن عن عقدها في17 من شهر سبتمبر الحالي بمناسبة ذكري مذبحة صبرا وشاتيلا, بمقر كلية الدراسات الشرقية والإفريقية, كما أعلن المركز عن إلغاء مسيرة كان يفترض القيام بها في لندن في الثلاثين من شهر سبتمبر الحالي, احتفالا بمرور عام علي الانتفاضة, وهو ما فعلته جهات أخري مماثلة.
والأمر كذلك, فهل لنا أن نقول إننا بصدد طور جديد في العلاقات الدولية تفرض فيه الولايات المتحدة أجندتها علي الجميع, بحيث لا ننشغل إلا بهمومها, ولا نفرح ولا نحزن إلا لأفراحها وأتراحها؟!
(5)
نشر موقع إسلام أون لاين في9/13 رسائل متعددة لمسلمين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية, طالبوا فيها بتشكيل لجنة دولية للإشراف علي التحقيق فيما جري, ليس فقط باعتبار أن ضحايا التفجيرات بينهم عدد غير قليل من العرب والمسلمين الأمريكيين, أو الذين ينتمون الي جنسيات أخري, ولكن أيضا لأن المباحث الفيدرالية الأمريكية لها سوابق مشهودة في التأثير علي سير التحقيقات وتلفيق التهم, وتلبيسها لأطراف دون أخري, اقترحت فكرة لجنة التحقيق الدولية فتاة من الينوي اسمها إيمان محمد, أما الذين شككوا في دور المباحث الفيدرالية, فكان بينهم عاصف بيات ولارا جميل, وآخرون.
حين طالعت هذه الرسائل خطرت لي علي الفور قصة عالم الذرة الأمريكي, ذي الأصول الصينية, وان هو لي, الذي اتهم قبل سنتين بتسريب معلومات حول الأبحاث الذرية الأمريكية والتجسس لحساب وطنه الأصلي, وألقت المباحث الفيدرالية القبض عليه, بعد أن وجهت إليه59 تهمة, منها39 تهمة عقوبتها السجن مدي الحياة, فضح الرجل وقدمه الإعلام الأمريكي بحسبانه جاسوسا خطيرا عمل علي تهديد الأمن القومي, وما برح التليفزيون يبث صورته في كل مناسبة وهو مكبل بالسلاسل.
أمضي العالم الكبير تسعة أشهر في السجن, دمرت فيها حياته وأسرته, ولكن فريق المحامين الذي تولي الدفاع عنه نجح في اثبات تلفيق التهم له, وخداع المباحث الفيدرالية للقاضي الذي أمر بسجنه, وبين أن أنباء كانت قد تسربت عن إمكانية حدوث اختراق من قبل الصين للجدار الأمني في مختبر لوس الموس, أهم معقل للأبحاث النووية بالولايات المتحدة, وكان صاحبنا هذا الذي يعمل به صيدا ثمينا ومناسبا تماما لتلبيسه التهمة, ومن ثم وقف الحديث عن التسريب, ففعلوها دون تردد.
حين انكشف الأمر, ووضحت الحقيقة أمام القاضي جيمس باركر, فإنه أصدر أمره ببراءته وإطلاق سراحه فورا, ووجه لوما شديدا للمباحث الفيدرالية قائلا الي رجالها اخجلوا وأهانوا هذه الأمة وكل مواطن فيها.
قبل أيام كان مدير مكتب مجلة نيوزويك بالقاهرة يناقشني في ردود الفعل الأمريكي علي التفجيرات والهجوم, أبديت اعتراضا علي اللجوء الي القيام بعمل عسكري ضد بن لادن دون اثبات ضلوعه فيما جري, قال لي: إن الولايات المتحدة قد تكون لديها أدلة علي تورطه, وحين ذكرته بما جري للعالم الصيني وان هو لي, فإن الرجل ضحك ضحكة قصيرة وسكت!